الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مشدودة على الرأس بخيوط، وأن شعره ينقسم إلى عقاص، ومثنى، ومرسل، والأول يغيب فى الأخيرين. والغرض بيان كثرة الشعر.
[الضابط في التنافر]
والضابط هاهنا: أن كل ما يعده الذوق الصحيح ثقيلا
…
===
وقوله: وأن شعره عطف على ذوائبه فالضمير للفرع أيضا، والقول بأنه للرأس فيه تشتيت للضمائر ويؤول للرجوع للفرع، إذ المقصود تقسيم مطلق الشعر فلا وهم فى رجوعه للفرع كما لا يخفى، وفى كلامه إشعار بأن العقاص هى الغدائر بعد أن شدت لا غيرها
(قوله: مشدودة على الرأس) أى: فى وسطها بخيوط ومجموعة كالرمانة وأخذ الشد بخيوط من قوله فى البيت: مستشزرات خصوصا إذا قرىء على صيغة اسم المفعول ومن العقاص؛ لأن العقيصة شعر ذو عقاص وهو الخيط الذى يربط به أطراف الذوائب كما فى المجمل.
(قوله: إلى عقاص) أى: وهى الغدائر، وحينئذ فالشعر منقسم إلى أقسام ثلاثة لا أربعة خلافا لما يوهمه ظاهر البيت من أن القسمة رباعية غدائر وعقائص ومثنى ومرسل، لكن قد علمت أن الغدائر والعقائص والذوائب بمعنى واحد.
كما أفاده شيخنا العلامة العدوى، وفى حواشى المطول كلام آخر غير هذا
(قوله: والغرض إلخ) أى: فليس المراد بهذا الكلام مجرد الإخبار فهو إما تعريض إن استعمل فى حقيقته وهو الأخبار ملوّحا به لهذا الغرض- أعنى: بيان كثرة الشعر- أو كناية إن أريد اللازم.
(قوله: والضابط هاهنا) أى: لتنافر الحروف، وحاصله أن الضابط المعول عليه فى ضبط تنافر الحروف الذوق وهو قوة يدرك بها لطائف الكلام ووجوه تحسينه، فكل ما عده الذوق ثقيلا متعسر النطق به كان ثقيلا، وما لا فلا، خلافا لمن قال: الضابط المعول عليه فى ضبط التنافر بعد المخارج ولمن قال: قربها؛ لأن كلا منهما لا يطرد؛ لأنّا نجد عدم التنافر مع قرب المخرج كالجيش والشجى، ومع بعده كعلم بخلاف ملع أى:
أسرع، فقرب المخارج وبعدها كل منهما غير مطرد فلا يكون واحد منهما ضابطا معولا عليه، ولا يقال إن عدم الثقل فى علم وإن كانت المخارج فيه متباعدة، بخلاف ملع لأن الإخراج من الحلق إلى الشفة أيسر من الإدخال من الشفة إلى الحلق؛ لأنا نقول هذا لا يتم لما نجده من حسن حلم وملح وغلب وبلغ
(قوله: أن كل ما يعده الذوق الصحيح)
متعسر النطق به فهو متنافر سواء كان من قرب المخارج أو بعدها أو غير ذلك؛ على ما صرح به ابن الأثير فى المثل السائر. وزعم بعضهم أن منشأ الثقل فى مستشزرات هو توسط الشين المعجمة التى هى من المهموسة الرخوة بين التاء التى هى من المهموسة الشديدة، والزاى المعجمة التى هى من المجهورة.
===
أى: من الحروف. (وقوله: متعسر النطق به) لازم لما قبله. (وقوله: سواء كان) أى ثقله
(قوله: أو غير ذلك) أى: كوقوع حرف بين حرفين مضاد لكل واحد منهما بصفة، كوقوع الشين بين التاء والزاى كما يأتى بيانه
(قوله: فى المثل السائر)(1) هو اسم كتاب فى اللغة
(قوله: وزعم بعضهم) هو الخلخالى كما قاله الفنرى
(قوله: أن منشأ الثقل فى مستشزرات إلخ) أى: وأما على الأول فمنشأ الثقل فيها اجتماع هذه الحروف المخصوصة، والحاكم بثقلها الذوق
(قوله: التى هى من المهموسة إلخ) اعلم أن الحروف بالنسبة للجهر والهمس تنقسم إلى قسمين مهموسة ومجهورة، وبالنسبة إلى الشدة والرخاوة تنقسم إلى ثلاثة أقسام شديدة ورخوة ومتوسطة بينهما، فالحروف المهموسة عشرة يجمعها قولك:(فحثه شخص سكت) سميت بذلك؛ لأن الهمس لغة: الخفاء، والنفس يخفى مع هذه الحروف لجريانه معها، لضعف الاعتماد عليها فى مخارجها، والحروف المجهورة ما عدا هذه الحروف. سميت مجهورة؛ لأن الجهر لغة الإظهار والنفس يمتنع أن يجرى معها لقوة الاعتماد عليها فى مخارجها والشديدة حروف ثمانية يجمعها قولك:(أجد قط بكت) سميت بذلك لمنعها النفس أن يجرى معها لقوتها فى مخارجها، والرخوة ثلاثة عشر حرفا: هى ما عدا هذه الحروف وما عدا حروف (لن عمر) وهى المتوسطة بين الرخاوة والشدة، وإنما سميت الأولى رخوة؛ لأن الرخاوة لغة اللين والنفس يجرى معها حتى لانت عند النطق وإنما سميت الثانية متوسطة؛ لأن النفس لا ينحبس معها انحباس الشديدة ولم يجر معها جريانه مع الرخوة، إذا علمت هذا فاعلم أن الشين اتصفت بالهمس والرخاوة، والتاء قبلها اتصفت بالهمس والشدة فقد اشتركا فى الهمس
(1) انظر المثل السائر (1/ 189) لابن الأثير.
ولو قال: مستشرف لزال ذلك الثقل؛ وفيه نظر؛ لأن الراء المهملة أيضا من المجهورة
…
===
واختلفا فى الشدة والرخاوة، والضرر جاء من اختلافهما، وكذلك شاركت الشين الزاى فى الرخاوة واختلفا فى الهمس والجهر، والضرر جاء من اختلافهما، فالحاصل أن الشين اتصفت بصفتين ضاربت بإحداهما ما قبلها وضاربت بالأخرى ما بعدها، وبهذا ظهر أنه لا حاجة لوصف الشارح التاء بالهمس. فكان الأولى الاقتصار على الشدة؛ لأن الضرر بها كما اقتصر فى الزاى على الوصف الذى به الضرر وهو الجهر وترك الرخاوة.
(قوله: ولو قال مستشرف) الأولى مستشرفات؛ لأن البيت لا يتزن إلا به على تقدير إبدال (مستشزرات) به، إلا أن يقال: إن ذلك القائل إنما التفت لأصل المادة
(قوله: وفيه نظر) أى: فى هذا الزعم نظر فهو رد للكلام من أصله لا لقوله، ولو قال:
إلخ، وحاصله أن علة الثقل التى ذكرتها وهى مضاربة الحرف المتوسط بين حرفين لما قبله ولما بعده فى الصفة موجودة فى مستشرف أيضا، فيجب أن يكون متنافرا أيضا، وأنت لا تقول إنه ثقيل؛ لأنك قلت: ولو قال مستشرف لزال ذلك الثقل
(قوله: لأن الراء المهملة أيضا من المجهورة) أى: فهى كالزاى وإن كانت الزاى رخوة والراء المهملة متوسطة بين الرخوة والشديدة، فالشين كما ضاربت الزاى المعجمة بالجهرية تضارب الراء المهملة بذلك الوصف أيضا؛ لأن كلا منهما مجهور والشين مهموسة، وأجاب بعضهم عن هذا النظر بأن مراد هذا القائل أن النقل ناشيء من اجتماع الشين مع التاء والزاى، بمعنى: أن منشأ الثقل هو اجتماع هذه الحروف المخصوصة، والحاكم بذلك الثقل هو الذوق، ويرشدك لهذا قوله: ولو قال مستشرف لزال ذلك الثقل، لانتفاء هذه الحروف المخصوصة، فهو قائل بما قاله ابن الأثير. وفى هذا الجواب نظر. إذ لو كان مراد هذا الزاعم ما ذكر، لكان توصيفه للحروف بيان أنواعها لغوا صرفا لا فائدة فيه.
كما لا يخفى على الذوق السليم، وإنما المستفاد من كلام هذا الزاعم هو ما ذكره الشارح المحقق. نعم يمكن الجواب عن هذا القائل بأن يقال: إن الراء المهملة فى مستشرف وإن كانت من المجهورة إلا أن مجاورة الفاء التى هى من حروف الذلاقة أزالت
وقيل إن قرب المخارج سبب للثقل المخل بالفصاحة، وأن فى قوله تعالى:
أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ (1) ثقلا قريبا من المتناهى فيخل بفصاحة الكلمة، لكن الكلام الطويل المشتمل على كلمة غير فصيحة لا يخرج عن الفصاحة؛
…
===
الثقل الحاصل من توسط الشين بين ما ذكر- فتأمل.
(قوله: وقيل إن قرب المخارج إلخ) قائله العلامة الزوزنى
(قوله: إن قرب المخارج سبب للثقل) أى: ولا شك أن حروف مستشزرات متقاربة المخارج فلذا كانت ثقيلة
(قوله: وأن فى قوله تعالى إلخ) بالكسر عطفا على أن قرب المخارج فهو من جملة مقول القول
(قوله: ثقلا) أى: لما فيها من قرب المخارج.
(وقوله: قريبا من المتناهى) أى: من الثقل المتناهى. أى: وأما المتناهى فنحو الهعخع- بكسر الهاء وسكون العين المهملة وكسر الخاء المعجمة وفتحها، فى قول أعرأبى سئل عن ناقته" تركتها ترعى الهعخع أى: نبتا أسود، وإنما كان أعهد ثقله قريبا من المتناهى، وثقل الهعخع متناهيا؛ لأن الأول جمع فيه بين ما يخرج من أقصى الحلق وهو الهمزة والهاء، وما يخرج من وسطه وهو العين والثانى جمع فيه بين ما يخرج من أقصى الحلق وهو الهاء، وما يخرج من وسطه وهو العين، وما يخرج من أدناه وهو الخاء، ثم إن هذا الذى قاله الزوزنى لا يخالف ما قلناه سابقا من أن التنافر لا يخل بالفصاحة إلا إذا كان شديدا، بحيث تصير الكلمة على اللسان كالحمل، وأما أصل التنافر فلا يخل، وذلك لأن كلام الزوزنى يقتضى أنه لا بد أن يكون التنافر متناهيا أو قريبا منه كما فى أَلَمْ أَعْهَدْ فيعلم منه أنه لا بد أن يكون شديدا بحيث تصير الكلمة كالحمل على اللسان، وأما أصل التنافر فلا يخل بالفصاحة وهذا هو عين ما قلناه
(قوله: لكن الكلام إلخ) هذا جواب منه عما يقال: يلزم على هذا أعنى: كون: (ألم أعهد) غير فصيحة أن سورة من القرآن وهى سورة يس غير فصيحة، وهذا باطل، وقوله الكلام الطويل أى كالسورة والقرآن
(قوله: لا يخرج عن الفصاحة) أى: بل هو متصف بها.
(1) يس: 60.
كما لا يخرج الكلام الطويل المشتمل على كلمة غير عربية عن أن يكون عربيا؛ وفيه نظر؛ لأن فصاحة الكلمات مأخوذة فى تعريف فصاحة الكلام من غير تفرقة بين طويل وقصير، على أن هذا القائل فسر الكلام بما ليس بكلمة
…
===
(قوله: كما لا يخرج الكلام الطويل المشتمل على كلمة غير عربية عن أن يكون عربيّا) وذلك كالقرآن فإنه عربي. قال تعالى: إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا (1) وقد اشتمل على كلمات غير عربية كالقسطاس فإنها كلمة رومية: اسم للميزان، وكالسجل فإنه كلمة فارسية: اسم للصحيفة، وكالمشكاة فإنها كلمة هندية: اسم للطاقة التى لا تنفذ كسنبلة القنديل، ومع اشتماله على تلك الكلمات الغير عربية لم يخرج عن كونه عربيّا كما تشهد له الآية
(قوله: وفيه نظر) أى: فى ذلك القيل نظر من حيث ما اشتمل عليه من الدعوة المشار إليها بقوله: لكن الكلام الطويل إلخ، والقياس المشار إليه بقوله كما لا يخرج إلخ، وحاصل ما ذكره من رد الدعوة التى أجاب بها عن السؤال المقدر أن ما ادعيته من أن الكلام الطويل المشتمل على كلمة غير فصيحة لا يخرج عن كونه فصيحا لا يسلم، بل هو خارج عن كونه فصيحا؛ لأن فصاحة الكلمات مأخوذة فى تعريف فصاحة الكلام من غير تفرقة بين طويل وقصير، فيلزم من انتفاء الأولى انتفاء الثانية، وحينئذ فقد بطلت الدعوة القائلة، لكن الكلام الطويل إلخ.
(قوله: على أن هذا القائل) أى: بأن الكلام الطويل المشتمل على كلمة غير فصيحة لا يخرج عن الفصاحة وهو الزوزني: قد فسر الكلام. أى: فى قول المصنف سابقا يوصف بها المفرد، والكلام بما ليس بكلمة.
أى: وحينئذ فالقول بوجود كلمة غير فصيحة فى كلام فصيح على تفسيره أكثر فسادا من ذلك القول على تفسير الشارح، فالفساد لازم له فى شيئين المركب التام والمركب الناقص إذا اشتمل كل منهما على كلمة غير فصيحة؛ لأن فصاحة الكلمات شرط فى فصاحة الكلام اتفاقا، وهو قد أدخل المركب الناقص فى الكلام بخلاف القول المذكور على تفسير الشارح: الكلام بالمركب التام، فإن الفساد إنما يوجد فى المركب التام المشتمل على كلمة غير فصيحة، وأما المركب
(1) يوسف: 2.
والقياس على الكلام العربى ظاهر الفساد. ولو سلم عدم خروج السورة عن الفصاحة فمجرد اشتمال القرآن على كلام غير فصيح،
…
===
الناقص فلا يوجد فيه هذا الفساد؛ لأنه لم يشترط فى فصاحته فصاحة كلماته، فإذا اشتمل على كلمة غير فصيحة صح أن يقال عليه إنه فصيح، فقد وجد على هذا التفسير كلام فى الجملة فصيح بدون فصاحة الكلمات بخلافه على الأول، فإنه لا يوجد ذلك أصلا
(قوله: والقياس على الكلام إلخ) حاصله أن هذا القائل قاس وقوع كلمة غير فصيحة فى كلام فصيح على وقوع كلمة غير عربية فى القرآن العربى لقوله تعالى إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا وردّ عليه بأن هذا القياس فاسد؛ لأن القرآن لم يشتمل على كلمات غير عربية والكلمات القرآنية التى قيل فيها إنها رومية أو فارسية أو هندية توافقت فيها اللغات كالصابون والتنور، ولو سلم أنها غير عربية، فلا نسلم أن القرآن كله عربى والضمير فى قوله: إِنَّا أَنْزَلْناهُ عائد على القرآن بمعنى السورة، وإطلاق القرآن على البعض شائع، كقول الفقهاء:" يحرّم على الجنب قراءة القرآن".
سلمنا أن الضمير راجع للقرآن بتمامه، فلا نسلم أنه عربى باعتبار غالب الأجزاء كما زعم هذا القائل، بل عربيته باعتبار الأسلوب والتركيب من تقديم المضاف على المضاف إليه، وتقديم الموصوف على الصفة، سلمنا أن عربيته باعتبار غالب الأجزاء كما قال هذا القائل، فلا نسلم صحة القياس؛ لأنه قياس مع الفارق؛ لأنه اشترط فى فصاحة الكلام فصاحة الكلمات، ولم يشترط فى عربية الكلام عربية الكلمات، بل يكفى فى نسبة المجموع إلى العرب كون أكثره على لغتهم
(قوله: ولو سلم إلخ) هذا تسليم للدعوى أى: سلمنا ما ادعيته من أن السورة لا تخرج عن الفصاحة مع اشتمالها على كلمة غير فصيحة، لكن يلزمك شىء آخر وهو وقوع شىء غير فصيح فى القرآن، وهو باطل إذ اشتمال القرآن على شىء غير فصيح مما يقود إلى نسبة الجهل أو العجز إلى الله، لكن نسبتهما إلى الله باطلة، فبطل اشتماله على ما ذكر، فبطل ما قاله ذلك القائل من قوله لكن اشتمال إلخ.
(قوله: فمجرد اشتمال القرآن على كلام غير فصيح) أى: وإن لم يخرجه ذلك الاشتمال عن الفصاحة على هذا التقدير،