المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[العطف على المسند إليه]: - حاشية الدسوقي على مختصر المعاني - جـ ١

[محمد بن أحمد الدسوقي]

فهرس الكتاب

- ‌تقديم

- ‌ترجمة جلال الدين القزوينى صاحب" التلخيص

- ‌اسمه ونسبه:

- ‌ولادته ونشأته:

- ‌صفته:

- ‌طلبه للعلم ومشايخه:

- ‌مصنفاته:

- ‌وفاته:

- ‌ترجمة سعد الدين التفتازاني صاحب" مختصر السعد شرح التلخيص

- ‌مولده:

- ‌منزلته وشهرته:

- ‌مصنفاته:

- ‌مذهبه الفقهي:

- ‌عبقرية التفتازاني:

- ‌ذكر وفاته- رحمه الله تعالى

- ‌كتاب" مختصر السعد

- ‌ترجمة محمد بن عرفة الدسوقى صاحب" حاشية الدسوقى

- ‌اسمه وكنيته

- ‌مولده وحياته:

- ‌صفاته:

- ‌شيوخه:

- ‌تلاميذه:

- ‌ وفاته

- ‌مؤلفاته:

- ‌منهج التحقيق

- ‌مقدمة مختصر السعد

- ‌كلمة الافتتاح للدسوقي

- ‌[القول فى البسملة]:

- ‌[القول فى الحمد]:

- ‌[الكلام فى الشكر]:

- ‌[مقدمة فى بيان معنى الفصاحة والبلاغة]:

- ‌[المقدمه ما هي

- ‌ الفصاحة

- ‌[تقسيم الفصاحة بالمفرد والكلام]

- ‌[يوصف المتكلم بالفصاحه كما يوصف بها الكلام]

- ‌[البلاغة]

- ‌[يوصف الكلام والمتكلم بالبلاغه]

- ‌[الفصاحه في المفرد خلوها عن]

- ‌[عن التنافر]

- ‌[الضابط في التنافر]

- ‌[والغرابه]

- ‌[والمخالفة]

- ‌[من الكراهة فى السمع]

- ‌[الفصاحة فى الكلام خلوها عن: ]

- ‌[الضعف]

- ‌[(والتعقيد)]

- ‌بلاغة الكلام

- ‌[تعريف الحال]

- ‌[مقتضى الحال]

- ‌ أعلى

- ‌لبلاغة الكلام (طرفان:

- ‌[أسفل]

- ‌بلاغة المتكلم

- ‌الفن الأول علم المعاني

- ‌[عله تقديمه علي البيان]

- ‌[تعريف علم المعاني]

- ‌[انحصار الخبر فى الصادق والكاذب]:

- ‌تنبيه حول «تنبيه»

- ‌[الباب الاول] (أحوال الإسناد الخبرى):

- ‌[الحقيقة والمجاز العقليان]:

- ‌[المجاز العقلي]:

- ‌[أقسام المجاز العقلي]:

- ‌[[الباب الثانى] أحوال المسند إليه]:

- ‌ ذكر المسند إليه

- ‌‌‌[تعريف المسند اليه]

- ‌[تعريف المسند اليه]

- ‌[أغراض التعريف]:

- ‌[تعريفه بالإضمار]:

- ‌[تعريفه بالعلمية]:

- ‌[تعريفه بالموصولية]:

- ‌[تعريفه بالإشارة]:

- ‌ تعريف المسند إليه باللام

- ‌ تعريف المسند إليه بالإضافة

- ‌[أغراض التنكير]:

- ‌ تنكير المسند إليه

- ‌أغراض الوصف

- ‌[أغراض التوكيد]:

- ‌[أغراض عطف البيان]

- ‌[بيان المسند إليه]:

- ‌[أغراض البدل]:

- ‌[الإبدال من المسند إليه]:

- ‌[أغراض العطف]:

- ‌[العطف على المسند إليه]:

- ‌[أغراض ضمير الفصل]:

- ‌[أغراض التقديم]:

- ‌ تقديم المسند إليه

- ‌[رأى عبد القاهر]:

- ‌[موافقة السكاكى لرأى عبد القاهر]:

- ‌ تأخير المسند إليه

- ‌[تخريج المسند إليه على خلاف مقتضى الظاهر]

- ‌[وضع المضمر موضع المظهر]:

- ‌[إخراج الكلام على خلاف مقتضى الظاهر]:

- ‌[التعبير بالمستقبل بلفظ الماضى]:

- ‌خاتمة

الفصل: ‌[العطف على المسند إليه]:

[أغراض العطف]:

(وأما العطف) أى: جعل الشىء معطوفا على المسند إليه (فلتفصيل المسند إليه مع اختصار، نحو: جاءنى زيد وعمرو) فإن فيه تفصيلا للفاعل بأنه زيد وعمرو من غير دلالة على تفصيل الفعل بأن المجيئين كانا معا، أو مرتبين مع مهلة، أو بلا مهلة، واحترز بقوله: مع اختصار عن نحو: جاءنى زيد وجاءنى عمرو فإن فيه تفصيلا للمسند إليه مع أنه ليس من عطف المسند إليه، بل من عطف الجمل،

===

وتعالى، وقد يفرق بقوة المعطوف بل بسبب تعلق القصد أولا بالمعطوف عليه وضعف بدل الغلط بسبب عدم تعلق القصد به- تأمل.

[العطف على المسند إليه]:

(قوله: أى جعل الشىء) أى: المعهود الذى يصح عطفه، ولذا لم يقل جعل شىء، وأشار بقوله جعل إلى أن المراد بالعطف المعنى المصدرى لا التابع المخصوص؛ لأنه لا يعلل إلا الأحداث، فإن قلت: الجعل المذكور من أوصاف الجاعل لا من أحوال المسند إليه. قلت: المراد من الجعل المذكور لازمه، إذ يلزم من جعل الشىء معطوفا على المسند إليه كون المسند إليه معطوفا عليه.

(قوله: فلتفصيل المسند إليه) أى: فلكون المقصود تفصيل المسند إليه أى: جعله مفصلا بأن يذكر كل فرد من المسند إليه بلفظ مختص مع الاختصار، والمحال أن المقام مقتض لذلك، إذ لو لم يعطف لجىء بلفظ يشملهما كما فى: جاءنى رجلان أو اثنان من بنى فلان فيفوت التفصيل المصاحب للاختصار

(قوله: مع اختصار) إنما نكّره ولم يقل مع اختصاره؛ لأن الاختصار ليس راجعا للمسند إليه، بل راجع للكلام

(قوله: من غير دلالة على تفصيل الفعل) أى: لأن الواو بما هى لمطلق الجمع

(قوله: بأن المجيئين إلخ) تصوير لتفصيل الفعل

(قوله: مع مهلة) متعلق بمرتبتين، والمهلة بضم الميم وفتحها معناها التراخى

(قوله: مع أنه ليس من عطف المسند إليه) الأوضح أن يقول: ليس من الأوضح على المسند إليه أى: الذى كلامنا فيه كما قال سابقا أى: جعل الشىء معطوفا على المسند إليه، بل هو من العطف على الجملة والحاصل أن العلة فى العطف على المسند إليه

ص: 612

وما يقال من أنه احتراز عن نحو: جاءنى زيد جاءنى عمرو من غير عطف- فليس بشىء؛ إذ ليس فيه دلالة على تفصيل المسند إليه، بل يحتمل أن يكون إضرابا عن الكلام الأول؛ نص عليه الشيخ فى دلائل الإعجاز (أو) لتفصيل (المسند) بأنه قد حصل من أحد المذكورين أولا، ومن الآخر بعده مع مهلة أو بلا مهلة (كذلك) أى: مع اختصار، واحترز بقوله: كذلك عن نحو: جاءنى زيد وعمرو بعده بيوم أو سنة (نحو: جاءنى زيد فعمرو، أو ثم عمرو، أو جاءنى القوم حتى خالد)

===

مجموع أمرين التفصيل للمسند إليه، والاختصار فى قولك: جاءنى زيد، وجاءنى عمرو، لم يوجد الاختصار لتكرار العامل، وإن وجد التفصيل، فلذا لم يجعل ذلك من العطف على المسند إليه هذا، وكان المناسب للشارح فى التعبير أن يقول: فإنه وإن كان فيه تفصيل للمسند إليه، لكن لا اختصار فيه، ولذا لم يكن من العطف على المسند إليه حتى يتم الاحتراز

(قوله: من أنه) أى: قوله مع اختصار.

(قوله: بل يحتمل أن يكون إضرابا عن الكلام الأول) أى: فكأنه لم يذكر فيكون الحكم فيه مرجوعا عنه فلم يبق المسند إليه مسندا إليه، وحينئذ فهو خارج من قوله فلتفصيل المسند إليه، وإذا كان خارجا منه، فكيف يحترز عنه بما بعده؟ أى:

ويحتمل أن يكون العاطف ملاحظا فيه فيكون تفصيلا للمسند إليه، لكن ليس فيه اختصار، فيصح الاحتراز، والحاصل أن جعل هذا المثال متعينا للاحتراز لا يصح لما فيه من الاحتمالات هذا مراد الشارح، وفيه أنه حينما جعله ذلك القائل احترازا كان بانيا كلامه على ملاحظة العاطف، ولا شك أنه متى لوحظ العاطف كان الكلام مفيدا التفصيل المسند إليه، لكن لا مع اختصار، وحينئذ فيكون كلامهم صحيحا لا غبار عليه- قرره شيخنا العلامة العدوى، عليه سحائب الرحمة.

(قوله: بأنه قد حصل) تصوير لتفصيل المسند أى: المصور بحصوله من أحد إلخ

(قوله: واحترز بقوله كذلك عن نحو جاءنى إلخ) أى: فإنه وإن أفاد تفصيل المسند من حيث تعلق الفعل بأحد المذكورين أولا، وبالآخر بعده بيوم أو سنة إلا أنه لا اختصار فيه، وأما المسند إليه فقد أفاد المثال تفصيله مع الاختصار لعدم تعدد العامل فهو فائد العطف فى المثال، وقوله: بيوم أو سنة لم يرد بهما تعيين المدة، بل المهلة فكأنه قال بعده

ص: 613

فالثلاثة تشترك فى تفصيل المسند إلا أن الفاء تدل على التعقيب من غير تراخ، وثم على التراخى، وحتى على أن أجزاء ما قبلها مترتبة فى الذهن من الأضعف إلى الأقوى، أو بالعكس فمعنى تفصيل المسند فيها أن يعتبر تعلقه بالمتبوع أولا، وبالتابع ثانيا من حيث إنه أقوى أجزاء المتبوع أو أضعفها،

===

بمهملة

(قوله: فالثلاثة) أى: فالحروف الثلاثة، (وقوله: تشترك فى تفصيل المسند) أى:

فى حصوله من أحد المذكورين أولا ومن الثانى بعده.

(قوله: على أن أجزاء ما قبلها) أى: ما قبل حتى وهو المتبوع، مترتبة فى الذهن من الأضعف إلى الأقوى أى: الأشرف نحو:

(قهرناكم حتّى الكماة فأنتم)(1)

فيتعقل أى: يلاحظ فى الذهن أن القهر تعلق بالمخاطبين واحدا بعد واحد مبتدأ من الضعاف إلى أن تعلق بالشجعان فحتى للترتيب الذهنى، بخلاف الفاء وثم فإنهما للترتيب الخارجى، وقوله: أو بالعكس نحو: قدم الحجاج حتى المشاة، فيلاحظ فى الذهن تعلق القدوم بالحجاج واحدا بعد واحد مبتدأ من الركبان إلى المشاة، ثم إن التعرض للأجزاء فرض مثال لا للحصر إذ المعتبر فى حتى كما فى المغنى وغيره أن يكون معطوفها بعضا من جمع قبلها كقدم الحجاج حتى المشاة أو جزءا من كل نحو: أكلت السمكة حتى رأسها، أو كالجزء نحو: أعجبتنى الجارية حتى حديثها، وبالجملة فالشرط فيها أن يكون متبوعها ذا تعدد فى الجملة حتى يتحقق فيه نقض، ولو اشتركت الجزئية بخصوصها لاحتيج إلى تأويل قولنا: مات كل أب لى حتى آدم، بأن المراد مات آبائى حتى آدم. اه. فنرى.

ويمكن إدراج الأبعاض وما كالأجزاء فى عبارة الشارح بأن يراد بالأجزاء ما يشمل الأجزاء الحقيقية والتنزيلية والأبعاض

(قوله: فيها) أى: فى حتى

(قوله: أن يعتبر) أى: يلاحظ فى الذهن (وقوله: تعلقه) أى: المسند

(قوله: من حيث إنه) أى:

التابع أقوى أجزاء المتبوع أى: أشرفها كما فى المثال الأول، وقوله: أو أضعفها كما فى

(1) بلا نسبة فى الجنى الدانى ص 549، والدرر 6/ 139، وشرح عمدة الحفاظ 615، وهمع الهوامع 2/ 136.

ولفظ (فأنتم) سقط في المطبوعة.

ص: 614

ولا يشترط فيها الترتيب الخارجى، فإن قلت: فى هذه الثلاثة أيضا تفصيل للمسند إليه فلم لم يقل: أو لتفصيلهما معا- قلت فرق بين أن يكون الشىء حاصلا من شىء وبين أن يكون مقصودا منه. وتفصيل المسند إليه فى هذه الثلاثة وإن كان حاصلا لكن ليس العطف بهذه الثلاثة لأجله؛ لأن الكلام إذا اشتمل على قيد زائد على مجرد الإثبات أو النفى

===

المثال الثانى

(قوله: ولا يشترط فيها الترتيب الخارجى) أى: وإنما المشترط فيها الترتيب الذهنى سواء طابقه الترتيب فى الخارج أو لا وذلك بأن كانت ملابسة الفعل لما بعدها قبل ملابسته لأجزاء ما قبلها نحو: مات كل أب لى حتى آدم فيتعلق أن الموت تعلق بكل أب من آبائه أولا ثم بآدم ثانيا، ولا شك أن هذا مخالف للترتيب الواقع فى الخارج أو كانت ملابسة الفعل لما بعدها فى أثناء ملابسته لأجزاء ما قبلها نحو: مات الناس حتى الأنبياء، فيتعقل أن الموت تعلق بكل واحد من الناس، ثم بالأنبياء، ولا شك أن هذا خلاف الواقع، إذ الواقع تعلق الموت بهم فى أثناء تعلقه بالناس، أو كانت ملابسة الفعل لما قبلها وما بعدها فى زمان واحد نحو: جاءنى القوم حتى خالد إذا جاءوك جميعا ويكون خالد أقواهم أو أضعفهم

(قوله: قلت فرق إلخ) بقى أنهما قد يقصدان معا إلا أن يجاب بأنه ترك ذلك لعلمه مما ذكره؛ لأنه إذا بين ما يكون لتفصيل المسند إليه وما يكون لتفصيل المسند علم ما يكون لتفصيلهما معا وهو مجموع ما لتفصيل المسند إليه وما لتفصيل المسند. قاله سم.

(قوله: بين أن يكون الشىء) هو هنا تفصيل المسند إليه وقوله من شىء وهو هنا العطف، وقوله حاصلا من شىء يعنى: من غير قصد

(قوله: فى هذه الثلاثة) أى:

الأمثلة الثلاثة

(قوله: وإن كان حاصلا) يعنى: من العطف

(قوله: بهذه الثلاثة) أى: بهذه الحروف الثلاثة، وقوله لأجله أى: لأجل تفصيل المسند إليه

(قوله: على قيد زائد) القيد هنا هو الترتيب بين المجيئين مثلا بمهلة أو غيرها، فقولك: جاء زيد فعمرو القيد الزائد على إثبات المجىء لزيد وعمرو الترتيب بين المجيئين من غير مهلة، وذلك هو القيد الزائد على النفى فى قولك: ما جاء زيد فعمرو.

ص: 615

فهو الغرض الخاص والمقصود من الكلام ففى هذه الأمثلة تفصيل المسند إليه كأنه أمر كان معلوما، وإنما سيق الكلام لبيان أن مجىء أحدهما كان بعد الآخر؛ فليتأمل. وهذا البحث مما أورده الشيخ فى دلائل الإعجاز، ووصى بالمحافظة عليه.

(أورد السامع) عن الخطأ فى الحكم (إلى الصواب، نحو: جاءنى زيد لا عمرو) لمن اعتقد أن عمرا جاءك دون زيد،

===

(قوله: فهو الغرض الخاص) أى: فينصب النفى والإثبات على ذلك القيد، ويكون هو المقصود من الكلام

(قوله: فليتأمل) أمر بالتأمل، إشارة إلى أن هذه القاعدة أغلبية لا كلية كما هو ظاهر كلام الشيخ، إذ قد يكون النفى داخلا على مقيد بقيد ويكون منصبا على المقيد وحده أو على القيد والمقيد معا بواسطة القرينة

(قوله: وهذا البحث) ليس المراد به الاعتراض، بل المراد به المسألة المبحوث عنها والمفتش عليها وهى أنه فرق بين الحاصل المقصود، والحاصل من غير قصد، ويحتمل أن المراد بها كون الكلام إذا اشتمل على قيد زائد على مجرد الإثبات والنفى فهو الغرض الخاص والمقصود من الكلام

(قوله: أورد السامع إلى الصواب) لا بد من تقيد الرد المذكور بقولنا مع اختصار ليخرج عنه ما جاء زيد، ولكن جاء عمرو؛ فإنه وإن كان فيه رد السامع للصواب، لكن لا اختصار فيه، فلذا لم يكن من العطف على المسند إليه، بل من عطف الجملة على الجملة.

(قوله: عن الخطأ فى الحكم) المراد بالحكم المحكوم به كما يدل عليه قول الشارح فى المطول بعد ذكر المثال، فقد نفى الحكم عن التابع بعد إيجابه للمتبوع، والخطأ فى المحكوم به من حيث نسبته إلى المحكوم عليه، فالحكم بمعنى المحكوم به موصوف بالخطأ، والصواب فى النسبة، وأما الحكم بمعنى الإيقاع فنفسه خطأ أو صواب- إذا علمت هذا فقول من قال: الصواب أن يفسر الخطأ، والصواب فى المصنف بالاعتقاد الغير المطابق، والاعتقاد المطابق؛ لأنهما قسمان للحكم وأن يحذف الشارح قوله فى الحكم؛ لأنه يشعر بأن الخطأ والصواب صفتان للحكم لا قسمان له لم يتدبر حق التدبر- أفاده عبد الحكيم.

ص: 616

أو أنهما جاءاك جميعا، ولكن أيضا للرد إلى الصواب، إلا أنه لا يقال لنفى الشركة حتى إن نحو: ما جاءنى زيد لكن عمرو إنما يقال لمن اعتقد أن زيدا جاءك دون عمرو، لا لمن اعتقد أنهما جاءاك جميعا، وفى كلام النحاة ما يشعر بأنه

===

(قوله: لمن اعتقد) أى: يقال لك لمن اعتقد أى أو ظن أو توهم أن عمرا جاءك دون زيد أى: فيكون حينئذ لقصر القلب، فالمراد بالاعتقاد ما يتناول الظن الضعيف الذى هو الوهم الفاسد- كما قاله السيد، والفنرى، وعبد الحكيم.

(قوله: أو أنهما جاءاك جميعا) أى: فيكون لقصر الأفراد والحاصل أن العطف بلا يستعمل فى قصر الأفراد والقلب، وخالف فى الأول الشيخ عبد القاهر فى دلائل الإعجاز، فذكر أن العطف بلا إنما يستعمل فى قصر القلب فقط ولم يذكر الشارح قصر التعيين؛ لأنه لم يجىء له شىء من حرف العطف؛ وذلك لأن المخاطب فيه شاك لا حكم عنده لا على جهة الاعتقاد ولا الظن حتى يرد عن الخطأ إلى الصواب؛ لأن الخطأ والصواب إنما يقالان فى الأحكام وإذا كان المخاطب فى قصر التعيين لا يتأتى رده عن الخطأ إلى الصواب، فلا يجرى العطف فيه. بقى شىء آخر: وهو أنه يفهم من كلام الشارح فى بحث القصر أن العطف بلا يخاطب به من اعتقد مجىء أحدهما من غير تعيين، لكنه حينئذ ليس لرد السامع عن الخطأ إلى الصواب، بل لحفظه عن الخطأ فلتكن هذه نكتة أخرى للعطف، والحاصل أن العطف بلا إن لوحظ كونه لرد الخطأ جاز استعماله فى قصر القلب والأفراد، وإن لوحظ كونه لحفظ السامع عن الخطأ جاز استعماله لقصر التعيين- فتأمل.

(قوله: إلا أنه) أى: لكن وذكر باعتبار كونه حرفا، وأتى بهذا الاستدراك دفعا لما يتوهم أن لكن مثل لا من كل وجه

(قوله: لا يقال لنفى الشركة) أى: بحيث يكون لقصر الأفراد

(قوله: إنما يقال لمن اعتقد أن زيدا جاءك دون عمرو) أى: فهو لقصر القلب

(قوله: لا لمن اعتقد أنهما جاءاك جميعا) أى: بحيث يكون لقصر الأفراد

(قوله: وفى كلام النحاة إلخ) إنما جعلوها لقصر الأفراد؛ لأنهم جعلوها للاستدراك وعرفوه بأنه رفع ما يتوهم من الكلام السابق كما فى نحو: ما جاءنى زيد فيتوهم نفى مجىء عمرو

ص: 617

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

أيضا لما بينهما من المشاركة والاصطحاب فيقال لكن عمرو، فهذا يدل على أن المتوهم الاشتراك فى النفى، والغرض من نقل كلام النحاة المعارضة بينه، وبين ما قرره قبله؛ لأن حاصل ما قرر أولا أن لكن لقصر القلب فقط، وحاصل ما نقله عن النحاة أن لكن لقصر الأفراد أى: نفى الشركة فى الانتفاء، والذى قرره أولا كلام المفتاح والإيضاح، وقد يقال فى الجواب إن الأول اصطلاح لأهل هذا الفن، وحينئذ فلا يعترض باصطلاح على غيره.

واعلم أنه حيثما جعلت، " لكن" عند أئمة هذا الفن لقصر القلب علم أنه لا استدراك فيها عندهم؛ لأن المخاطب فى قصر القلب يعتقد العكس أو يتردد فيه فليس بين المعطوف والمعطوف عليه اتصال فى اعتقاده وهو منشأ التوهم الذى يستدرك عليه بلكن ولا استدراك حيث انتفى منشأ التوهم، وبهذا يندفع الإشكال الوارد على قوله تعالى ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللَّهِ (1) وحاصل الإشكال أن لكن للاستدراك ونفى الأبوة ليس بموهم لنفى الرسالة لعدم الاتصال والعلاقة بينهما فى زعم المخاطب، فكيف يتحقق الاستدراك وحاصل الجواب أن لكن لمجرد قصر القلب من غير استدراك، فالمشركون- لعنة الله عليهم- كانوا يعتقدون فيه الأبوة لزيد ونفى الرسالة، فقلب المولى عليهم اعتقادهم

(قوله: إنما يقال لمن اعتقد انتفاء المجىء عنهما جميعا) أى: وحينئذ فهى عندهم لقصر الأفراد ليس إلا، ولا تستعمل لقصر القلب، ثم إن الخلاف بين النحويين والبيانيين فى كون (لكن) لقصر الأفراد أو القلب إنما هو فى النفى، وأما كونها لقصر الأفراد أو القلب فى الإثبات فلا قائل به كما قاله فى المطول؛ لأن المفهوم من كلام النحاة اختصاص، (لكن) العاطفة بالنفى كما أن (لا) مختصة بالإثبات قال فى الخلاصة:

وأول لكن نفيا او نهيا

والنهى فى معنى النفى فتحصل من كلام الشارح أن لا تستعمل للنفى بعد الإثبات لقصر الأفراد والقلب، وأما لكن: فتستعمل للإثبات بعد النفى لقصر القلب

(1) الأحزاب: 40.

ص: 618

إنما يقال لمن اعتقد انتفاء المجىء عنهما جميعا.

(أو صرف الحكم) عن محكوم عليه (إلى) محكوم عليه (آخر، نحو: جاءنى زيد بل عمرو، أو ما جاءنى زيد بل عمرو) فإن بل للإضراب عن المتبوع وصرف الحكم إلى التابع، ومعنى الإضراب عن المتبوع: أن يجعل فى حكم المسكوت عنه لا أن ينفى عنه الحكم قطعا؛ خلافا لبعضهم، ومعنى صرف الحكم فى المثبت ظاهر

===

فقط عند البيانيين أو لقصر الأفراد فقط عند النحاة، ولكن تخالف لا فى الاستعمال من حيث إن لا إنما تستعمل بعد الإثبات، ولكن إنما تستعمل بعد النفى، ومن حيث إن لا تستعمل لكل واحد من القصرين، ولكن إنما تستعمل لأحدهما وتوافقها من جهة أن كلا منهما يرد به السامع عن الخطأ إلى الصواب

(قوله: إنما يقال لمن اعتقد انتفاء المجىء عنهما جميعا) أى: وأما أنه يقال لمن اعتقد أنهما جاءاك على أن يكون قصر أفراد فلم يقل به أحد، وذلك لأنه يحصل رد اعتقاد الشركة بالمعطوف عليه، فذكر الإثبات الذى بعد لكن لغو لكونه معلوما للمخاطب.

(قوله: أو صرف الحكم) أى: المحكوم به

(قوله: فإن بل للإضراب عن المتبوع) أى: للإعراض عنه.

وقوله وصرف الحكم إلخ: عطف لازم على ملزوم

(قوله: فى حكم المسكوت عنه) أى: عند الجمهور

(قوله: خلافا لبعضهم) هو ابن الحاجب فإنه صرح بذلك فى الأمالى- كما قال الفنارى. فقول العلامة السيد معترضا على الشارح: إن هذا لم يوجد فى كتبه المشهورة، وإنما الموجود فيها موافقة الجمهور فيه نظر، ثم إنه على تفسير الإضراب بما قال الجمهور يخرج العطف ببل عن تعريف العطف بأنه تابع مقصود بالنسبة مع متبوعه لا على ما ذكره ابن الحاجب؛ لأن كلا من التابع والمتبوع مقصود بالنسبة، وإن كان أحدهما بالإثبات والآخر بالنفى كما فى العطف بلا ولكن

(قوله: فى المثبت) أى: فى العطف ببل فى الكلام المثبت ظاهر؛ لأن المتبوع فيه إما فى حكم المسكوت عنه أو محقق النفى على الخلاف الذى ذكره قبل، فإذا قلت: جاءنى زيد بل عمرو، فقد أثبت المجىء لعمرو قطعا وصيرت زيدا فى حكم المسكوت عنه فى نفس الأمر

ص: 619

وكذا فى المنفى إن جعلناه بمعنى نفى الحكم عن التابع والمتبوع فى حكم المسكوت عنه أو متحقق الحكم له حتى يكون معنى: ما جاءنى زيد بل عمرو- أن عمرا لم يجئ وعدم مجىء زيد ومجيئه على الاحتمال، أو مجيئه محقق كما هو مذهب المبرد، وإن جعلناه بمعنى ثبوت الحكم للتابع حتى يكون معنى: ما جاءنى زيد بل عمرو- أن عمرا جاء كما هو مذهب الجمهور؛ ففيه إشكال.

(أو الشك) من المتكلم

===

فصار مجيئه على الاحتمال هذا عند الجمهور، وأما عند ابن الحاجب فقد أثبت المجىء لعمرو تحقيقا ونفيته عن زيد تحقيقا، وعلى كل حال فيصدق أن الحكم قد صرف عن محكوم عليه إلى محكوم عليه آخر

(قوله: وكذا فى المنفى) أى: وكذا صرف الحكم فى العطف ببل فى الكلام المنفى ظاهر إن جعلنا الصرف بمعنى نفى الحكم عن التابع والمتبوع فى حكم المسكوت عنه كما هو قول المبرد، وقوله أو متحقق الحكم له أى:

للمتبوع كما هو مذهب ابن الحاجب، فإن قلت: إن ابن الحاجب لم يقل: إنه بمعنى تحقق الحكم للمتبوع، وإنما قال: إنه نفى الحكم عنه قطعا قلت: هو إنما صرح بما ذكر فى الإيجاب، وحينئذ فيعلم بطريق القياس أن صرف الحكم عن المتبوع فى النفى جعل الحكم محققا له

(قوله: ومجيئه على الاحتمال) أى: على مذهب المبرد، وقوله: أو مجيئه محقق كما هو مذهب ابن الحاجب فقول الشارح كما هو مذهب المبرد الأولى أن يقدمه على قوله، أو مجيئه محقق

(قوله: كما هو مذهب الجمهور) راجع لقوله: وإن جعلناه بمعنى ثبوت الحكم، فصار الحاصل أن المبرد يقول: إن الثانى صرف عنه الحكم ولا بد، وأما الأول: فيحتمل ثبوت الحكم له ونفيه عنه، وأما ابن الحاجب فيقول: إن الثانى نفى عنه الحكم قطعا، والأول أثبت له الحكم قطعا فعلى كلا القولين، بل نقلت حكم ما قبلها لما بعدها، وأما الجمهور فيقولون: إن الثانى ثبت له الحكم تحقيقا، وأما الأول فمحتمل ثبوت الحكم له وانتفاؤه عنه فعلى هذا بل نقلت ضد حكم ما قبلها لما بعدها وصيرت ما قبلها كالمسكوت عنه، فلم يكن الحكم حينئذ منصرفا عن محكوم عليه إلى محكوم عليه آخر، وإنما الذى صرف ضد ذلك الحكم. هذا حاصل الإشكال الذى أشار له الشارح، ويمكن أن يجاب عن هذا الإشكال بأن يقال المراد من صرف

ص: 620

(أو التشكيك للسامع) أى: إيقاعه فى الشك (نحو: جاءنى زيد أو عمرو، أو للإبهام نحو: وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (1)

===

الحكم تغيير المحكوم به من حيث نسبته، ولا شك أنه هنا نسب المجىء إلى الأول نفيا، ثم صرف أى غير بأن نسب إلى الثانى إثباتا، وجعل الأول فى حكم المسكوت عنه

(قوله: أو التشكيك للسامع) أى: وإن كان المتكلم غير شاك

(قوله: أى: إيقاعه فى الشك) أى: فى أصل الحكم

(قوله: جاءنى زيد أو عمرو) هذا المثال صالح للشك والتشكيك؛ لأن المتكلم إن كان غير عالم بالجائى منهما فالعطف للشك وإن كان عالما بعينه، ولكن قصد إيقاع المخاطب فى الشك فى الجائى منهما كان العطف للتشكيك

(قوله: أو للإبهام) هو إخفاء الحكم عن السامع لغرض كقطع اللجاج والفرق بينه وبين التشكيك أن القصد من الثانى إيقاع المخاطب فى الشك، وإيقاع الشبهة فى قلبه والقصد من الأول: إخفاء الحكم عن السامع وترك التعيين له من غير قصد إلى إيقاعه فى الشك، وإن كان ذلك يحصل له إلا أنه غير مقصود، وفرق بين الحاصل المقصود، والحاصل من غير قصد.

والحاصل أن أو موضوعة لأحد الأمرين، أو الأمور والداعى لإيرادها إما شك المتكلم فى الحكم أو تشكيكه للسامع أى: إيقاعه فى الشك أو إخفاء الحكم على السامع من غير قصد لإيقاعه فى الشك إلخ

(قوله: وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ) إن حرف توكيد واسمها مدغم فيها، وقوله أو إياكم عطف على اسم إن الذى هو مسند إليه فهو محل الشاهد، وقوله أو فى ضلال مبين عطف على هدى من عطف المفردات فقد اشتمل الكلام على إبهام فى المسند إليهما والمسندين معا فكأنه قيل أحدنا ثابت له أحد الأمرين الهدى أو الضلال، وهاهنا بحث: وهو أن السكاكى جعل هذه الآية من قبيل إسماع المخاطبين الحق على وجه لا يثير غضبهم وهو أن يترك تخصيص طائفة بالهدى وطائفة أخرى بالضلال لينظروا فى أنفسهم فيؤديهم النظر الصحيح إلى أن يعترفوا أنهم هم الكائنون فى الضلال المبين، فالمناسب أن يمثل بهذه الآية للتشكيك لا للإبهام؛ لأن الموصوف

(1) سبأ: 24.

ص: 621