الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فقه خطبة الجمعة]
ولئن كانت الصلوات هي الوظيفة الأولى للمساجد، فإنَّ الوظيفة الثانية هي تعليم الناس أمور دينهم، وإرشادهم إلى طاعة ربهم، واتباع رسولهم صلى الله عليه وسلم، ومن أبرز الوسائل في ذلك: خطبة الجمعة.
فمن دلائل العظمة والخلود والواقعية في التشريع الإسلامي: أن جعل الله للمسلمين منبرًا أسبوعيًا منتظمًا يتزودون منه بما يمسكهم بأصولهم، ويربطهم بعزائم الدين وأمهات المسائل.
والمنبر المعني هو: خطبة الجمعة.
إن هذه الخطبة أمر جليل الشأن، ينبغي فقهه على وجهه الصحيح، ابتغاء الاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم، وابتغاء توسيع نطاق النفع العام.
فمن فقه خطبة الجمعة: التركيز على الأصول والثوابت والأركان، فقد «أخذت أم هشام بنت حارثة رضي الله عنها {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} [ق: 1] عن لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، من كثرة ما يقرأ هذه السورة على المنبر في خطبة الجمعة» (1) .
(1) حديث أم هشام بنت حارثة أخرجه مسلم (873) في كتاب الجمعة، باب قراءة القرآن على المنبر في الخطبة.
و"ق" من السور المكية التي انتظمت الأصول الإيمانية العقدية: كالإيمان بالله، والآيات الكونية الدالة على وجوده، ووحدانيته، والبعث، والاعتبار. بما وقع للأمم المكذبة المعاندة.
يقول ابن القيم رحمه الله: "وكذلك كانت خُطَبُه صلى الله عليه وسلم، إنما هي تقرير لأصول الإيمان بالله، وملائكته وكتبه ورسله ولقائه، وذكر الجنة والنار، وما أعد الله لأوليائه وأهل طاعته، وما أعد لأعدائه وأهل معصيته، فيملأ القلوب من خطبته إيمانًا وتوحيدًا، ومعرفة بالله وأيامه، لا كخطب غيره التي إنما تفيد أمورًا مشتركة بين الخلائق، وهي كالنوح على الحياة، والتخويف بالموت، فإن هذا أمر لا يحصل في القلب إيمانًا بالله، ولا توحيدًا له. . إلى أن قال: ومن تأمل خطب النبي صلى الله عليه وسلم، وخطب أصحابه وجدها كفيلة ببيان الدين والتوحيد، وذكر صفات الرب جل جلاله، وأصول الإيمان الكلية، والدعوة إلى الله، وذكر آلائه تعالى التي تحببه إلى خلقه".
ولا شك أن في ذلك حكمة بالغة، فإن الاهتمام بالأصول والثوابت من شأنه أن يجمع الأمة على ما ينبغي أن تجتمع عليه من محبة الله وطاعته، والتآخي والتعاون، وأن يجعل المصلين يخرجون بفائدة علمية محققة.
إن الجمعة مأخوذة من الجمع والاجتماع، وهذا لا يكون أو لا يزيد إلا بالربط بالثوابت والأصول.
ومن فقه الخطبة: الإيجاز والاختصار: فمن السنة أن يقصر الخطيب الخطبة، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مَئِنّة من فقهه، فأطيلوا الصلاة، واقصُروا الخطبة وإن من البيان لسحرا» (1) .
وعن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: «كنت أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانت صلاته قصدًا، وخطبته قصدًا» (2) .
إن خطبة الجمعة ليست مجالًا لاستعراض البلاغة، ولا لاستعراض المعلومات. . والتطويل ذريعة للخطأ، وذريعة للملل المانع من التفاعل والاستيعاب والفهم. ويفهم - من مفهوم المخالفة - أن الذي يطيل الخطبة قليل الفقه.
وبالاطلاع على نماذج من خطب شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب - مثلا - وجدنا جل خطبه لا تزيد الواحدة منها على صفحة، وبضع صفحة، أي نحو (600) ستمائة كلمة تقريبًا. . والمعدل الوقتي المتوسط لإلقاء هذه الكلمات هو 15 دقيقة على الأكثر.
(1) حديث عمار بن ياسر أخرجه مسلم (869) في كتاب الجمعة باب تخفيف الصلاة والخطبة.
(2)
حديث جابر بن سمرة أخرجه مسلم (866) في كتاب الجمعة باب تخفيف الصلاة والخطبة.