الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[خطر الغيبة والنميمة]
خطر الغيبة والنميمة الحمد لله العليم بما نخفي وما نعلن، وما يخفى على الله من شيء في الأرض ولا في السماء، أحمده سبحانه حمد من شغله عيبه عن عيوب الآخرين، وأشكره، وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحابته الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وإذا مروا باللغو مروا كرامًا، وعلى أتباعه الذين حفظوا أنفسهم وألسنتهم من أن تجر إلى المسلمين سوءًا وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد فيا أيها المسلمون: اتقوا الله ولا تلقوا بأنفسكم في تيار الغيبة والنميمة فإنهما خصلتان قبيحتان ذواتا خطر كبير على العلاقات الأخوية والروابط الإسلامية، ما فشت إحداهما في أمة إلا وفرقت كلمتها وباعدت بين قلوب أهلها وأزاحت الستار عن مواطن الضعف لعدوهم فأتاهم من حيث لا يشعرون. أتدرون ما معناهما؟ النميمة هي نقل كلام شخص لآخر على وجه التحريش والإفساد. وما أكثر ما يجره هذا النقل على الإنسانية من ويلات ومصائب، ما أكثر ما يغرس من بذور للشر تفرق بين الأخ وأخيه والمرء وزوجه والصديق وصديقه فتبدل المحبة بغضًا والصفو كدرًا كيف لا تبدله وهي عدوة السلام عدوة الوفاق والوئام، ناشرة البغضاء ومرسية قواعد الشحناء، لذا عدها العلماء من أنواع السحر. ذكر ابن عبد البر عن يحيى بن أبى كثير قال: يفسد النمام والكذاب في ساعة ما لا يفسده الساحر في سنة، فيا ذوي النفوس العالية اربأوا بنفوسكم عن النميمة
فهي من أحط الأخلاق وأرذلها فما اتصف بها إلا لئيم يهتك الأستار وينشر الأسرار. دعوها فلطالما خربت بيوتا عامرة وفرقت أسرا مجتمعة وأزهقت أرواحا بريئة. تثبتوا إذا نقل إليكم النمام ما يجرح المشاعر أو يثيرها فإنه فاسق. والله سبحانه وتعالى يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات: 6] وإياكم والانخداع بالوشاة والنمامين فإن من نم لكم نم عليكم، فالنمام خائن ولو كان صادقا، مستهين بالتعاليم السماوية التي ذمت وتوعدت كل هماز مشاء بنميم، ذمته وآذنته بأنه لا يدخل الجنة. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:«لا يدخل الجنة نمام» ، رواه مسلم. وقال «ألا أخبركم بشراركم» ؟ «المشاؤون بالنميمة» ، الحديث، رواه أحمد.
وأما الغيبة فهي: ذكرك أخاك بما يكره سواء في خلقه أو خلقه في غيبته، سواء كان فيه، ما ذكرت أو لم يكن فيه، «سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الغيبة فقال:" ذكرك أخاك بما يكره "، فقال: رجل أرأيت إن كان في أخي ما أقول، قال: " بأن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه فقد بهته» ، فاتقوا الله عباد الله ولا تلوثوا أخلاقكم بالغيبة فقد نهاكم الله تعالى عنها في قوله:{وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا} [الحجرات: 12] ثم صور لكم بعد ذلك حالة المغتاب تصويرا بشعا تشمئز منه النفوس وتنفر منه الطباع البشرية فقال: {أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ} [الحجرات: 12] فهل تطيب نفس - يا عباد الله - ذات إباء ودين وشهامة أن تأكل لحما اجتمع فيه ثلاث صفات كل واحدة منهن في منتهى القبح والفظاعة، وهذه الثلاث هي: كونه لحم
إنسان، وهذا الإنسان هو أخوك، وأخوك هذا ميت، فكيف لو كان حيًّا.
أيها المسلمون: ابتعدوا عن هذه الرذائل وطهروا ألسنتكم من قليلها وكثيرها فقد ورد أن عائشة رضي الله عنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: «حسبك من صفية أنها كذا وكذا - تعني قصيرة، فقال: " لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته» ، وخافوا عذاب القبر فإن الغيبة والنميمة من أسباب عذاب القبر، ولا تعرضوا أنفسكم لدخول النار فقد جاء الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«لما عرج بي إلى السماء مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم فقلت لجبريل من هؤلاء فقال الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم» ، فاتقوا الله أيها المسلمون واحترموا أعراض إخوانكم كما احترمها الإسلام فقد نادى بتحريمها رسول الله صلى الله عليه وسلم في أكبر مجمع فقال وهو واقف بعرفة يخطب الناس في خطبة الوداع «إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا» ، هذه يا عباد الله تعاليم الإسلام تبين لنا بوضوح قبح مصير المغتاب والنمام وسوء أثرهما في المجتمع لما ينشرانه من مخاز ويتبعانه من عثرات كالذباب لا يسقط إلا على النتن والقاذورات وقد حرم الدين تتبع عورات المسلمين، يقول صلى الله عليه وسلم:«من تتبع عورات المسلمين تتبع الله عورته حتى يفضحه في جوف بيته» ، ويقول الله عز وجل:{إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النور: 19]
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم وجعلني وإياكم من الصالحين.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.