الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولا يصلح الاحتجاج - لطول الخطبة - بأن خطباء اليوم يواجهون مشكلات كثيرة، فإن ابن القيم، والشيخ محمد بن عبد الوهاب كانا يواجهان مشكلات كثيرة أيضًا.
[مهمة الإمام والخطيب ومسئوليتهما]
مهمة الإمام والخطيب ومسئوليتهما: والحديث عن المسجد، لا ينفك عن الحديث عن إمام المسجد، وخطيب الجمعة، وقد تتحد هاتان الصفتان في شخص واحد، وقد يكون إمام المسجد غير خطيب الجمعة.
وفي الحالين، هناك مسئوليات لخطب الجمعة وواجبات، وهي كالتالي:
1 -
مسئوليته العلمية والثقافية، إذ ليس يستطيع كل أحد أن يرقى المنبر، ويخطب خطبة الجمعة؛ بل يرقاه من يوفي بحقه.
والعلم والثقافة أول هذه الحقوق:
(أ) العلم بالله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28](1) .
{فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [محمد: 19](2) .
(1) سورة فاطر آية: 28.
(2)
سورة محمد آية: 19.
(ب) العلم بالكتاب: {أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الرعد: 19](2) .
(ج) العلم بالسنة: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الحشر: 7](3) .
{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: 21](4) .
(1) سورة الفرقان الآيتان: 58، 59.
(2)
سورة الرعد آية: 19.
(3)
سورة الحشر آية: 7.
(4)
سورة الأحزاب آية: 21.
(5)
سورة آل عمران الآيتان: 31، 32.
{فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63](1) .
(د) العلم بأقوال السلف في فهم الكتاب والسنة: قال الإمام أحمد رحمه الله "أصول السنة عندنا: التمسك. بما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والاقتداء بهم. . والسنة عندنا آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم. . والسنة تفسر القرآن، وهي دلائل القرآن".
وقال الإمام الأوزاعي رحمه الله: "اصبر نفسك على السنة، وقف حيث وقف القوم، وقل بما قالوا، وكف عما كفوا، واسلك سبيل سلفك الصالح، فإنه يسعك ما وسعهم".
(هـ) العلم بالأحوال العامة: فإن القول في الواقع بلا علم ذريعة إلى ضلال عريض، وفساد كبير، وكانت طريقة السلف الصالح: أن يفهم الواقعة، ثم ينزل عليها النص الهادي إلى التي هي أقوم. . وكل ذلك مشروط بالمناط الرئيسي لخطبة الجمعة. . وهو المناط الذي تبينت معالمه في فقرة خطبة الجمعة. . وإلا فليس كل موضوع - بإطلاق- يناقش في منبر الجمعة.
2 -
مسئوليته في الاستيثاق والتثبت من الوقائع والأحداث والأخبار.
فليس من خصائص المؤمن - بله الخطيب - أن يكون ناشرًا للأقاويل والشائعات والأخبار غير الموثقة:
(1) سورة النور آية: 63.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات: 6](1) .
3 -
مسئوليته في تقدير المصلحة العامة، فالخطبة إنما تقال في مجتمع. . ولهذا المجتمع مصالح عامة وحيوية، ومن هنا يجب أن تتقيد الخطبة بهذه المصلحة وتقدرها، بمعنى ألا يرد في الخطبة معنى، أو مفهوم، أو عبارة تضر بهذه المصلحة العامة.
4 -
مسئوليته في التفاعل مع المجتمع والدولة. . فالمسجد جزء من المجتمع والدولة، بهما قام، وفي كنفهما يعيش، ولذا يتعين على الخطيب أن يكون متفاعلًا مع الدولة والمجتمع، وأن يتكامل جهده مع الجهود الأخرى في التوجيهات العامة، والمقاصد الأساسية، والنظم الحافظة. . ومع مؤسسات التعليم والتثقيف والتوعية والتوجيه بوجه أخص.
5 -
مسئوليته في إحياء القيم العامة، والفضائل العظيمة مثل: الأمانة، وبر الوالدين، وصلة الرحم، والإنفاق في سبيل الله، والتكافل، والعطف على الضعيف، والأرملة، واليتيم، والمسكين، والاستقامة والوفاء بالعقود والعهود وطاعة ولاة الأمر، والإخلاص والصدق، والتعاون على البر
(1) سورة الحجرات آية: 6.
(2)
سورة النساء آية: 83.
والتقوى، والرحمة، والحياء، وحب العلم، والتآخي، والتواصي بالحق والصبر. . وغير ذلك من القيم والفضائل التي هي لباب الدين، بعد توحيد الله تعالى.
ولئن تعين على خطيب الجمعة أن ينهض بهذه المسئوليات جميعًا، فإن إمام المسجد مخاطب ومعني بهذه المسئوليات والمهام كذلك، وعليه أن يؤديها بإخلاص وجد واستمرار.
إن تجديد الإحساس والشعور والوعي بأعظم غاية في الإسلام، وهي: عبادة الله وحده لا شريك له، ومزيدًا من اجتلاء المفهوم الحقيقي لخطبة الجمعة، وفق السنة، وطريقة السلف الصالح، مسئولية الخطيب والإمام.
وبما أن خطبة الجمعة من شعائر الإسلام العظيمة التي شرعها الله لإعلاء ذكره والدعوة إلى سبيله، وإرشاد الأمة وتوجيهها إلى أقوم الطرق وتحذيرها من مغبة اتباع الهوى. . فقد عنيت وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد بالمملكة العربية السعودية بحكم اختصاصها بهذا الأمر، ورأت من المناسب إعداد كتاب يتضمن الأحكام المتعلقة بالخطبة بالإضافة إلى اختيار عدد من الخطب التي تتناول عقيدة المسلم وعباداته ومعاملاته ودعوته إلى طريق الهدى والرشاد وتحذيره من طريق الردى والهلاك، سواء منها ما كان مأثورًا من خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين، أو من الخطب المنتقاة لبعض العلماء والتي من شأنها أن تعين بعض الخطباء الذين يقومون. بمهمة الخطابة.
وإن الجهة المختصة في الوزارة تأمل أن تكون هذه الخطب محققة الهدف من جمعها وطبعها وتوزيعها، معينة للخطباء في واجبهم العظيم. وفي ختام هذه المقدمة نتوجه إلى الله العلي القدير بالشكر على ما يسر من إتمام هذا السفر العظيم كما نثني بالشكر لجهود حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود أيده الله ونصر به وبسمو ولي عهده الأمين، وسمو النائب الثاني دينَه، وأعلى بهم كلمته، وجعلهم هداة مهتدين ووفقهم لكل خير، وجزاهم عن الإسلام والمسلمين أعظم الجزاء وأوفاه، فتلك الجهود العظيمة التي تساند الدعوة إلى الله وتوجيه المسلمين إلى ما ينفعهم في دينهم ودنياهم وفقًا لكتاب ربهم وسنة نبيهم، وما جرى عليه سلف هذه الأمة الصالح التي تؤازر المسلمين في شتى الميادين والبقاع ولكل من أسهم في إخراج هذا الكتاب القيم الشكر والتقدير ونسأله جل وعلا أن يجزي الجميع خير الجزاء إنه ولي ذلك والقادر عليه وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
د / عبد الله بن عبد المحسن التركي
وزير الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد