الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[ما لولاة الأمور وما عليهم من حق]
ما لولاة الأمور وما عليهم من حق الحمد لله الذي بنعمته اهتدى المهتدون، وبعدله ضلّ الضالون، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، أحمده تعالى وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله صلى الله وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وسلم تسليمًا كثيرًا. أما بعد: - فيا عباد الله - لقد جاء دين الإسلام إكرامًا للبشرية ورحمة بها، جاء ليرتب وينظم أمور الناس، مادية وروحية، ويقيمها على أسس إصلاحية وقواعد ثابتة، جاء ليبين للناس أسباب العطب فيجتنبوها وأسباب النجاة فيسلكوها.
وإن مما أوضحه وأبانه الإسلام علاقة الإنسان بربه، وعلاقة الإنسان بنبيه صلى الله عليه وسلم وعلاقته بأميره ورئيسه، يقول سبحانه:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59] والمراد بأولي الأمر كل من له ولاية شرعية، سواء كان الإمام العام، أو العالم الشرعي، أو الأمير، أو الرئيس الخاص بالإنسان.
عباد الله؛ إن الله جلّت قدرته قد أوجب لولاة الأمور الشرعيين بهذه الآية، وما في معناها، حقًا عظيمًا، بالقيام به تسعد الأمة الإسلامية، ويستتب لها الأمن، ويسود السلام، أوجبه من هو عالم بأسرار الكون، وطبائع البشر التي لا تصلح ولن تصلح بدون إمام أو مع إمام منازع؛ أوجبه حفاظًا على الحياة الاجتماعية، ورعاية وحماية لها من فوضى الجاهلين، وطيش المفسدين، «إن
الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن» ، أوجبه وجعله طاعة له سبحانه وقربة إليه، طاعة مؤكدة معروفة يجب الإتيان بها في العسر واليسر، والمنشط والمكره والاستبداد، إلا إذا أمر الإنسان بمعصية الله، أو فوق المستطاع، فلا سمع ولا طاعة إذًا لمخلوق في معصية الخالق، يقول صلى الله عليه وسلم:«وعلى المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره، إلا إذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة» ، وإن شيئًا - يا عباد الله - أمر الله به ورتب عليه سبحانه مصلحة عظمى في الدنيا، وأجرًا مضاعفًا في الآخرة، لجدير بأن يكون موضع رعاية المؤمن واهتمامه.
وخير ما يقوم به ولاة الأمر بل أعظم ما يجب عليهم تحكيم شرع الله والقيام به وإرشاد الناس إلى عبادة الله وحده وترك ما سواه ليتحقق على أيديهم الخير العظيم ولتتنزل عليهم بركات من السماء والأرض وخير مثال على ذلك في العصر الحاضر ما قامت عليه المملكة العربية السعودية إذ قامت على التآزر التام والتعاون المبارك بين القيادة والدعاة لتطبيق شرع الله وتحكيمه في واقع الناس فتوافرت لهذه الدولة النعم وتوالت عليها المنن وعاشت حكومة وشعبًا بأمن وأمان ورغد عيش.
فاتقوا الله - أيها المسلمون - وتقربوا إلى الله بما أمركم به من طاعة ولاة الأمور، ومن الدعاء لهم، والتعاون معهم على البر والتقوى، والصبر عليهم، ما أطاعوا الله ورسوله وأقاموا شعائر دينه، فما نزعت يد من طاعة إلا صافحها الشيطان وعرضها لفتنة عمياء، وموت جاهلية جهلاء، والعاقل يدرك خطورة عصيان الأئمة الشرعيين، وما تأتي به منازعتهم أو الخروج
عليهم من شر، وما يترتب على ذلك من مفاسد عظمى لا يعلم مداها - على الحقيقة - إلا الله سبحانه، وتفاديًا لهذا الشر، ودرءًا له عن الأمة الإسلامية، قال هادي البشرية عليه الصلاة والسلام:«من خرج من الطاعة، وفارق الجماعة فمات، فميتته ميتة جاهلية» وقال: «اسمعوا وأطيعوا وإن تأمر عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة» ، وروى البخاري ومسلم عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال:«بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا، وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا، وألا ننازع الأمر أهله» . قال: - يعني رسول الله - «إلا أن تروا كفرًا بواحًا عندكم من الله فيه برهان» .
يا عباد الله: يا من في أيديهم شيء من ولاية، إن الحكم العدل سبحانه، كما أوجب لكم حقًا على من لكم عليه ولاية، وأمره باحترامه والقيام به، فكذلكم أوجب عليكم حقًا لمرءوسيكم ومن في سلطانكم، ومن تحت رعايتكم، وآذنكم بخطورته، وعظم مسئوليته على لسان رسوله بقوله صلى الله عليه وسلم:«كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته» ، فاتقوا الله فيما استرعاكم الله فيه، وأدوا ما أوجبه الله عليكم من حقوق مرءوسيكم ورعاياكم تكونوا من خير الأئمة الذين قال الرسول فيهم صلى الله عليه وسلم «إن خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، وتصلون عليهم ويصلون عليكم» وتبتعدوا عمن عناهم صلى الله عليه وسلم بقوله: «وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم» .
وإن أعظم تلكم الحقوق إقامة العدل بينهم، والإحسان بهم، وخفض الجناح لمؤمنهم؛ يقول تعالى:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} [النساء: 58] ويقول: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ} [النحل: 90] ويقول: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الشعراء: 215] كما أن من حق الرعية عليكم أن تحوطوهم بالنصح، وأن تسعوا بإخلاص وجد فيما يجلب لهم النفع، ويدرأ عنهم الضرر، وأن تتجنبوا كل ما يثير نفوس أفراد الرعية، ويعرضهم للحقد والمنازعة كالاستئثار بالمصالح، ومعاملتهم بالشدة والقسوة، وتكليفهم ما يعنتهم ويشق عليهم ونحو ذلكم، مما يسبب بغض الرعية للراعي، ويعرضه للمنازعة في الدنيا، وللعذاب الأليم في الآخرة. يقول صلى الله عليه وسلم، فيما رواه البخاري ومسلم:«ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته، إلا حرم الله عليه الجنة» وفي رواية لمسلم: «ما من أمير يلي أمور المسلمين، ثم لا يجهد لهم وينصح، إلا لم يدخل معهم الجنة» .
وروي عن عائذ بن عمرو - رضى الله عنه - أنه دخل على عبيد الله ابن زياد، فقال: أي بني: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن شر الرعاة الحطمة، وإياك أن تكون منهم» والحطمة: هو الشديد الغليظ القاسي، قليل الرحمة والشفقة والحنان ويقول مستجاب الدعوة صلى الله عليه وسلم:«اللهم من ولي من أمر أمتي شيئًا فشق عليهم فاشقق عليه، ومن ولى من أمر أمتي شيئًا فرفق بهم فارفق به» .
أقول قولي هذا، وأسأل الله تعالى أن يوفق ولاة أمور المسلمين، وحماة الإسلام لما فيه صلاح دينهم ورعاياهم. إنه تعالى خير مسئول، غفور رحيم (1) .
(1) أحاديث الجمعة ص 39 - 41.