الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الفصل السادس المغازي والسير]
[صفات المصطفى صلى الله عليه وسلم]
صفات المصطفى صلى الله عليه وسلم الحمد لله الذي ألبس المتقين لباس التقوى، وزيّن المؤمنين بزينة الإيمان، وقال في كتابه:{لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [آل عمران: 164] فنحمده تعالى على ذلك وبعد:
إخوة الإيمان: أنبأنا كتاب الله عز وجل وهو أصدق الكتب بيانًا لأحوال الأمم وتواريخها، أن الناس كانوا قبل بعثة نبينا عليه الصلاة والسلام في ضلال مبين وجهل عميق وعادات سيئة، يئدون البنات، ويحلون الميتات، ويعبدون الأصنام، ويقطعون الأرحام، ويشنون الغارات للسلب والنهب فيفضي ذلك بهم بطبيعة الحال إلى إراقة الدماء بغير الحق ظلمات بعضها فوق بعض كل ذلك كان في زمن فترة من الرسل، وانقطاع الوحي من السماء، وكان إذ ذاك رجال عقلاء يرقبون أن تتبدل هذه الأحوال - التي نغصت عليهم عيشتهم - إلى خير منها، فتداركهم الله بلطفه ورحمته إذ أرسل فيهم رسول السلام وصفوته من الأنام سيدنا محمدًا صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الكرام، فسعى هذا الرسول العظيم سعيه، وبذل جهده يدعوهم إلى الهدى وردهم عن الردى، يقودهم إلى العلم ليخرجهم من الظلمات إلى النور، ويسوقهم إلى العمل ليستغنوا عن غارات السلب والنهب، ويحثهم على مكارم الأخلاق ليحيوا حياة طيبة، قال تعالى:{وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [آل عمران: 164] وقال
تعالى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 128] وقال تعالى: {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ - يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [المائدة: 15 - 16] وقال تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [المائدة: 19] إلى غير ذلك من الآيات الواردة في رفعة شأنه وعلو مكانته، فما علينا إلا أن نقدر هذا الرسول العظيم حق قدره، أولا: بمعرفة ما كان عليه من جميل الخصال، وما قام به من جليل الأعمال، وثانيًا: بطاعته فيما جاءنا به من البينات والهدى، وما أمرنا به من مكارم الأخلاق إن كنا مؤمنين به ومحبين له فبذلك نحقق الغاية التي بعث بها ونثبت محبتنا له إذ لا قيمة لمحبة لا طاعة فيها للمحبوب.
وهنا يجدر بي أن أبين لكم بعض أخلاقه التي كان عليها فإنه عليه الصلاة والسلام المثل الكامل في مكارم الأخلاق فأقول: روى الترمذي في كتابه الشمائل المحمدية بسنده عن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما قال الحسين رضي الله عنه: سئل أبى عن سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم في جلسائه فقال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم دائم البشر سهل الخلق لين الجانب، ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب ولا فحاش، ولا عياب ولا مشاح يتغافل عما لا يشتهي، ولا يؤيس منه راجيه، ولا يخيب فيه طالبه قد ترك نفسه من ثلاث: المراء والإكثار وما لا يعنيه، وترك الناس من ثلاث كان لا يذم أحدًا ولا يعيبه،
ولا يطلب عورته، ولا يتكلم إلا فيما رجا ثوابه، وإذا تكلم أطرق جلساؤه كأنما على رؤوسهم الطير، فإذا سكت تكلموا لا يتنازعون عنده الحديث، ومن تكلم عنده أنصتوا له حتى يفرغ، حديثهم عنده حديث أولهم، يضحك مما يضحكون منه، ويتعجب مما يتعجبون منه، ويصبر للغريب على الجفوة في مسألته حتى أن كان أصحابه ليستجلبونهم (أي يجلبون الغرباء إلى مجلسه صلى الله عليه وآله وسلم ليستفيدوا من مسألتهم ما لا يستفيدونه عند عدم وجودهم) ويقول إذا رأيتم طالب حاجة يطلبها فأرفدوه ولا يقبل الثناء إلا من مكافئ، ولا يقطع أحد حديثه حتى يجوز فيقطعه بنهي أو قيام» (انتهى ما رواه الترمذي) ، ومن شمائله عليه الصلاة والسلام أنه كان أعلم الناس، وأورع الناس، وأزهد الناس وأعدل الناس، وأحلم الناس، وأعف الناس، لم تمس يده يد امرأة لا يملك رقها أو عصمة نكاحها، أو لا تكون ذا محرم منه صلى الله عليه وسلم، وكان لا يواجه أحدًا بمكروه، ولا يتعرض في وعظه لأحد معين، بل يتكلم خطابًا عامًا، كان يقبل على أصحابه بالمباسطة حتى يظن كل منهم أنه أعز عليه من جميع أصحابه.
كان أشد الناس حياءً لا يثبت بصره في وجه أحد، كان يجيب دعوة الحر والعبد ويقبل الهدية ولو أنها جرعة لبن، أو فخذ أرنب، ويكافئ عليها، ويأكلها ولا يأكل الصدقة، كان يعود مرضى المساكين الذين لا يؤبه لهم. كان يتلطف بخواطر أصحابه ويتفقد من انقطع عن مجلسه، وكثيرًا ما يقول لأحدهم لعلك يا أخي وجدت مني أو من إخواننا شيئًا، كان يحب الطيب ويكره الرائحة الرديئة، كان يكرم أهل الفضل في أخلاقهم، ويتألف أهل
الشرف بالإحسان إليهَم، كان يكرم ذوي رحمه ويصلهم من غير أن يؤثرهم على غيرهم ممن هو أفضل منهم، كان لا يجفو على أحد ولو فعل ما فعل، كان له صلوات الله وسلامه عليه عبيد وإماء، وكان لا يرتفع عليهم في مأكل ولا ملبس، كان لا يمضي له وقت في غير عمل لله عز وجل أو فيما لا بد له من إصلاح نفسه، كان أبعد الناس غضبًا وأسرعهم رضًا، وكان أرأف الناس بالناس وأنفع الناس للناس، وفي هذا القدر كفاية لمن وفقه الله للاقتداء به، فأخلاقه العظيمة صلوات الله وسلامه عليه لا يحصيها إلا الله الذي شهد له بقوله:{وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4] فلنقتد به في أخلاقه الكريمة والله الموفق والمعين.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.