الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الفصل الرابع الأخلاق والسلوك]
[مقابلة السيئة بالحسنة والمودة بين المسلمين]
مقابلة السيئة بالحسنة والمودة بين المسلمين الحمد لله الذي وعد على مقابلة الإساءة بالإحسان خير الجزاء. أحمده سبحانه على السراء والضراء. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدًا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، خاتم الرسل وأفضل الأنبياء.
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه.
أما بعد فيا عباد الله: إن كل إساءة تقابل بالإحسان سوف يكون له الأثر الطيب في محو أثرها، ومعالجة ما أحدثته من صدع وجفاء ومن أجل ذلك وجه رب العزة عباده إلى اتباع السيئة بالحسنة فقال عز من قائل:{ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ} [المؤمنون: 96] وقال أيضًا: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت: 34] ولقد جاء في تفسيرها إذا أحسنت إلى من أساء إليك قادته تلك الحسنة إلى مصافاتك ومحبتك حتى يصير كأنه ولي لك حميم أي قريب إليك من الشفقة عليك والإحسان إليك، ومقابلة السيئة بالحسنة مرتبة عظيمة لا يرتقي إليها من عباد الله إلا من امتلك زمام نفسه وقسرها على ذلك. إذ فيه خيره وسعادته في الآجلة والعاجلة وصلاح مجتمعه.
ولقد تركز في النفوس غريزة حب الانتقام والتشفي والانتصار للنفس، فمن خالف هواه وأخذ بتوجيه مولاه وقابل السيئة بالحسنة دخل في إطار من ارتفع به رب العزة إذ يقول في معرض المدح والإشادة
{وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا} [فصلت: 35] أي ما يرتقي إلى هذه المرتبة العظيمة إلا من صبر على كظم الغيظ واحتمال المكروه {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [فصلت: 35] أي ذو حظ وافر من السعادة في الدنيا والآخرة.
أما السعادة في الدنيا فبائتلاف القلوب على محبة صاحب هذا الخلق العظيم ورعاية مصالحه والعطف عليه؛ فلا يكاد يجد له عدوا يكيد له أو يتربص به الدوائر، وتلك سعادة يحلم بها كل من عاش على الغبراء في قطع مرحلة الحياة.
أما السعادة في الآخرة فلقد فسر بعض السلف الحظ العظيم في الآية بالجنة أي لا يرتقي إلى هذا الخلق العظيم إلا من وجبت له الجنة وحسبكم يا عباد الله بالجنة غاية كريمة وسعادة، وصفها الرب الكريم بعد أن عرض صفات المحسنين وما تخلقوا به من الخلق العظيم فقال:{أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} [آل عمران: 136] وعلى العكس من صاحب هذا الخلق الكريم نجد الفاحش البذيء الذي يتقيه الناس لفحشه وسلاطة لسانه وطعنه فيهم وهمزه ولمزه لهم. إنه لا يستقيم له أمر ولا يصفو له وداد ولا ينطوي على حبه قلب أو ينهض لرعاية مصالحه أو الذب عنه بعيد ولا قريب فيخسر بذلك دنياه إذ يقطع مرحلة الحياة منبوذًا من المجتمع بالإضافة إلى خسارة عقباه، لقد ورد في الحديث من الوعيد الصارخ لهذا الصنف من الناس في أي وضع يكون فيه بين المجتمع سيدًا أو مسودًا من العظماء أم من الدهماء قوله صلى الله عليه وسلم:«إن من شرار الخلق منزلة يوم القيامة من تركه الناس اتقاء فحشه» ، وفي رواية
أخرى «اتقاء شره» وفي حديث آخر «إن الله يبغض الفاحش البذيء الذي يتكلم بالفحش» ، وفي حديث آخر يشرح فيه رسول الهدى صلى الله عليه وسلم واقع المفلس فيقول:«المفلس من أمتي من جاء يوم القيامة بصلاة وزكاة ويأتي وقد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا، فيعطي هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار» .
وحسبكم بذلك يا عباد الله خسارة ليس لها من تعويض، فاتقوا الله عباد الله وحذار من التجني على عباد الله في أي لون من ألوان التجني ففي ذلك فساد العاجلة والآجلة، وقابلوا كل إساءة بإحسان مستشرفين لبلوغ الفضل في ذلك الذي يحفز إليه الملك الديان إذ يقول:{وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [الشورى: 43] نفعني الله وإياكم بهدي كتابه أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.