الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[النهي عن الابتداع في شهر رجب]
النهي عن الابتداع في شهر رجب الحمد لله الذي أمر باتباع رسوله وسلوك سبيله، ونهانا عن الابتداع في دينه، فقال سبحانه وتعالى:{اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ} [الأعراف: 3] وأشهد أن لا إله إلا الله، لا يقبل من الأعمال إلا ما شرعه، وكان خالصًا لوجهه - وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، حذر من البدع فقال:«وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة» صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تمسك بسنته ولم يحدث في الدين ما ليس منه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: أيها المسلمون اتقوا الله تعالى، واعلموا أن البدع والمحدثات في الدين أصل كل بلاء وفتنة، وأن الشيطان يحرص كل الحرص على صد الناس عن الدين الصحيح، فإن رأى منهم عدم رغبة في الدين شجعهم على ذلك وزين لهم المعاصي والشهوات وفتح لهم أبواب الشبهات، وإن رأى منهم محبة للدين أدخل عليهم من البدع والزيادات ما يفسده عليهم فتنبهوا لذلك، واعلموا أن الشريعة جاءت كاملة لا تحتمل الزيادة والنقصان لأن الله تعالى يقول:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: 3] فلا مكان للبدعة في دين الله، قال الإمام مالك رحمه الله: من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمدًا صلى الله عليه وسلم خان الرسالة لأن الله يقول: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: 3] فما لم يكن يومئذ دينًا فلا يكون اليوم دينًا. إن المبتدع معاند لله مشاق له لأن الله حدد الطرق الموصلة إلى الخير وحصرها. وهذا المبتدع يريد أن يزيد عليها أو ينقص منها فجعل نفسه شريكًا لله في تشريعه وكفى بذلك ضلالًا وإثمًا مبينًا، والله أمر باتباع ما شرعه، فأبى
المبتدع ذلك واتبع هواه بغير هدى من الله.
عباد الله: كنا في هذه البلاد في عافية من كثير مما وقع فيه من البدع، ولكن لما تسهلت وسائل النقل وتوفرت وسائل الإعلام ووفد إلى بلادنا كثير ممن نشئوا على البدع وربما جاءوا ببدعهم يزاولونها عندنا، فربما يشتبه الأمر على كثير من عوامنا فوجب التنبيه على تلك البدع في أوقاتها حتى يكون المسلم على بصيرة من دينه، ومن هذه البدع ما يفعل في شهر رجب من العادات الجاهلية والأمور البدعية التي يزعم مرتكبوها أن شهر رجب خاصية على غيره، وليس الأمر كذلك، فإن شهر رجب أحد الأشهر الحرم، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا دخل شهر رجب قال:«اللهم بارك لنا في شهري رجب وشعبان وبلغنا رمضان» ، ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضل رجب حديث، بل عامة الأحاديث المأثورة فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم كلها كذب قاله شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله. وقد أحدث الناس في هذا الشهر عبادات لم يشرعها الله ولا رسوله. من ذلك تعظيم أول خميس منه وليلة أول جمعة منه، فإن تعظم هذا اليوم وتلك الليلة من رجب إنما حدث في الإسلام بعد المائة الرابعة، والحديث المروي في ذلك كذب باتفاق العلماء، ولا يجوز تعظيم هذا اليوم لأنه مثل غيره من الأيام. وقال الحافظ ابن رجب، فأما الصلاة فلم يصح في شهر رجب صلاة مخصوصة تختص به، والأحاديث المروية في فضل صلاة الرغائب في أول ليلة جمعة من شهر رجب كذب وباطل لا تصح، وهذه الصلاة بدعة عند جمهور العلماء. قال وأما الصيام فلم يصح في فضل صوم رجب بخصوصه شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه.
وروي عن عمر رضي الله عنه أنه كان يضرب أكف الرجال في صوم
رجب حتى يضعوها في الطعام ويقول: ما رجب؟ إن رجبًا كان يعظمه أهل الجاهلية فلما كان الإسلام ترك، وفي رواية كره أن يكون صيامه سنة، وأما العمرة فلم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه اعتمر في رجب، فلا فضل للعمرة في رجب على العمرة في غيره من الشهور كما يظنه بعض الناس، ومن البدع المنكرة التي تفعل في هذا الشهر بدعة الاحتفال بذكرى الإسراء والمعراج في الليلة السابعة والعشرين منه، يحتفلون في تلك الليلة ويخصصونها بأنواع من العبادات ما أنزل الله بها من سلطان فيخصون تلك الليلة بأذكار وأدعية وصلاة، وتخصيص تلك الليلة خطأ من عدة وجوه: أولًا: أن الإسراء لم يقم دليل على تعيين ليلته التي وقع فيها ولا على الشهر الذي وقع فيه فالعلماء مختلفون في زمانه فتخصيص ليلة من الليالي في رجب أو غيره للإسراء تخصيص لا دليل عليه.
ثانيا: لو ثبت تعيين الليلة التي وقع فيها الإسراء لم يجز لنا أن نخصص تلك الليلة بشيء لم يشرعه الله ولا رسوله فإنه لم يرد أن الرسول صلى الله عليه وسلم احتفل في تلك الليلة ولا خصها بشيء من العبادات، ولم يفعل ذلك خلفاؤه الراشدون من بعده ولا صحابته الكرام، ولا التابعون لهم بإحسان فلا يجوز لأحد بعدهم أن يحدث في الإسلام شيئًا لم يفعلوه.
ثالثًا: أنه يفعل في تلك الليلة وفي ذلك الاحتفال أمور منكرة، قال صاحب كتاب الإبداع في مضار الابتداع: وقد تفنن الناس بما يأتونه في هذه الليلة من المنكرات وأحدثوا فيها من أنواع البدع ضروبًا كثيرة كالاجتماع في المساجد وإيقاد الشموع والمصابيح فيها وعلى المنارات مع الإسراف في ذلك إلى أن قال:
وما أحسن سير السلف الصالح فإنهم كانوا شديدي المداومة على ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم لا يخرجون عن الثابت قيد شعرة، ويعتقدون الخروج عنه ضلالة لا سيما عصر الصحابة ومن بعدهم أهل القرون الثلاثة المشهود لهم بالخير رضي الله عنهم أجمعين، انتهى.
ومن العجيب أن بعضًا من هؤلاء الذين يحتفلون بمناسبة الإسراء والمعراج أو كثيرًا منهم لا يهتمون بما شرع فيه من الصلوات الخمس فبعضهم لا يصلي أبدًا وبعضهم لا يحضر صلاة الجماعة في المسجد وإنما ينشط في البدع ويكسل عن السنن والواجبات، ولا يحافظ على الجمع والجماعات.
عباد الله: إن البدع مع أنها حدث في الدين، وتغيير للملة، فهي آصار وأغلال تضاع فيها أوقات وتنفق فيها أموال، وتتعب فيها أجسام، وتبعد من الجنة وتقرب من النار، وتوجب سخط الله ومقته، ولكن أهل الغي والضلال لا يفقهون، وفي طغيانهم يعمهون، لا يزيدهم عملهم عن الله إلا بعدا ولا اجتهادهم وتعبهم إلا مقتًا وردا، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ - عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ - تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً - تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ - لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ - لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ} [الغاشية: 2 - 7]
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم (1) .
(1) انظر الخطب المنبرية لفضيلة الدكتور صالح الفوزان 2 / 62.