الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[حكمة تشريع الجمعة والحث على أدائها]
حكمة تشريع الجمعة والحث على أدائها الحمد لله الذي هدانا للإسلام وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.
أحمده سبحانه وأشكره على حلو نعمه ومر بلواه، وأستغفره وأتوب إليه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وكل من اهتدى بهديه إلى يوم الدين.
أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله سبحانه واعلموا أن ديننا الإسلامي لم يترك شأنًا من شئون الآخرة، ولا أمرا من أمور الدنيا إلا بينه ووضحه، ومهد أصوله وفروعه، وإن من محاسنه - وكله محاسن - مشروعية الاجتماع في يوم الجمعة وفرضيتها على الأعيان ما عدا المرأة والمسافر والصبي والعبد والمريض وسكان البادية. وما أحلاه من اجتماع وأعظمه من شعار تتجلى فيه مظاهر الوحدة، ويتجدد فيه التعارف بين المسلمين، وتستعيد الروح فيه بهجتها وسرورها. هذا اليوم الشريف والعيد المبارك ما طلعت الشمس على يوم أفضل منه ففيه خلق آدم، وفيه أدخل الجنة، وفيه أخرج منها، وفيه تقوم الساعة، وفيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم قائم يصلي يسأل الله شيئًا إلا أعطاه إياه. يوم دعيت إليه الأمم قبلنا فضلت عنه، وهدانا الله إليه، فاحمدوا الله - أيها المسلمون - وحققوا فيه ما دعاكم الله إليه في قوله:{فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: 9] والمراد بالسعي إلى ذكر الله الذي أمرتم به: هو الاهتمام بصلاة الجمعة، وما تتطلبه، وقصدها بخشوع وطمأنينة. وإياكم والتكاسل عنها فتعرضوا قلوبكم للطبع عليها بطابع قد لا
تسعدون بعده أبدًا، يقول صلى الله عليه وسلم:«لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم، ثم ليكونُن من الغافلين» ، وقال:«من ترك ثلاث جمع متهاونًا طبع الله على قلبه» .
عباد الله: إن الله شرع في هذا اليوم المبارك من العبادات ما فيه ترويض للنفوس، وتزكية للأرواح وصقل للعقائد، ومحو للذنوب، وتقوية للروابط بينكم، يقول صلى الله عليه وسلم:«لا يغتسل رجل يوم الجمعة ويتطهر ما استطاع من طهر، ويدهن أو يمس من طيب بيته، ثم يخرج فلا يفرق بين اثنين إلا بإذنهما، ثم يصلي ما كتب له ثم ينصت إذا تكلم الإمام إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى» ، وفي لفظ:«وزيادة ثلاثة أيام» ، وفي حديث آخر:«غسل الجمعة على كل محتلم وسواك ويمس من الطيب ما قدر عليه» ، وإياكم والتشاغل عن سماع خطبة الجمعة فتضيعوا المصلحة التي شرعت من أجلها. ومن ذلك تعاهد المسلمين بالتذكير والتوجيه إلى ما فيه سعادتهم دنيا وأخرى. افتحوا لسماعها الآذان، ووجهوا لها القلوب، وحذار من الكلام والإمام يخطب فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«من تكلم يوم الجمعة والإمام يخطب أو مس الحصى فقد لغى ومن لغى فلا جمعة له» ، وهذا نفي للثواب لا للإجزاء. وفي حديث آخر:«من تكلم والإمام يخطب فهو كمثل الحمار يحمل أسفارًا، والذي يقول له أنصت ليست له جمعة» . وإياكم وتخطي رقاب الناس، فقد رأى صلى الله عليه وسلم وهو يخطب رجلًا يتخطى رقاب الناس فقال:«اجلس قد آذيت وآنيت» . والمراد بالإيذاء: انتهاكه حرمة
المسلمين بتخطي رقابهم، والمراد بآنيت: أي تأخرت بالمجيء إلى الجمعة، يقول الله وقوله الحق:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ - فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الجمعة: 9 - 10] أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.