المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌[الصبر وأقسامه] الصبر وأقسامه الحمد لله الرب الرحيم الحكيم بما يقضيه - خطب مختارة

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌[مقدمة]

- ‌[فقه خطبة الجمعة]

- ‌[مهمة الإمام والخطيب ومسئوليتهما]

- ‌[تمهيد]

- ‌[الخطبة قيمتها ومنزلتها في الإسلام]

- ‌[فضل الجمعة ويومها]

- ‌[الفصل الأول خطب مأثورة]

- ‌[طرف من خطب النبي صلى الله عليه وسلم]

- ‌[أول خطبة خطبها صلى الله عليه وسلم بمكة حين دعا قومه]

- ‌[خطبة له صلى الله عليه وسلم في التذكير بالله تعالى والدعوة إلى حبه والتحابّ فيه]

- ‌[خطبة له صلى الله عليه وسلم بمنى]

- ‌[خطبة له صلى الله عليه وسلم في الحث على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر]

- ‌[خطبة له صلى الله عليه وسلم في التنفير من الدنيا]

- ‌[خطبة له صلى الله عليه وسلم في بيان فضل العلم]

- ‌[خطبة حجة الوداع]

- ‌[خطبة للصديق في الإخلاص والاعتبار]

- ‌[خطبة جامعة للفاروق فيها التنفير من تصديق الكهنة والحث على التحلي بالفضائل]

- ‌[شيء من خطب خامس الخلفاء الراشدين عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه]

- ‌[أول خطبة له رضي الله عنه بعد الخلافة]

- ‌[فضل كلمة لا إله إلا الله]

- ‌[التحذير من الشرك وأسبابه]

- ‌[الفصل الثاني العقيدة]

- ‌[معنى شهادة أن لا إله إلا الله ومقتضاها]

- ‌[معنى شهادة أن محمدًا رسول الله ومقتضاها]

- ‌[وجوب معرفة الله وتوحيده]

- ‌[وجوب عبادة الله وبيان معناها]

- ‌[حقيقة الإيمان وعلاماته]

- ‌[مُجْمل عقيدة أهل السنة والجماعة]

- ‌[الاستجابة لله ولرسوله وأثرها]

- ‌[وجوب تقديم محبة الله ورسوله على ما سواهما]

- ‌[وجوب تحكيم أمر رسوله صلى الله عليه وسلم]

- ‌[أركان الإسلام الخمسة]

- ‌[الإسلام هو المنقذ]

- ‌[التوكل على الله]

- ‌[وجوب إخلاص النية في الأعمال]

- ‌[التوسل إلى الله بالوسائل النافعة]

- ‌[التحذير من النفاق وذمه]

- ‌[الإسلام ونواقضه]

- ‌[الدعاء لولاة الأمور]

- ‌[ما لولاة الأمور وما عليهم من حق]

- ‌[ضرر تفريق الكلمة]

- ‌[الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر]

- ‌[التحذير من البدع]

- ‌[اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم والاعتصام بالقرآن]

- ‌[الزيارة المشروعة للقبور]

- ‌[في إنكار بدعة الاحتفال بمناسبة مولد النبي عليه السلام]

- ‌[تحريم الاحتفال بمناسبة هجرة الرسول عليه السلام]

- ‌[النهي عن الابتداع في شهر رجب]

- ‌[الحث على زيارة مسجد الرسول عليه السلام]

- ‌[طلب الشفاعة]

- ‌[الحث على مخالفة الكفار]

- ‌[التداوي المشروع والخرافات الباطلة]

- ‌[الفصل الثالث العبادات]

- ‌[أهمية الصلاة وحكمة تشريعها]

- ‌[الخشوع في الصلاة]

- ‌[بيان بعض الأحكام المتعلقة بالصلاة]

- ‌[حكمة تشريع الجمعة والحث على أدائها]

- ‌[شهر رمضان وفرضيته وتيسيره]

- ‌[فضل ليلة القدر وقيام الليل]

- ‌[الزكاة ومكانتها]

- ‌[الحج]

- ‌[وداع العام]

- ‌[الفصل الرابع الأخلاق والسلوك]

- ‌[مقابلة السيئة بالحسنة والمودة بين المسلمين]

- ‌[المحافظة على الأمانة]

- ‌[خلق الرحمة]

- ‌[صلة الرحم]

- ‌[حسن الجوار وحقوق الجار]

- ‌[خطر شهادة الزور]

- ‌[التحذير من الرشوة]

- ‌[مضار الخمر والتحذير منه]

- ‌[عقوبة الزنا واللواط]

- ‌[خطر الغيبة والنميمة]

- ‌[الفصل الخامس الرقائق]

- ‌[التوبة من المعاصي]

- ‌[الخوف من عذاب الله]

- ‌[أشراط الساعة]

- ‌[الصبر وأقسامه]

- ‌[فوائد التقوى]

- ‌[فضل ذكر الله تعالى]

- ‌[الفصل السادس المغازي والسير]

- ‌[صفات المصطفى صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فضل الصحابة رضوان الله عليهم]

- ‌[فضل الجهاد في سبيل الله]

- ‌[غزوة بدر الكبرى]

الفصل: ‌ ‌[الصبر وأقسامه] الصبر وأقسامه الحمد لله الرب الرحيم الحكيم بما يقضيه

[الصبر وأقسامه]

الصبر وأقسامه الحمد لله الرب الرحيم الحكيم بما يقضيه في كل زمان، واللطيف بعباده حين تقلقهم الهموم والأحزان، الذي وعد الصابرين أجرهم بغير عد ولا حسبان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الديان، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الذي صبر على أقدار الله وعلى طاعة الله وعلى إيذاء بني الإنسان، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن اتبعوا أثرهم بإحسان وسلم تسليمًا.

أما بعد أيها الناس: اتقوا الله تعالى واعلموا أن الصبر من الدين بمنزلة الرأس من الجسد، فلا إيمان لمن لا صبر له، ومن يتصبر يصبره الله، وما أعطي أحدٌ عطاء خيرًا وأوسع من الصبر، وبه يظهر الفرق بين ذوي العزائم والهمم وبين ذوي الجبن والضعف والخور، والصبر من مقام الأنبياء والمرسلين، وحلية الأصفياء المتقين، قال الله تعالى عن عباد الرحمن:{أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا} [الفرقان: 75] وقال عن أهل الجنة: {وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ - سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} [الرعد: 23 - 24] والصبر ثلاثة أقسام صبر على طاعة الله، وصبر عن محارم الله، وصبر على أقدار الله التي يجريها إما مما لا كسب للعباد فيه وإما مما يجريه الله على أيدي بعض العباد من الإيذاء والاعتداء.

فالصبر على طاعة الله أن يحبس الإنسان نفسه على العبادة ويؤديها كما أمره الله تعالى وأن لا يتضجر منها أو يتهاون بها أو يدعها فإن ذلك

ص: 271

عنوان هلاكه وشقائه، ومتى علم العبد ما في القيام بطاعة الله من الثواب هان عليه أداؤها وفعلها، فالحسنة ولله الحمد إذا أخلص الإنسان فيها لله واتبع رسول الله كانت بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، والله يضاعف لمن يشاء وفضل الله ليس له حد ولا انحصار.

وأما الصبر عن معصية الله فأن يحبس الإنسان نفسه عن الوقوع فيما حرم الله عليه مما يتعلق بحق الله أو حقوق عباده، ومتى علم ما في الوقوع من المحرم من العقاب الدنيوي والأخروي والاجتماعي والفردي وإن ذلك مما يضر بعاقبة أمره بل ويضر بمجتمعه فإن الذنوب عقوباتها في الدنيا قد تعم، ويبعث الناس على أعمالهم ونياتهم، متى علم العاقل ما يقع من جراء الذنوب أوجب ذلك أن يدعها خوفًا من علام الغيوب.

وأما الصبر على أقدار الله فمعناه أن يستسلم الإنسان لما يقع عليه من البلاء والهموم والأسقام، وأن لا يقابل ذلك بالتسخط والتضجر وفعل الجاهلية المنكر في الإسلام، وأن يعلم أن هذا البلاء لنزوله أسباب وحكم لا يعلمها إلا الله، وأن يعلم أن لدفعه ولرفعه أسبابًا من أعظمها لجوؤه ودعاؤه وتضرعه إلى مولاه، فهذه الأمراض التي أرسلها الله تعالى على عباده إنما هي رحمة بهم ليرجعوا إليه وليعرفوا أنه هو المتصرف بعباده كما يشاء، فلا اعتراض عليه، له الملك وله الحمد، وله الخلق وله الأمر، وبيده الخير وهو على كل شيء قدير ومع هذا فتلك الأمراض لم يحصل فيها ولله الحمد نقص في النفوس ولا هلاك وإنما هي أمراض يسيرة خفيفة قدرها المولى ولطف بعباده فلله الحمد رب السماوات والأرض.

ص: 272

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى: 30]{مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [التغابن: 11]

فالإنسان يصاب بمصيبة في نفسه ومصيبة في أهله ومصيبة في أصحابه ومصيبة في نواح أخرى فإذا قابل هذه المصائب بالصبر وانتظار الفرج من الله صارت المصائب تكفيرًا لسيئاته ورفعة في درجاته وقد وردت الآيات والأحاديث الكثيرة في ذلك فقال الله تعالى: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ - الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ - أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة: 155 - 157] وقال النبي صلوات الله وسلامه عليه: «ما من مسلم يصيبه أذى من مرض فما سواه إلا حط الله من سيئاته كما تحط الشجرة ورقها» «وقال لامرأة من الصحابيات أبشري فإن مرض المسلم يذهب الله به خطاياه كما تذهب النار خبث الحديد والفضة» ، وقال «وما من مسلم يشاك بشوكة فما فوقها إلا كتب الله له بها درجات ومحيت عنه بها خطيئة» ، وقال:«صداع المؤمن وشوكة يشاكها أو شيء يؤذيه يرفعه الله بها يوم القيامة درجة ويكفر بها عنه ذنوبه» ، الصداع وجع الرأس، وقال صلى الله عليه وسلم: إن الله عز وجل قال: «إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه فصبر عوضته منهما الجنة - يريد عينيه -» ، وقال صلى الله عليه وسلم:«إن الرجل يكون له عند الله المنزلة فما يبلغها بعمل فما يزال الله يبتليه بما يكره حتى يبلغه إياها» ، وقال:«ما من مسلم يموت له ثلاثة أولاد لم يبلغوا الحنث إلا أدخله الله الجنة بفضل رحمته إياهم» ، وقال للنساء: «ما منكن

ص: 273

من امرأة تقدم ثلاثة من الولد إلا كانوا لها حجابًا من النار فقالت امرأة واثنين قال واثنين» ، فهذه الأحاديث وما ورد بمعناها بشرى للمؤمن يحتسب من أجلها المصائب التي يصيبه الله بها فيصبر عليها ويحتسب ثوابها عند الله، ويعلم أن ذلك من عند الله تعالى، وأن سببه من نفسه كما قال تعالى:{وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى: 30]

اللهم إنا نسألك أن تجعلنا ممن إذا ابتلي صبر، وإذا أنعمت عليه شكر، وإذا أذنب استغفر، واغفر لنا وارحمنا إنك أنت الغفور الرحيم أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

ص: 274