الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الاستجابة لله ولرسوله وأثرها]
الاستجابة لله ولرسوله وأثرها الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي أعدّ الجنة بمقتضى فضله وكرمه لعباده المؤمنين، وأعدّ النار بمقتضى عدله وحكمته للعصاة والكافرين، أحمده سبحانه لا أحصي ثناءً عليه وأستغفره، وأتوب إليه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله وأصلى وأسلم على أفضل خلقه محمد بن عبد الله، وعلى آله وأصحابه وأتباعه، وكل من دعا بدعوته صلاة وسلامًا دائمين إلى يوم الدين.
أما بعد: فيقول الله جلت قدرته وتعالت أسماؤه {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} [الأنفال: 24] عباد الله: في هذه الآية الكريمة ينادي الله عباده المؤمنين بأجلّ الأسماء وأحبها إليهم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا يناديهم مذكرًا لهم ما اتصفوا به من إيمان وما تحلّوا به من فضائل من لازمها وطابع المتحلّي بها أن يستجيب لأمر الله طائعًا رغبًا ورهبًا، فيقول سبحانه:{اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ} [الأنفال: 24] أي أطيعوا الله واستقيموا واثبتوا على شرع الله وما جاءكم به رسول الله مهما كانت الأحوال أو قست الظروف إذا دعاكم الله ورسوله لما يحييكم.
والذي به حياتنا ودعينا إلى الاستجابة له والانقياد هو الإيمان، هو السنة والقرآن، هو الحق. وهذا إخبار صادق ووعد من قادر على الوفاء لا
يخلف الميعاد بأن المستجيب للحق سيحيا حياة طيبة، حياة عزّ وعمل: نعم، سيحيا يتلألأ له نوره وضاءً في الدنيا بنور البصيرة وسكنى القلوب، وبقاء الذكر والثناء الجميل، وفي الآخرة سيحيا حياة الخلود ونعم الحياة {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ} [النحل: 31]
فاتقوا الله- أيها المسلمون- واستجيبوا لله ولرسوله بامتثال الأوامر واجتناب النواهي، في العسر واليسر والمنشط والمكره وأثرة عليكم؛ استجِيبوا لله ولرسوله بإقامة الحدود:{وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ} [البقرة: 179] بإقامة العدل في أرض الله وبين عباده كل بحسبه وبقدر ما وَلِيَ، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} [النساء: 135] بإقامة الجهاد عسكريًا وثقافيًا. . فعدّوكم أيها المسلمون إن لم تغزوه غزاكم، وفي غزوه لكم عسكريًا قضاء على الحياة الحسيّة، وفي غزوه ثقافيًا قضاء على الروح المعنوية- عياذًا بالله- فاستجيبوا لله ولرسوله، فليس ثم لمن لا يستجيب إلا العار في الدنيا والنار في الآخرة، ولا جرم فلئن كانت الاستجابة لله ولرسوله نورًا فإن عدمها لظلام، لئن كانت الاستجابة حياةً فإن عدمها لموت؟ لئن كانت الاستجابة لله ولرسوله عزًا وعلوًا فإن عدمها لذل وهوان {وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ} [الحج: 18]
عباد الله: إن الحاكم العدل الرءوف بعباده آذننا من هذه الآية بأنه أملك لقلوب العباد منهم، يقلّبها كيف يشاء {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ} [الأنفال: 24]
روى البخاري عن عائشة قالت: «كانت يمين رسول الله: لا ومقلب القلوب» ، وفي هذا الإيذان منه تعالى بأنه أملك لقلوبنا منا إثر الأمر لنا بالاستجابة: إنذار وتحذير من التولي عن شرع الله وعدم الاستجابة له ولرسوله، وإعلام بأن عدم الانقياد وعدم الاستجابة من عوامل الحيلولة بين المسلم والاستقامة؛ بينه وبين معالم الحق، بينه وبين ما يشتهى:{فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} [الصف: 5] فاتقوا الله عباد الله وراقبوه فإن مصيركم ومرجعكم إليه تعالى، وسيجازى المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته، فإما جنة عرضها السموات والأرض أعدّت لمن استجاب وإما نار تلظى وعذاب أليم وسوء حساب لمن لا يستجيب.
يقول سبحانه وقوله الحق {لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ} [الرعد: 18]
أقول قولي هذا، وأسأل الله سبحانه أن يمنّ علينا بالاستجابة له ولرسوله، وبالثبات على ما يرضيه إلى أن نلقاه تعالى، وأن يغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات، إنه غفور رحيم (1) .
(1) انظر أحاديث الجمعة لفضيلة الشيخ عبد الله بن حسن القعود 2 / 127.