الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الخشوع في الصلاة]
الخشوع في الصلاة الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم النبيين وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن سيدنا محمدًا عبد الله ورسوله إمام المرسلين، وخاتم النبيين، وسيد الخاشعين صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه ومن دعا بدعوته إلى يوم الدين.
أيها الاخوة المؤمنون: يتساءل الكثيرون عن الخشوع في الصلاة وكيف يبلغونه، وما السبيل إلى تحقيقه، ونحن ننقل الولاء الإخوة كلام إمام من أئمة المسلمين من تدبره وحاول إن استطاع كان - بإذن الله - من الذين هم في صلاتهم خاشعون.
قال ابن القيم (1) رحمه الله تعالى: وليس حظ القلب العامر بمحبة الله وخشيته والرغبة فيه وإجلاله وتعظمه من الصلاة كحظ القلب الخالي الخراب، فإذا وقف الإثنان بين يدي الله في الصلاة وقف هذا بقلب مخبت خاشع له قريب منه سليم من معارضات السوء، قد امتلأت أرجاؤه بالهيبة وسطع فيه نور الإيمان، وكشف عنه حجاب النفس، ودخان الشهوات فيرتع في رياض معاني القرآن، وخالط قلبه بشاشة الإيمان بحقائق الأحماء والصفات وعلوها وجمالها وكمالها الأعظم، وتفرد الرب سبحانه بنعوت جلاله وصفات كماله.
(1) كتاب الصلاة، ابن القيم ص 171، بتحقيق تيسير زعيتر، المكتب الإسلامي.
فاجتمع همه على الله، وقرت عينه به، وأحس بقربه من الله قربًا لا نظير له ففزع قلبه له، وأقبل عليه بكليته، وهذا الإقبال منه بين إقبالين من ربه فإنه سبحانه أقبل عليه أولا فانجذب قلبه بإقباله، فلما أقبل على ربه حظي منه بإقبال آخر أتم من الأول.
وههنا عجيبة من عجائب الأسماء والصفات تحصل لمن تفقه قلبه في معاني القرآن وخالط بشاشة الإيمان بها قلبه بحيث يرى لكل اسم وصفة موضعًا من صلاته ومحلًا منها فإذا انتصب قائمًا بين يدي الرب تبارك وتعالى شاهد بقلبه قيوميته وإذا قال " الله أكبر " شاهد كبرياءه. وإذا قال: " سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك "، شاهد بقلبه ربًا منزهًا عن كل عيب، سالمًا من كل نقص، محمودًا بكل حمد، فحمده يتضمن وصفه بكل كمال وذلك يستلزم براءته من كل نقص تبارك الله، فلا يذكر على قليل إلا كثره، ولا على خير إلا أنماه وبارك فيه، ولا على آفة إلا أذهبها، ولا على الشيطان إلا رده خاسئًا داحرًا، وكمال الاسم من كمال مسماه فإذا كان هذا شأن اسمه الذي لا يضر معه شيء في الأرض ولا في السماء فشأن المسمى أعلى وأجل، وتعالى جده أي ارتفعت عظمته وجلت فوق كل عظمة وعلا شأنه على كل شأن وقهر سلطانه كل سلطان فتعالى جده أن يكون معه شريك في ملكه وربوبيته أو في إلهيته أو في أفعاله أو في صفاته كما قال مؤمنو الجن:{وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا} [الجن: 3] فكم في هذه الكلمات من تجل لحقائق الأسماء والصفات على قلب العارف بها وغير المعطل لحقائقها، وإذا قال
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم فقد آوى إلى ركنه الشديد واعتصم بحوله وقوته من عدوه الذي يريد أن يقطعه عن ربه ويباعده عن قربه ليكون أسوأ حالًا.
فإذا قال: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 2] وقف هنيهة يسيرة ينتظر جواب ربه له بقوله: «حمدني عبدي» فإذا قال: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة: 3] انتظر الجواب بقوله: «أثنى عليّ عبدي» فإذا قال: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة: 4] انتظر جوابه بقوله «مجدني عبدي» .
فيا لذة قلبه وقرة عينه وسرور نفسه بقول ربه: " عبدي " ثلاث مرات، فوالله لولا ما على القلوب من دخان الشهوات وغيم النفوس لاستطيرت فرحًا وسرورًا بقول ربها وفاطرها ومعبودها «حمدني عبدى» و «أثنى علي عبدي» و «مجدني عبدي» ثم يكون لقلبه مجال من شهود هذه الأسماء الثلاثة التي هي أصول الأسماء الحسنى وهي " الله " و " الرب " و " الرحمن " فشاهد قلبه من ذكر اسم الله تبارك وتعالى إلها معبودًا موجودًا مخوفًا لا يستحق العبادة غيره ولا تنبغي إلا له، قد عنت له الوجوه وخضعت له الموجودات وخشعت له الأصوات تسبح له السموات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده {وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ} [الروم: 26] وكذلك خلق السموات والأرض وما بينهما، وخلق الجن والإنس والطير والوحش والجنة والنار، وكذلك أرسل الرسل وأنزل الكتب وشرع
الشرائع وألزم العباد الأمر والنهي.
وشاهد من ذكر اسمه رب العالمين قيومًا قام بنفسه وقام به كل شيء، فهو قائم على كل نفس بخيرها وشرها، قد استوى على عرشه وتفرد بتدبير ملكه فالتدبير كله بيديه ومصير الأوامر كلها إليه فالتدبيرات نازلة من عنده على أيدي ملائكته بالعطاء والمنع والخفض والرفع والإحياء والإماتة والتوبة والعزل والقبض والبسط وكشف الكروب وإغاثة الملهوفين وإجابة المضطرين {يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} [الرحمن: 29] لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع ولا معقب لحكمه ولا راد لأمره ولا مبدل لكلماته تعرج الملائكة والروح إليه وتعرض الأعمال أول النهار وآخره عليه فيقدر المقادير ويوقت المواقيت ثم يسوق المقادير إلى مواقيتها قائمًا بتدبير ذلك كله وحفظه ومصالحه.
ثم يشهد عند ذكر اسم " الرحمن " جل جلاله ربًا محسنًا إلى خلقه بأنواع الإحسان متحببًا إليهم بصنوف النعم وسع كل شيء رحمة وعلمًا وأوسع كل مخلوق نعمة وفضلًا فوسعت رحمته كل شيء ووسعت نعمته كل حي فبلغت رحمته ما بلغ علمه فخلق خلقه برحمته وأنزل كتبه برحمته وأرسل رسله برحمته وشرع شرائعه برحمته وخلق الجنة برحمته والنار أيضًا برحمته فإنها سوطه الذي يسوق به عباده المؤمنين إلى جنته ويطهر بها أدران الموحدين من أهل معصيته، وإنها سجنه الذي يسجن فيه أعداءه من خليقته. فتأمل ما في أمره ونهيه ووصاياه ومواعظه من الرحمة البالغة والنعمة السابغة وما في حشوها من الرحمة والنعمة، فالرحمة هي السبب المتصل منه
بعباده كما أن العبودية هي السبب المتصل منهم به فمنهم إليه العبودية ومنه إليهم الرحمة.
وهنا نتوقف لنستكمل بقية معاني بعض فاتحة الكتاب في الأسبوع القادم إن شاء الله. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد: 24] بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.