الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فضل ليلة القدر وقيام الليل]
فضل ليلة القدر وقيام الليل الحمد لله الذي من على عباده بمواسم الخيرات ووفق من شاء منهم لاغتنام هذه المواسم بفعل الخيرات وخذل من شاء منهم فكان حظه التفريط والخسران وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له رب الأرض والسموات وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أفضل الخلق أجمعين صلى الله عليه وعلى اله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان مدى الدهور والسنين وسلم تسليمًا.
أما بعد: أيها الناس، اتقوا الله تعالى واغتنموا مواسم الخير بعمارتها بما يقرب إلى ربكم واحذروا من التفريط والإضاعة فستندمون على تفريطكم وإضاعتكم، إخواني: من لم يربح، في هذا الشهر الكريم ففي أي وقت يربح ومن لم ينب فيه إلى مولاه ففي أي وقت ينيب؟ ومن لم يزل متقاعدًا عن الخيرات ففي أي وقت تحصل له الاستقامة والفلاح، فبادروا يرحمكم الله فرص هذا الشهر قبل فواتها واحفظوا نفوسكم عما فيه شقاؤها وهلاكها، ألا وإن شهركم الكريم قد أخذ بالنقص والاضمحلال وشارفت لياليه وأيامه الثمينة على الانتهاء فتداركوا أيها المسلمون ما بقي منه بالأعمال الصالحة، وبادروا بالتوبة من ذنوبكم لذي العظمة والإكرام واعلموا أن الأعمال بالخواتيم فأحسنوا الختام، لقد مضى من هذا الشهر الكريم الثلثان وبقي منه الثلث وهي هذه العشر فاغتنموها بالعزائم الصادقة وبذل المعروف والإحسان وقوموا في دياجيها لربكم خاضعين ولبره وخيراته راجين ومؤملين ومن عذابه وعقابه مستجيرين مستعيذين فإنه تعالى أكرم الأكرمين وأرحم
الراحمين وهو الذي يقول: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة: 186] وهو الذي ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيعرض على عباده الجود والكرم والغفران يقول: «من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له» ، وفي هذه العشر ليلة القدر المباركة التي يفرق فيها كل أمر حكيم ويقدر فيها ما يكون في تلك السنة بإذن الله سبحانه وتعالى، تنزل فيها الملائكة من السماء وتكثر فيها الخيرات والمصالح والنعماء من قامها إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن فرط فيها وحرم خيرها فهو الملوم والمحروم أبهمها الله تعالى في هذه العشر فلم يبين عينها ليتزود الناس في جميع ليالي العشر من التهجد والقراءة والإحسان وليتبين في ذلك النشيط في طلب الخيرات من الكسلان فإن الناس لو علموا عينها لاقتصر أكثرهم على قيام تلك الليلة دون ما سواها ولو علموا عينها ما حصل كمال الامتحان في إعلاء الهمة وإدنائها فاطلبوها رحمكم الله بجد وإخلاص واسألوا الله فيها الغنيمة من البر والخيرات والسلامة من الإفلاس فإذا مررتم بآية رحمة فاسألوا الله من فضله وإذا مررتم بآية وعيد فتعوذوا بالله من عذابه وأكثروا في ركوعكم من تعظيم ذي العظمة والجلال وأما السجود فاجتهدوا فيه بعد التسبيح بالدعاء بما تحبون فإن أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد ويجوز للإنسان أن يدعو لنفسه ولوالديه وذريته وأقاربه ومن أحب من المسلمين وأطيلوا القيام بعد الركوع والجلوس بين السجدتين لتتناسب أركان الصلاة من القيام والركوع
والجلوس والسجود، والقيام بعد الركوع محل حمد وثناء فأكثروا فيه من الحمد والثناء، والجلوس بين السجدتين محل دعاء بالمغفرة والرحمة فأكثروا فيه من الدعاء وافتتحوا قيام الليل بركعتين خفيفتين، لأن الشيطان يعقد على قافية العبد إذا نام ثلاث عقد فإذا قام وذكر الله انحلت عقدة فإذا تطهر انحلت الثانية وإذا صلى انحلت الثالثة ولكن إذا جاء أحدكم المسجد وقد أقام الإمام فليدخل معه ولو لم يفتتح القيام بركعتين خفيفتين لأن متابعة الإمام أهم.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم:{إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ - وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ - لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ - تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ - سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} [القدر: 1 - 5]
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ووفقني وإياكم لما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم (1) .
(1) انظر الضياء اللامع ص 174.