الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الفصل الثالث العبادات]
[أهمية الصلاة وحكمة تشريعها]
أهمية الصلاة، وحكمة تشريعها الحمد لله الذي فرض على عباده الصلوات لحكم عظيمة وأسرار جليلة وجعل هذه الصلوات مكفرات لما بينهن من صغائر الذنوب والأوزار وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو العظمة والعزة والاقتدار وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله إمام المتقين الأبرار صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه البررة الأطهار وسلم تسليمًا.
أما بعد أيها الناس: اتقوا الله تعالى واعرفوا ما لله من الحكم العظيمة فيما أمركم به من العبادات وفيما نهاكم عنه من موجبات الإثم والسيئات فإن الله تعالى لم يأمركم بالعبادة لاحتياجه إليكم؛ لأنه سبحانه غني عن العالمين وإنما أمركم. بما أمركم به لاحتياجكم إليه وقيام مصالحكم الدينية والدنيوية عليه فالعبادات التي أمر الله بها كلها صلاح للأبدان وصلاح للقلوب وصلاح للأفراد وصلاح للشعوب وإذا صلحت القلوب صلحت الأبدان قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: «ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب» ، أيها الناس: إنكم محتاجون إلى ربكم ومضطرون إليه ليس بكم غنى عنه طرفة عين فاعبدوه واشكروه وأديموا ذكره وشكره ولقد شرع الله لكم من العبادات ما يقربكم إليه ويستوجب الأجر والثواب، شرع لكم الصلوات الخمس التي تطهر القلوب من الذنوب، وتوصل العبد إلى غاية المطلوب. الصلوات التي هي صلة بين العبد وبين خالقه وفاطره يطهر ظاهره وباطنه، حين يريد الصلاة فيأتي اليها بطهارة الباطن والظاهر ويقف بين يدي ربه خاشعًا خاضعًا لا يلتفت بقلبه ولا بوجهه، قلبه
متصل بالله ووجهه إلى بيت الله فهو متوجه إلى ربه ظاهرًا وباطنًا يتلو كتابه ويتدبر ما يقوله ربه من أوامر ونواهي ويتأمل ما يتلوه من أحسن القصص التي بها المواعظ والاعتبار إذا مرت به أية رحمة طمع في فضل الله فسأل الله من فضله وإذا مرت به أية وعيد خاف من عذاب الله فاستعاذ به منه ثم يركع حانيًا ظهره ورأسه تعظيمًا لله الرب العظيم سبحان ربي العظيم مستحضرًا بذلك عظمة من لانت لعظمته الصعاب وخضعت لعزته الرقاب فيكون معظمًا لله بقلبه ولسانه وجسده بظاهره وباطنه ممتثلًا بذلك أمر ربه ورسوله حيث يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} [الحج: 77] ويقول سبحانه: {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} [الواقعة: 74] وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «اجعلوها في ركوعكم» ، ثم بعد أن يقول ما شاء الله من تعظيم يرفع رأسه مثنيا على ربه حامدًا له على إحسانه الكامل وصفاته العليا فإنه المحمود على كل حال المشكور بكل لسان ثم بعد ذلك يخر ساجدًا واضعًا أعلى جوارحه وأشرف أعضائه على الأرض وجميع أعضائه العاملة: الوجه واليدان والرجلان كلها لاطئة في الأرض ليس فيها شيء عالٍ على شيء وحينئًذ يستحضر من تنزه عن السفول يستحضر علو الرب الأعلى فيقول سبحان ربي الأعلى ينزه ربه عن السفول ويصفه بالعلو المطلق فإنه تعالى عال بذاته عال بصفاته فهو فوق كل شيء وصفاته أعلى الصفات وأكملها ومن أجل هذا التواضع الذي يضع الساجد فيه نفسه تعظيمًا لربه كان أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فبعد أن يسبح ربه الأعلى يدعو الله تعالى. مما أحب، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم:«وأما السجود فأكثروا فيه من الدعاء فَقمِنٌ (أي حرِيٌ) أن يستجاب لكم» ، وبعد هذا السجود والذل لله يقوم فيجلس جلسة الخاضع واضعًا يديه على فخذيه يسأل ربه المغفرة والرحمة والعافية ويستمر
في صلاته هكذا ما بين قيام وركوع وسجود ثم بعد ذلك يختم صلاته بتعظيم الله ووصفه بما هو أهله: التحيات لله والصلوات والطيبات، ويسلم على نبي الله ثم على نفسه ومن معه ثم على كل عبد صالح في السماء والأرض ثم يعود للصلاة والتبريك على نبي الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثم يستعيذ بالله من مضار الدنيا والآخرة، يقول أعوذ باللة من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيخ الدجال، ويدعو بما شاء، فالمصلي أيها المسلمون متنقل في رياض العبادة ما بين قيام وقعود وركوع وسجود وقراءة وذكر ودعاء، قلبه عند ربه في كل هذه الأحوال فأي نعيم أعظم من هذا النعيم وأي حال أطيب من هذه الحال ولهذا كانت الصلاة قرة عيون المؤمنين وروضة أنس المشتاقين وحياه قلوب الذاكرين فتثمر نتائجها العظيمة ويخرج المصلى بقلب غير قلبه الذي دخل به فيها يخرج بقلب ممتلئ نورًا وسرورًا وصدر منشرح للإسلام فسيحًا فيجد نفسه محبًا للمعروف كارهًا للمنكر ويتحقق له قوله تعالى:{إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت: 45]
عباد الله: إن عبادةً هذه نتائجها وعملًا هذا شأنه لجدير بنا أن نسعى لتحقيقه والعناية به وأن نجعله نصب أعيننا وحديث نفوسنا والله نسأل أن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته وأن يعيذنا من نزغات الشيطان وصده وأن يجعلنا ممن حقق قول الله تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] إنه جواد كريم (1) .
(1) الضياء اللامع ص 129.