الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[التداوي المشروع والخرافات الباطلة]
التداوي المشروع والخرافات الباطلة الحمد لله الذي له ما في السموات وما في الأرض، وله الحمد في الآخرة، وهو الحكيم الخبير، أحمده سبحانه وهو للحمد أهل، وأشكره وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله، اللهم صل على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: قال الله تعالى: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [يونس: 107]
عباد الله: النفع والضر بيد الله، وليس في استطاعة أي مخلوق أن يمنع الضر إذا أراده الله له، فالأمر كله لله وبيده، إذًا فلا حاجة إلى الالتجاء إلى غيره، في رفع ضر نزل، أو منعه قبل نزوله، ولا في إيصال الخير أو استمراره، فالله هو المدعو المستعان، المرجو لكشف الشدائد وإزالة المكروهات.
أيها المسلمون: الإنسان عرضة للأمراض والأسقام، وقد أمرنا بالتداوي، والأخذ بالأسباب المشروعة في إزالة المرض وتخفيفه، ونهينا عن تعاطي الأسباب التي لم تشرع، ولم يؤذن لنا بالأخذ بها، وهي مع ذلك لا تنفع بل تضر، فتعليق التمائم والخرز على الأولاد والدواب، خوفًا من العين تصيبهم، أو المرض يفتك بهم، شرك بالله، واعتماد على غيره، والرسول صلى الله عليه وسلم -
نهانا عن ذلك كله، وأخبر أنه لا يزيد متخذه إلا شرًا ومرضًا، وأنه اعتماد على غير الله في دفع الضر، أو جلب الخير.
أي فائدة تحصل من خيوط تربط، أو خرز يجمع، أو حلقة توضع في اليد والرجل أو حجاب، أو حروف مقطعة؛ لا خير في ذلك، ولا نفع يِرجى، بل كل ذلك شر وضلال وفساد في الفطر والعقول. «قال الرسول صلى الله عليه وسلم وقد رأى رجلًا في يده حلقة من صفر، " ما هذا؟ قال: من الواهنة - مرض معروف عند العرب - قال صلى الله عليه وسلم: انزعها لأنها لا تزيدك إلا وهنًا، فإنك لو مت وهي عليك، ما أفلحت أبدًا» ، أخبر صلى الله عليه وسلم: أن وضع الحلقة والتعلق عليها، لا ينفعه، بل يزيده مرضًا وضعفًا، وأنه لو مات وهي عليه: لن يحصل له الفوز والفلاح، وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:«من تعلق تميمة: فلا أتم اللهّ له، ومن تعلق ودعة: فلا ودع الله له» ، وفِى رواية «من تعلق تميمة فقد أشرك» ، فالنبي صلى الله عليه وسلم دعا على المعلق للتمائم والحروز، المعتمد عليها في جلب نفع، أو دفع ضر، أو أنها سبب لذلك، ودعا عليه بأن لا يتم له مقصوده، ولا يبلغ أمنيته، وبأن لا يكون في دعة وسكون وراحة، بل يكون في قلق واضطراب، لأنه اعتمد على غير الله، وخالف أمر الرسول صلى الله عليه وسلم، «جاء جماعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليبايعوه على الإسلام: فبايعهم إلا واحدًا، فقالوا: يا رسول الله بايعتهم إلا هذا فقال إن عليه تميمة فأدخل يده فقطعها فبايعه فقال: " من تعلق تميمة فقد أشرك» ، ودخل حذيفة، رضي الله عنه، على مريض يعوده، فلمس عضده، فإذا فيه خيط، فقال: ما هذا؟ فقال: شيء رقي لي فيه، فقطعه
وقال: لو مت وهو عليك ما صليت عليك، أنكر رضى الله عنه على من ربط خيطًا معتقدًا أنه سبب، لا أنه ينفع ويضر بنفسه، فكيف بمن يعتمد على التمائم والطلاسم والحروف المقطعة؟ ، فنحن مأمورون بالاعتماد على الله أولًا وقبل كل شيء ثم الأخذ بالأسباب المشروعة، فكل عمل، وكل سبب لم يؤذن لنا فيه، يجب علينا تركه، والابتعاد عنه، كما يجب علينا أن نربي أولادنا تربية صالحة، وأن نبعدهم عن الأوهام والخرافات، والتعلق على غير الله، وأن نحافظ على فطرهم السليمة التي فطروا عليها، حتى لا يعتمدوا إلا على الله، ولا يلجئوا في الشدائد والملمات إلا إليه وحده، ولا يكون للدجاجلة والمشعوذين بيننا سوق نافقة. وأن نقضي على ما يفسد عقائدنا وفطرنا من الضلالات والأوهام، ونقضي على مروجيها.
التمائم التي تعلق إن كانت من غير القرآن، أو أسماء الله وصفاته: فهي شرك بالله، أما إذا كانت من القرآن، أو أسماء الله وصفاته، فهي ممنوعة أيضًا، لأن النهي من الرسول صلى الله عليه وسلم عن التمائم عام، ولا مخصص له، ولأن منعها سد لذريعة الشرك وتعليِق غير القرآن؛ ولأن القرآن إذا علق فلا بد أن يمتهن عند قضاء الحاجة، والاستنجاء، وغير ذلك، ولأن القرآن لم ينزل إلا ليكون هدى للناس، وشفاء لما في الصدور، ولم ينزل ليتخذ حجبًا وتمائم، ولا ليتلاعب به المتأكلون به، الذين يشترون به ثمنًا قليلًا، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم (1) .
(1) انظر من أحاديث المنبر لفضيلة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن حسن آل الشيخ ص 59.