الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[وجوب تحكيم أمر رسوله صلى الله عليه وسلم]
وجوب تحكيم أمر رسوله صلى الله عليه وسلم الحمد لله باعث الرسل بآياته، المبين الحلال من الحرام. . المتفضل على عباده بجزيل الإنعام. . الذي أحل لنا الطيبات وحرم الحرام على أيدي رسله وأنبيائه الكرام. . أحمده سبحانه وتعالى على ما أنعم به علينا من النعم الجسام. . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك القدوس السلام. وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أكرم من صلى وصام. وطاف بالبيت العتيق ووقف بالمشعر الحرام. . صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه البررة الكرام عدد ما جلى النهار الظلام.
أما بعد: فيا عباد الله. . اعلموا رحمني الله وإياكم أن الدين مرجعه إلى الله سبحانه. . فهو الحاكم فيه وقد أرسل بالهدى. . فهو الإمام الأعظم الذي لا يقبل الله إيمان الناس حتى يعرضوا أمر الدين عليه ويرجعوا في التحكيم إليه. . كما قال جل وعلا: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: 65] وقال عز من قائل: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} [الشورى: 10] فالله سبحانه وتعالى أقسم في كتابه العزيز بأنه لا يؤمن من لا يحكمه في كل ما تنازع فيه هو وغيره ثم يرضى بحكمه ولا يجد في نفسه حرجًا مما حكم به. . وأخبر سبحانه أنه ليس لمؤمن أن يختار لنفسه شيئًا بعد أمر رسوله صلى الله عليه وسلم. . إذا أمر فأمره حتم والله هو المتفرد بالخلق والاختيار من المخلوقات. . قال تعالى: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ} [القصص: 68] فالطيب من كل شيء هو مختاره وأما خلقه فعام للنوعين وبهذا يُعلم عنوان السعادة للعبد وشقاوته. . فإن الطيب لا يناسبه إلا الطيب ولا يألف من الأعمال إلا طيبها. .
فهو يعبد الله وحده لا شريك له بعبادته ويؤثر مرضاته على هوى نفسه ويحسن إلى خلقه ما استطاع فيعاملهم. مما يحب أن يعاملوه به وله من الأخلاق أطيبها كالحلم والوقار والرحمة والصبر والوفاء وسهولة الجانب والصدق وسلامة الصدر من الغل والغش والحقد والحسد والتواضع لأهل الإيمان والعزة. . والغلظة على أعداء الله ولا يختار من المطاعم إلا أطيبها وهو الحلال الهني الذي يغذي به البدن والروح أحسن تغذية ولا يختار من الأصحاب إلا الطيبين ويكون مثواه طيبًا. . فهذا ممن قال الله فيهم {الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [النحل: 32] فالله جعل الخبيثات للخبيثين. . والخبيثون للخبيثات. . والطيبات للطيبين. . والطيبون للطيبات. . فالكلمات والأعمال. . والنساء الطيبات لمناسبيها من الطيبين. . والكلمات والأعمال والنساء الخبيثات لمناسبيها من الخبيثين. . وجعل الخبيث بحذافيره في النار. . وجعل الطيب بحذافيره في الجنة. . وجعل الدور ثلاثًا دارًا أخلصت للطيبين، وهي حرام على غير الطيبين وهي الجنة، ودارا أخلصت للخبيثين والخبيثات ولا يدخلها إلا الخبيثون وهي النار، ودارًا امتزج فيها الطيب والخبيث وخلط بينهما وهي هذه الدنيا وبهذا الابتلاء والمحنة وهذا كله بموجب الحكمة الإلهية فإذا كان يوم المعاد ميز الله الخبيث من الطيب فجعل الطيب وأهله على حدة لا يخالطهم غيرهم. . وجعل الخبيث وأهله على حدة لا يخالطهم غيرهم. فعاد الأمر إلى دارين. . الجنة وهي دار الطيبين والنار وهي دار الخبيثين. . فأنشأ سبحانه وتعالى من أعمال الفريقين ثوابهم وعقابهم فجعل طيبات أقوالهم وأعمالهم وأخلاقهم هي عين نعيمهم ولذاتهم فأنشأ لهم منها أكمل أسباب النعيم والسرور وجعل خبيثات أقوال الآخرين وأعمالهم وأخلاقهم هي عين عذابهم وآلامهم فأنشأ لهم منها أعظم
أسباب العقاب والشقاوة وآلام العذاب. . فالله سبحانه جعل للسعادة والشقاوة عنوانًا يُعرفان به. . فالخبيث يتفجر من قلبه الخبث على لسانه وجوارحه. . والطيب يتفجر من قلبه الطيب على لسانه وجوارحه. . وقد يكون في الشخص مادتان فأيهما غلب عليه كان من أهله. فإذا أراد الله بالعبد خيرا طهره من المادة الخبيثة قبل الوفاة فيوافي ربه يوم القيامة مطهرًا فلا يحتاج إلى تطهيره بالنار فيطهره منها ما يوفق له من التوبة والحسنات والمصائب المكفرة حتى يلقى الله. . وما عليه خطيئة، ويمسك عن الآخر مواد التطهير فيلقاه يوم القيامة بمادة خبيثة ومادة طيبة وحكمة الله تأبى أن يجاوره أحد في داره بخباثته فيدخله النار طهرة له وتصفية. . ولما كان المؤمن الطيب المطهر مبرأ من الخبائث كانت النار حرامًا عليه. . فيا عباد الله تمسكوا بهدى نبيكم صلى الله عليه وسلم واجعلوه أسوتكم وإمامكم في كل ما تعملون من أفعال وأقوال ولا تميلوا إلى اتباع النفس والهوى والشيطان فإنكم في دار ابتلاء وامتحان فطاعة الرسول طاعة لله. . والرسول يأمرنا بأمر الله يبين لنا الحلال من الحرام. . وينهانا عن الانحراف واتباع الأهواء والضلال أعوذ بالله من الشيطان الرجيم {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الحشر: 7] بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم. . ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم (1) .
(1) انظر الخطب المنبرية للشيخ إبراهيم آل يوسف 230.