الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفعل، ثبت في كلّ فعلٍ؛ إِذ لا قائل بالفرق.
ومنها قوله سبحانه، {إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده}. ودلالتها من وجهين:
أحدهما: أنّ عدوّ الإِنسان ضربان: إِنسانٌ من جنسه، وشيطانٌ من غير جنسه. وقد ثبت بالآية أنّ انتصاره على عدوّه مِن جنسه دائرٌ مع نصرِ الله، أو خذلانه له، وجودًا وعدمًا. فكذلك انتصاره على عدوّه مِن غير جنسه، وهو الشيطان، كذلك. ولا نعني، بنصر الله وخذلانه، إِلاّ خلقَ داعي مخالَفةِ الشيطانِ، أو خلق داعي موافقته. وقد سبق أنّ الفعل يجب عقيب الدَّاعي، وأنّ الله سبحانه خلَق [الفعلَ] له بواسطة الداعي.
الثاني: أنّ الانتصار على العدوّ في الشاهد ليس إِلاّ بالأمور المحسوسة المشاهَدة، وهي الكَرّ بالخيل والرِكاب، والطعن والضرب بالسلاح. ولو كان ذلك مستقلًا بالمقصود، لَمَا كان المؤثر هو نصر اللهِ، دلّ على أنّه سبحانه هو خالق النصر وأسبابه التي هي الكرّ والفرّ والطعن والضرب ونحوها. وفي هذا الوجه نظرٌ.
ومنها قوله تعالى: {يريد الله ألا يجعل لهم حظا في الآخرة} . وجه الاستدلال بها أنّ مسارعتهم في الكفر، لو كانت خلقًا لهم، لما أثُرت إِرادة اللهِ في ذلك. دَلّ على أنّ مسارعتهم ليست خلقًا لهم. ثمّ إنّ الإِرادة إِنما تأثيرها في تخصيص الأفعالِ في زمانٍ ومكانٍ ونوعِ وقدْرٍ، لا في نفس الإِيجاد، وإِنما المؤثّر في الإِيجاد القدرةُ. فدَلّ على أن إِرادة اللهِ وقدرته أثرتا في نفي حظهم في الآخرة؛ وما ذلك إِلاّ بخلق الكفرِ فيهم. والله أعلم.
سورة النساء
فمنها قوله تعالى: {وإِن تصبهم حسنة يقواو هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة يقولو هذه من عندك قل كل من عند الله} . أي كلّ واحدةٍ من السّيئة والحسنة من
عند الله. فظاهر الآيةِ حجّةٌ في الباب. لأنّ "سَيئة" فَيْعِلَةٌ، مِن "ساء يَسُوء"، وهي من سياق الشرط؛ فيَقتضي العمومَ، ويَتناول كلّ ما ساء؛ فيَدخل فيه الكفرُ والمعاصي. وكذلك الحسنة تتناول الإِيمانَ وسائرَ الطاعات. وقد أخبر الله سبحانه أنّ ذلك كلّه من عنده، أي بإِرادته وقضائه وقدرته. لكن قد قيل إنّ المراد "بالسيّئة" الجَدبُ والغَلاءٌ. وقيل: القتل والهزيمة؛ والحسنة ضدّ ذلك. وهو مقتضَى سببِ الآية وسياقها، وإِن كان خلافَ ظاهرِها وعمومِ لفظِها. فعلى هذا، ليست من حجج الباب. وقد سيق بعض الكلام فيها. ووجه الجمع بينها وبين قوله:{وما أصابك من سيئة فمن نفسك} . وبالغ في إِنكارِ ذلك عليهم، حيث قال:{فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا} .
ومنها قوله تعالى: {فما لكم في المنافقين فئتين والله بما كسبوا أتريدون أن تهدوا من أضل الله ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا} . وفيها على المكلوب ثلاثة أدلةٍ. أحدها:
قوله، {والله أركسهم} ؛ وهم قومٌ آمنوا، لمّ رجعوا عن الجهاد مع رسول الله. فاختَلَف الصحابةُ؛ فقال بعضُهم:"هم منافقون"؛ وقال بعضهم: "ليسوا منافقين". فنزلت الآية، وأخبر اللهُ أنّه هو أركسهم؛ أي "رَدَّهم". ومنه سُمى الرَجيعُ" رِكسَا".
الثاني: قوله: {أتريدون أن تهدوا من أضل الله} . نسب سبحانه الإضلالَ إِليه، كما نَسَب الهدى إِليه في غير موضعٍ. وحاول الزمخشريّ الخلاصَ من هذه بأن قال:{من أضل الله} ، أي "جَعَلَه من جملَة الضُلاّل، وحَكَمَ عليه بذلك"، أو "خَذَلَه حتى ضَل". وهيهات لات حين مناص! أمّا حملُها على الحكم بالضلال، فخلاف