الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
موضوعِ اللفظِ. ثمّ هو مجملٌ. فنحن نقول: "حَكَمَ" بمعنى "قَضَى وقَدَّر"؛ وهو يقول: بمعنى "أَبانَ وأَظَهرَ"؛ وهو نحوٌ من قولهم "الطبع والختم بالتسمية". وأمّا جعلُه ضالًا، أو خذلانه حتى ضَلَّ، فهو تَسليمٌ لما نقول. إِذ جعله ضالًا إِنما هو بخلقِ الضلالِ فيه وخذلانِه، حتى ضل من أسباب خلقِ الضلالِ، كما أنّ التوفيق من أسباب خلقِ الهدى.
الثالث: {ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا} ؛ أي إِلى الهدى. والفرق بين هذا والذي قبله أنّ ذاك خاصٌّ، أو في معناه، وهذا عامٌ، لأنّه في سياق الشرط.
ومنها قوله سبحانه: {مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا} . وهي كالتي قبلها.
ومنها قوله تعالى، {وقولهم قلوبنا غلف بل طبع الله عليها بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا} . فَنَسَب الطبعَ عليها إِليه. وقد سبق الكلامُ على معنى {بكفرهم} .
ومنها قوله سبحانه: {إن الذين كفروا وظلموا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريق إلا طريق جهنم} . فأخبر اللهُ سبحانه بأنّه يهديهم إِلى طريقِ النار، ولا يَهديهم إِلى طريق الجنّة. وإِن لم يكن هذا إِضلالًا، فليس في الوجود إِضلالٌ أصلًا. وقد بيّنّا أنّ كونَ ذلك مرتَّبًا على كفرِهم وظلمِهم لا يَنفي ما نقول بيانًا شافيًا. والله أعلم.
سورة المائدة
فمنها قوله تعالى: {فنسوا حظا مما ذكروا به فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة} . فَنسَب الإِغراءَ بينهم إِليه. ولا تأثير لكونِه مرتَّبًا على نسيانهم لكوِنه مرتَّبًا على نسيانهم حظًّا منه، لما سبق.
ومنها قوله تعالى: {ومن يرد الله فتنته فلن الملك له من الله شيئًا أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم} . ومن المعلوم أنّ إِرادة الله سبحانه فتنتَهم وعدمَ تطهيرِ قلوبهم قبل وجودهم. فلا يَصحّ للهصم أن يقول: "إِنهم لَمَّا كَفَروا، أ {اد بهم ذلك عقوبةً لهم". فإِن قيل: "أراده جاريًا على كفرهم عقوبةً"، قلنا: فهذا هو المراد.
وتأوّلها الزمخشريّ على معنى "مِن يُرِد اللهُ تَرْكَه مفتونًا، فلن تستطيع له مِن لُطفِ اللهِ شيئًا يَرُدّ به عن فتنتِه؛ ولم يُرِد تطهيرَ قلوبهم لعلمِه أنّ ذلك لا يَنفع". قلتُ: أمّا الأوّل، فهو على بُعدِه عن الظاهر، له نوع اتّجاهٍ. وأمّا الثانى، فهو كقولهم في المثل، "اضرِبْه على ذنبِه عشرةً، وعلى عُذرِه عشرين! " لأنّ الله سبحانه لو قَدّر أنّه أراد أن يُطهِّر قلوبهم من الكفر والشكّ، فإِمّا أن يكون ذلك مع إِرادةِ أنّه يَنفَع فيهم، أو لا. والأوّل مستلزِمٌ للنفع؛ أنّه سبحانه فعّالٌ لما يريد؛ وإِلاّ لزم نفوذُ إِرادتهم وإِرادة الشيطان فيهم، دون إِرادة البارئ سبحانه. والثاني يوجب الجمعَ بين الضدّين. وهو أنّه أراد التطهيرَ، ولم يُرِده؛ وهو محالٌ. فتبيَّن أنّ الآية قاطعةٌ في مذهب أهل الحقّ.
ومنها قوله تعالى في اليهود والنصارى: {ومن يتولهم منكم فإِنه منهم إِن الله لا يهدى القوم الظالمين} . فنَسَب نفىَ الهدى إِليه، فدَلّ على أنّه هو الفاعل له ولضدّه. ولا تأثير لترتُّب نفي الهداية لهم على ظلمِهم لنا سبق. ولعّله يريد الظالمين في علمِه؛ فيكون نفيُ الهدايةِ ابتداءَ الأمرِ، بناءً على ظلمٍ أو غيره.
ومنها قوله تعالى: {فسوف يأتى الله بقوم يحبهم ويحبوه} ، إِلى قوله:{ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء} . ونظائرها في القرآن، مِن اختصاصه سبحانه بفضلِه مَن يشاء. فدلّ على أنّه لا علّة للهداية والضلال إِلاّ مشيئة الله وقدرته.
ومنها قوله سبحانه: {وليزيدن كثيرًا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا} .