الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة الرعد
فمنها قوله سبحانه: {وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له وما لهم من دونه من وال} .
وهو، لكونه في سياق الشرط، عامٌ في كل في كل سوءٍ جَرَى على العبد من خارج نفسه، أو من فِعلِه. وقد أخبر اللهُ أنّ ما أراد مِن ذلك لا مرد له؛ فدّل على أنّه بتقديره. إِذ لو لم يكن بتقديره، لجاز أن يريده، فلا يكون؛ فيكون ما أراده من ذلك مرد، فيخالِفُ الخبرُ الخبرَ.
ومنها قوله سبحانه: {قل الله خالق كل شئ} . ونظيرها في سورة الزمر. وهو عامٌّ في الأعيان والأفعال. لكنّ الاعتراض عليه بأنّه عامٌّ مخصوصٌ بذات الله سبحانه وصفاته، عند المثبِتين لها. والعامّ دلالتُه على جميع الأفراد ظنّيّةٌ، لا قاطعةٌ. فإِذا خُصّ، ازدادَت دلالته ضعفًا؛ لوقوع الخلاف في بقائه حجّةً أم لا، وفي بقائه حقيقةً أو مجازًا. وبتقدير بقائه حجّةً، يجوز تخصيصُ محلِّ النزاع منه بدليلٍ. فنحن نخُص أفعالَ العبادِ مِن هذا العموم بأدلّتنا السابقة. فيبقى المخلوقُ لله سبحانه، ما عدا ذاته وصفاته وأفعال خلقه.
والجواب أنّ العامّ حجّةٌ بالجملة، وسواءٌ كانت دلالته قاطعةً أو ظنّيّةً. وهو حجةٌ بعد التخصيص. وتخصيص محل النزاع من بدليلٍ جائزٌ. لكنّ أدلّتكم السابقة قد أَجَبنا عنها بما مرَّ؛ وأكثرها لازمٌ عليكم.
ومنها قوله سبحانه: {قل إن الله يضل من يشاء ويهدى إليه من أناب} . وقد سبق لها نظائر. فإِن قيل: "رَتَّب الهُدى على الإِنابة؛ فدَلّ على أنّه لا يُضِلّ ويَهدي ابتداءً، بل مكافأةً على الطاعة والمعصية"، قلنا: هذا سؤالٌ سبق، وجوابه. وهو إِن ثبت ما ذكرتم، فالضلال والهداية وشبِهها الذي ترتَّبا عليه مخلوقاتٌ لله سبحانه. ويخصّ
هذا المكان ونحوه بأنّ المراد "يهدي إِليه مّن عَلِم أنّه لو تَرَكَه واختيارَه، لكان مُنيبًا"، وقد سبق تقريره. ثمّ نقول: إِن رَتَّب الهدايةَ على الإِنابة، فقد رتّب الاستدلالَ على المشيئة المجرّدة؛ وهو المطلوب.
ومنها قوله سبحانه: {أفلم ييأس الذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا} . وقد سبق نظيرها في سورة يونس وهودٍ عليهما السلام.
ومنها قوله سبحانه: {بل زين للذين كفروا مكرهم وصدوا عن السبيل ومن يضلل الله فما له من هاد} . فهذه الجملة كلّها نصوص المقصودِ. إِذ تضمّنَن تزيينَ المكر لهم؛ والمزيِّنُ لهم إِمّا الله، وإِمّا الشيطان، بتقديرِ اللهِ كما سبق. وأنهم صَدُّوا عن السبيل؛ والكلام في الصَدِّ كالتزيين. وأنّ مَن يُضللِه اللهُ فما له من هادٍ، كما سبق في الأعراف، ويأتي في الكهف، إِن شاء الله تعالى.
ومنها قوله سبحانه: {يمحو الله ما يشاء ويثبت} . هذه مِن شُبَه المسألةِ؛ وليست قاطعةٌ فيها. لأنّ جنس ما يمحوه ويُثبِته ليس مبنيًا فيها؛ لجواز أنّه يمحو ما يشاء ويُثبت مِن الأرزاق والآجال، أو القرآن نسخًا وحكامًا لكن قد رُوىَ في تأويلها آثارٌ عن السلف، تدلّ على المقصود. فروى عبد الرزّاق، عن الثوريّ، عن ابن أبي ليلى، عن المنهال، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، في قوله:{يمحو الله ما يشاء ويثبت} ، قال:"إلاّ الشقاء والسعادة والحياة والموت". قلتُ: يعني أنّ هذه الأشياء معلومةٌ عنده، سبق بها علمُه، ونفذَت فيها مشيئتُه، فلا تتغيّر.
ورَوى عن عن معمر بن سليمان، عن أبيه، قال: سُئل ابن عبّاسٍ عن "أمّ الكتاب"،