الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[وجوب الزكاة في مال الضمار]
ومنها: لا تاجب الزكاةُ في مال الضمار؛ كالضلال، والمدفون الضائع، ونحوه. إِذ ليس سببًا للطغيان.
[وجوب الزكاة في الحليّ]
ومنها: أنّ الزكاة تجب في الحليّ؛ لأنّ حاجة التحلّي به لا تمنع كونَه سببًا للطغيان. فتجب الزكاة تحصيلًا لمعنى الارتياض.
قال: "وعلى هذا تخرج مسائلُ الزكاة".
[الكلام على قاعدته في الزكاة]
قلتُ: مأخذ النزاعِ بيننا وبينهم في الزكاة أنها عبادةٌ مُعلَّلةٌ بما ذَكَر من الارتياض، أو أنها مؤونةٌ ماليةٌ وَجَبت للفقراء بقرابة الإسلام؟ وهذا الثاني أرجح. فلا جرم قلنا: تجب الزكاةُ في مال الصبيّ والمجنون؛ لأنهما، وإِن لم يكونا من أهلِ العبادات، فمالُهما محتملٌ للمواساة؛ كنفقة الأقارب. والوجوب على الوليِّ، لا عليهما. وتُؤخَذ من تركة الميّت، لأنها وَجَبَت بوجودِ سببها وشرطها، ونفقة الأقارب، وإِن سَقَطَت بمضةّ المدّةِ. إِلاّ إِن الزكاة ليست مجرَّدةً من معنى العبادة؛ ولهذا وَجبت فيها النيّةُ. أو تقول: غرامته ماليةٌ، كنفقةِ الزوجات، وهي لا تسقُط بمضيّ الزمان.
وأمّا سقوطها عن المديون، فليس لما ذكروه؛ بل لأنّ المواساة تَسبق عليه، ولا يحتملها حالُه؛ ولأنّ نفقةَ الأقارب إِنما تجب فيما فضل عن الضرورات. وإِذا أسقطناها عن مال الضمار؛ فلأنّه أشبَهَ الموجودّ؛ لثبوت المُلكِ. ولا تجب في الحليّ؛ لأنّه مصروفٌ عن وجهِ النَماء. فلا تتعلَّق به المواساةُ؛ ولا يُعلَّل بالطغيان.
والتحقيق في الزكاة أنّ لله سبحانه في إِيجابها حِكمتين. إِحداهما في مصدرها، وهو الغنيّ، ابتلاءً له بالطاعة، وامتحانًا بالسماح بما يحبُّه في طاعته. والثانية: في موردها، وهي إِغناءُ الفقراءِ ونفعُهم. ولهذا قيل:"الفقراءُ عالة الأغنياءِ". وقيل: "فَرَضَ
اللهُ سبحانه للفقراء في مال الأغنياء كفايَتهم. لكنّ بعض الأغنياء مَنَع ما يُستحَق عليه، وبعضهم أخذَ منها ما لا يَستحِقُّه، فضاق على الفقراء".
والحِكمتان ملحوظتان من الزكاة. أمّا معنى العبادة، فللاتّفاق على اشتراط النيّة فيها، واقترانها بالصلاة في الأمر بهما. وأمّا معنى المواساة، فلإجرائها ظاهرًا إِذا أُخذَت قهرًا من الممتنع. ولقوله تعالى، {إنما الصدقات للفقراء} ، الآية؛ جعَلَهم مصرفًا لها. ولهذا تَردَّدَت بين حقِّ الخالِق والمخلوق في بعض الأحكام. هذا فصلُ الخطابِ في المسألة.
ثمّ غَلَّب أبو حَنيفة فيها جانب العبادةِ. وغلّب غيرُه معن المؤونة الماليّة والمواساة. أمّا ما قرّره العالميّ من معنى الطغيان والرياضة، وأنّ المصلحة المقابلة لمفسدة الزكاة إِنما هي دَفعُ ضَرَرِ العقابِ لا غير، فضعيفٌ مخالِفٌ لصحيحِ النقلِ وصريحِ العقلِ.
أمّا صحيح النقل، فقولُه تعالى:{من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له وله أجر كريم} ؛ وقوله، {وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون} . فَوَعَدَ على الزكاة بالأجرِ الكريم والمضاعَفَة. وجَعَل ذلك جابِرًا لضررِ الزكاة.
وأمّا المعقول، فلأنّ الواحد منّا يُكلَّفُ عبدَه تكليفًا. ثمّ تارةً يَتَوعَّدُه على تَركِه، وتارةً يَعدُه على فِعلِه، وتارةً يجمَعُها له. وكذا الأمر في الزكاة؛ فإِنّ الوعد والوعيد فيما يتعلَّق بفعل الزكاةِ وتَرِكها كثيرً. وحينئذٍ، لا يَتعيّن دَفعُ العقابِ مرغوبًا في الزكاة، ليَخرُجَ منه الصبيُّ والمجنون. وقد يجرز أن تكون فائدةُ الزكاةِ دنيويّةً؛ وهي دفعُ المعرَّة عن الأغنياء بفاقة الفقراء؛ وهم بنو أبٍ واحدٍ وأمِّ واحدةٍ؛ فتُعَيِّرهم بذلك الملائكةُ والجنُّ. وتحقيقُ قولِهم:{أتجعل فيها من يفسد فيها} ، فلطفُ اللهِ سبحانه بدَفعِ تلك المعرّةِ عنهم. فتتناول هذه المصلحةُ الصبيَّ والمجنونَ. فقولُه، "لَم تجب إِلاّ لمعنى الارتياضِ"، تحَكُّمٌ. وقد تكون المصلحةُ ما يخلفه اللهُ عليه بالبركةِ مِن حيث لا يَعلمُ؛ حيث انقادَ للزكاةِ وسَلَّم.
وفي الحديث: "ما نَقَصَت صدقةٌ من مالٍ، بل تزداد". كما جاء فيه: "ما خالَطَت الصدقةُ مالًا إِلاّ أهلَكَته"؛ يعني خالَطَته بمنعِها، فيصير حقُّ الفقراءِ مختلِطًا بمالِ مَن وَجَبَت عليه الزكاةُ.
وقوله، "ليس النفعُ تحصيلَ الثوابِ؛ لأنّ تحصيلَه غير واجبٍ"، ممنوعٌ. بل هو واجبٌ عقلًا. والنفع والمصلحة تارةً يكونان بجلب خيرِ، وتارةً بدفع شرًّ. بدليل قوله عليه السلام:"ما من داعٍ يدعو، إِلاّ استُجيبَ له؛ فأُعطِيَ ما قال، أو ادُّخِر له في الآخرة، أو دُفِعَ عنه الشرّ مِثلُه". فجَعَلَ دَفعَ الشرِّ عِوضًا عن الخير المطلوب.
وبان بهذا أنّ قوله، "حصول النفعِ لا يَجبُر وقوعَ الضررِ" غيرُ صحيحِ. وإِذا نُوزِع في مقدّمات قاعدتِه، لم تَثبُت، ولا فروعُها.
وقولُه في الفرع الثاني: "إِنّ العقاب ممتنِعٌ في حقّ مَن مات، وعليه زكاةُ ظاهرةٌ"، غير صحيحٍ.
قلتُ: وممّا يتّجهُ تفريعُه على المأخذين تعلُّق الزكاةِ بالذمّةِ أو العينِ. إِن غلَّبنا فيها معنى العبادةِ، تعلَّقت بالذمّة، كالصلاة. وإِن غلَّبنا معنى المواساةِ، تعلَّقَت بالمال؛ لأنّه محلُّها.
ومنها إِذا تلفَ المالُ بعدَ الوجوب، وقبلَ إِمكان الأداءِ. إِن غُلب معنى الارتياض، سَقَطَت لزوال سببِه؛ كما لو مات المزَكِّي. وإِن غُلِّبت المواساةُ، لم تَسقُط، وانتّقّلّت عن المال بعد تَلَفِه إِلى الذمّة؛ لوجوبها قبلَ ذلك. بخلاف سقوطها عن المديونِ، وفى مال الضمار؛ لأنّ الوجوبَ هناك لم يَسبق.
فأمّا ضمّ أحدِ النقدّين إِلى الآخر في تكميل النِصاب، وإِخراجه القيمة في الزكاة، وجواز إِخراجها عن المصر، فيستوي فيهنّ المأخذان؛ لقيام سبب الارتياض والمواساة فيهنّ. ولهذا كان مذهب أصحابنا في الأخريين مرجوحًا.
ومن ذلك زكاة الفطر، يُعتبَر لوجوبها النصابُ الزكويّ، عنده. فلا تجب بدونه، نظرًا