الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث السادس: الآثار عن عمر بن عبد العزيز في النهي عن الشرك ووسائله
المطلب الأول: الآثار عن عمر بن عبد العزيز في النهي عن التطير
…
المبحث السادس الآثار عن عمر بن عبد العزيز في النهي عن الشرك ووسائله.
المطلب الأول: ما أثر عن عمر بن عبد العزيز من النهي عن التطير.
42/1- ابن عبد الحكم قال1: ولما خرج عمر بن عبد العزيز من المدينة نظرت فإذا القمر في الدبران فكرهت أن أقول ذلك له فقلت: ألا تنظر إلى القمر ما أحسن استواءه في هذه الليلة! فنظر عمر فإذا هو بالدبران فقال: كأنك أردت أن تعلمني أن القمر بالدبران، يا مزاحم إنا لا نخرج بشمس ولا بقمر ولكنا نخرج بالله الواحد القهار2.
التعليق:
يتبين من هذا الأثر عن عمر نهيه - رحمه الله تعالى- عن التطير، ولا شك أن من حقَّق التوكل على الله تبارك وتعالى لا يلتفت إلى الأوهام التي
1 القائل مولاه مزاحم.
2 ابن عبد الحكم سيرة عمر ص32، والدبران: منزلة من ثمانية وعشرين نجما هي أمهات المنازل، والدبران الكوكب الأحمر الذي على أثر الثريا بين يديه كواكب كثيرة مجتمعة، من أدناها إليه كوكبان صغيران يكادان يلتصقان، يقول الأعراب هما كلباه والبواقي غنمه أو نياقه، وسمي بالدبران لأنه دبر الثريا أي خلفها ونوؤه ثلاث ليال وقيل بل هو ليلة وهو غير محمود عندهم. "الأزمنة والأمكنة ص234 للمرزوقي الأصفهاني، ط. دار الكتب العلمية عام 1417هـ. وانظر الخليفة الزاهد لعبد العزيز الأهل ط. دار العلم للملايين بيروت الطبعة السادسة 1979م.
نسجها الجهال المنجمون حول مقارنة المخلوقات العلوية بعضها مع بعض على إحداث شيء أو منع شيء، أو إعطاء سعادة أو إصابة بنحس، بل لله الأمر جميعا، وكان العرب في الجاهلية يرون أن القمر إذا كان في الدبران فإن السفر في تلك الليلة مشئوم1 وهذا وهم وتطير، والتطير من الشرك لما فيه من تعلق القلب بغير الله تعالى، ولاعتقادهم أن التطير يجلب لهم نفعا أو يدفع عنهم ضرا إذا عملوا بموجبه، فكأنهم أشركوه مع الله تعالى2.
ومن المعلوم أن الشمس والقمر، والنجوم مخلوقات مربوبة لا تتصرف بنفسها وإنما يصرفها الله كيف يشاء فمن الخطأ البين والوهم التعلق بالخيالات التي لا حقيقة لها، واعتقاد أن هذه المخلوقات لها تصرف في الكون، وأن اتصال بعضها مع بعض يوجب سعادة أو شقاوة. وهذا ما كان عليه العرب في الجاهلية، ولما جاء الإسلام أبطله صلى الله عليه وسلم في غير ما حديث، كما أبطله السلف الصالح رحمهم الله تعالى كما مر في الأثر السابق عن عمر بن عبد العزيز حين قال لمزاحم- لما تطير -: إنا لا نخرج بشمس ولا بقمر، ولكنا نخرج بالله الواحد القهار.
1 انظر ما كتبه ابن القيم في بيان كراهية المنجمين للسفر والقمر في العقرب، ص216، مفتاح دار السعادة، وانظر كذلك الأزمنة والأمكنة ص234.
2 انظر تيسير العزيز الحميد ص438.
فتوكله رحمه الله وكمال توحيده بالتوكل جعله لا يعبأ بهذه الأوهام التي تطرأ على نفوس بعض بني آدم أحيانا.
وأصل التطير - وهو التشاؤم بما يراه أو يتعرض له في أثناء الخروج للسفر- أنهم كانوا في الجاهلية يعتمدون على الطير، فإذا خرج أحدهم لأمر فإن رأى الطير طارت يمنة تيمن بها واستمر، وإن رآها طارت يسرة تشاءم بها ورجع، وربما كان أحدهم يهيج الطير لتطير فيعتمد على طيرانها، فإذا طارت يمنة تيامن، وإن طارت يسرة تشاءم، فجاء الشرع بالنهي عن ذلك
…
وليس من تيامن الطير، وتياسرها ما يقتضي ما اعتقدوه، وإنما هو تكلف بتعاطي ما لا أصل له إذ لا نطق للطير ولا للدبران ولا للقمر، ولا تمييز فيستدل بفعلهم على مضمون معنى فيه، وطلب العلم من غير مظانه جهل من فاعله
…
وكان أكثر أهل الجاهلية يتطيرون ويعتمدون على ذلك ويصح معهم غالبا لتزيين الشيطان ذلك وبقيت من ذلك بقايا في كثير من المسلمين1، ولعل ما مر من محاورة عمر لمولاه مزاحم من هذه البقايا الموروثة عن عرب الجاهلية أو الصائبة، وقد صرحت الأحاديث الصحيحة بالنهي عن التطير فروى البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا عدوى ولا
1 انظر البخاري مع الفتح 10/212- 213.
طيرة
…
" 1، فالمؤمن المتوكل لا يتطير وكلما قوي توكل العبد على ربه وصفت عقيدته ابتعد عن الأوهام، وعن وساوس الشيطان وحبائله فنسأله تعالى حسن التوكل وصفاء العقيدة.
هذا وقد وفي العلامة ابن القيم موضوع التطير والفأل، ووجه الأحاديث الورادة في ذلك في كتابه مفتاح دار السعادة فأجاد وأفاد2.
1 البخاري مع الفتح 10/212، رقم (5753) .
2 انظر مفتاح دار السعادة ص216.