الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الأول: الآثار الواردة عن عمر في التوحيد
الفصل الأول: الأثار الواردة عن عمر في توحيد الألوهية
المبحث الأول: الآثار عن عمر بن عبد العزيز في الدعاء
…
الباب الأول: الآثار الواردة عن عمر في التوحيد.
الفصل الأول: الآثار الواردة عن عمر بن عبد العزيز في توحيد الألوهية
تمهيد:
توحيد الألوهية أساس دين الإسلام، بل هو أساس كل دين سماوي، به أرسل جميع الرسل وأنزلت عليهم جميع الكتب، وهو الذي دعا إليه كل رسول من آدم عليه السلام إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بل هو الغاية من خلق الجن والإنس. قال تعالى:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلَاّ لِيَعْبُدُونِ} 1، وكان سلف هذه الأمة رحمهم الله يهتمون بهذا النوع من التوحيد كما سيتضح لنا ذلك فيما يأتي، وممن كان له إسهام في هذه المسألة عمر بن عبد العزيز الذي كان له أقوال مأثورة ومواقف مشهورة سوف تتضح خلال هذا المبحث الذي يمهد له الآن، وسوف يتضح أنه كان يحرص دائما في كلامه وفي خطبه على بيان هذا الجانب وبيان ما يضاده. وقبل بيان ما أثر عنه أرى أنه من الأهمية بمكان بيان المقصود من توحيد الألوهية عند إطلاقه: فعرف بأنه: "استحقاق الله سبحانه وتعالى أن يعبد وحده لا شريك له"2. وعرفه بعض الباحثين بأنه: "توحيد الله بأفعال العباد وهو المعبر عنه بتوحيد الطلب والقصد، وهو عبادة الله وحده لا شريك له ومحبته، وخوفه ورجاؤه والتوكل عليه والرهبة، والرغبة منه وإليه
1 الآية 56 من سورة الذاريات.
2 انظر شرح العقيدة الطحاوية بتصرف يسير 1/29، طبعة مؤسسة الرسالة تحقيق د/عبد الله التركي وشعيب الأرناؤوط "ط""6" عام 1414هـ.
وحده، والتقرب إليه بسائر العبادات البدنية، والمالية دون إشراك أحد أو شيء من خلقه1.
وأما بالنسبة للآثار التي وردت عن هذا الخليفة العادل في توحيد الألوهية بخصوصها فقد كانت مفرقة في بعض أنواع هذا التوحيد فمما ورد عنه آثار في الدعاء والتبرك، والخوف، والرجاء، والتوكل،
1 انظر رسالة توحيد الألوهية أساس الإسلام للباحث حامد عبد القادر الأحمدي مطبوع على الآلة الكاتبة ص7.
كتابه أن أمر بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى المؤمنين والمؤمنات، وأن رجالا من القصاص قد أحدثوا صلاة على خلفائهم، وأمرائهم عدل ما يصلون على النبي وعلى المؤمنين فإذا أتاك كتابي هذا فمر قصاصكم فليصلوا على النبي صلى الله عليه وسلم وليكن فيه إطناب دعائهم وصلاتهم ثم ليصلوا على المؤمنين والمؤمنات، ولينتصروا الله ولتكن مسألتهم عامة للمسلمين وليدعوا ما سوى ذلك
…
1.
10-
ابن أبي شيبة قال: حدثنا حسين بن علي2، عن جعفر بن برقان قال: كتب عمر بن عبد العزيز، أما بعد: فإن أناسا من الناس قد التمسوا الدنيا بعمل الآخرة، وإن أناسا من القصاص قد أحدثوا من الصلاة على خلفائهم، وأمرائهم عدل صلاتهم على النبي صلى الله عليه وسلم فإذا أتاك
1 ابن عبد الحكم سيرة عمر ص80-81، وأبو حفص الملَاّء 2/488، وأبو نعيم في الحلية 5/339.
2 الحسن بن علي أبو عبد الله الجعفي الكوفي مولاهم روى عنه ابن أبي شيبة، ثقة. انظر الجرح والتعديل 3/55- 56، وجعفر بن برقان روى عن عكرمة وميمون بن مهران، والزهري، ثقة. قال أبو حاتم: محله الصدق، أحاديثه عن الزهري مضطربة. انظر الجرح والتعديل 2/474- 475.
أبي1،وأبي خازم2، على عمر بن عبد العزيز فقال عمر لأبي، يا أبا بكر! ما لي أراك مهموماً؟، قال: فقال له أبو خازم: لديْن عليه، فقال عمر: أَفُتِح عليك3 الدعاء؟ فقال: نعم. فقال له عمر: بارك الله لك فيه4.
3-
ابن أبي الدنيا قال حدثني أبو محمد البزار حدثنا المسيب بن واضح، عن محمد بن الوليد، قال: مر عمر بن عبد العزيز برجل في يده حصاة يلعب بها، وهو يقول: اللهم زوجني من الحور العين، فقام إليه فقال: بئس الخاطب أنت! ألا ألقيت الحصاة، وأخلصت إلى الله الدعاء5.
1 وأبوه: هو محمد بن المنكدر.
2 أبو خازم: هو سلمة الأعرج التمار.
3 في الأصل: "ففتح لك فيه الدعاء" والتصحيح من أبي حفص الملاء 2/491.
4 ابن الجوزي سيرة عمر ص294، وأبو حفص الملاء 2/491.
5 ابن أبي الدنيا كتاب الإخلاص والنية ص 38 وأبو نعيم في الحلية ج5 ص 287- 288 وابن الجوزي سيرة عمر ص84، وأبو حفص الملاء 2/473، والمسيب بن واضح السلمي الحمصي، قال عنه ابن أبي حاتم: سئل عنه أبي فقال: صدوق، كان يخطئ كثيرا فإذا قيل له لم يقبل. انظر الجرح والتعديل8/111-112، وانظر ميزان الاعتدال 4/116-117، ولسان الميزان 6/49و50، وسير أعلام النبلاء 11/403-405. ومحمد بن الوليد لم اهتد إليه. ولعله الزبيدى ثقة تقريب ص 511.
4-
ابن عبد الحكم1 قال: حدثني أبي عبد الله بن عبد الحكم2، قال: حدثني مالك ابن أنس3، والليث بن سعد4، وسفيان بن عيينة5،
1 هو محمد بن عبد الله بن عبد الحكم بن أعْيَن المصري، الفقيه، ثقة، روى عن أبيه مات سنة ثمان وستين. انظر تهذيب الكمال 15/192، وتقريب التهذيب ص488وسير أعلام النبلاء 10/221.
2 عبد الله بن عبد الحكم بن أعين بن ليث المصري أبو محمد الفقيه، روى عن بكر ابن مضر، وسفيان بن عيينة، وابن لهيعة، وابن وهب، ومالك، وغيرهم. قال الذهبي: وذكروا أنه صنف كتاب مناقب عمر بن عبد العزيز. وقال أبو زرعة: ثقة. وذكره ابن حبان في الثقات، وقال أبو حاتم: صدوق. وقال الحافظ ابن حجر: صدوق، أنكر عليه ابن معين شيئا. وقد عقب الذهبي على إنكار ابن معين عليه بقوله: لم يثبت قول ابن معين إنه كذاب. ولد سنة 155هـ وتوفي 214هـ بمصر. انظر تهذيب الكمال 15/191-192-193، وسير أعلام النبلاء 10/221-222، وتقريب التهذيب ص310.
3 مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر الأصبحي أبو عبد الله المدني، الفقيه، إمام دار الهجرة، رأس المتقنين وكبير المتثبتين
…
مات سنة تسع وسبعين ومائة، وكان مولده سنة ثلاث وتسعين. انظر تقريب التهذيب ص516.
4 الليث بن سعد بن عبد الرحمن الفهمي أبو الحارث المصري ثقة ثبت فقيه إمام مشهور، مات سنة خمس وسبعين. انظر تقريب التهذيب ص464، وكان مولده سنة 94هـ. انظر المعرفة والتاريخ 1/166.
5 سفيان بن عيينة بن أبي عمران: ميمون الهلالي أبو محمد الكوفي ثم المكي، ثقة حافظ، إمام، حجة، إلا أنه تغير حفظه بآخر، وكان ربما دلس لكن عن الثقات، مات سنة ثمان وتسعين وله 91سنة. انظر تقريب التهذيب ص245.
وعبد الله بن لهيعة1، وبكر بن مضر2، وسليمان بن يزيد الكعبي3، وعبد الله بن وهب4، وعبد الرحمن بن القاسم5، وموسى
1 عبد الله بن لهيعة بن عقبة الحضرمي أبو عبد الرحمن قاضي مصر وعالمها ومحدثها، كان من بحور العلم على لين في حديثه. قال بعض الحفاظ يروى حديثه ويذكر في الشواهد والاعتبارات والملاحم، لا في الأصول. وبعضهم يبالغ في وهنه، ولا ينبغي إهداره، وتتجنب تلك المناكير فإنه عدل في نفسه، وكان صالحا لكنه يدلس عن الضعفاء ثم احترقت كتبه. ولد سنة خمس أو ست وتسعين وتوفي سنة 174هـ. انظر ميزان الاعتدال 2/475- 482، وسير أعلام النبلاء 8/11-14.
2 بكر بن مضر بن محمد بن حكيم المصري أبو محمد أو أبو عبد الملك، ثقة ثبت، مات سنة ثلاث أو أربع وسبعين وله نيف وسبعون سنة. انظر تقريب التهذيب ص127.
3 سليمان بن يزيد الكعبي أبو المثنى الكعبي الخزاعي روى عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن وعباد بن إسحاق وروى عنه ابن وهب، قال عنه أبو حاتم: منكر الحديث، ليس بقوي، وقال الحافظ: ضعيف. انظر الجرح والتعديل 4/149، وتقريب التهذيب ص670.
4 عبد الله بن وهب بن مسلم القرشي مولاهم أبو محمد المصري الفقيه، ثقة حافظ، عابد، مات سنة 97هـ وله اثنتان وسبعون سنة. تقريب التهذيب ص328.
5 عبد الرحمن بن القاسم بن خالد بن جنادة العتقي - بضم المهملة وفتح المثناة بعدها قاف- أبو عبد الله المصري الفقيه، صاحب مالك ثقة من كبار العاشرة، مات سنة 191هـ. انظر تقريب التهذيب ص438.
ابن صالح1 وغيرهم ممن لم أسم بجميع ما في هذا الكتاب من أمر عمر ابن عبد العزيز على ما سميت ورسمت، وفسرت، وكل واحد منهم قد أخبرني بطائفة فجمعت ذلك كله2.
1 موسى بن صالح الهمداني الكوفي روى عن ابن أبي ليلى قال ابن أبي حاتم: منكر الحديث. انظر الجرح والتعديل 8/147، وميزان الاعتدال 4/207.
والسند عند ابن عبد الحكم في ص23 ط. دار عالم الكتب تحقيق أحمد عبيد عام 1404هـ الطبعة السادسة.
2 يرى الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى جواز رواية الحديث عن جماعة ملفقا مجملا فقد قال في حديث الإفك عند ذكر فوائده: "وفي هذا الحديث من الفوائد
…
جواز رواية الحديث عن جماعة ملفقا مجملاً". انظر البخاري مع الفتح 8/479.
قلت: إذا جاز ذلك في الحديث الذي يبنى الأحكام عليه فلأن يجوز في الآثار التي يستأنس بها من باب أولى.
وعبد الله بن عبد الحكم وثقه أبو زرعة، وغيره ولم يتكلم في حفظه، فمثله يقبل منه في جمع الشيوخ. لكن من المهم الإشارة أن غالب الذين ذكرهم المصنف في هذا السند لم يلتقوا بعمر بن عبد العزيز فكيف رووا عنه؟ فيحتمل أن بعض الآثار عن عمر كانت وجادة وجدوها في كتبه التي كان يرسل بها إلى عماله، وبعض الآثار كانت مشافهة مع الذين التقوا به لكن لشهرتها بين الناس في زمنهم ولعدم بناء حكم مستقل منها أهملوا جانب السند بدليل أن بعض هذه الآثار الموجودة في هذا الكتاب قد جاءت مسندة عنه بطريق متصل صحيح كما سيأتي، وقلما ينفرد ابن عبد الحكم بخبر إلا وجد من تابعه فيه.
وسأكتفي بذكر السند هنا فكل أثر أذكر فيه ابن عبد الحكم فقصدي أن سنده قد ذكر في هذه الصفحة في جميع أبواب وفصول، ومباحث هذه الرسالة. وحيث توبع فسأذكر من تابعه أو ما يشهد لأثره إن شاء الله.
ومن ذلك: أن عمر بن عبد العزيز كان يدعو بهذا الدعاء.
"اللهم رضني بقضائك، وبارك لي في قدرك، حتى لا أحب تعجيل ما أخرت ولا تأخير ما عجلت، وكان عمر بن عبد العزيز يقول: ما برح بي هذا الدعاء حتى لقد أصبحت ومالي في شيء من الأمور هوى إلا في مواضع القضاء1.
5-
ابن الجوزي قال: حدثني الزبير بن بكار، قال: قال عمر بن عبد العزيز: "اللهم إني أطعتك في أحب الأشياء إليك وهو التوحيد، ولم أعصك في أبغض الأشياء إليك وهو الكفر فاغفر لي ما بينهما"2.
1 ابن عبد الحكم سيرة عمر ص97، وابن الجوزي سيرة عمر ص242، عن مالك عن يحيى بن سعيد أن عمر بن عبد العزيز كان يقول:
…
والبيهقي في القضاء والقدر والرد على من يحتج بالقدر ص9، تحقيق عبد العزيز الأثري الطبعة الأولى عام 1416هـ مكتبة السنة مصر، وابن أبي الدنيا في كتاب الرضى عن الله بقضائه والتسليم بأمره ص52، تحقيق ودراسة مصطفي عبد القادر عطا طبعة مؤسسة الكتب الثقافية بيروت لبنان عام 1413هـ - 1993م.
2 ابن الجوزي سيرة عمر ص242، والزبير بن بكار هو ابن عبد الله بن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير الأسدي أبو عبد الله بن أبي بكر قاضي المدينة ثقة أخطأ السليماني في تضعيفه من صغار العاشرة، مات 56هـ. تقريب التهذيب ص214، وأخرج الأثر أيضا أبو حفص الملَاّء 1/343.
6-
ابن أبي الدنيا قال: قال داود بن رشيد: نا الوليد بن مسلم عن ابن جابر قال: حدثني عبد الله بن عمر بن عبد العزيز قال: ما قلب عمر بن عبد العزيز نظره إلى نعمة أنعم الله عز وجل بها عليه إلا قال: "اللهم إني أعوذ بك أن أبدل نعمة الله كفرا أو أكفرها بعد معرفتها أو أنساها فلا أثني عليك بها"1.
7-
ابن عبد الحكم قال: وكان عمر يقول: "يا رب خلقتني وأمرتني ونهيتني، ورغبتني في ثواب ما أمرتني به، ورهبتني عقاب ما نهيتني عنه، وسلطت علي عدوا فأسكنته صدري وأسكنته مجرى دمي، إن أهم بفاحشة شجعني، وإن أهم بطاعة ثبطني لا يغفل إن غفلت ولا ينسى إن نسيت ينصب لي الشهوات، ويتعرض لي في الشبهات، وإلا تصرف عني
1 ابن أبي الدنيا الشكر لله عز وجل ص32 تحقيق محمد السعيد بسيوني زغلول طبعة مؤسسة الكتب الثقافية الطبعة الأولى بيروت لبنان عام 1413هـ - 1993م. وابن الجوزي سيرة عمر ص242 وانظر كذلك أبو حفص الملَاّء 1/343،وابن عساكر 45/228.
كيده يستزلني، اللهم فاقهر سلطانه علي بسلطانك عليه حتى تخسئه بكثرة ذكري لك فأفوز مع المعصومين بك ولا حول ولا قوة إلا بك"1.
8-
ابن عبد الحكم قال: كتب عمر بن عبد العزيز في الزلزلة:
أما بعد: فإن هذا الرجف شيء يعاتب الله به العباد، وقد كتبت إلى أهل الأمصار أن يخرجوا يوم كذا من شهر كذا، فمن كان عنده شيء فليصدق2. قال الله عز وجل:{قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} 3، وقولوا كما قال أبوكم آدم:{رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} 4، وقولوا كما قال نوح عليه السلام: {وَإِلَاّ تَغْفِرْ لِي
1 ابن عبد الحكم سيرة عمر ص98، وابن الجوزي سيرة عمر ص241- 242، وله غيرها من الأدعية فانظر ابن عبد الحكم سيرة عمر ص97- 98.
2 في الحلية " يتصدق" بدل فليصدق.
3 الآية 14 -15 من سورة الأعلى.
4 الآية 13 من سورة الأعراف.
وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ} 1، وقولوا كما قال يونس عليه السلام:{لا إِلَهَ إِلَاّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} 2"3.
9-
ابن عبد الحكم قال: كتب عمر بن عبد العزيز: من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى أمراء الأجناد أما بعد: فإن الناس ما اتبعوا كتاب الله نفعهم في دينهم ومعايشهم في الدنيا ومرجعهم إلى الله فيما بعد الموت، وإن الله أمر في كتابه بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فقال:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} 4، صلوات الله على محمد رسول الله والسلام عليه ورحمة الله وبركاته. ثم قال لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم:{وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ} 5، فقد جمع الله تبارك وتعالى في
1 الآية 47 من سورة هود.
2 الآية 87 من سورة الأنبياء.
3 ابن عبد الحكم سيرة عمر ص 64، وابن الجوزي سيرة عمر ص 128- 129، وابن أبي الدنيا كتاب العقوبات ص32، وأبو حفص الملَاّء 1/254، وأبو نعيم في الحلية 5/304-305.
4 الآية 56 من سورة الأحزاب.
5 الآية 19 من سورة محمد.
كتابه أن أمر بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى المؤمنين والمؤمنات، وأن رجالا من القصاص قد أحدثوا صلاة على خلفائهم، وأمرائهم عدل ما يصلون على النبي وعلى المؤمنين فإذا أتاك كتابي هذا فمر قصاصكم فليصلوا على النبي صلى الله عليه وسلم وليكن فيه إطناب دعائهم وصلاتهم ثم ليصلوا على المؤمنين والمؤمنات، ولينتصروا الله ولتكن مسألتهم عامة للمسلمين وليدعوا ما سوى ذلك
…
1.
10-
ابن أبي شيبة قال: حدثنا حسين بن علي2، عن جعفر بن برقان قال: كتب عمر بن عبد العزيز، أما بعد: فإن أناسا من الناس قد التمسوا الدنيا بعمل الآخرة، وإن أناسا من القصاص قد أحدثوا من الصلاة على خلفائهم، وأمرائهم عدل صلاتهم على النبي صلى الله عليه وسلم فإذا أتاك
1 ابن عبد الحكم سيرة عمر ص80-81، وأبو حفص الملَاّء 2/488، وأبو نعيم في الحلية 5/339.
2 الحسن بن علي أبو عبد الله الجعفي الكوفي مولاهم روى عنه ابن أبي شيبة، ثقة. انظر الجرح والتعديل 3/55- 56، وجعفر بن برقان روى عن عكرمة وميمون بن مهران، والزهري، ثقة. قال أبو حاتم: محله الصدق، أحاديثه عن الزهري مضطربة. انظر الجرح والتعديل 2/474- 475.
كتابي هذا فمرهم أن تكون صلاتهم على النبيين، ودعاؤهم للمسلمين عامة ويدعون ما سوى ذلك1.
11-
ابن عبد الحكم قال: ولما مرض عمر بن عبد العزيز مرضه الذي مات منه، وقد مات أعوانه، سهل أخوه، وعبد الملك ابنه ومزاحم مولاه، قام حبْوا2 إلى شن3 معلق فتوضأ منه فأحسن الوضوء ثم أتى مسجده فصلى ركعتين، ثم قال: اللهم إنك قد قبضت سهلا، وعبد الملك، ومزاحما، - وكانوا أعواني على ما قد علمت - فلم أزدد لك إلا حباً، ولا فيما عندك إلا رغبة فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفرط. فما قام من مرضه ذلك حتى قبضه الله تعالى فرحمه الله4.
1 ابن أبي شيبة في المصنف 8/241، وعنه ابن الجوزي في سيرة عمر لكنه بدأ السند بجعفر بن برقان. انظر ابن الجوزى سيرة عمر ص290- 291، والأثر أخرجه الحافظ ابن حجر في الفتح بمعناه 8/534، وحسن إسناده عند إسماعيل بن إسحاق في أحكام القرآن له، وقد أخرج الأثر أيضا أبو حفص الملَاّء 2/488، وصححه الألباني في فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم للإمام إسماعيل بن إسحاق الجهضمي ص68 ط. المكتب الإسلامي ط. الثالثة 1397هـ.
2 حبوا: حبا الصبي حبوا زحف، والبعير برك وزحف انظر المعجم الوسيط 1/153.
3 الشن: القربة الخَلَقُ الصغيرة يكون الماء فيها أبرد من غيرها. المعجم الوسيط1/497.
4 ابن عبد الحكم سيرة عمر ص100- 101، وانظر الفسوى المعرفة والتاريخ 1/601،وانظر ابن رشد الجد البيان والتحصيل 17/413 طبعة دار الغرب الإسلامي.
12-
ابن عبد الحكم قال: قال عمر بن عبد العزيز:"
…
اللهم إني قد مللتهم وملوني فأرحني منهم، وأرحهم مني، قال: فما عاد إلى المنبر ثانية حتى قبضه الله عز وجل1.
13-
ابن عبد الحكم قال: بعث عمر بن عبد العزيز إلى عبد الله بن أبي زكريا، وكان من صلحاء أهل الشام
…
فقال له ادع الله أن يميتني
…
" فدعا له2.
14-
الفسوي قال: حدثنا "عبد الله بن عثمان" قال: قال عبد الله 3 قال عمر بن عبد العزيز: إني فكّرت في أمري وأمر الناس فلم أر شيئا خيرا من الموت، قال عبد الله - يعني لفساد الناس وما دخلهم - فقال لقاصه "محمد بن قيس": ادع لي بالموت فأبيت وأبي علي قال: فدعوت له وعمر رافع يديه يؤمن على دعائي وهو يبكي
…
"4.
1 ابن عبد الحكم سيرة عمر ص99.
2 المصدر السابق ص99، وعند ابن عساكر رواية أخرى نحوها، انظر تاريخ دمشق 45/248.
3 يعني ابن المبارك، لأنه صرح باسمه في 1/490 من المعرفة والتاريخ.
4 الفسوي المعرفة والتاريخ 1/591، وعنه ذكره ابن الجوزي في سيرة عمر ص240، وفيه زيادة، وذكره أيضا أبو حفص الملاء 2/643.
15-
أبو زرعة قال: أخبرني الحارث بن مسكين عن ابن وهب قال: سمعت مالك بن أنس يحدث أن عمر بن عبد العزيز قال لبعض من يخلو معه: ادع الله لي بالموت1.
16-
ابن عبد ربه قال: قال ميمون بن مهران: كنت عند عمر بن عبد العزيز، فكثر بكاؤه ومسألته ربه الموت، فقلت: لم تسأل الموت! وقد صنع الله على يديك خيرا كثيرا، أحيا بك سننا، وأمات بك بدعا، قال: أفلا أكون مثل العبد الصالح حين أقر الله عينه وجمع له أمره قال: {رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} 2،3.
1 أبوزرعة في التاريخ ص64، طبعة دار عالم الكتب بيروت. وضع حواشيه خليل المنصور الطبعة الأولى عام 1417هـ، ومن طريقه ابن عساكر 45/248.
والحارث بن مسكين بن محمد بن يوسف مولى بني أمية أبو عمرو المصري قاضيها ثقة فقيه. تقريب التهذيب ص148.
2 الآية 101 من سورة يوسف.
3 ابن عبد ربه العقد الفريد 4/396.
التعليق:
يتبين من الآثار التي تقدم ذكرها عدة مسائل تتعلق بالدعاء وقبل بيان هذه المسائل وإيضاح ما تدل عليه يحسن تعريف الدعاء أولا:
فالدعاء لغة: الطلب والابتهال: يقال: دعوت الله أدعوه دعاء: ابتهلت إليه بالسؤال ورغبت فيما عنده من الخير، ودعا الله: طلب منه الخير ورجاه منه، ودعا لفلان: طلب الخير له، ودعا على فلان: طلب الشر له1.
والدعاء في الاصطلاح هو: "استدعاء العبد ربه عز وجل العناية واستمداده إياه المعونة"2.
وقد صح في النصوص أن الدعاء هو العبادة3، وقد اتفق جميع العقلاء على أن الدعاء نفعه محسوس، وكل إنسان محتاج إليه، لكن أورد بعض الضلال الجهلة سؤالا مفاده: "أن المدعو به إن كان قد قدر لم يكن بد من وقوعه دعا به العبد أو لم يدع. وإن لم يكن قد قدر لم يقع سواء سأله
1 الفيومي المصباح المنير ص74، والمعجم الوسيط 1/286.
2 انظر: الخطابي شأن الدعاء ص4. ط. دار الثقافة العربية دمشق وبيروت ط. الثالثة عام 1412هـ.
3 سنن ابن ماجة 2/1258، ونص الحديث "أن الدعاء هو العبادة ثم قرأ {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ
…
} " والترمذي 5/426، وقال حديث حسن صحيح.
العبد أو لم يسأله. فوهموا واعتقدوا صحة هذا السؤال فتركوا الدعاء، وقالوا لا فائدة فيه. وهؤلاء مع فرط جهلهم وضلالهم متناقضون، فلو اطرد مذهبهم لوجب تعطيل جميع الأسباب، فيقال لأحدهم: إن كان الشبع، والري قد قدرا لك فلا بد من وقوعهما أكلت أو لم تأكل، وإن كان الولد قد قدر لك فلا بد منه وطئت الزوجة أو الأمة أو لم تطأهما، وإن لم يقدر لم يكن، فلا حاجة إلى التزوج والتسرى، وهلم جرا، فهل يقول هذا عاقل أو آدمي؟! بل الحيوان البهيم مفطور على مباشرة الأسباب التي بها قوامه وحياته فالحيوانات أعقل، وأفهم من هؤلاء الذين هم كالأنعام يل هم أضل سبيلا1 وعلى هذا فالمسألة الأولى التي تدل عليها الآثار السابقة هي: أن كون الدعاء سبب من أسباب وقوع المقدور به والمدعو به هو المأثور عن عمر بن عبد العزيز فقد قال للرجل الذي دعا له بقوله أبقاك الله بأن هذا قد فرغ منه وقضى قضاء مبرما، لكنه طلب من الرجل أن يدعو له بالصلاح، وهذا دليل على أنه يرى أن الدعاء سبب من أسباب وقوع المدعو به كما يتأكد ذلك بقوله لمحمد بن
1 انظر: ابن القيم الجواب الكافي ص 15. ط. دار الفكر بيروت. وانظر الدعاء ومنزلته من العقيدة لجيلان بن خضر العروسي 1/381، ط. مكتبة الرشد الرياض عام 1414هـ.
المنكدر: "أفتح لك فيه الدعاء؟ " قال ذلك حين رآه مهموما لديْن كان عليه فقال محمد نعم. فقال عمر فقد بارك الله لك فيه.
وهذا المأثور عن عمر بن عبد العزيز هو الحق الذي عليه أهل السنة والجماعة والذي دل عليه الكتاب والسنة وأقوال السلف.
قال تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} 1، فإذا لم يكن الدعاء سببا من أسباب وقوع المدعو به لم يكن للأمر بالدعاء في الآية فائدة وهو بلا شك منتف.
وقال صلى الله عليه وسلم: "من لم يسأل الله يغضب عليه"2، وهذا يدل على أن رضاه في سؤاله وطاعته فلولم يكن للدعاء فائدة لاستوى الداعي وغيره وهذا خلاف ما دل عليه نص الحديث الشريف.
ومن أقوال السلف الصالح المؤيدة لما أثر عن عمر ما قاله أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "إني لا أحمل هم الإجابة ولكن أحمل هم الدعاء فإذا ألهمت الدعاء فإن الإجابة معه"3،
1 الآية 60 من سورة غافر.
2 رواه الترمذي 5/456، وابن ماجه 2/1258، وأحمد 2/442، وحسن إسناده الألباني في صحيح سنن الترمذي 3/138.
3 ابن القيم: الفوائد ص 110 ط دار الكتب العلمية ، والجواب الكافي ص16.
وقول الطحاوي: "والله تعالى يستجيب الدعوات ويقضي الحاجات"، قال شارحه:"والذي عليه أكثر الخلق من المسلمين وسائر أهل الملل وغيرهم أن الدعاء من أقوى الأسباب في جلب المنافع ودفع المضار"1.
وقال ابن القيم: "والدعاء من أنفع الأدوية وهو عدو البلاء يدافعه ويعالجه ويمنع نزوله ويرفعه أو يخففه إذا نزل وهو سلاح المؤمن".
وقال: "وله مع البلاء ثلاث مقامات:
أحدها: أن يكون أقوى من البلاء فيدفعه.
الثاني: أن يكون أضعف من البلاء فيقوى عليه البلاء، فيصاب العبد ولكن قد يخففه وإن كان ضعيفا.
الثالث: أن يتقاوما ويمنع كل واحد منهما صاحبه"2.
والمسألة الثانية هي: أن من شروط الدعاء الإخلاص وحضور القلب. وهذا ما بينه عمر حين نبه الرجل الذي يدعو وهو يلعب بحصاة ويقول: اللهم زوجني من الحور العين فقام إليه وقال بئس الخاطب أنت ألا ألقيت الحصاة، وأخلصت إلى الله في الدعاء.
1 انظر شرح العقيدة الطحاوية 2/676.
2 الجواب الكافي ص 16.
وهذا الذي أثر عن عمر هو الذي دلَّ عليه الكتاب والسنة. قال تعالى: {فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّين
…
} 1، وقال عز وجل:{وَمَا أُمِرُوا إِلَاّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} 2.
وقال صلى الله عليه وسلم: "ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة واعلموا أن الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاه"3.
وقد أمر الله تعالى بحضور القلب والخشوع في الذكر، والدعاء فقال سبحانه {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ} 4.
وأما المسألة الثالثة فهي: أن المشروع في التوسل هو التوسل بالأعمال الصالحة، كما فعل عمر بن عبد العزيز حيث توسل بالتوحيد والطاعة، وطلب الغفران من الله تعالى حين قال: اللهم إني أطعتك في أحب الأشياء
1 الآية 14 من سورة غافر.
2 الآية 5 من سورة البينة.
3 سنن الترمذي 5/483، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي برقم 2766.
4 الآية 205 من سورة الأعراف.
إليك وهو التوحيد، ولم أعصك في أبغض الأشياء إليك وهو الكفر، فاغفر لي ما بينهما.
ولا شك أن التوسل بالأعمال الصالحة مشروع، كحديث الثلاثة الذين أووا إلى الغار1، فإنهم توسلوا بأعمالهم الصالحة ليجيب الله دعاءهم ويفرج كربتهم وقد توسل المؤمنون بأعمالهم الصالحة من الإيمان وقدموه قبل الدعاء. قال تعالى:{ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار} 2، فإنهم قدموا الإيمان قبل الدعاء وأمثال ذلك كثير3.
ومما يقدم قبل الدعاء الثناء على الله تعالى بتعداد النعم التي أنعمها عليه، والتعوذ، وطلب العصمة من الله تعالى من شر الشيطان الرجيم، فبين عمر أن التوفيق والهداية من الله تعالى. ثم طلب من الله تبارك وتعالى أن يعصمه من شر الشيطان. وهذا له أمثلة كثيرة في القرآن الكريم، وفي الأدعية الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا نطيل بذكرها.
1 انظر: قصتهم في صحيح مسلم بشرح النووي 6/214-216 رقم 2743.
2 الآية 193 من سورة آل عمران.
3 انظر الفتاوى 1/309 بتصرف.
والمسألة الرابعة: أمره رحمه الله الرعية بالالتجاء إلى الله تعالى، والتصدق والاستغفار، والخروج إلى المصلى عند ما حصلت الزلزلة بالشام. وذلك تأسيا بالرسول الله صلى الله عليه وسلم فقد روى البخاري في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في الكسوف وبعد الصلاة خطب الناس وقال: "إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتم ذلك فادعوا لله وكبروا وصلوا وتصدقوا
…
"1.
والمقصود أن مما يشرع له الصلاة والدعاء والتضرع (عند عمر بن عبد العزيز) حدوث بعض الآيات وقد بين صلى الله عليه وسلم في أحاديث أخرى أن الزلازل من أمارات الساعة2 ولا شك أن حدوث الزلزلة مما يوجب التخوف المفضي إلى الخشوع والإنابة، وقد بين ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية فقال رحمه الله تعالى: والزلازل من الآيات التي يخوف الله بها عباده كما يخوفهم بالكسوف وغيره من الآيات، والحوادث لها أسباب وحكم، فكونها آية يخوف الله بها عباده هي من حكمة ذلك
…
"3.
1 البخاري مع الفتح 2/529، رقم 1044.
2 انظر البخاري مع الفتح 2/521، رقم 1036.
3 الفتاوى 24/264، وانظر كذلك 36/169.
ولعل عمر لاحظ في هذا عموم الأدلة الدالة على التضرع والإنابة، وما يشرع في حالة الخسوف والكسوف.
والمسألة الخامسة: نهيه رحمه الله تعالى عن الابتداع في الدعاء، ويتضح ذلك بنهيه عن الصلاة على غير الأنبياء عليهم السلام، وقد بيّن أن الصلاة خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم وغيره من الأنبياء، أما من عداهم فيدعى لهم فقط، لأنهم من ضمن المؤمنين والله تعالى يقول:{وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ} 1.
قال ابن القيم روي عن عبد الله ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: "لا تصلح الصلاة على أحد إلا على النبي صلى الله عليه وسلم ولكن يدعى للمسلمين والمسلمات بالاستغفار
…
"2.
وقال النووي: أجمعوا على الصلاة على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وكذلك أجمع من يعتد به على جوازها واستحبابها على سائر الأنبياء والملائكة استقلالا. وأما غير الأنبياء فالجمهور على أنه لا يصلى عليهم ابتداء فلا يقال أبو
1 الآية 19 من سورة محمد.
2 انظر جلاء الأفهام لابن القيم ص260، ومصنف ابن أبي شيبة 2/401 عن ابن عباس رضي الله عنهما. وفضل الصلاة على النبي صلى الله عليه ويسلم ص67، وقال الألباني إسناده صحيح.
بكر صلى الله عليه وسلم واختلفوا في هذا المنع. فقال بعض أصحابنا: هو حرام، وقال أكثرهم: مكروه كراهة تنزيه، وذهب كثير منهم إلى أنه خلاف الأولى، وليس مكروها. والصحيح الذي عليه الأكثرون أنه مكروه كراهة تنزيه لأنه شعار أهل البدع، وقد نهينا عن شعارهم، والمكروه هو ما ورد فيه نهي مقصود. قال أصحابنا والمعتمد في ذلك أن الصلاة صارت مخصوصة في لسان السلف بالأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم كما أن قولنا عز وجل مخصوص بالله سبحانه وتعالى. فكما لا يقال محمد عز وجل وإن كان عزيزا جليلاً لا يقال: أبو بكر وعمر صلى الله عليه وسلم وإن كان معناه صحيحا
…
"1.
والصواب في الصلاة على غير النبي صلى الله عليه وسلم التفصيل في ذلك.
فإذا لم يكن على وجه الغلو، ولم يجعل ذلك شعارا لغير الرسول صلى الله عليه وسلم، فهذا نوع من الدعاء، وليس في الكتاب والسنة ما يمنع منه وقد قال تعالى:{هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ} 2، وقال النبي صلى الله عليه وسلم:"إن الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه الذي صلى فيه ما لم يحدث" 3، وفي
1 الأذكار للنووي ص108، وانظر صحيح مسلم بشرح النووي 2/150- 151.
2 الآية 43 من سورة الأحزاب.
3 البخاري مع الفتح 1/538،رقم 445،ومسلم بشرح النووي 2/296، رقم 661.
حديث قبض الروح: "صلى الله عليك وعلى جسد كنت تعمرينه"1، وهذا هو المنصوص عن أحمد واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى.
وأما إن جعل الصلاة على غير النبي صلى الله عليه وسلم على وجه الغلو كما كانت تفعله الشيعة وصارت تظهر الصلاة على علي دون غيره فهذا مكروه منهي عنه وهذا هو السبب في قول ابن عباس لا أعلم الصلاة تنبغي من أحد على أحد إلا على الرسول صلى الله عليه وسلم2.
المسألة السادسة: ما أثر عن عمر من الدعاء على نفسه بالموت، فإن حمل ذلك على الدعاء بحسن الخاتمة فلا إشكال، وأما إن حمل على الدعاء بالموت ففيه إشكال لأنه قد ورد في الصحيحين عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن تمني الموت لضر نزل بالإنسان ونهى عن الدعاء به كما في صحيح البخاري ومسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يتمنين أحدكم الموت من ضر أصابه فإن كان لابد فاعلا فليقل: اللهم أحيني ما
1 صحيح مسلم بشرح النووي 6/327، رقم 2872.
2 انظر مجموع الفتاوى 22/472- 473- 474، وانظر جلاء الأفهام في الصلاة والسلام على خير الأنام لابن القيم ص271 طبعة دار الكتب العلمية الطبعة الأولى عام 1405هـ.
كانت الحياة خيرا لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي" 1، وحديث أنس أيضا: "لولا أني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تمنوا الموت" لتمنيت" 2، وحديث خباب: "لولا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهانا أن ندعو بالموت لدعوت به"3 وإذا تبين هذا فما أثر عن عمر يمكن حمله على إحدى الحالات الآتية:
الحال الأولى: أن يكون عمر بن عبد العزيز طلب الدعاء له بالموت على الإيمان ودعا به اقتداء بالصالحين قال تعالى مبينا دعاء المؤمنين: {
…
وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ} 4 وقال عز وجل عن نبيه يوسف عليه السلام: {
…
تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} 5 فهذا الدعاء من سنن المرسلين وهو من شعار الصالحين، وأيضا د عي به رحمه الله خوفا من الفتنة في الدين لاسيما عند وفاة أعوانه ابنه عبد الملك ومولاه مزاحم، وأخيه سهل، كما صرح به في دعائه.
1 البخاري مع الفتح 10/127، رقم 5671، ومسلم بشرح النووي 6/179، رقم 2680.
2 صحيح مسلم 2/179، رقم 2680.
3 البخاري مع الفتح 13/220/7234.
4 الآية 193 آل عمران، ومعنى الآية: اجعلنا ممن توفيتهم طائعين لك.
5 الآية101 يوسف، ومعنى الآية: إذا جاء أجلى توفني مسلما.
الحال الثانية: أن تكون الأحاديث المشعرة بالنهي عن الدعاء بالموت لم تبلغه، وقد كان رحمه الله راضيا بقضاء الله وقدره وهو القائل لقد أصبحت ومالي في الأمور هوى إلا في مواضع القضاء.
الحال الثالثة: أن يكون لما علم بسقيه السم، وتيقن ذلك، دعا لنفسه بالموت على الإيمان حتى لا يكون ممن كره لقاء الله تعالى. وخوفا من سوء الخاتمة.
ولا شك أن الدعاء بالموت مطلقا ليست فيه مصلحة ظاهرة
…
لأنها طلب إزالة نعمة الحياة وما يترتب عليها من الفوائد لاسيما لمن يكون مؤمنا فإن استمرار الإيمان من أفضل الأعمال1، لكن إذا نزل هذا وحضر وتيقن المرء بدنو أجله فيستحب له أن لا يكره الموت إذا حضر لئلا يدخل فيمن كره لقاء الله تعالى والله تعالى أعلم.
1 البخاري مع الفتح 13/221 بتصرف يسير.