الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث السادس: الآثار عن عمر في الإيمان بالجنة والنار
.
149/1- أبي الدنيا قال: حدثني محمد قال: حدثني يوسف بن الحكم قال: حدثني عبد السلام مولى مسلمة بن عبد الملك قال: بكى عمر بن عبد العزيز، فبكت فاطمة، فبكى أهل الدار، لا يدري هؤلاء ما أبكى هؤلاء. فلما تجلى عنهم العبر قالت فاطمة بأبي أنت يا أمير المؤمنين مم بكيت؟ قال: ذكرت يا فاطمة منصرف القوم من بين يدي الله: فريق في الجنة وفريق في السعير، ثم صرخ وغشي عليه1.
150/2- أبي الدنيا حدثني محمد قال: حدثني الحميدي عن سفيان قال: كان عمر بن عبد العزيز يوما ساكتا وأصحابه يتحدثون فقالوا له:
1 ابن أبي الدنيا الرقة والبكاء ص76، وأبو نعيم في الحلية 5/269، وابن الجوزي سيرة عمر ص213- 214، وأبو حفص الملاء 1/3023 باختلاف ألفاظ، وأخرجه ابن رجب في التخويف من النار ص34، ط. دار الكتب العلمية الأولى 1405هـ. ومحمد بن الحسين البرجلاني روى عن ابن أبي الدنيا وغيره مدحه الإمام أحمد. انظر الجرح والتعديل 7/229، ويوسف بن الحكم وفي الحلية يونس ابن الحكم الإثنين لم أجدهما وكذلك عبد السلام مولى مسلمة.
مالك لا تتكلم يا أمير المؤمنين؟ قال: كنت مفكرا في أهل الجنة كيف يتزاورون فيها وفي أهل النار كيف يصطرخون فيها ثم بكى1.
151/3- وقال أيضا حدثني محمد، قال: حدثنا يونس بن يحيى أبو نباتة، قال: حدثنا ابن أبي ذيب قال: حدثني من شهد عمر بن عبد العزيز وهو أمير المدينة وقرأ عنده رجل: {وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُوراً} 2، فبكى حتى غلبه البكاء وعلا نشيجه فقام من مجلسه فدخل بيته وتفرق الناس3.
1 ابن أبي الدنيا الرقة والبكاء ص82، وابن الجوزي سيرة عمر ص154، وأبو حفص الملاء 1/335.
والحميدي هو عبد الله بن الزبير الحميدي شيخ البخاري ثقة. تقريب ص303.
وسفيان هو ابن عيينة ولم يلق عمر بن عبد العزيز.
2 الآية 13 من سورة الفرقان.
3 ابن أبى الدنيا الرقة والبكاء 95- 96، وابن الجوزي سيرة عمر ص156- 157، وأبو حفص الملاء 1/328- 329.
ويونس بن يحيى بن نبانة القرشي الأموي أبو نبانة من الثقات تهذيب الكمال 32/549- 551، وابن أبي ذيب هو محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة العامري ثقة. تهذيب الكمال 25/630- 644.
152/4- ابن أبي الدنيا قال: حدثنا أبو عبد الله الأزدي عن الحسن ابن محمد الخزاعي عن رجل من ولد عثمان بن عفان رضي الله عنهما: أن عمر بن عبد العزيز قال في بعض خطبه
…
أما تعلمون أنه ليس بين الجنة والنار منزلة وأنتم صائرون إلى أحدهما1.
153/5- ابن الجوزي قال: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم بن أبي حبيبة أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى بعض الأجناد
…
واعلم أنه ليس يضر عبدا صار إلى رضوان الله وإلى الجنة ما أصابه في الدنيا من فقر وبلاء، وأنه لن ينفع عبدا صار إلى سخط الله وإلى النار ما أصاب في الدنيا من نعمة أو رخاء. وما يجد أهل الجنة من مكروه أصابهم في دنياهم، وما يجد أهل النار طعم لذة نعموا بها في دنياهم كل شيء من ذلك كأن لم يكن2.
154/6- ابن عبد الحكم قال: وقرأ عمر بن عبد العزيز بالعشاء ذات ليلة {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} 3، فلما بلغ {فَأَنْذَرْتُكُمْ نَاراً تَلَظَّى} 4، خنقته
1 ابن أبى الدنيا قصر الأمل ص50- 51، وابن الجوزي سيرة عمر ص244، وأبو نعيم في الحلية 5/291، وأبو حفص الملاء 2/445.
2 ابن الجوزي سيرة عمر ص250- 251، وأبونعيم فى الحلية 5/ 278- 279، وأبو حفص الملاء 1/203- 204.
3 الآية 1 من سورة الليل.
4 الآية 14 من سورة الليل.
العبرة فلم يستطع أن ينفذها فرجع حتى إذا بلغها خنقته العبرة فلم يستطع أن ينفذها فتركها وقرأ سورة غيرها1.
155/7- ابن الجوزي قال: حدثنا الفضل بن الربيع قال: سمعت فضيل بن عياض يقول: بلغني أن عاملا لعمربن عبد العزيز شكا إليه فكتب إليه عمر: ياأخي اذكر طول سهر أهل النار مع خلود الأبد وإياك أن ينصرف بك من عند الله فيكون آخر العهد وانقطاع الرجاء، فلما قرأ الكتاب، طوى البلاد حتى قدم على عمر فقال له ما أقدمك؟ قال: خلعت قلبي بكتابك. لا أعود إلى ولاية أبدا حتى ألقى الله تعالى2.
1 ابن عبد الحكم سيرة عمر ص47، وأبو حفص الملاء 1/339.
2 ابن الجوزي سيرة عمر ص124- 125، وأبو حفص الملاء ص259- 260.وابن كثير البداية والنهاية/ 5 /232.
والفضل بن الربيع روى عن ابن جريج، قال الذهبي: قال العقيلي: لا يتابع على حديثه. انظر ميزان الاعتدال 3/351، وفضيل بن عياض الزاهد شيخ الحرم وأحد الأثبات مجمع على ثقته وجلالته. قال الذهبي: ولا عبرة بما رواه احمد بن أبي خيثمة. قال: سمعت قطبة بن العلاء يقول: تركت حديث فضيل بن عياض لأنه روى أحاديث رمي فيها على عثمان رضي الله عنه فمن قطبة وما قطبة حتى يجرح وهو هالك. مات الفضيل سنة سبع وثمانين ومائة هـ. ميزان الاعتدال 3/361.
التعليق:
يتضح مما سبق من الآثار تقرير عمر بن عبد العزيز بالجنة والنار وإيمانه بوجودهما الآن، ودوامهما، وإثباته نعيم الجنة وعذاب النار. وهذا ما دل عليه الكتاب والسنة، وقال به السلف الصالح، ولا شك أن الإيمان باليوم الآخر، بل المقصد من الطاعات كلها هو الوصول إلى رضى الله تعالى ودخول الجنة والنجاة من سخطه ومن النار.
"والنار هي الدار التي أعدها الله للكافرين به، المتمردين على شرعه، المكذبين لرسله، وهي عذابه الذي يعذب فيه أعداءه، وسجنه الذي يسجن فيه المجرمين"1.
وأما الجنة فهي الجزاء العظيم، والثواب الجزيل، الذي أعده الله لأوليائه وأهل طاعته، وهي نعيم كامل لا يشوبه نقص ولا يعكر صفوه كدر، وما حدثنا الله به عنها، وما أخبرنا به الرسول صلى الله عليه وسلم يحير العقل ويذهله، لأن تصور عظمة ذلك النعيم يعجز العقل عن إدراكه واستيعابه2.
وقد خلق الله الجنة والنار وجعل الجنة دار الأبرار والنار دار الفجار قال تعالى: {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ
…
} 3.
1 انظر: الجنة والنار للأشقر ص11.
2 انظر: المصدر السابق ص117.
3 الآية 13-14 من سورة الانفطار.
والإيمان بهما من أصول الإيمان التي اتفق المسلمون على الإيمان بها، لدلالة القرآن والسنة المطهرة على ذلك، قال تعالى:{وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى} 1.
وقال تعالى: {رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} 2
ومذهب أهل السنة والجماعة أن الجنة والنار مخلوقتان موجودتان الآن، ومستندهم النصوص الصحيحة الدالة على ذلك. قال تعالى عن الجنة:{أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} 3، {أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ} 4. وقال عن النار {أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} 5،وقال: {إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَاداً لِلطَّاغِينَ مَآباً} 6.
وفي الصحيح من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي إن
1 الآية 75- 76 من سورة طه.
2 الآية 192 من سورة آل عمران.
3 آل عمران الآية 133.
4 الحديد الآية 21.
5 آل عمران الآية 131.
6 النبأ الآية 21-22.
كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة وإن كان من أهل النار فمن أهل النار، يقال: هذا مقعدك حتى يبعثك الله يوم القيامة"1.
وعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "وأيم الذي نفسي بيده لو رأيتم ما رأيت لضحكتم قليلا وبكيتم كثيرا، قالوا: وما رأيت يا رسول الله؟ قال: رأيت الجنة والنار"2.
وقد اتفق أهل الملة الإسلامية على أن لا فناء للنار لا لعذابها ولا للجنة ولا لنعيمها إلا الجهم بن صفوان3، فإنه قال بفنائهما، لأنهما حادثان، وقد استدل أهل السنة والجماعة على خلود النار بقوله تعالى:{إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ} 4، وغيرها من الآيات التي فيها تأكيد الخلود بالأبدية، وكذلك الأحاديث، ومنها الحديث الذي في صحيح مسلم عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يجاء بالموت يوم القيامة كأنه كبش أملح فيوقف بين الجنة والنار فيقال: يا أهل الجنة هل تعرفون هذا؟ فيشرئبون وينظرون ويقولون: نعم هذا الموت. قال: ويقال: ياأهل
1 مسلم بشرح النووي 6/323، برقم (2866) .
2 رواه مسلم برقم (426) ، 2/113.
3 انظر مراتب الإجماع لابن حزم 173، وهذا الأدلة خارجة عن كون الموحدين لا يخلدون في النار.
4 الآية 74 من سورة الزخرف.
النار هل تعرفون هذا؟ قال: فيشرئبون وينظرون، ويقولون: نعم هذا الموت. قال: فيؤمر به فيذبح قال: ثم قال: يا أهل الجنة خلود فلا موت، ويا أهل النار خلود فلا موت". قال: ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} 1"2.
ويكون هذا بعد خروج الموحدين من النار.
وذهب المعتزلة والخوارج إلى أن من دخل في النار لا يخرج منها، لكونهم يرون أن مرتكب الكبيرة مخلد في النار، وهم محجوجون بأحاديث الشفاعة الصحيحة وغيرها.
ويتضح مما سبق أن عمر بن عبد العزيز رحمه الله قد بين ما يتعلق بوجود الجنة والنار ودوامهما وهو ما بينه السلف، كما دلت عليه النصوص الثابتة في كتاب الله وفي سنة نبيه صلى الله عليه وسلم وأن من خالف هذا المفهوم فإنما هو متبع لهواه وآراءه الفاسدة التي لا تنبني على الأسس الصحيحة، كما أن الذين نفوا وجودهما الآن ودوامهما لا يستطيعون الإتيان بأي حجة صحيحة مقبولة غير ما يستندون إليه من شبهات تأويل الفلاسفة وعلماء الكلام المذموم.
1 صحيح مسلم 6/312- 313، برقم (2849) .
2 سورة مريم الآية 39.