الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني: الآثار عن عمر بن عبد العزيز في الإيمان بالمعاد، ونزول الرب لفصل القضاء
.
137/1- ابن عبد الحكم قال: خطب عمر بن عبد العزيز بخناصرة فقال: أيها الناس إنكم لم تخلقوا عبثا، ولم تتركوا سدى، وإن لكم معادا ينزل الله تبارك وتعالى للحكم فيه والفصل بينكم
…
"1.
138/2- ابن أبي الدنيا قال: حدثني الحسن بن محبوب أخبرنا أبو توبة الربيع بن نافع حدثنا أبو ربيعة عن جده قال: كتب عمر بن عبد العزيز إلى بعض عماله، أما بعد: فكأن العباد قد عادوا إلى الله فينبئهم بما عملوا ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى.."2.
1 ابن عبد الحكم سيرة عمر ص42، وابن الجوزي سيرة عمر ص 259-260، والفسوي المعرفة والتاريخ 1/611- 612، والآجري أخبار أبي حفص ص64وأبو حفص الملاء 2/449-450، وابن أبي الدنيا قصر الأمل ص66، وأبو نعيم في الحلية 5/266 و294.
2 ابن أبي الدنيا ذم الدنيا ص81، والحسن بن محبوب بن الحسن القرشي، قال أبو حاتم: لا بأس به. انظر الجرح والتعديل 3/38، والربيع بن نافع أبو توبة الحلبي ثقة عابد. تقريب 1/246.
وأبو ربيعة هو عمر بن ربيعة الإيادي قال عنه يحيى بن معين: كوفي ثقة، وقال أبو حاتم: منكر الحديث. انظر الجرح والتعديل 7/107، وقال الحافظ: مقبول من السادسة. تقريب ص639.
وأبوه هو ربيعة بن يزيد الدمشقي أبو شعيب الإيادي القصير ثقة عابد من الرابعة. تقريب ص208.
وجده لم أجده.
139/3- هناد السرى قال: حدثني أبو أسامة عن جرير بن حَازم، قال قرأت كتاب عمر بن عبد العزيز إلى عدي "
…
اعلم أن أحدا لا يستطيع إنفاذ قضايا ما بين الناس حتى لا يبقى منها شيء، لابد أن تستأخر قضايا ليوم الحساب"1.
140/4- ابن أبي الدنيا قال: حدثني أبو حاتم الرازي قال: حدثنا موسى بن أيوب، قال: حدثنا الوليد بن مسلم، عن الأوزاعي، قال: كتب عمر بن عبد العزيز إلى عدي بن أرطأة، أما بعد: فإني أذكرك ليلة تمخض
1 هناد السرى فى الزهد 1/299- 300، وهناد السَّرى الكوفي ثقة. تقريب ص574، وأبو أسامة حماد بن أسامة القرشي ثقة ثبت. تقريب ص177، وجرير بن حازم بن عبد الله الأزدي ثقة. تقريب ص138، وأخرج الأثر أيضا ابن الجوزي سيرة عمر ص115، وأبو حفص الملاء 1/257.
بالساعة وصباحها القيامة فيالها من ليلة وياله من صباح كان على الكافرين عسيرا1.
141/5- ابن الجوزي قال: أخبرنا إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة الأنصاري أن عمر بن عبد العزيز كتب إلي بعض الأجناد أما بعد: فإني أوصيكم بتقوى الله ولزوم طاعته
…
فمن كان راغبا في الجنة أو هاربا من النار فالآن في هذه الأيام الخالية، والتوبة مقبولة، والذنب مغفور قبل نفاد الأجل وانقضاء المدة، وفراغ الله عز وجل للثقلين ليدينهم بأعمالهم في موطن لا تقبل فيه الفدية، ولا تنفع فيه الحيلة، تبرز فيه الخفيات، وتبطل فيه الشفاعات، يرده الناس جميعا بأعمالهم، وينصرفون منه أشتاتا إلى منازلهم، فطوبى يومئذ لمن أطاع الله عز وجل، وويل يومئذ لمن عصى الله عز وجل2.
1 ابن أبي الدنيا الرقة والبكاء ص92، وابن الجوزي سيرة عمر 127، وأبو حفص الملاء 1/260، وقال محقق كتاب الرقة والبكاء إسناده لا بأس به.
وأبو حاتم الرازي: هو محمد بن إدريس بن المنذر الحنظلي أحد حفاظ الحديث مات سنة 77هـ. انظر تقريب التهذيب ص467.
وموسى بن أيوب بن عيسى النصيببي أبو عمران الأنطاكي صدوق. انظر تقريب التهذيب ص550.
2 ابن الجوزي سيرة عمر ص115- 116، وأبو حفص الملاء 1/266، وأبو نعيم في الحلية 5/275-276. عن ليث بن أبي رقية كاتب عمر بن عبد العزيز.
142/6- ابن أبي الدنيا قال: وحدثني محمد قال: حدثني خالد بن عمرو الأموي قال: حدثنا عبد الأعلى بن أبي عبد الله العنزي، قال: رأيت عمر بن عبد العزيز خرج يوم الجمعة في ثياب دسمة ووراءه حبشي يمشي فلما انتهى إلى الناس رجع الحبشي، فكان عمر إذا انتهى إلى الرجلين قال: هكذا رحمكما الله حتى صعد المنبر فخطب فقرأ: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} 1، فقال: وما شأن الشمس؟ {وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَت} 2، حتى انتهى إلى {وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَت} 3، فبكى
…
"4.
التعليق:
إن الإيمان بالمعاد والبعث والنشور وأن الله تبارك وتعالى يجمع كل الخلائق وبيان الحكمة من ذلك وبيان شدة هذا اليوم على الكفار هو
1 الآية 1 من سورة التكوير.
2 الآية 2 من سورة التكوير.
3 الآية 12- 13 من سورة التكوير.
4 ابن أبي الدنيا الرقة والبكاء ص39، وابن الجوزي سيرة عمر ص157، وابن عساكر ج 33 ص 416 وابن كثير البداية والنهاية5 /243 والأثر في إسناده خالد بن عمرو الأموي أبو سعيد الكوفي رماه ابن معين بالكذب ونسبه صالح جزره وغيره إلى الوضع. انظر تقريب التهذيب ص189.
مدلول الآثار الواردة عن عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى هنا، ولا شك أن الإيمان بالمعاد من أهم العقائد التي تتميز بها الإسلام 1، وقد حاز قصب السبق في هذا المضمار، فجل سور القرآن الكريم تتضمن الإيمان بالمعاد، إما تصريحا وتأكيدا أو تلميحا وإشارة، وقد بين الله تبارك وتعالى في كثير من آيات الكتاب وجوب الإيمان بالبعث، وبين في بعضها الرد على من ينكر حشر الأجساد بحجج عقلية لا يمكن للمنكرين إلا الإذعان لها أو المكابرة قال تعالى:{اللَّهُ يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} 2 وقال عز وجل: {ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ} 3. وقال في منكري البعث: {أَوَلَمْ يَرَ الإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} 4. وقال تعالى: {أَيَحْسَبُ الإِنْسَانُ
1 انظر شرح العقيدة الطحاوية 2/589.
2 الآية 11 من سورة الروم.
3 الآيات 16 من سورة المؤمنون.
4 الآيات 77-79 من سورة يس.
أَنْ يُتْرَكَ سُدىً أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى} 1.
كما ثبت السنة في المطهرة الإيمان بالبعث فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "ما بين النفختين أربعون، قالوا: أربعون يوما؟ قال: أبيت، قالوا: أربعون شهرا؟ قال: أبيت، قالوا: أربعون سنة قال: أبيت، ثم ينزل الله من السماء ماءا فينبتون كما ينبت البقل، قال: وليس من الإنسان شيء إلا يبلى إلا عظما واحدا وهو عجب الذنب ومنه يركب الخلق يوم القيامة"2.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "قال الله: كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك، وشتمني ولم يكن له ذلك، فأما تكذيبه إياي فزعم أني لا أقدر أن أعيده كما كان، وأما شتمه إياي فقوله لي ولد فسبحاني أن أتخذ صاحبة ولا ولدا"3.
ومضمون هذه النصوص هو المأثور عن عمر كما سبق بيانه حيث قال: وإن لكم معادا" كما بين في تلك الآثار الحكمة من المعاد فقال: أما
1 الآيات من 36- 40 من سورة القيامة.
2 صحيح مسلم بشرح النووي 6/394، برقم (2955) وعجب الذنب: العظم اللطيف الذي في أسفل الصلب المصدر السابق.
3 البخاري مع الفتح 6/287، برقم (3193) .
بعد: فكأن العباد قد عادوا إلى الله فينبئهم بما عملوا ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى. وهذا ما بينه القرآن الكريم، قال تعالى:{إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى} 1، وقال عز وجل:{وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى} 2. قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: "يخبر تعالى أنه مالك السموات والأرض وأنه الغني عما سواه، الحاكم في خلقه بالعدل وخلق الخلق بالحق {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى} أي يجازي كُلاًّ بعمله إن خيرا فخير وإن شرا فشر"3.
وقال عز وجل في بيان الحكمة من البعث: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ} 4. قال شارح الطحاوية معلقا على هذه الآية الكريمة:
…
كيف تقتضي حكمة الخالق المبدع من العدم والمصور في الأرحام من نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم شق السمع والبصر وركب فيه الحواس والقوى والعظام والمنافع،
…
كيف تقتضي حكمته وعنايته به أن
1 الآية 15 من سورة طه.
2 الآية 31 من سورة النجم.
3 تفسير ابن كثير 4/255.
4 الآية 115 من سورة المؤمنون.
يتركه سدى؟ فلا يليق ذلك بحكمته ولا تعجز عنه قدرته. ثم قال رحمه الله: فانظر إلى هذا الاحتجاج العجيب بالقول الوجيز الذي لا يكون أوجز منه والبيان الجليل الذي لا يتوهم أوضح منه ومأخذه القريب الذي لا تقع الظنون على أقرب منه1.
وبعد قيام الناس من قبورهم ووقوفهم في ساحة القيامة، يشتد الأمر ويعظم الخطب، وترى الناس سكارى، وما هم بسكارى، ويفر المرء من أخيه، وأمه، وأبيه، وصاحبته، وبنيه، لأن كُلاً منهم يومئذ شأن يغنيه، وهذا الموقف الرهيب مما يستدعي الخوف والبكاء، فلذا لما تصوره عمر ابن عبد العزيز وذلك بقراءته سورة التكوير، بكى، وأبكى، فالسورة تصور مشهدا من مشاهد القيامة العصيبة، كما أن لهذا اليوم مشاهد أخرى، منها ما رواه البخاري في صحيحه عن أبي هريرةرضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"يعرق الناس يوم القيامة حتى يذهب عرقهم في الأرض سبعين ذراعا ويلجمهم حتى يبلغ آذانهم" 2، فإذا اشتد الأمر بالناس في الموقف فزعوا إلى الأنبياء ليزيحوا عنهم الكرب ويدفعوا عنهم الغم، فكل نبي من
1 انظر شرح العقيدة الطحاوية 2/596- 597. يشير رحمه الله إلى الآية {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا
…
}
2 البخاري مع الفتح 11/392، برقم (6532) .
آدم إلى عيسى يشير إلى غيره من الأنبياء حتى تصل النوبة إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فيقول: "أنا لها أنا لها"، وهذا هو المقام المحمود الذي ذكره الله تعالى لنبينا في القرآن. قال تعالى:{عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً} 1. فإذا شفع النبي صلى الله عليه وسلم لأهل الموقف واستجيب دعاؤه ينزل الرب تبارك وتعالى، كما يليق بجلاله للقضاء بين الخلائق فتنشر الدواوين وينصب الميزان كما سيأتي.
1 الآية 79 من سورة الإسراء، وللنبي صلى الله عليه وسلم شفاعات أخرى يثبتها أهل السنة والجماعة بينما أنكرها كثير من فرق الضلال ولم أقف لعمر كلام في هذه الشفاعات فأحيلك أيها القارئ الكريم إلى لوامع الأنوار البهية للسفاريني فقد أجاد وأفاد وغيرها من كتب السلف في العقيدة.