الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني: الآثار عن عمر في زيادة الإيمان ونقصانه
.
182/1- ابن عبد الحكم قال: وقال عمر بن عبد العزيز: إن للإسلام حدودا، وشرائع، وسننا، فمن عمل بها استكمل الإيمان، ومن لم يعمل بها لم يستكمل الإيمان، فإن أعش أعلمكموها وأحملكم عليها، وإن مت، فما أنا على صحبتكم بحريص1.
183/2- ابن عبد الحكم قال: كتب عمر بن عبد العزيز رسالة وفيها:
…
"أسأل الله برحمته وسعة فضله أن يزيد المهتدي هدى، وأن يرجع بالمسيء التوبة في عافية منه
…
"2.
184/3- ابن سعد قال: لما ولي عمر بن عبد العزيز الخلافة رحل إليه عون بن عبد الله3، وأبو الصباح موسى بن أبي كثير4، وعمر بن
1 ابن عبد الحكم سيرة عمر ص60، وقد مر في المبحث السابق تخريجه.
2 ابن عبد الحكم سيرة عمر ص72، وأبو حفص الملَاّء 1/280.
3 هو عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الهذلي كان ثقة كثير الإرسال. انظر الطبقات 6/313.
4 هو موسى بن أبي كثير الأنصاري من المتكلمين في الإرجاء وغيره. وكان ثقة في الحديث. انظر الطبقات6/339.
حمزة1، فكلموه في الإرجاء2، وناظروه فزعموا أنه وافقهم ولم يخالفهم في شيء منه3.
185/4- ابن سعد أيضا قال: ممن وفد إلى عمر بن عبد العزيز وكلمه في الإرجاء موسى بن أبي كثير4.
التعليق:
تبين من الآثار السابقة الواردة عن عمر أن الإيمان يزيد وينقص. وهذا ما دل عليه الكتاب والسنة والآثار عن السلف الصالح. وهذه الأدلة كثيرة يصعب استقصاؤها في هذا المقام وإنما يذكر أمثلة تدل على المقصود. فمنها قوله تعالى: {وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً} 5، وقوله عز وجل:
1 عمر بن حمزة بن عبد الله بن عمر بن الخطاب المدني ضعيف. تقريب ص411.
2 الإرجاء: هو التأخير: وكذلك إعطاء الرجاء، والمرجئة فرقة من الفرق الضالة وهم أصناف عدة. ويتميزون بأنهم يؤخرون الأعمال عن الإيمان، ويعطون الرجاء للفساق أي أنه لا يضر مع الإيمان معصية كما لا ينفع مع الكفر طاعة. انظر مقالات الإسلاميين 1/213-225، والملل والنحل للشهرستاني 1/189-195، على هامش الفِصَل، والفرق بين الفرق ص202.
3 ابن سعد: في الطبقات 6/313.
4 انظر: ابن سعد في الطبقات 6/339.
5 الآية 2 من سورة الأنفال.
{وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً} 1، وقوله تعالى:{وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَاناً} 2، وغير ذلك من الآيات.
ومن السنة حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الإيمان بضع وسبعون شعبة، فأفضلها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان"3، وحديث أبي هريرة أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن، ولا ينتهب نُهبة يرفع الناس إليه فيها أبصارهم وهو مؤمن"4.
ووجه الدلالة من هذا الحديث نفي كمال الإيمان الواجب عمن اقترف هذه المعاصي، وأنه لا يفعل هذه المعاصي وهو كامل الإيمان. وهذا من الألفاظ التي تطلق على نفي الشيء ويراد نفي كماله، على أحد الأقوال5.
1 الآية 76 من سورة مريم.
2 الآية 31 من سورة المدثر.
3 أخرجه البخاري 1/51،برقم (9) ، ومسلم 1/202-203برقم (58) واللفظ له.
4 أخرجه البخاري 5/119، برقم (2475) ، ومسلم 1/231-232 رقم (100) .
5 انظر زيادة الإيمان ونقصانه للشيخ الدكتور عبد الرزاق ص68.
ومنها حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا إيمان لمن لا أمانة له"1. ووجه الدلالة أن من لا أمانة له يعتبر مؤمنا ناقص الإيمان.
ومن أقوال سلف الأمة قول الإمام البخاري - رحمه الله تعالى -: لقيت أكثر من ألف رجل من العلماء بالأمصار فما رأيت أحدا يختلف في أن الإيمان قول وعمل ويزيد وينقص2.
وقول معاذ بن جبل رضي الله عنه اجلسوا بنا نؤمن ساعة"3، وقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه لأصحابه هلموا نزداد إيمانا وفي لفظ تعالوا نزداد إيمانا4.
فالقول بزيادة الإيمان ونقصانه مما أجمع عليه سلف الأمة لكن أهل البدع زاغوا عن هذا الإجماع. فذهب طوائف من المتكلمين والمرجئة والخوارج، والمعتزلة إلى أن الإيمان لا يزيد وينقص. واستندوا إلى شبه، ولعل عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى كان يقصد الرد على بعض هؤلاء الذين يرون عدم زيادة الإيمان ونقصانه بقوله: "فمن استكملهن فقد استكمل الإيمان
…
" ومن لم يستكملهن لم يستكمل الإيمان، فالإيمان عنده رحمه الله تعالى ذو شعب وأجزاء وهو شامل للعبادات البدنية
1 الإيمان لابن أبي شيبة ص5 وصححه الألباني.
2 البخاري مع الفتح 1/47.
3 رواه البخاري في صحيحه تعليقا 1/45.
4 الإيمان لابن أبي شيبة ص36.
والقلبية. كما أنه يحتوي على المندوبات والمنهيات. وهذه كلها قابلة للزيادة والنقصان فعمل القلب يزيد وينقص بكثرة النظر في الأدلة ووضوحها. ولهذا كان إيمان الصديق أقوى من إيمان غيره بحيث لا يعتريه الشبهة وكل أحد يعلم أن ما في قلبه يتفاضل حتى إنه يكون في بعض الأحيان أعظم يقينا وإخلاصا وتوكلا منه في بعضها1. ويؤيد الأثر الثاني المروي عن عمر ما سبق تقريره في الأثر الأول حيث عد الإيمان بالله وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة من الإسلام والإسلام إذا أطلق مفردًا فإنه يدخل فيه ويراد به الإيمان كما سبق بيانه. وهذه الشعب في هذا الأثر هي شعب الإيمان الواردة في حديث وفد عبد القيس كما في الصحيحين أن وفد عبد القيس لما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرهم بالإيمان بالله عز وجل قال: "أتدرون ما الإيمان بالله؟ " قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: "شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وأن تعطوا الخمس من المغنم
…
"2.
1 انظر البخاري مع الفتح 1/46.
2 البخاري مع الفتح 1/129، برقم (53) ، ومسلم 1/151، برقم (23) .
أما الأثر الثالث فيدل على زيادة الهدى والهدى من الإيمان قال تعالى: {وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ مَرَدّاً} 1.
وقال عز وجل: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدىً وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ} 2، وقوله في أصحاب الكهف:{إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدىً} 3، فالهدى من الإيمان وزيادته دليل على زيادة الإيمان.
وبعد ثبوت هذه الآثار عن عمر رحمه الله تعالى يتحتم الإشارة إلى أن ما رواه ابن سعد في الطبقات أن عمر بن عبد العزيز لما تولى الخلافة جاءه راحلا إليه عون بن عبد الله، وموسى بن أبي كثير، وعمر بن حمزة، فكلموه في الإرجاء وناظروه فزعموا أنه وافقهم ولم يخالفهم في شيء منه غير صحيح، للأدلة الصحيحة من الآثار المتقدمة التي نقلت عنه ولأن ابن سعد روى هذا الخبر بدون سند، ولأنه استعمل فيه صيغة التمريض "زعموا" وأيضا إن مثل هذا الزعم والادعاء لا يعول عليه لأن رواته
1 الآية 76 من سورة مريم.
2 الآية 17 من سورة محمد.
3 الآية 13 من سورة الكهف.
متهمون بالإرجاء، ولو سلمنا جدلا بثبوت تلك الرواية فيحتمل أنه وافقهم قبل أن يطلع على خبث هذا المذهب فحين اطلع عليه بدأ يكتب رسائله إلى عماله مبينا لهم حقيقة الإيمان عند السلف، ومضمنا في نفس هذه الرسائل الرد على المبتدعة. وقد ثبت في كتب التراجم أن من بين الذين وفدوا على عمر من تاب1 عن الإرجاء فلعل اللقاء حصل بينهم قبل ذلك. وهذا هو الصحيح لصحة ما نقل عنه من الآثار ولشدته رحمه الله تعالى على جميع المبتدعة كما مر فيما سبق. وسيأتي مزيد بيان لهذه الرواية في مبحث الرد على المرجئة.
هذا ولما كان الإيمان عند أهل السنة والجماعة يقبل الزيادة والنقصان كان موقفهم مخالفا لموقف الفرق الضالة في مسألة مرتكب الكبيرة المسلم يتبين لنا ذلك فيما يأتي من الآثار عن عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى.
1 انظر سير أعلام النبلاء 5/104.