الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني عشر: ما أثر عن عمر في إثبات صفة الرحمة لله تعالى
.
89/22- ابن عبد الحكم قال: كان عمر بن عبد العزيز يدعو ويقول: اللهم لا تعطني عطاء يبعدني من رحمتك في الآخرة
…
1.
90/23- ابن عبد الحكم قال: كان عمر يدعو بهذا الدعاء ويقول:
…
واكفني كل هول دون الجنة حتى تبلغنيها برحمتك يا أرحم الراحمين2.
التعليق:
إثبات صفة الرحمة لله تعالى هو مذهب أهل السنة والجماعة وهذا ما ثبت عن عمر بن عبد العزيز رحمه الله كما تقدم سطره في الأثرين اللذين ذكرناهما آنفا، وهو أيضا ما دل عليه الكتاب والسنة. قال تعالى:{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} 3، وقوله عز وجل:{وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} 4،
1 ابن عبد الحكم سيرة عمر ص98، وأبو حفص الملاء 2/477.
2 ابن عبد الحكم سيرة عمر ص98، وأبو حفص الملاء 2/476.
3 الآية 5 من سورة طه.
4 الآية 156 من سورة الأعراف.
ومن السنة ما رواه البخاري عن أسامة قال: كان ابن لبعض بنات النبي صلى الله عليه وسلم يقضي فأرسلت إليه أن يأتيها فأرسل: إن لله ما أخذ وله ما أعطى، وكل إلى أجل مسمى فلتصبر، ولتحتسب، فأرسلت إليه فأقسمت عليه فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وقمت معه، ومعاذ بن جبل، وأبي بن كعب، وعبادة بن الصامت، فلما دخلنا ناولوا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبي ونفسه تقلقل في صدره حسبته قال كأنها شَنّة فبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال سعد بن عبادة أتبكي فقال:"إنما يرحم الله من عباده الرحماء"1.
وحديث أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليصيبن أقواما سفع2 من النار بذنوب أصابوها عقوبة ثم يدخلهم الله الجنة بفضل رحمته تعالى يقال لهم الجهنميون"3.
وفي هذه النصوص ونحوها كثير أبلغ دليل على ثبوت صفة الرحمة لله تعالى
…
وبذلك يتبين بطلان قول أهل التأويل في هذه الصفة الكريمة من صفات ربنا تبارك وتعالى وقولهم أن الرحمة رقة في القلب وهي تدل
1 البخاري مع الفتح 13/434، برقم (7448) .
2 البخاري مع الفتح 13/434، والسفع: علامة تغير ألوانهم أي يريد أثراً من النار. انظر النهاية 2/374.
3 البخاري مع الفتح 13/434، برقم (7450) .
على الضعف والخور في طبيعة الراحم وتألمه على المرحوم 1 هذا قول باطل بالنسبة إلى صفة الله تعالى وبيان ذلك من وجوه:
الأول: أن هذا وصف رحمة بعض المخلوقين من النساء ونحوهن، وقد علم التفاوت العظيم بين الخالق تعالى والمخلوقين بالشرع، والعقل، والإجماع، وقد تقرر أن الصفة تتبع الموصوف في الكمال وضده.
الثاني: أن الضعف والخور مذموم وهو نقص وأما الرحمة فممدوحة كما قال تعالى: {وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ} 2، مع نهيه - تعالى عباده عن الوهن والحزن، قال تعالى:{وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا} 3، وحثهم على الرحمة كما في بعض الأحاديث كقوله صلى الله عليه وسلم:"من لا يرحم لا يرحم"4، وقوله:"لا تنزع الرحمة إلا من شقي" 5، وقوله:"الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء"6
1 انظر: الإنصاف للباقلاني 62-63 وشرح أسماء الله الحسنى للرازي 341-342
2 الآية 17 من سورة البلد.
3 الآية 139 من سورة آل عمران.
4 البخاري مع الفتح 10/426، برقم (5997) .
5 الحديث رواه الترمذي 4/258، وقال: حسن، والإمام أحمد 2/301.
6 الحديث رواه الترمذي 4/285، وقال حسن صحيح.
ومستحيل أن يقول: "لا ينزع الضعف والخور إلا من شقي ولما كانت الرحمة في حق كثير من الناس تقارن الضعف والخور ظن من غلط في ذلك أنها كذلك مطلقا.
الثالث: أن أسماء الله تعالى حسنى لا يلحقها نقص بوجه من الوجوه، وصفاته عليا عن النقص أيضا والله تعالى قد تمدح بهذه الأسماء والصفات لأنها تدل على الكمال، فمن المحال أن يلحقها ما يلحق رحمة المخلوق1.
وفي ختام هذا المبحث في موقف عمر بن عبد العزيز من إثبات الصفات أود التنبيه إلى أن التوسع في دراسة تلك الصفات له أماكنه الخاصة به وقد كتبت فيها مؤلفات عديدة ورسائل علمية كثيرة ولم يكن غرضي استقصاء دراسة كل صفة لعدم تعلق موضوعي به. فإن مجال بحثي هو في متابعة ما يقوله عمر فيها وكان موقف عمر منها هو الإثبات، ولم أر له مجادلات ومناظرات مع المخالفين فاكتفيت بإثبات معتقده في الصفة وإثبات الصفة أيضا من كتاب الله وسنة نبيه وفهم السلف.
1 انظر شرح كتاب التوحيد للشيخ عبد الله الغنيمان 1/262.