الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثالث: الآثار عن عمر بن عبد العزيز في الصفات العلى
المبحث الأول: ما أثر عن عمر بن عبد العزيز في إثبات صفة النفس لله تعالى
…
الفصل الثالث: الآثار عن عمر بن عبد العزيز في الصفات العلى
تمهيد:
في تعريف الصفة لغة واصطلاحا وموقف أهل السنة من صفات الله الثابتة بالكتاب والسنة.
الصفة لغة: الصفة أصلها وصف، قال ابن فارس: الواو والصاد، والفاء، أصل واحد، هو تحلية الشيء، ووصفته أصفه وصفا.
والصفة: الأمارة اللازمة للشيء1.
فالصفة إذاً ما قام بالموصوف من نعوت، وتارة يراد به الكلام الذي يوصف به الموصوف، وتارة يراد به المعاني التي دل عليها الكلام، كالعلم والقدرة2.
فصفات الله تعالى إذاً هي:
"نعوت الكمال القائمة به سبحانه وتعالى".
والصفة غير الذات، وزائدة عليها من حيث مفهومها، وتصورها بيد أنها لا تنفك عن الذات3.
1 معجم مقاييس اللغة 6/115.
2 انظر مجموع الفتاوى 3/335.
3 انظر منهج أهل السنة ومنهج الأشاعرة في توحيد الله 2/400، وانظر الصفات الإلهية في الكتاب والسنة للشيخ الدكتور محمد أمان الجامي رحمه الله ص 82، ط. الجامعة الإسلامية.
وأهل السنة والجماعة يثبتون لله تعالى ما أثبته لنفسه من نعوت الجلال والكمال إثباتا بلا تمثيل ولا تكييف، وينزهون الله عن صفات النقص ومشابهة خلقه له في صفاته تنزيها بلا تعطيل.
قال ابن عبد البر: "أجمع أهل السنة على الإقرار بالصفات الواردة في الكتاب والسنة كلها، والإيمان بها وحملها على الحقيقة، لا على المجاز"1.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "مذهب أهل الحديث وهم السلف من القرون الثلاثة المفضلة، ومن سلك سبيلهم من الخلف، أن هذه الآيات والأحاديث التي فيها إثبات الصفات تمر كما جاءت، ويؤمن بها، وتصدق وتصان عن تأويل يفضي إلى تعطيل، وتكييف يفضي إلى تمثيل.
وقد أطلق غير واحد ممن حكى إجماع السلف منهم - الخطابي- مذهب السلف: أنها تجرى على ظاهرها، مع نفي الكيفية، والتشبيه عنها.
وذلك أن الكلام في الصفات فرع على الكلام في الذات، يحتذى فيه حذوه ويتبع فيه مثاله.
فإذا كان إثبات الذات إثبات وجود، لا إثبات كيفية. فكذلك إثبات الصفات إثبات وجود لا إثبات كيفية"2.
1 انظر التمهيد لابن عبد البر 7/145.
2 انظر الرسالة المدنية لشيخ الإسلام ابن تيمية ص 29-30 تحقيق الوليد بن عبد الرحمن الفريان، ط. الأولى عام 1408هـ.
ولأهل السنة والجماعة تفاصيل في الصفات التي يجوز إطلاقها على الباري، وما لا يجوز.
فمما لا يجوز إطلاقه على الباري، وصفه بما هو شر، وإطلاق الصفات المذمومة عليه مطلقا، ويمكن أن يطلق عليه ما يكون في حال المقابلة صفة مدح، كما في قوله تعالى {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُم} 1، وذلك أن هذه الصفة وغيرها تكون كمالا في حال، ونقصا في حال، فمن هنا فهي ليست جائزة في حق الله ولا ممتنعة على سبيل الإطلاق. فلا تثبت له إثباتا مطلقا، ولا تنفي عنه نفيا مطلقا فتجوز في الحال التي تكون كمالا، وتمنع في الحال التي تكون نقصا.
واتفق أهل السنة على أنه لا تصغّر صفات الله2، ولهم تفاصيل كثيرة ليس المجال مجال بحثها، وتفصيلها. وإنما إعطاء نبذة موجزة عنها، وقد كان السلف الصالح ومن سار على نهجهم يثبتون لله تعالى صفاته العلى الواردة في الكتاب والسنة كما تقدم. وكان أمير المؤمنين عمر بن عبد
1 الآية 142 من سورة النساء.
2 انظر البخاري مع الفتح 13/366، والقواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى للشيخ محمد بن صالح العثيمين ص20.
العزيز الذي هو موضوع البحث عن آثاره العقدية ممن يثبت الصفات العلى، وهذا ما سيتبين بالآثار المنقولة عنه فيما يلي:
المبحث الأول: ما أثر عن عمر في إثبات صفة النفس لله تعالى
65/1- ابن عبد الحكم قال: كتب عمر بن عبد العزيز إلى الضحاك ابن عبد الرحمن1 رسالة فقال: أما بعد فإن الله جعل الإسلام الذي رضي به لنفسه ومن كرم عليه من خلقه لا يقبل دينا غيره2
…
التعليق:
إثبات صفة النفس لله تبارك وتعالى كما تبين من هذا الأثر عن عمر ابن عبد العزيز هو ما يدل عليه الكتاب والسنة وهو ما عليه السلف الصالح، قال عز وجل:{وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ} 3 وقال: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَة} 4 وقال صلى الله عليه وسلم في ثنائه على ربه: "
…
لا أحصي ثناء عليك
1 الضحاك بن عبد الرحمن بن عزرب الشامي. تابعي ثقة. انظر: ميزان الاعتدال 2/324.
2 ابن عبد الحكم سيرة عمر ص86، وأبو حفص الملاء 1/280.
3 الآية 28، من سورة آل عمران.
4 الآية 54 من سورة الأنعام.
أنت كما أثنيت على نفسك" 1، وفي الحديث القدسي: "
…
إذا ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي
…
"2.
فنفسه تعالى هي ذاته المقدسة، كما تبين ذلك من الكتاب والسنة، وبه قال عامة السلف، ولكن مع ظهور أدلة هذه الصفة وقوتها وعدم قبولها التأويل والتحريف حاولت الجهمية إنكارها. وقالوا: إن الله تعالى إنما أضاف النفس إليه على معنى إضافة الخلق إليه، وإن نفسه غيره، كما أن خلقه غيره.
وهذا لا يتوهمه ذو لب فضلا عن أن يتكلم به، فإن الله قد بين في محكم تنزيله أنه كتب على نفسه الرحمة، وحذر العباد نفسه، أفيحل لمسلم أن يقول: إن الله حذر العباد غيره؟ 3.
فنفسه تعالى هي ذاته المتصفة بصفاته وليس المراد بها ذاتا منفكة عن الصفات، ولا المراد بها صفة للذات4.
1 صحيح مسلم بشرح النووي 2/152، رقم (486) .
2 متفق عليه صحيح مسلم بشرح النووي 6/175، برقم (2675) ، والبخاري مع الفتح 13/384، برقم (7405) .
3 انظر كتاب التوحيد لابن خزيمة ص 8.
4 انظر مجموع الفتاوى 14/196، و9/292-293.