الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث: الآثار عن عمر بن عبد العزيز في التوكل
25/1- الذهبي قال: قال معاوية بن يحيى: حدثنا أرطأة، قال: قيل لعمر بن عبد العزيز لو جعلت على طعامك أمينا لا تغتال، وحرسيا إذا صليت، وتنح عن الطاعون، قال: اللهم إن كنت تعلم أني أخاف يوما دون القيامة فلا تؤمن خوفي1.
26/2- الذهبي أيضا قال: خالد بن مرداس حدثنا الحكم بن عمر، قال: كان لعمر بن عبد العزيز ثلاثمائة حرسيّ وثلاثمائة شرطي فشهدته يقول لحرسه: إن لي عنكم بالقدر حاجزا، وبالأجل حارسا من أقام منكم فله عشرة دنانير ومن شاء فليلحق بأهله2.
1 سير أعلام النبلاء 5/139، ومعاوية بن يحيى أبو مطيع الأطرابلسي الشامي روى عن ارطأة بن المنذر. قال أبو حاتم: صدوق، وقال أبو زرعة: ثقة. الجرح والتعديل 8/384.
وأرطأة بن المنذر الحمصي، ثقة من السادسة. تقريب ص97. وأخرج الأثر ابن سعد في الطبقات 5/398، وابن عساكر 45/249.وهذا الدعاء إن صح عنه فهو محل نظر لأنه لا يجوز للمسلم أن يدعو على نفسه والله أعلم.
2 سير أعلام النبلاء 5/136، وابن عساكر 45 /220 وأخرج الأثر أيضا أبو حفص الملاء 2/440، وابن الجوزي سيرة عمر ص118- 119.
وخالد بن مرداس أبو الهيثم السراج روى عن الحكم بن عمرو، وكان ثقة. انظر تاريخ بغداد 8/307، والجرح والتعديل 3/352، والحكم بن عمرو الرعيني روى عن عمر بن عبد العزيز، وقيل ابن عمر قال يحيى ليس بشيء لا يكتب حديثه، وقال النسائي ضعيف. انظر الجرح والتعديل 3/119- 123، وميزان الاعتدال1/578.
27/3- ابن عبد الحكم في قصة مناظره عمر الخوارج وفيه قال عمر لأصحابه: "ابحثوهما أن لا يكون معهما حديدة"1.
28/4- ابن عبد الحكم قال: ولما خرج عمر بن عبد العزيز من المدينة نظر مولاه مزاحم إلى القمر فإذا القمر في الدبران2 قال: فكرهت أن أقول ذلك له فقلت: ألا تنظر إلى القمر ما أحسن استواءه في هذه الليلة! فنظر عمر فإذا هو بالدبران فقال كأنك أردت أن تعلمني أن القمر بالدبران يامزاحم، إنا لا نخرج بشمس ولا بقمر ولكنا نخرج بالله الواحد القهار3.
29/5- الفسوي قال: حدثنا عبد الله بن عثمان أخبرنا عبد الله4، قال: عمر بن عبد العزيز لمزاحم مولاه - وكان فاضلا - قال: إن هؤلاء القوم - يعني أهله- أقطعوني ما لم يكن لي أن آخُذه، ولا لهم أن يعطوني، وإني هممت بردها على أربابها، قال: فقال: مزاحم فكيف تصنع بولدك؟
1 يقصد بذلك الخارجيين اللذين أمر بإدخالهما عليه ليناظراه. ابن عبد الحكم سيرة عمر ص113.
2 الدبران: سيأتي التعريف بها في مطلب النهي عن التطير.
3 ابن عبد الحكم سيرة عمر ص32، وأبو حفص الملاء 2/336،وابن القيم في مفتاح دار السعادة ص235. وسيأتي برقم 42، ورقم 58.
4 هو ابن المبارك.
قال: فخرت دموعه على وجنتيه، قال: فجعل يمسحها بإصبعه الوسطى ويقول: "أكلهم إلى الله
…
"1.
30/6- ابن عبد الحكم قال: وعهد عمر برسالة مع منصور بن غالب حين بعثه على قتال أهل الحرب وفيها:
…
"وأمره أن يكون عيونه من العرب، وممن يطمئن إلى نصيحته وصدقه من أهل الأرض، فإن الكذوب لا ينفع خبره، وإن صدق في بعضه، وإن الغاش عين عليك وليس بعين لك والسلام2.
التعليق:
تتضح من الآثار المنقولة عن عمر بن عبد العزيز في هذا المبحث حرصه على التوكل مع الأخذ بالأسباب المشروعة.
والتوكل هو الاعتماد على الله، مع الأخذ بالأسباب3، وهو أصل من أصول التوحيد. قال تعالى:{فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ} 4، وقال عز وجل:{وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ} 5.
1 الفسوى المعرفة والتاريخ 1/586، وأبو حفص الملاء 1/209.
2 ابن عبد الحكم سيرة عمر ص78، وأبو حفص الملَاّء 1/196، وأبو نعيم في الحلية 5/303.
3 انظر: ابن الأثير النهاية في غريب الحديث والأثر 5/221.
4 الآية 123من سورة هود.
5 الآية 58 من سورة الفرقان.
وفي سنن الترمذي عن أنس رضي الله عنه قال: قال رجل يارسول الله - في أمر ناقته- أعقلها وأتوكل أو أطلقها وأتوكل؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "إعقلها وتوكل"1.
كما تتضمن المنع من التعلق بالأوهام التي لا حقيقة لها كالتطير، كما نجد في بعض هذه الآثار عدم التفاته إلى الأسباب الظاهرة، ومعلوم أنه قد ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم مدح المتوكلين على الله تعالى، وبين مزاياهم ودرجاتهم عند الله وأنهم يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب2 وقد بيّن ذلك صلى الله عليه وسلم عمليا فكان - وهو سيد المتوكلين - يلبس لأمة الحرب،3 ويمشي في الأسواق للاكتساب حتى قال الكافرون:{مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأَسْوَاق} 4.
1 سنن الترمذي - كتاب صفة القيامة - باب61رقم2517، وحسنه الألباني، انظر صحيح سنن الترمذي 2/309، وصحيح الجامع الصغير برقم 1068.
2 الحديث في صحيح مسلم 1/447-448-449، رقم (371) . وموضع الشاهد من الحديث قوله "وعلى ربهم يتوكلون".
3 انظر البخاري مع الفتح 6 ص 99الحديث رقم2915
4 الآية 7 من سورة الفرقان، وانظر شرح العقيدة الطحاوية 2/352.
ومما يجدر توضيحه هنا أن الأسباب تنقسم إلى قسمين:
أ- أسباب مأمور بها كالأكل والشرب، والنكاح، وركوب السفينة لمن احتاج إلى عبور البحر وغير ذلك.
ب- أسباب مباحة مثل كسب ما يتصدق به.
فترك الأسباب المأمور بها قادح في التوكل، وقد تولى الحق إيصال العبد بها وأما ترك الأسباب المباحة فإن تركها لما هو أرجح منها مصلحةً فممدوح، وإلا فهو مذموم1.
والتوكل من أعظم الأسباب التي يحصل بها المطلوب، ويدفع بها المكروه، فمن أنكر الأسباب لم يستقم منه التوكل ولكن من تمام التوكل عدم الركون إلى الأسباب وقطع علاقة القلب بها، فيكون حال قلبه قيامه بالله لا بها وحال بدنه قيامه بها2.
وقد كان عمر بن عبد العزيز - رحمه الله تعالى - متوكلا على الله كما أنه أحيانا لا يركن إلى الأسباب لتمام توكله فمع كونه يبين لحراسه: "أن لي عنكم بالقدر حاجزا، وبالأجل حارسا"، نجده لا يطردهم ولا يترك
1 انظر مدارج السالكين 2/121- 122.
2 المصدر السابق 2/125.
الأسباب كليا، فيوجه إليهم الخطاب موضحا تعامله مع الأسباب "من أقام منكم فله عشرة دنانير ومن شاء فليحلق بأهله".
هذه هي طريقة السلف الصالح، أهل السنة والجماعة، توكل على الله حق توكله واعتماد على الأسباب المباحة، والمأمور بها في كل حين ووقت. بخلاف غيرهم ممن يدّعى التوكل وهو متواكل يترك الأسباب ويستجدي الناس ظانا بجهله أن هذا هو التوكل. ولفشو الجهل وسيطرة هؤلاء المغفلين على كثير من المجتمعات المسلمة ظن بعض من لا علم له بأصول العقيدة الإسلامية أن الإسلام هو السبب في كثرة هؤلاء المتطفلين، والإسلام منهم براء، ولا شك أنه لو قدم إلى هؤلاء العقيدة الصحيحة لتقبلوها بقبول حسن.