الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني: الآثار عن عمر بن عبد العزيز في الشكر
17/1- ابن عبد الحكم قال: وكتب إلى عمر عدي بن أرطأة1 أنه قد أصاب الناس من الخير خير حتى لقد خشيت أن يبطروا. قال فكتب إليه عمر: إن الله تبارك وتعالى حين أدخل أهل الجنة الجنة، وأهل النارِ النار رضي من أهل الجنة بأن {َقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ} 2، فمر من قبلك أن يحمدوا الله3.
18/2- ابن أبي شيبة قال: حدثنا أبو خالد الأحمر عن يحيى بن سعيد قال: بلغني أن عمر بن عبد العزيز قال: ذكر النعم شكرها4.
1 عدي بن أرطأة الفزاري عامل عمر مقبول. انظر تقريب التهذيب ص388.
2 الآية 74 من سورة الزمر.
3 ابن عبد الحكم سيرة عمر ص64، وانظر: ابن سعد في الطبقات 5/383، وأبو حفص الملاء 2/489، وابن الجوزي سيرة عمر ص274، وأبو نعيم في الحلية 5/293.
4 ابن أبى شيبة في المصنف 8/240، وانظر: ابن أبى الدنيا الشكر لله عز وجل ص30، عن يحيى بن سعيد:"ذكر النعم شكر" وأبو خالد هو سليمان بن حيان الأزدي صدوق يخطئ، ت 90هـ، تقريب التهذيب ص250. وأخرج الأثر ابن عساكر 45/228،وابن الجوزي سيرة عمر ص 247، وهناد السرى في الزهد 2/400.
19/3- ابن أبي الدنيا قال: حدثكم أحمد بن سلمان نا عبد الله، نا محمد بن صدران الأزدي، نا عبد الله بن خراش، نا يزيد بن يزيد، قال: سمعت عمر بن عبد العزيز يقول: قيدوا نعم الله عز وجل بالشكر لله تعالى1.
20/4- ابن أبى الدنيا أيضا قال: قال داود ابن رشيد، نا الوليد بن مسلم عن ابن جابر قال: حدثني عبد الله بن عمر بن عبد العزيز قال: ما قلب عمر بن عبد العزيز بصره إلى نعمة أنعم الله عز وجل بها عليه إلا قال: "اللهم إني أعوذ بك أن أبدل نعمتك كفرا، أو أكفرها بعد معرفتها أو أنساها فلا أثني بها"2.
1 ابن أبي الدنيا كتاب الشكر لله تعالى ص19، وابن الجوزي سيرة عمر ص247.
وفي الأثر عبد الله بن خراش - بالخاء المعجمة - ابن خوشب الشيباني أبو جعفر الكوفي، ضعيف، وأطلق عليه ابن عمار الكذب. انظر تقريب التهذيب ص301.
2 المصدر السابق ص32،وقدتقدم الأثر برقم (6) وداود بن رشيد أبو الفضل البغدادي صدوق. الجرح والتعديل 3/412، والوليد بن مسلم هو الدمشقي أبو العباس مولى لبني أمية روى عن الأوزاعي، وابن جابر، ثقة كثير التدليس والتسوية، انظر تقريب التهذيب ص584، والجرح والتعديل 9/216.
وابن جابر هو: عبد الرحمن بن يزيد بن جابر الأزدي روى عنه الوليد بن مسلم ثقة. الجرح والتعديل5/299- 300.
21/5- ابن أبي الدنيا أيضا قال: حدثني الحسن بن محبوب أخبرنا أبو توبة الربيع ابن نافع، حدثنا أبو ربيعة عن أبيه عن جده قال: كتب عمر ابن عبد العزيز إلى بعض عماله أما بعد:
…
أوصيك بتقوى الله وأحثك على الشكر فيما عندك من نعمته وآتاك من كرامته فإن نعمه يمدها شكره ويقطعها كفره
…
"1.
22/6- هناد السرى في الزهد قال: حدثنا أبو بكر بن عياش، عن يحيى بن سعيد، عن عمر بن عبد العزيز أنه قال: ذكر النعمة شكرها2.
23/7- ابن الجوزي قال: حدثنا مرثد بن يزيد، قال: سمعت عمر بن عبد العزيز يقول: قيدوا نعمة الله بالشكر لله عز وجل3.
1 ابن أبي الدنيا ذم الدنيا ص81 والحسن بن محبوب بن الحسن القرشي قال عنه أبو حاتم لا بأس به. الجرح والتعديل 3/38، والربيع بن نافع أبو توبة الحلبي ثقة حجة عابد. تقريب ص207، وأبو ربيعة وأبوه وجد هـ لم أجدهم. وذكر هذا الأثر ابن الجوزي سيرة عمر ص 254-255، وأبو حفص الملاء 2/460-461.
2 هناد السرى في الزهد 2 /400 وأبو بكر بن عياش الأسدي الكوفي صدوق ربما غلط ذكره ابن حبان في الثقات، وانظر تهذيب الكمال 33/129- 137، ويحيى ابن سعيد ثقة ثبت. تقريب ص591.
3 ابن الجوزي سيرة عمر ص247، وانظر ابن أبي الدنيا كتاب الشكر لله ص19، ومرثد بن يزيد لم أجده. وأخرج الأثر أبو حفص الملاء 2/491.
24/8- ابن الجوزي قال: وعن عبد الله بن مروان الشامي أن عمر ابن عبد العزيز أتى بعض أهله فقرب إليه طعاما كثيرا فقال عمر: ويحك يا فلان دون هذا ما يسد الجوعة ويذهب سورة النفس، وتقدم فضل ذلك ليوم فقرك وفاقتك. فقال يا أمير المؤمنين إن الله أوسع وأحسن. فقال عمر بن عبد العزيز: فعند ذلك فقد وجب عليك الشكر ثم نهض1.
التعليق:
إن الآثار الواردة عن عمر في هذا المبحث تبين أنَّ شكر الخالق تبارك وتعالى على نعمه الكثيرة وآلائه الجسيمة مأمور به، وهذا ما دل عليه الكتاب والسنة:
قال تعالى: {وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} 2، وقال عز وجل:{وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ} 3.
1 ابن الجوزي سيرة عمر ص259، وأبو حفص الملاء 2/469. وعبد الله بن مروان لم أجده.
2 الآية 172 من سورة البقرة.
3 الآية 152 من سورة البقرة.
والشكر يستلزم المزيد قال تعالى: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} 1.
وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قام حتى تورمت قدماه، فقيل له تفعل ذلك وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فقال:"أفلا أكون عبدا شكورا؟ "2، وأمر صلى الله عليه وسلم معاذا بأن يقول دبر كل صلاة:"اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك"3.
وما أثر عن عمر - رحمه الله تعالى- في هذا الجانب يبين منهج السلف في التعامل مع النعم التي ينعمها الخالق على عباده، ولا ريب أن شكر النعم رباط لبقائها والاستزادة منها، فكانوا دائما يلهجون بالشكر إلى الله في كل حين لأنهم يعلمون أن شكر النعمة يؤدي إلى رضى الله عز وجل، وأن عدم الشكر يؤدي إلى سخطه. كما بينت الآية التي ذكرناها آنفا، فمن وفقه الله إلى شكر النعم، فقد اعترف لله بفضله وبنعمته وقدرته
1 الآية 7من سورة إبراهيم.
2 البخاري مع الفتح 3/14، رقم (1130) ومسلم بشرح النووي 6/296- 297رقم (2819) .
3 أخرجه أبو داود 2/86،والنسائي 3/53، قال الحافظ ابن حجر وصححه ابن حبان، والحاكم. انظر البخاري مع الفتح 11/133.
فاستحق بذلك المدح والثناء، ومن غفل عن ذلك فقد استحق اللوم والعقاب.
والشكر مبني على خمس قواعد: قال ابن القيم - مبينا هذه الخمس - وهي: خضوع الشاكر للمشكور، وحبه له، واعترافه بنعمته وثناؤه عليه بها، وأن لا يستعملها فيما يكره1.
ويظهر من الآثار السابقة وغيرها أن عمر بن عبد العزيز - رحمه الله تعالى- قد استوفي هذه الشروط وهذه القواعد، فخضوعه لخالقه واضح في أمره لعماله بشكر الخالق تبارك وتعالى، وأما حبه لخالقه فواضح من قوله في مرض موته اللهم إنك قبضت سهلا، وعبد الملك، ومزاحما، وكانوا أعواني على الحق فلم ازدد لك إلا حبا
…
"2.
وأما اعترافه بنعم ربه فقد أثر عنه في ذلك عدة أثار منها قوله: "ذكر النعم شكرها" وأما ثناؤه لربه فواضح من دعائه حين قال: "أو أنساها فلا أثني عليك بها" وأما عدم استعمال النعم فيما يغضب الله تعالى من المعاصي والآثام فسيرته العطرة مكتظة بالأمثلة الدالة على ذلك، وقد سبق ذكر بعضها.
1 مدارج السالكين 2/254.
2 ابن عبد الحكم سيرة عمر ص 100-101.
وتوجد فروق بين الحمد والشكر، فالحمد يتضمن المدح والثناء على المحمود بذكر محاسنه سواء كان الإحسان إلى الحامد أولم يكن، وأما الشكر فلا يكون إلا على إحسان المشكور إلى الشاكر، فمن هذا الوجه فالحمد أعم من الشكر فإنه يكون على المحاسن والإحسان
…
وأما الشكر فإنه لا يكون إلا على الإنعام، فهو أخص من الحمد من هذا الوجه لكنه يكون بالقلب واليد، واللسان، كما قيل:
أفادتكم النعماء مني ثلاثة
يدي ولساني والضمير المحجبا.
ولهذا قال تعالى: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْراً} 1.
والحمد إنما يكون بالقلب واللسان فمن هذا الوجه الشكر أعم من جهة أنواعه والحمد أعم من جهة أسبابه2.
هذا وإذا كان الحمد لا يقع إلا على نعمة فقد ثبت أنه رأس الشكر فهو أول الشكر.
والحمد وإن كان على نعمته وعلى حكمته فالشكر بالأعمال هو على نعمته. وهو عبادة له لإلهتيه التي تتضمن حكمته فقد صار مجموع الأمور داخلا في الشكر.
1 الآية 13من سورة سبأ.
2 انظر مجموع الفتاوى 11/133- 134.
ولهذا عظم القرآن أمر الشكر ولم يعظم أمر الحمد مجردا إذ كان نوعا من الشكر، وشرع الحمد الذي هو الشكر المقول أمام كل خطاب مع التوحيد ففي الفاتحة: الشكر، والتوحيد، والخطب الشرعية لابد من الشكر والتوحيد1
1 انظر مجموع الفتاوى 14/310- 311.