الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث السادس: الآثار عن عمر بن عبد العزيز في نواقض الإيمان
.
203/1- ابن سعد قال: أخبرنا إسماعيل بن عبد الله بن أبي أويس، قال: حدثني أبي، عن سهيل بن أبي صالح، أن عمر بن عبد العزيز قال: لا يقتل أحد في سب أحد إلا في سب نبي1.
204/2- ابن سعد قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثنا عبد الله ابن أبى عبيدة عن ربيعة بن عطاء عن عمر بن عبد العزيز قال: يستتاب المرتد ثلاثة أيام فإ ن تاب وإلا ضربت عنقه2.
205/3- عبد الله بن الإمام أحمد قال: حدثني أبي، نا مؤمل، نا حماد يعني ابن سلمة حدثنا أبو جعفر الخطمي قال: شهدت عمر بن عبد العزيز وقد دعا غيلان لشيء بلغه في القدر فقال له: ويحك يا غيلان ما هذا
1 ابن سعد في الطبقات 5/379، وانظر: ابن عبد الحكم سيرة عمر 146وابن عساكر45 /207 وإسماعيل بن عبد الله بن أبي أويس صدوق. انظر تقريب التهذيب ص108.
وأبوه هو عبد الله بن عبد الله بن أبي أويس، أبو أويس المدني صدوق يهم. انظر تقريب التهذيب ص309.
وسهيل بن أبي صالح: ذكوان السمان أبو يزيد المدني صدوق تغير حفظه بآخرة. تقريب ص259.
2 ابن سعد في الطبقات 5/351.
الذي بلغني عنك؟ قال يكذب علي يا أمير المؤمنين ويقال علي ما لم أقل. قال: ما تقول في العلم؟ قال: قد نفد العلم. قال: فأنت مخصوم، اذهب الآن فقل ما شئت ويحك يا غيلان إنك إن أقررت بالعلم خصمت، وإن جحدته كفرت، وإنك إن تقربه فتخصم خير لك من أن تجحده فتكفر
…
"1.
206/4-الملطى قال: وقال حسان بن فروخ سألني عمر بن عبد العزيز عما تقول الأزارقة2، فأخبرته فقال: ما يقولون في الرجم؟ فقلت يكفرون به. فقال: الله أكبر كفروا بالله وبرسوله3.
التعليق:
تدل الآثار الواردة عن عمر بن عبد العزيز في هذا المبحث على أربعة نواقض من نواقض الإيمان، وهي: إنكار صفة من صفات الله تبارك وتعالى المعلومة من الدين بالضرورة كصفة العلم، أو سب نبي من أنبيائه، أو إنكار حكم معلوم من الدين بالضرورة، أو الردة.
وقبل بيان وجه
1 عبد الله بن الإمام أحمد في السنة 2/429، واللالكائي شرح أصول اعتقاد أهل السنة 2/789، وسيأتي برقم 294، 318.
2 الأزارقة: أتباع نافع بن الأزرق الخارجي.
3 الملطى: التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع ص196، وسيأتي رقم 206.
الاستدلال بهذه الآثار على هذه النواقض ينبغي تعريف النقض لغة واصطلاحا:
فالنقض: هو إفساد ما أبرمت من عقد أو بناء فهو بمعنى نكث الشيء أو انتشار العقد. والنقض ضد الإبرام، ونقيضك الذي يخالفك.1.
واصطلاحا: أنها اعتقادات، أو أقوال أو أفعال تزيل الإيمان وتقطعه. فهي تقطع الإيمان وتنقضه بينما سائر المعاصي تنقص الإيمان" 2.
ووجه كون إنكار صفة العلم لله تعالى ناقضا من نواقض الإيمان فلأن ذلك يعد تكذيبا بالوحيين. قال تعالى: {وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ} 3، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: يجب إكفار القدرية في نفيهم كون الشر من خلق الله. وفي دعواهم أن كل فاعل خالق فعل نفسه4، ولا شك أن نفي العلم عن الله تبارك وتعالى والادعاء بأن الله لا يعلم أفعال العباد إلا بعد صدورها عنهم وقاحة وجرأة وكيف يعجز عن العلم من علم بالقلم،
1 القاموس المحيط ص 846 ومعجم مقاييس اللغة 5 / 470-471.
2 نواقض الإيمان القولية والعملية ص48- 494.
3 الآية 22-23 من سورة فصلت.
4 الفتاوى 6/318- 319.
وعلم الإنسان ما لم يعلم، كلا {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} 1 وعلى زعمهم هذا فما فضل {عَلَاّمُ الْغُيُوبِ} 2، الذي {يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى} 3، على المخلوق الذي لا يعلم شيئا إلا ما علمه الله4.
ومن نواقض الإيمان المأثورة عن عمر بن عبد العزيز سب النبي صلى الله عليه وسلم أو سب الأنبياء عليه السلام ولا يخفى أن من آذى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد آذى الله تعالى. ولا يصدر السب لنبي من أنبياء الله تعالى من مؤمن. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: إن سب الله أو سب رسوله كفر ظاهرا سواء كان الساب يعتقد أن ذلك محرم أو كان مستحلا له أو كان ذاهلا عن اعتقاده هذا مذهب الفقهاء وسائر أهل السنة القائلين بأن الإيمان قول وعمل5.
والدليل على أن من سب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو غيره من الأنبياء يعد كفرا أو ناقضا من نواقض الإيمان اعتبارات منها:
1 الآية 14 من سورة الملك.
2 الآية 109 المائدة.
3 الآية 7 طه.
4 انظر الرد على الجهمية للدارمي ص118.
5 الصارم المسلول ص512.
ووجه الدلالة من الآية أن الله تعالى قرن أذاه بأذى رسوله صلى الله عليه وسلم فمن آذاه فقد آذى الله تعالى، ومن آذى الله قد احتمل بهتانا وإثما عظيما. وجعل على ذلك اللعنة في الدنيا والآخرة، وأعد له العذاب المهين.
ب - قوله عليه الصلاة والسلام من آذى أصحا بي فقد آذاني2.
ج - أمره صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة بقتل ابن خطل فحين أخبر بتعلقه بأستار الكعبة قال: "اقتلوه "3.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في هذا الحديث: "وهذا مما استفاض نقله بين أهل العلم واتفقوا عليه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدر دم ابن خطل يوم الفتح فيمن أهدر دمه وأنه قتل4.
1 الآيتان 57-58 من سورة الأحزاب.
2 الترمذى 5 / 358 رقم 3954 وقال: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه.
3 البخاري مع الفتح 8/15، رقم (4286) . وانظر الصارم المسلول ص44.
4 الصارم المسلول ص135.
فإذا كان حكم من سب نبينا صلى الله عليه وسلم القتل فكذلك حكم من سب غيره من الأنبياء لأن الإيمان به إيمان بجميع الأنبياء والرسل، والكفر به كفر بجميعهم. قال تعالى:{آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِه} 1، وقال عز وجل:{إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقّاً وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُهِيناً} 2، فقد دلت الآيات على أن الكفر بنبي من الأنبياء كفر بجميعهم. وكذلك غيره مما ينزل منزلته كالاستهزاء والسب، والشتم يعتبر ناقضا من نواقض الإيمان، ويعطى حكم أصله الذي هو الكفر. وهذا ما بينه عمر بن عبد العزيز بقوله:" إنه لا يقتل أحد بسب أحد إلا في سب نبي".
ولا شك أن إنكار حكم معلوم من الدين بالضرورة ناقض من نواقض الإيمان. وهذا ما أثر عن عمر رحمه الله تعالى في الخوارج الذين أنكروا الرجم كما سبق. وقد خاف عمر بن الخطاب رضي الله عنه من إنكار الرجم من
1 البقرة آية 285.
2 الآيتان 150- 151 من سورة النساء.
قبل وبين أنه ضلال، وأن الرجم فريضة أنزلها الله فرجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجم أصحابه فروى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال عمر لقد خشيت أن يطول بالناس زمان حتى يقول قائل لا نجد الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله. ألا وإن الرجم حق على من زنى وقد أحصن إذا قامت البينة، أو كان الحمل أو الاعتراف. قال سفيان: كذا حفظت، ألا وقد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده1. قال الحافظ ابن حجر: وقد وقع ما خشيه عمر
…
فأنكر الرجم طائفة من الخوارج أو معظمهم وبعض المعتزلة. ويحتمل أن يكون عمر قد استند في خوفه من هذا الإنكار إلى توقيف فروى عبد الرزاق عن ابن عباس أن عمر قال: سيجيء قوم يكذبون بالرجم2، وفي الموطأ عن يحيى بن سعيد، عن سعيد ابن المسيب، عن عمر: "إياكم أن تهلكوا عن آية الرجم إن يقول قائل لا أجد حدين في كتاب الله فقد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا
…
" 3، وفي الحديث إشارة إلى أن عمر استحضر أن أناسا قالوا ذلك فرد عليهم4.
1 البخاري مع الفتح 12/137.
2 المصنف لعبد الرزاق 7/330.
3 الموطأ ومعه تنوير الحوالك شرح موطأ مالك 3/ 42.
4 انظر البخاري مع الفتح 12/148. وصحيح مسلم بشرح النووي 4/337.
والمقصود أن الرجم ثابت في كتاب الله تعالى بالآية المنسوخة قراءة الثابتة حكما1، وإنكار الرجم مع العلم بثبوته ناقض من نواقض الإيمان لأنه إنكار ما علم من الدين بالضرورة. ومن المعلوم أن الإيمان قائم على تصديق حكم الله تعالى وحكم رسوله صلى الله عليه وسلم ومن أهم هذه الأحكام أحكام الحدود، كالرجم، وغيره. فقد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ماعزا والغامدية وغيرهما. ورجم الصحابة رضوان الله عليهم فإنكار الخوارج هذا الحكم القطعي دليل على مروقهم من الدين واعتمادهم على عقولهم في التعامل مع نصوصه الصحيحة الصريحة أعاذنا الله من الحور بعد الكور وثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة.
ومن نواقض الإيمان الردة وقد بين عمر أن من ثبت عنه هذا الناقض فإنه يستتاب ثلاثة أيام فإن تاب وإلا قتل، والدليل على هذا قوله تعالى: {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ
…
} 2.
1 وهي "والشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة". وقيل قوله تعالى: {أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً} الثيب بالثيب الرجم".
2 الآية 217 من سورة البقرة.
ومن السنة قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث" وفيه: "والتارك لدينه المفارق للجماعة"1
قال النووي: فأما قوله: "والتارك لدينه المفارق للجماعة" فهو عام في كل مرتد عن الإسلام بأي ردة كانت، فيجب قتله إن لم يرجع إلى الإسلام 2.
هذا وكون المرتد يستتاب ثلاثة أيام هو قول أكثر أهل العلم3.
1 الحديث متفق عليه البخاري مع الفتح 12 /201 رقم6878 ومسلم4/316رقم1676
2 شرح النووي على صحيح مسلم4 /318.
3 انظر المغنى لابن قدامة ج12 /264 -266.