المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الأول: الآثار الواردة عن عمر في تقرير الإيمان بالقدر - الآثار الواردة عن عمر بن عبد العزيز في العقيدة - جـ ١

[حياة بن محمد بن جبريل]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الأول

- ‌مقدمة

- ‌تمهيد:

- ‌الباب الأول: الآثار الواردة عن عمر في التوحيد

- ‌الفصل الأول: الأثار الواردة عن عمر في توحيد الألوهية

- ‌المبحث الأول: الآثار عن عمر بن عبد العزيز في الدعاء

- ‌المبحث الثاني: الآثار عن عمر بن عبد العزيز في الشكر

- ‌المبحث الثالث: الآثار عن عمر بن عبد العزيز في التوكل

- ‌المبحث الرابع: الآثار عن عمر بن عبد العزيز في الخوف والرجاء

- ‌المبحث الخامس: الآثار عن عمر بن عبد العزيز في التبرك

- ‌المبحث السادس: الآثار عن عمر بن عبد العزيز في النهي عن الشرك ووسائله

- ‌المطلب الأول: الآثار عن عمر بن عبد العزيز في النهي عن التطير

- ‌المطلب الثاني: ما أثر عن عمر بن عبد العزيز من النهي عن اتخاذ القبور مساجد

- ‌المطلب الثالث: الآثار عن عمر في حكم السحر

- ‌الفصل الثاني: الآثار الواردة عن عمر بن عبد العزيز في أسماء الله الحسنى

- ‌المبحث الأول: ما أثر عنه في أسمه تعالى "الله

- ‌المبحث الثاني: ما أثر عن عمر بن عبد العزيز في اسمه تعالى "الرب

- ‌المبحث الثالث: في ما أثر عن عمر بن عبد العزيز في أسمائه تعالى "الرحمن الرحيم، المليك، اللطيف، الخبير

- ‌المبحث الرابع: ما أثر عن عمر بن عبد العزيز في اسمه تعالى "الكريم

- ‌المبحث الخامس: ما أثر عن عمر بن عبد العزيز في اسمه تعالى "الحي

- ‌المبحث السادس: ما أثر عن عمر بن عبد العزيز في اسمه تعالى "الرقيب

- ‌المبحث السابع: ما أثر عن عمر بن عبد العزيز في اسمه تعالى "الشهيد

- ‌المبحث الثامن: ما أثر عن عمر بن عبد العزيز في اسمه تعالى"الواحد القهار

- ‌المبحث التاسع: ما أثر عن عمر بن عبد العزيز في اسمه تعالى"العلي العظيم

- ‌المبحث العاشر: ما أثر عن عمر بن عبد العزيز في اسمه تعالى" العفو الغفور

- ‌المبحث الحادي عشر: ما أثر عن عمر بن عبد العزيز في اسمه تعالى"العزيز الحكيم

- ‌المبحث الثاني عشر: ما أثر عن عمر بن عبد العزيز في اسمه تعالى "الوارث

- ‌المبحث الثالث عشر: ما أثر عن عمر بن عبد العزيز في اسمه تعالى "الخالق

- ‌الفصل الثالث: الآثار عن عمر بن عبد العزيز في الصفات العلى

- ‌المبحث الأول: ما أثر عن عمر بن عبد العزيز في إثبات صفة النفس لله تعالى

- ‌المبحث الثاني: ما أثر عن عمر بن عبد العزيز في صفة الوجه لله تعالى

- ‌المبحث الثالث: ماأثر عن عمر بن عبد العزيز في إثبات صفة العلم لله تعالى

- ‌المبحث الرابع: ما أثر عن عمر في إثبات صفة الكبرياء لله تعالى

- ‌المبحث الخامس: ما أثر عن عمر في صفة القدرة لله تعالى

- ‌المبحث السادس: ما أثر عن عمر في إثبات صفة العلو لله تعالى

- ‌المبحث السابع: ما أثر عن عمر في إثبات صفة المعية والقرب لله تعالى

- ‌المبحث الثامن: ما أثر عن عمر في إثبات صفة النزول لله تعالى يوم القيامة لفصل القضاء

- ‌المبحث التاسع: ما أثر عن عمر في إثبات صفة المشيئة والإرادة لله تعالى

- ‌المبحث العاشر: ما أثر عن عمر في إثبات صفة الغضب كما يليق لله تعالى

- ‌المبحث الحادي عشر: ما أثر عن عمر في إثبات صفة الرضى لله تعالى

- ‌المبحث الثاني عشر: ما أثر عن عمر في إثبات صفة الرحمة لله تعالى

- ‌الباب الثاني: الآثار عن عمر في الإيمان بالملائكة والكتب، والرل، واليوم الآخر، والقدر

- ‌الفصل الأول: الآثار عن عمر في الإيمان بالملائكة

- ‌الفصل الثاني: الآثار عن عمر في الإيمان بالكتب

- ‌الفصل الثالث: الآثار عن عمر بن عبد العزيز في الإيمان بالرسل

- ‌الفصل الرابع: الآثار عن عمر في الإيمان بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وفضائل أصحابه وحقوق أهل بيته

- ‌المبحث الأول: الآثار عن عمر في الإيمان بنبينا محد صلى الله عليه وسلم وذكر بعض خصائصه

- ‌المبحث الثاني: الآثار عن عمر في فضائل الصحابة وموقفه من أهل البيت

- ‌الفصل الخامس: الآثار عن عمر بن عبد العزيز في الإيمان باليوم الآخر وما يقع فيه من أمور

- ‌المبحث الأول: الآثار عن عمر في عذاب القبر ونعيمه

- ‌المبحث الثاني: الآثار عن عمر بن عبد العزيز في الإيمان بالمعاد، ونزول الرب لفصل القضاء

- ‌المبحث الثالث: الآثار عن عمر في الإيمان بالميزان

- ‌المبحث الرابع: الآثار عن عمر في الإيمان بالحوض

- ‌المبحث الخامس: الآثار عن عمر بن عبد العزيز في الإيمان بالصراط

- ‌المبحث السادس: الآثار عن عمر في الإيمان بالجنة والنار

- ‌المبحث السابع: الآثار عن عمر في الإيمان برؤية المؤمنين ربهم في الجنة

- ‌الفصل السادس: الآثار الواردة عن عمر في الإيمان بالقدر

- ‌المبحث الأول: الآثار الواردة عن عمر في تقرير الإيمان بالقدر

- ‌المبحث الثاني: الآثار عن عمر بن عبد العزيز في بيان مراتب القدر

- ‌المبحث الثالث: الآثار عن عمر في النهي عن الخوض في القدر

- ‌المبحث الرابع: الآثار عن عمر في الرضا بالقضاء

- ‌الفصل السابع: الآثار الواردة عن عمر في تعريف الإيمان وما يتعلق به من مسائل

- ‌المبحث الأول: الآثار الواردة عنه في تعريف الإيمان

- ‌المبحث الثاني: الآثار عن عمر في زيادة الإيمان ونقصانه

- ‌المبحث الثالث: الآثار عن عمر في حكم مرتكب الكبيرة

- ‌المبحث الرابع: الآثار عن عمر في حكم لعن المعين وتكفيره

- ‌المبحث السادس: الآثار عن عمر بن عبد العزيز في نواقض الإيمان

الفصل: ‌المبحث الأول: الآثار الواردة عن عمر في تقرير الإيمان بالقدر

‌الفصل السادس: الآثار الواردة عن عمر في الإيمان بالقدر

‌المبحث الأول: الآثار الواردة عن عمر في تقرير الإيمان بالقدر

الفصل السادس: الآثار الواردة عن عمر في الإيمان بالقدر.

إن الإيمان بالقدر ودراسته من الأمور الهامة في حياة المسلم، وذلك لكثرة ما فيها من الأمور التي تحتاج إلى تفحص وتبصر، ولوقوع الاختلاف الكثير بين الفرق المخالفة لمنهج السلف الصالح في العقيدة فيما بين تلك الفرق من جهة وفيما بينها وبين المتبعين لمنهج الحق منهج السلف من جهة أخرى. ولا شك أن السلف الصالح رحمهم الله تعالى كانوا على الجادة فهم كما وصفهم عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى:" إنهم هم السابقون فقد تكلموا فيه" ويعني في مسألة الإيمان بالقدر:" بما يكفي ووصفوا منه ما يشفي فما دونهم من مقصر، وما فوقهم من محسر، وقد قصر قوم دونهم فجفوا وطمح عنهم أقوام فغلوا وإنهم بين ذلك لعلى هدى مستقيم" وقد بين عمر رحمه الله تعالى من خلال رسائله وخطبه وما كان يكتبه إلى عماله الطريق الحق في الإيمان بالقدر ورد على المنكرين لهذا الركن كله أو لبعض أجزائه مستندا في ذلك كله على الكتاب والسنة وفهم السلف الصالح رحمهم الله. وهذا الفصل الذي نحن بصدد دراسته يعالج الأمور التي أثرت عنه في هذا الباب. وقبل الدخول في تفاصيل هذا الموضوع من المستحسن تعريف القدر لغة واصطلاحا وإيضاح العلاقة بينه وبين القضاء.

ص: 489

تعريف القدر لغة واصطلاحا

تعريف القدر لغة:

القدر: محركة: القضاء والحكم، ومبلغ الشيء

والجمع أقدار. ويطلق ويراد به الغنى واليسار والقوة.

وإذا وافق الشيء الشيءَ قلت: جاءت قدره، وقدره مماثله.

ويقال: ما له عنده قدْر ولا قدر أي حرمة ووقار1.

والقدر بالفتح لا غير القضاء الذي يقدره الله، وإذا وافق الشيء الشيء قيل جاء على قدر بالفتح2.

وقال الراغب: القدر بوضعه يدل على القدرة وعلى المقدور الكائن بالعلم، ويتضمن الإرادة عقلا والقول نقلا وحاصله وجود شيء في وقت وعلى حال بوفق العلم والإرادة والقول، وقدر الله الشيء بالتشديد قضاه3.

1 انظر القاموس المحيط للفيروز آبادي ص590- 591، ولسان العرب 11/55- 56.

2 المصباح المنير ص187- 188.

3 البخاري مع الفتح 11/477.

ص: 490

هذه هي أهم معاني القدر في اللغة وهناك معان أخرى جانبية تعرضت لها كتب اللغة1، يرجع إليها من يريد الاستزادة.

وإذا كان ما سبق ذكره هو أهم معاني القدر ومنها القضاء، فهل القضاء والقدر في اللغة مترادفان؟

الصحيح أنهما مترابطان فكل منهما قد يأتي بمعنى الآخر في الجملة.

فالقضاء يرجع معناه إلى إحكام الأمر، وإتقانه، وإنفاذه، ومن معانيه الأمر، والحكم، والإعلام، والقدر ترجع معانيه إلى التقدير - والله سبحانه وتعالى قد ر مقادير الخلق، فعلمها وكتبها، وشاءها، وخلقها، وهي مقضية ومقدرة فتقع حسب أقدارها وهذا هو الترابط بين هاتين الكلمتين في اللغة. يبقى أن نشير إلى أننا كثيرا ما نقرأ ونسمع الإيمان بالقضاء والقدر، مع أننا لا نجد أثراً لورود اللفظين في الكتاب والسنة مجتمعين، ولا في كلام الصحابة ويبدو أنهما ظهرتا عند ظهور الفرق التي تنكر القدر، ولعل الترابط بينهما الذي ذكرناه آنفا هو السبب في تلازمهما

1 انظر: القضاء والقدر في الكتاب والسنة ومذاهب الناس فيه /27 -29 وانظر في كتب اللغة مثلا: في مادة قدر الصحاح للجوهري 2/786، وما بعدها ومعجم مقاييس اللغة لابن فارس 5/62- 63، ولسان العرب 5/74 وما بعدها، وتاج العروس 3/481 وما بعدها.

ص: 491

وصدورهما من كلامهم، وكل ما ذكر في اللغة فهو وثيق الصلة بتعريفهما في الاصطلاح.

تعريف القدر في الاصطلاح:

عرف العلماء القدر بعدة تعريفات كلها تدور حول مراتب القدر الأربعة التي سيأتي ذكرها إن شاء الله تعالى فعرفها شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم بأنها:

1-

"تقدير الله تعالى الأشياء في القدم وعلمه سبحانه أنها ستقع في أوقات معلومة عنده وعلى صفات مخصوصة وكتابته - سبحانه - لذلك ومشيئته له ووقوعها على حسب ما قدرها وخلقها لها"1.

2-

وعرفها الشيخ ابن عثيمين بأنها: "تقدير الله للكائنات حسبما سبق به علمه واقتضته حكمته"2.

3-

وعرفها العلامة السفاريني بقوله: هو:"ما سبق به العلم وجرى به القلم مما هو كائن إلى الأبد وإنه عز وجل قدر مقادير الخلائق وما يكون من الأشياء قبل أن تكون في

1 انظر شرح العقيدة الواسطية للشيخ صالح بن فوزان الفوزان - حفظه الله - ص162- 169 وشفاء العليل لابن القيم ص63.

2 رسائل في العقيدة للشيخ محمد بن صالح العثيمين - حفظه الله - ص37.

ص: 492

الأزل وعلم سبحانه وتعالى أنها ستقع في أوقات معلومة عنده - تعالى - وعلى صفات مخصوصة فهي تقع على حسب ما قدرها1.

4-

وعرفها الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى بأن قال: "القدر هو أن الله تعالى علم مقادير الأشياء وأزمانها قبل إيجادها ثم أوجد ما سبق في علمه أنه يوجد، فكل محدث صادر عن علمه وقدرته وإرادته2.

وإذا جمعت هذه التعريفات كلها يمكن دمج بعضها في بعض لتصبح دالة على تعريف القدر شرعا:

5-

فالقدر شرعا: "تقدير الله للكائنات بأعيانها وأزمانها وخصائصها حسبما سبق به علمه وجرى به قلمه واقتضتها إرادته وحكمته ثم إيجادها حسبما جرى به القلم.

فهذا التعريف الأخير مختصر شامل لمراتب القدر بينما التعريفات السابقة بعضها دقيق ولكنه طويل وبعضها لا يشمل مراتب القدر الأربعة إما بنقص مرتبة الكتابة أو الخلق.

1 لوامع الأنوار البهية للسفاريني 1/348.

2 البخاري مع الفتح 1/118.

ص: 493

الفرق بين القضاء والقدر في الاصطلاح:

قيل "المراد بالقدر: التقدير، وبالقضاء الخلق كقوله تعالى:{فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَات} 1، أي خلقهن فالقضاء والقدر أمران متلازمان، لا ينفك أحدهما عن الآخر لأن أحدهما بمنزلة الأساس، وهو القدر والآخر بمنزلة البناء، وهو القضاء. فمن رام الفصل بينهما فقد رام هدم البناء ونقضه2.

وقيل: إن القضاء هو العلم السابق الذي حكم الله به في الأزل، والقدر هو وقوع الخلق على وزن الأمر المقضي السابق.

قال الحافظ ابن حجر: "وقالوا - أي العلماء -: القضاء هو الحكم الكلي الإجمالي في الأزل، والقدر جزئيات ذلك الحكم وتفاصيله3.

وقيل: إذا اجتمعا افترقا بحيث يصبح لكل واحد منهما مدلول بحسب ما مر في القولين السابقين. وإذا افترقا اجتمعا، بحيث إذا أفرد أحدهما دخل فيه الآخر4. قياسا على ما جاء في التفريق بين الإيمان والإسلام والفقير والمسكين، ونحو ذلك ولعل هذا التعريف توفيق بين من يرى

1 الآية 12 من سورة فصلت.

2 النهاية لابن الأثير 4/78.

3 البخاري مع الفتح 11/486.

4 انظر الدرر السنية 1/512، وانظر القضاء والقدر لمحمد بن إبراهيم الحمد ص29.

ص: 494

التفرقة بين القضاء والقدر وبين من لا يرى ذلك. والذي يظهر أنه ليس هناك فرق واضح بين القضاء والقدر خصوصا إذا لاحظنا أن لفظتا القضاء والقدر لم ترد مجتمعة في الكتاب والسنة فيحتمل أنها من المترادفات عند من يطلقها جميعا1.

1 انظر القضاء والقدر نشأتها عند الفلاسفة والمتكلمين ص 103 -105.

ص: 495

المبحث الأول: الآثار الواردة عن عمر بن عبد العزيزفي تقرير الإيمان بالقدر

158/1- قال أبو داود1 رحمه الله تعالى: حدثنا محمد بن كثير قال ثنا سفيان، قال: كتب رجل إلى عمر بن عبد العزيز يسأله عن القدر. ح.

1 أبو داود صاحب السنن سليمان بن الأشعث الأزدي السجستاني ثقة حافظ مصنف. تقريب ص250، ومحمد بن كثير العبدي أبو عبد الله البصري صدوق. انظر الجرح والتعديل 8/70.

وسفيان هو سفيان بن سعيد الثوري ثقة حافظ فقيه عابد إمام حجة مات سنة61. تقريب 244، والربيع بن سليمان المؤذن ثقة مات سنة 70 هـ. تقريب ص206.

وأسد بن موسى بن إبراهيم الأموي صدوق يغرب مات سنة 12.تقريب ص104.

وحماد بن دُلَيْل مصغر أبو زيد صدوق تقريب ص178.

والنضر هو النضر بن عربي أبو عمر ويقال أبو روح العامري مديني روى عن عمر ابن عبد العزيز وثقه يحيى بن معين، وغيره. انظر الجرح والتعديل 8/475.

وقبيصة هو ابن عقبة الكوفي صدوق جليل قال الذهبي: كان هناد إذا ذكر قبيصة بكى وقال الرجل الصالح. انظر ميزان الاعتدال 3/383- 384.

وأبو رجاء هو الهروى عبد الله بن واقد الحنفي ثقة. انظر تقريب التهذيب ص328.

وأبو الصلت شيخ لأبي رجاء وهو شهاب خراش الشيباني صدوق يخطئ. انظر التهذيب ص269.

ص: 496

وثنا الربيع بن سليمان المؤذن، قال: ثنا أسد بن موسى، قال: ثنا حماد ابن دليل، قال: سمعت سفيان الثوري يحدث عن النضر. ح.

وحدثنا هناد بن السري، عن قبيصة، قال: ثنا أبو رجاء، عن أبي الصلت، وهذا لفظ حديث ابن كثير ومعناهم، قال كتب رجل إلى عمر ابن عبد العزيز يسأله عن القدر. فكتب أما بعد:

كتبت تسأل عن الإقرار بالقدر فعلى الخبير بإذن الله وقعت، ما أعلم ما أحدث الناس من محدثة، ولا ابتدعوا من بدعة هي أبين أثرا، ولا أثبت أمرا من الإقرار بالقدر، لقد كان ذكره في الجاهلية الجهلاء يتكلمون به في كلامهم، وفي شعرهم، يعزون به أنفسهم على ما فاتهم، ثم لم يزده الإسلام بعد إلا شدة، ولقد ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم في غير حديث ولا حديثين، وقد سمعه منه المسلمون فتكلموا به في حياته وبعد وفاته يقينا وتسليما لربهم، وتضعيفا لأنفسهم أن يكون شيء، لم يحط به علمه، ولم يحصه كتابه، ولم يمض فيه قدره، وإنه مع ذلك لفي محكم كتابه: منه اقتبسوه ومنه تعلموه، ولئن قلتم لم أنزل الله آية كذا ولم قال كذا؟ لقد قرأوا منه ما قرأتم وعلموا من تأويله ما جهلتم، وقالوا بعد ذلك كله بكتاب وقدر وكتب

ص: 497

الشقاوة وما يقدر يكن، وما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، ولا نملك لأنفسنا ضرا ولا نفعا ثم رغبوا بعد ذلك ورهبوا1.

159/2- ابن الجوزي قال: وهذه رسالة مروية عن عمر بن عبد العزيز في الأول، وجدت أكثر كلماتها لم تضبطها النقلة على الصحة، فانتقيت منها كلمات صالحة: أخبرنا سليمان بن نفيع القرشي2، عن خلف أبي الفضل3،القرشي عن كتاَّب4 عمر بن عبد العزيز إلى نفر كتبوا بالتكذيب بالقدر:

أما بعد: فقد علمتم أن أهل السنة كانوا يقولون: "الاعتصام بالسنة نجاة، وسينقص العلم نقصا سريعا5، ومنه قول عمر بن الخطاب وهو

1 سنن أبي داود 4/202- 203 وصحيح سنن أبي داود 3/873، والشريعة للآجري 1/444- 445، وابن بطة في الإبانة 2/231- 232- 233، والبيهقي في القضاء والقدر ل ق 89/ب وصحح هذا الأثر الشيخ ناصر الدين الألباني في صحيح سنن أبي داود. وسيأتي برقم 160، 170، 224، 238، و309.

2 سليمان بن نفيع القرشي لم أجده، وعند أبي نعيم:"سليم".

3 خلف أبي الفضل القرشي قال الذهبي "عنه": سليم بن نفيع" انظر المقتنى في سرد الكنى للذهبي 2/14.

4 من كتاب عمر ليث بن أبي رقية.

5 الأثر ذكره اللالكائي بسنده عن الزهري مع بعض الاختلاف في اللفظ. انظر شرح أصول اعتقاد أهل السنة 1/106، رقم الأثر 136، و137 منه.

ص: 498

يعظ: "إنه لا عذر لأحد عَبَدَ الله بعد البينة، بضلالة ركبها حسبها هدى، ولا في هدى تركه حسبه ضلالة. فقد تبينت الأمور، وثبتت الحجة، وانقطع العذر1، فمن رغب عن أنباء النبوة وما جاء به الكتاب، تقطعت من يده أسباب الهدى، ولم يجد له عصمة ينجو بها من الردى، وبلغكم أني أقول: إن الله قد علم ما العباد عاملون، فأنكرتم ذلك، وقد قال تعالى:{إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عَائِدُونَ} 2، وقال:{وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ} 3، وزعمتم في قول الله:{فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} 4، أن المشيئة في أي ذلك أحببتم فعلتم من ضلال أو هدى؟ والله يقول:{وَمَا تَشَاءُونَ إِلَاّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} 5، فبمشيئته شاءوا.

1 ذكر هذا الأثر الخطيب البغدادي في الفقيه والمتفقه عن الأوزاعي عن عمر رضي الله عنه. انظر الفقيه والمتفقه 1/148.

2 الآية 15 من سورة الدخان.

3 الآية 28 من سورة الأنعام.

4 الآية 29 من سورة الكهف.

5 الآية 29 من سورة التكوير.

ص: 499

وقد حرصت الرسل على هدي الناس جميعا، فما اهتدى منهم إلا من هداه الله، وحرص إبليس على ضلالتهم جميعا، فما ضل منهم إلا من كان في علم الله ضالا.

وأنكرتم أن يكون سبق لأحد من الله ضلالة أو هدى، وأنكم الذين هديتم أنفسكم من دون الله، وحجزتموها عن المعصية بغير قوة من الله. ومن زعم ذلك منكم، فقد غلا في القول، لأنه لو كان شيء لم يسبق في علم الله وقدره، لكان لله في ملكه شريك تنفذ مشيئته في الخلق دون الله، والله يقول:{حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ} 1. وسميتم نفاذ الله2 في الخلق حيفا، وقد جاء الخبر أن الله عز وجل، خلق آدم، فنثر ذريته بين يديه، فكتب أهل الجنة وما هم عاملون، وكتب أهل النار وما هم عاملون"3،4.

1 الآية 7 من سورة الحجرات، وذكر السيوطي في الإكليل في استنباط التنزيل أن ابن أبي حاتم ذكر هذه الآية بسنده إلى عمر بن عبد العزيز أنه احتج بها في الرد على القدرية. الإكليل ص241 ط. دار الكتب العلمية ط الثانية عام 1405هـ. ولم أجده في تفسير ابن أبي حاتم المطبوع الآن.

2 عند أبي نعيم "فسميتم نفاذ علم الله في الخلق حيفا

" انظر الحلية 5/350.

3 الخبر رواه عبد الله بن الإمام أحمد في السنة 2/423.

4 ابن الجوزي سيرة عمر ص88-89، وأبو نعيم في الحلية 5/346-353.

ص: 500

التعليق:

إن المأثور عن عمر بن عبد العزيز رحمه الله في رسالتيه السابقتين يبين اهتمامه وتقريره كل ما يبين الإيمان بالقدر الذي هو الركن السادس من أركان الإيمان. كما جاء ذلك في حديث جبريل ففي صحيح مسلم من حديث ابن عمر عن أبيه عمر رضي الله عنهما قال: بينما نحن عند رسول الله ذات يوم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد، حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم

وقال يا محمد أخبرني عن الإيمان، قال: "أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره

" 1، قال الحافظ ابن حجر: وإنما أعاد اللفظ وتؤمن عند ذكره القدر ولم يعده في الأركان الخمسة التي سبقته إشارة إلى ما سيقع فيه من الاختلاف فحصل الاهتمام بشأنه بإعادة "تؤمن" ثم قرره بالإبدال بقوله: خيره وشره، حلوه ومره، ثم زاده تأكيدا بقوله في الرواية الأخيرة "من الله"2.

وفي صحيح مسلم أيضا عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء مشركوا قريش يخاصمون رسول الله صلى الله عليه وسلم في القدر فنزلت {يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى

1 صحيح مسلم 1/131.

2 البخاري مع الفتح 1/118.

ص: 501

وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَر إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} 1، قال: النووي رحمه الله تعالى: وفي هذه الآية الكريمة والحديث تصريح بإثبات القدر، وأنه عام في كل شيء فكل ذلك مقدر في الأزل معلوم لله مراد له2.

والأدلة من الكتاب والسنة وأقوال السلف على وجوب الإيمان بالقدر كثيرة جدا. منها: قوله عز وجل: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} 3، قال ابن كثير رحمه الله عند تفسير هذه الآية:"يستدل بهذه الآية الكريمة أئمة السنة على إثبات قدر الله السابق لخلقه وهو علمه الأشياء قبل كونها وكتابته لها قبل برئها"4.

وقال عز وجل: {سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً} 5، أي كل شيء بقضاء وقدر6.

1 الآيتان 48-49 من سورة القمر. والحديث رواه مسلم 6/156 برقم (2656) .

2 انظر صحيح مسلم بشرح النووي 6/156.

3 الآية 49 من سورة القمر.

4 تفسير القرآن العظيم لابن كثير 4/267، ط. مكتبة التراث القاهرة.

5 الآية 38 من سورة الأحزاب.

6 تفسير الرازي 25/213، ط. دار الفكر بيروت عام 1410هـ.

ص: 502

وقال جل شأنه: {

فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ إِلَى قَدَرٍ مَعْلُومٍ فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ} 1، أي جعلنا الماء في مقر يتمكن فيه وهو الرحم، مؤجلا إلى قدر معلوم قد علمه الله سبحانه وتعالى وحكم به فقدرنا على ذلك فنعم القادرون نحن، أو فقدرنا ذلك تقديرا فنعم المقدرون له نحن على قراءتين، والقراءة الثانية قدَّرنا بالتشديد، توافق قوله تعالى:{مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ} 2.

فهذه الآيات تفيد الإخبار عن قدر الله الشامل لكل شيء، وأخبار القرآن مقطوع بها3.

ومن النصوص في السنة على وجوب الإيمان بالقدر ما تقدم من حديث جبريل وحديث أبي هريرة وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم في حديث جابر بن

1 الآية 21-22 من سورة المرسلات.

2 الآية 19 من سورة عبس.

3 انظر: تفسير القرآن الجليل للنسفي 5/308، المكتبة الأموية - دمشق مكتبة الغزالي - حماة -مؤسسة الرسالة. وانظر أيضا فتح البيان 10/190-191، وانظر بالنسبة للقراءات وتوجيهها في الآية حجة القراءة لأبي زرعة عبد الرحمن بن زنجله ص743-744، تحقيق وتعليق سعيد الأفغاني ط. الثانية عام 1399هـ. وانظر القضاء والقدر في الكتاب والسنة ص40.

ص: 503

عبد الله رضي الله عنهما: "لا يؤمن عبد حتى يؤمن بالقدر خيره وشره من الله، وحتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه"1. وحديث علي رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن عبد حتى يؤمن بأربع

ويؤمن بالقدر"2.

وحديث أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يدخل الجنة عاق ولا مدمن خمر ولا مكذب بقدر"3.

فدلت هذه الأحاديث على وجوب الإيمان بالقدر في الجملة وحذرت من لم يؤمن به بالدخول في النار ويمثل ما أثر عن عمر بن عبد العزيز رحمه الله في الرسالتين السابقتين منهج السلف الصالح في الإيمان بالقدر، فالرسالة الأولى التي كتبها إلى عامله تبين أن الإيمان بالقدر ثابت نقلا وعقلا وفطرة. فهو ثابت بكتاب الله تعالى فالصحابة استنبطوا الإيمان به

1 رواه الترمذي برقم 2144، وقال هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث عبد الله بن ميمون وهو منكر الحديث وقد صححه الألباني في صحيح سنن الترمذي 2/227.

2 رواه الترمذى4 /393 وذكر له طرقا وابن ماجة 1/32، وصححه الألباني. في صحيح سنن ابن ماجة 1 /21.

3 رواه الإمام أحمد 6/ 441، وقال الهيثمي وفيه سليمان بن عتبة الدمشقي وثقه أبو حاتم وضعفه ابن معين مجمع الزوائد 7 /203 وذكره الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة رقم 675.

ص: 504

وفهموا أركانه وتعلموها من القرآن. وقد ذكره الرسول صلى الله عليه وسلم في غير حديث ولا حديثين كما بينا ذلك آنفا. قال عمر: "وإنه مع ذلك لفي محكم كتابه: منه اقتبسوه ومنه تعلموه

" والإقرار بالقدر ثابت بالسنة والفطر السليمة، وإجماع الصحابة بل إنكار القدر من أبين البدع الحادثة. وفي إيضاح ذلك يقول عمر: "ما أعلم ما أحدث الناس من محدثة ولا ابتدعوا من بدعة هي أبين أثرا ولا أثبت أمرا من الإقرار بالقدر. لقد كان ذكره في الجاهلية الجهلاء يتكلمون به في كلامهم وفي شعرهم يعزون به أنفسهم على ما فاتهم، ثم لم يزده الإسلام بعد إلا شدة ولقد ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم في غير حديث ولا حديثين، وقد سمعه منه المسلمون فتكلموا به في حياته وبعد وفاته يقينا وتسليما

" فهذا الأثر يصلح أن يكون قاعدة وأساسا في باب القدر لاشتماله على جل مباحث القدر مع وجازته وبلاغته وهو دليل على ما أعطاه الله تعالى لعمر بن عبد العزيز من الحكمة والبيان والفهم في الدين، وكما دل هذا الأثر على الإيمان بالقدر في الجملة فقد دل أيضا على الإيمان بأركان القدر الأربعة التي لا يتم الإيمان بالقدر إلا بالإيمان بها كلها.

ص: 505

أما رسالته الثانية التي رواها ابن الجوزي بسنده عن كتاب عمر بن عبد العزيز ورواها بكاملها أبو نعيم في الحلية1، فهي واضحة جلية تدل على الإيمان بالقدر وموقف عمر رحمه الله من القدرية وجهوده في تقرير الإيمان بالقدر ومنهجه في الرد على القدرية حيث ذكر أقوالهم قولا قولا ثم عقب على كل قول بالرد مع الاعتماد في الرد على النصوص من الكتاب والسنة وأقوال السلف. وقد بين رحمه الله تعالى خطورة قول القدرية وضمن ردوده عليهم أعنف العبارات، وكشف مقصد القدرية في مقالاتهم السيئة، وبين لهم ضلالهم في فهم النصوص من الكتاب والسنة، وفي مسائل الهداية والضلالة، وعلم الله السابق لخلقه والمشيئة والإرادة، وأفعال العباد. كما بين مسألة الآجال والأرزاق مبينا قول أهل السنة في ذلك. وسيأتي مزيد بيان لهذه الرسالة في ردوده على القدرية.

وتبين مما أثر عن عمر أن الإيمان بالقدر مما اتفقت الفطر السليمة على الإقرار به، فالعرب في الجاهلية قبل الإسلام مع كونهم يعبدون الأصنام وجد منهم من كان مؤمنا بالقدر، واستفاض ذلك فكانوا يتكلمون به نظما ونثرا. ولما جاء الإسلام أقره فإقرار الإسلام له، دليل على أنه من بعض العقائد السليمة التي بقيت في الجاهلية مثل الاعتراف بتوحيد

1 انظر الحلية 5/346- 353، وانظر ابن الجوزي سيرة عمر ص88- 89.

ص: 506

الربوبية، وفي معرض هذا يقول عمر: لقد كان ذكره في الجاهلية الجهلاء يتكلمون به في كلامهم وفي شعرهم يعزون به أنفسهم على ما فاتهم

1.

1 ذكر اللالكائي رحمه الله تعالى عددا من النثر والنظم من كلام عرب الجاهلية في الإقرار بالقدر فمن النثر الذي ذكره بسنده عن الأصمعي قال: سئل أعرابي عن القدر قال: ذاك علم اختصمت فيه الظنون وغلا فيه المختصمون فالواجب أن نرد ما أشكل علينا من حكمه إلى ما سبق من علمه. انظر شرح أصول اعتقاد أهل السنة 2/766.

ومن النظم من أشعار الجاهلية، قوله:

تجرى المقادير على غرز الإبر

فما تنفذ الإبرة إلا بقدر

وقوله:

إن الشقاء على الأشقين مكتوب

وقال لبيد:

إن تقوى ربنا خير نفل

وبإذن الله ريثي وعجل

من هداه سبل الخير اهتدى

ناعم البال ومن شاء أضل

أحمد الله فلا ند له

بيديه الخير ما شاء فعل

وقال أمية بن أبي الصلت:

خلق الليل والنهار فكل

مستبين حسابه مقدور

وقال غيره:

هي المقادير فلمنى أو فذر

إن كنت أخطأت فما اخطأ القدر.

ص: 507

والإيمان بالقدر مبني على أركان أربعة، دل عليها الكتاب والسنة والمأثور من أقوال السلف الصالح. وقد بينها عمر بن عبد العزيز فيما أثر عنه في المبحث التالي

ص: 508