المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الرابع: الآثار عن عمر في حكم لعن المعين وتكفيره - الآثار الواردة عن عمر بن عبد العزيز في العقيدة - جـ ١

[حياة بن محمد بن جبريل]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الأول

- ‌مقدمة

- ‌تمهيد:

- ‌الباب الأول: الآثار الواردة عن عمر في التوحيد

- ‌الفصل الأول: الأثار الواردة عن عمر في توحيد الألوهية

- ‌المبحث الأول: الآثار عن عمر بن عبد العزيز في الدعاء

- ‌المبحث الثاني: الآثار عن عمر بن عبد العزيز في الشكر

- ‌المبحث الثالث: الآثار عن عمر بن عبد العزيز في التوكل

- ‌المبحث الرابع: الآثار عن عمر بن عبد العزيز في الخوف والرجاء

- ‌المبحث الخامس: الآثار عن عمر بن عبد العزيز في التبرك

- ‌المبحث السادس: الآثار عن عمر بن عبد العزيز في النهي عن الشرك ووسائله

- ‌المطلب الأول: الآثار عن عمر بن عبد العزيز في النهي عن التطير

- ‌المطلب الثاني: ما أثر عن عمر بن عبد العزيز من النهي عن اتخاذ القبور مساجد

- ‌المطلب الثالث: الآثار عن عمر في حكم السحر

- ‌الفصل الثاني: الآثار الواردة عن عمر بن عبد العزيز في أسماء الله الحسنى

- ‌المبحث الأول: ما أثر عنه في أسمه تعالى "الله

- ‌المبحث الثاني: ما أثر عن عمر بن عبد العزيز في اسمه تعالى "الرب

- ‌المبحث الثالث: في ما أثر عن عمر بن عبد العزيز في أسمائه تعالى "الرحمن الرحيم، المليك، اللطيف، الخبير

- ‌المبحث الرابع: ما أثر عن عمر بن عبد العزيز في اسمه تعالى "الكريم

- ‌المبحث الخامس: ما أثر عن عمر بن عبد العزيز في اسمه تعالى "الحي

- ‌المبحث السادس: ما أثر عن عمر بن عبد العزيز في اسمه تعالى "الرقيب

- ‌المبحث السابع: ما أثر عن عمر بن عبد العزيز في اسمه تعالى "الشهيد

- ‌المبحث الثامن: ما أثر عن عمر بن عبد العزيز في اسمه تعالى"الواحد القهار

- ‌المبحث التاسع: ما أثر عن عمر بن عبد العزيز في اسمه تعالى"العلي العظيم

- ‌المبحث العاشر: ما أثر عن عمر بن عبد العزيز في اسمه تعالى" العفو الغفور

- ‌المبحث الحادي عشر: ما أثر عن عمر بن عبد العزيز في اسمه تعالى"العزيز الحكيم

- ‌المبحث الثاني عشر: ما أثر عن عمر بن عبد العزيز في اسمه تعالى "الوارث

- ‌المبحث الثالث عشر: ما أثر عن عمر بن عبد العزيز في اسمه تعالى "الخالق

- ‌الفصل الثالث: الآثار عن عمر بن عبد العزيز في الصفات العلى

- ‌المبحث الأول: ما أثر عن عمر بن عبد العزيز في إثبات صفة النفس لله تعالى

- ‌المبحث الثاني: ما أثر عن عمر بن عبد العزيز في صفة الوجه لله تعالى

- ‌المبحث الثالث: ماأثر عن عمر بن عبد العزيز في إثبات صفة العلم لله تعالى

- ‌المبحث الرابع: ما أثر عن عمر في إثبات صفة الكبرياء لله تعالى

- ‌المبحث الخامس: ما أثر عن عمر في صفة القدرة لله تعالى

- ‌المبحث السادس: ما أثر عن عمر في إثبات صفة العلو لله تعالى

- ‌المبحث السابع: ما أثر عن عمر في إثبات صفة المعية والقرب لله تعالى

- ‌المبحث الثامن: ما أثر عن عمر في إثبات صفة النزول لله تعالى يوم القيامة لفصل القضاء

- ‌المبحث التاسع: ما أثر عن عمر في إثبات صفة المشيئة والإرادة لله تعالى

- ‌المبحث العاشر: ما أثر عن عمر في إثبات صفة الغضب كما يليق لله تعالى

- ‌المبحث الحادي عشر: ما أثر عن عمر في إثبات صفة الرضى لله تعالى

- ‌المبحث الثاني عشر: ما أثر عن عمر في إثبات صفة الرحمة لله تعالى

- ‌الباب الثاني: الآثار عن عمر في الإيمان بالملائكة والكتب، والرل، واليوم الآخر، والقدر

- ‌الفصل الأول: الآثار عن عمر في الإيمان بالملائكة

- ‌الفصل الثاني: الآثار عن عمر في الإيمان بالكتب

- ‌الفصل الثالث: الآثار عن عمر بن عبد العزيز في الإيمان بالرسل

- ‌الفصل الرابع: الآثار عن عمر في الإيمان بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وفضائل أصحابه وحقوق أهل بيته

- ‌المبحث الأول: الآثار عن عمر في الإيمان بنبينا محد صلى الله عليه وسلم وذكر بعض خصائصه

- ‌المبحث الثاني: الآثار عن عمر في فضائل الصحابة وموقفه من أهل البيت

- ‌الفصل الخامس: الآثار عن عمر بن عبد العزيز في الإيمان باليوم الآخر وما يقع فيه من أمور

- ‌المبحث الأول: الآثار عن عمر في عذاب القبر ونعيمه

- ‌المبحث الثاني: الآثار عن عمر بن عبد العزيز في الإيمان بالمعاد، ونزول الرب لفصل القضاء

- ‌المبحث الثالث: الآثار عن عمر في الإيمان بالميزان

- ‌المبحث الرابع: الآثار عن عمر في الإيمان بالحوض

- ‌المبحث الخامس: الآثار عن عمر بن عبد العزيز في الإيمان بالصراط

- ‌المبحث السادس: الآثار عن عمر في الإيمان بالجنة والنار

- ‌المبحث السابع: الآثار عن عمر في الإيمان برؤية المؤمنين ربهم في الجنة

- ‌الفصل السادس: الآثار الواردة عن عمر في الإيمان بالقدر

- ‌المبحث الأول: الآثار الواردة عن عمر في تقرير الإيمان بالقدر

- ‌المبحث الثاني: الآثار عن عمر بن عبد العزيز في بيان مراتب القدر

- ‌المبحث الثالث: الآثار عن عمر في النهي عن الخوض في القدر

- ‌المبحث الرابع: الآثار عن عمر في الرضا بالقضاء

- ‌الفصل السابع: الآثار الواردة عن عمر في تعريف الإيمان وما يتعلق به من مسائل

- ‌المبحث الأول: الآثار الواردة عنه في تعريف الإيمان

- ‌المبحث الثاني: الآثار عن عمر في زيادة الإيمان ونقصانه

- ‌المبحث الثالث: الآثار عن عمر في حكم مرتكب الكبيرة

- ‌المبحث الرابع: الآثار عن عمر في حكم لعن المعين وتكفيره

- ‌المبحث السادس: الآثار عن عمر بن عبد العزيز في نواقض الإيمان

الفصل: ‌المبحث الرابع: الآثار عن عمر في حكم لعن المعين وتكفيره

‌المبحث الرابع: الآثار عن عمر في حكم لعن المعين وتكفيره

.

192/1- ابن سعد قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني عبد الحميد بن عمران، عن عون بن عبد الله بن عتبة، قال: بعثني عمر بن عبد العزيز في خلافته إلى الخوارج الذين خرجوا عليه فكلمتهم فقلت: ما الذي تنقمون عليه؟ قالوا: ما ننقم عليه إلا أنه لا يلعن من كان قبله من أهل بيته فهذه مداهنة منه

"1.

193/2- ابن عبد البر قال: أخبرنا أحمد بن محمد، ثنا محمد بن عيسى، ثنا بكر بن سهل، ثنا نعيم بن حماد، ثنا عثمان بن سعيد بن كثير ابن دينار، قال: نا هشام بن يحيى بن يحيى الغساني، عن أبيه، قال: خرجت علي الحرورية بالموصل2 فكتبت إلى عمر بن عبد العزيز بمخرجهم فكتب إلي عمر يأمرني بالكف عنهم وأن أدعو رجالا منهم فأجعلهم على

1 ابن سعد في الطبقات 5/358، ومحمد بن عمر هو الواقدي متروك مع سعة علمه. تقريب ص498.

وعبد الله بن عمران أبو الجويرية الأصفر كوفي نزل المدينة، روى عن حماد بن أبي سليمان، وروى عنه معن بن عيسى وحماد بن خالد الخياط ولم يذكر بجرح ولا تعديل. انظر الجرح والتعديل 6/16.

2 الموصل: بالفتح وكسر الصاد، المدينة المشهورة

وهي مدينة قديمة الأس على طرف دجلة ومقابلها من الجانب الشرقي. انظر معجم البلدان ص223.

ص: 566

مراكب البريد حتى يقدموا على عمر فيجادلهم

فلما قدموا على عمر أمر بنزولهم ثم أدخلهم عليه فجادلهم حتى إذا لم يجد لهم حجة رجعت طائفة منهم ونزعوا عن رأيهم، وأجابوا عمر. وقالت طائفة منهم لسنا نجيبك حتى تكفر أهل بيتك وتلعنهم وتبرأ منهم. فقال عمر: إنه لا يسعكم فيما خرجتم له إلا الصدق، أعلموني هل تبرأتم من فرعون أو لعنتموه أو ذكرتموه في شيء من أموركم؟ قالوا: لا. قال: فكيف وسعكم تركه ولم يصف الله عز وجل عبدا بأخبث من صفته إياه ولا يسعني ترك أهل بيتي ومنهم المحسن والمسيء والمصيب والمخطئ

"1.

194/3- وروى أيضا وقال: أخبرنا أحمد قال: نا محمد بن عيسى، ثنا بكر بن سهل، ثنا نعيم، ثنا عبد الله بن المبارك، قال: ثنا جرير بن حازم، عن محمد بن سليم أحد بني ربيعة بن حنظلة بن عدي، قال: "بعثني وعون بن عبد الله عمر بن عبد العزيز إلى خوارج خرجت بالجزيرة وفيه قالوا: خالفت أهل بيتك وسميتهم الظلمة فإما أن يكونوا على الباطل، فإن زعمت أنك على الحق وهم على الباطل فالعنهم وتبرأ منهم، فإن فعلت فنحن منك وأنت منا وإن لم تفعل فلست منا ولسنا منك

فقال عمر أخبروني عن اللعن أفرض هو على العباد. قالوا: نعم. قال عمر لأحدهما:

1 ابن عبد البر جامع بيان العلم وفضله 2/965، وقال محقق الكتاب إسناد الأثر لا بأس به. وسيأتي برقم 261، و268.

ص: 567

متى عهدك بلعن فرعون؟ قال: ما لي بذلك منذ زمان، فقال عمر: هذا رأس من رؤوس الكفر ليس له عهد بلعنه منذ زمان، وأنا لا يسعني أن لا ألعن من خالفتهم من أهل بيتي

"1.

195/4- ابن الجوزي قال: حدثنا إبراهيم بن هشام بن يحيى الغساني، قال: حدثني أبي، عن جدي، قال: دخل الخوارج على عمر فلم يدع لهم حجة إلا كسرها، فقالوا: لسنا نجيبك حتى تكفر أهل بيتك وتلعنهم وتبرأ منهم. فقال عمر: إن الله لم يجعلني لعانا ولكن إن أبقى أنا وأنتم فسوف أحملكم وإياهم على المحجة البيضاء. فأبوا أن يقبلوا ذلك منه. فقال لهم عمر: إنه لا يسعكم في دينكم إلا الصدق. منذ كم دنتم الله بهذا الدين؟ قالوا: منذ كذا وكذا سنة. قال: فهل لعنتم فرعون وتبرأتم منه؟ قالوا: لا. قال: فكيف وسعكم تركه؟ ألا يسعني ترك أهل بيتي وقد كان فيهم المحسن والمسيء، والمصيب والمخطئ؟ 2.

1 ابن عبد البر: جامع بيان العلم وفضله 2/966، وإسناد الأثر لا بأس به كما قال المحقق،وانظر ابن عبد الحكم سيرة عمر ص112-114 بألفاظ مقاربة لما هنا.

2 ابن الجوزي سيرة عمر ص98- 99. وإبراهيم بن هشام الدمشقي روى عن أبيه وعن سعيد بن عبد العزيز، ضعفه ابن أبي حاتم. انظر الجرح والتعديل 2/142- 143. وأبوه هشام روى عن جده يحيى وهو صالح الحديث. انظر الجرح والتعديل 9/70. وجده يحيى بن يحيى الغساني قاضي دمشق روى عن سعيد بن المسيب، وروى عنه ابنه هشام وهو ثقة. انظر الجرح والتعديل 9/197.

ص: 568

196/5- ابن أبي الدنيا قال: حدثنا أحمد بن إبراهيم، نا روح بن عبادة، نا ابن جريج، قال: قال عمر بن عبد العزيز، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من لم يستحي فهو كافر"1.

197/6- الملطى قال: وقال حسان بن فروخ: سألني عمر بن عبد العزيز عما تقول الأزارقة فأخبرته فقال ما يقولون في الرجم؟ فقلت يكفرون به فقال: الله أكبر كفروا بالله وبرسوله2.

198/7- عبد الله بن الإمام أحمد قال: حدثني أبي، نا مؤمل، نا حماد يعني ابن سلمة، حدثنا أبو جعفر الخطمي، قال شهدت عمر بن عبد العزيز وقد دعا غيلان لشيء بلغه في القدر فقال له

ما تقول في العلم؟ قال: قد نفد العلم. قال: فأنت مخصوم، اذهب الآن فقل ما شئت ويحك يا غيلان إنك إن أقررت بالعلم خصمت، وإن جحدته كفرت. وإنك إن تقر به فتخصم خير لك من أن تجحده فتكفر

3.

1 ابن أبى الدنيا: مكارم الأخلاق ص43، قال محقق الكتاب إسناده ضعيف فيه انقطاع، وابن جريج لم يصرح بالسماع.

2 الملطى: التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع ص196. وسيأتي برقم 206، و282.

3 السنة لعبد الله 2/429. وأخرج الأثر الآجري في الشريعةص 228،والملطى التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع ص168. وسيأتي برقم 205،264، 295،300.

ص: 569

التعليق:

الآثار الواردة عن عمر في هذا المبحث تدور حول تكفير المعين ولعنه أو تكفير المعينين ولعنهم.

واللعن: الطرد والإبعاد، ولعنه كمنعه: طرده وأبعده فهو لعين وملعون1.

واللعن شرعا هو: الطرد، والإبعاد عن رحمة الله.

والتكفير والكفر ضد الإيمان. وكفر نعمة الله وبها كفورا وكفرانا. جحدها وسترها2.

وأما الكفر شرعا فهو: جحود الإيمان وتغطيته وستره.

وأهل السنة والجماعة لا يخصون أحدا من المسلمين باللعن كما رأينا ذلك عن عمر بن عبد العزيز من خلال الآثار المتقدمة. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: إن الفاسق المعين لا يلعن بخصوصه إما تحريما وإما تنزيها. فقد ثبت في صحيح البخاري عن عمر في قصة "حمار" الذي تكرر منه شرب الخمر وجلده لما لعنه بعض الصحابة قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تلعنوه

1 انظر القاموس المحيط ص1588.

2 انظر المصدر السابق ص605.

ص: 570

فوالله ما علمت أنه يحب الله ورسوله" 1، وقال: "لعن المؤمن كقتله"2، هذا مع أنه قد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه لعن الخمر وشاربها، فقد لعن عموما شارب الخمر ونهى في الحديث الصحيح عن لعن هذا المعين3.

ومثل هذا نصوص الوعيد عامة في أكل أموال اليتامى، والزاني، والسارق، فلا نشهد بها عامة على معين بأنه من أصحاب النار، لجواز تخلف المقتضى عن المقتضي لمعارض راجح، إما توبة وإما حسنات ماحية، وإما مصائب مكفرة، وإما شفاعة مقبولة، وإما غير ذلك كما قررناه في غير هذا الموضع4.

هذا ويجوز لعن أهل الذنوب على العموم فروى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده، ويسرق الحبل فتقطع يده"5، قال: الحافظ: قال ابن بطال: معناه لا ينبغي

1 البخاري مع الفتح 12/75. برقم (6780) .

2 رواه أحمد 4/33.

3 قلت: ذكر الحافظ ابن حجر رأي من يرى لعن المعين وأيده. انظر البخاري مع الفتح 12/76.

4 الفتاوى 4/484، والمسائل والرسائل المروية عن الإمام أحمد في العقيدة 1/418.

5 البخاري مع الفتح12/81، رقم (6783) ، وصحيح مسلم بشرح النووي4/334 رقم (1687) .

ص: 571

تعيين أهل المعاصي ومواجهتهم باللعن، وإنما ينبغي أن يلعن في الجملة من فعل ذلك ليكون ردعا لهم وزجرا عن انتهاك شيء منها ولا يكون لمعين لئلا يقنط1.

وقال النووي في قوله صلى الله عليه وسلم: "لعن الله السارق" هذا دليل لجواز لعن غير المعين من العصاة لأنه لعن للجنس لا لمعين، ولعن الجنس جائز كما قال تعالى:{أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} 2، وأما المعين فلا يجوز لعنه. قال القاضي: وأجاز البعض لعن المعين ما لم يحد فإذا حد لم يجز لعنه، فإن الحدود كفارات لأهلها. قال القاضي: وهذا التأويل باطل للأحاديث الصحيحة في النهي عن اللعن، فيجب حمل النهي على المعين ليجمع بين الأحاديث

3.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية مقررا أن اللعن المطلق لا يستلزم لعن المعين

لعن المطلق من العصاة لا يستلزم لعن المعين الذي قام به ما يمنع لحوق اللعنة له، وكذلك التكفير المطلق والوعيد المطلق. ولهذا كان الوعيد المطلق في الكتاب والسنة مشروطا بثبوت شروط وانتفاء موانع، فلا يلحق

1 البخاري مع الفتح 12/81.

2 الآية 18 من سورة هود.

3 صحيح مسلم بشرح النووي 6/334.

ص: 572

التائب من الذنب باتفاق المسلمين، ولا يلحق من له حسنات تمحو سيئاته، ولا يلحق المشفوع له والمغفور له فإن الذنوب تزول عقوبتها التي هي جهنم بأسباب التوبة والحسنات الماحية، والمصائب المكفرة1.

هذا وأهل السنة والجماعة يفرقون بين التكفير المطلق والتكفير المعين فالذي أنكر شيئا معلوما من الدين بالضرورة فيقال: من قال كذا أو فعل كذا فهو كافر ولكن الشخص المعين الذي قاله أو فعله لا يحكم بكفره إطلاقا حتى تجتمع فيه الشروط وتنتفي عنه الموانع فعندئذ تقوم عليه الحجة التي يكفر تاركها2 وهذا ما فعله عمر بن عبد العزيز رحمه الله مع غيلان المنكر للقدر كما تقدم بيانه.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وليس لأحد أن يكفر أحدا من المسلمين وإن أخطأ وغلط حتى تقام عليه الحجة وتبين له المحجة. ومن ثبت إسلامه بيقين لم يزل ذلك عنه بالشك بل لا يزول إلا بعد إقامة الحجة وإزالة الشبهة3.

ثم يقول رحمه الله: إن التكفير له شروط وموانع قد تنتفي في حق المعين، وإن تكفير المطلق لا يستلزم تكفير المعين إلا إذا وجدت الشروط

1 انظر الفتاوى 10/329-330.

2 انظر نواقض الإيمان القولية والعملية ص52.

3 الفتاوى 12/466.

ص: 573

وانتفت الموانع. يبين هذا أن الإمام أحمد وعامة الأئمة الذين أطلقوا هذه العمومات، لم يكفروا أكثر من تكلم بهذا الكلام بعينه1.

فمنهج أهل السنة والجماعة وسط بين فرق الضلال في تكفير المعين ولعنه فلا يلعنون إلا من لعنه الله ورسوله كما رأينا رأي عمر بن عبد العزيز في لعن فرعون وفي لعن اليهود، والنصارى حين أرسل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد كما تقدم ذلك بينما يرى الخوارج وجوب لعن أصحاب الكبائر لأنهم عندهم كفار خالدون في النار.

فمذهب أهل السنة والجماعة واضح في مسألة لعن المعين وتكفيره فيلعن من لعنه الله ورسوله ويكفر من كفره الله ورسوله. وهناك فرق بين الكفر العملي والكفر الاعتقادي. فالكفر العملي كفر دون كفر يدل على ذلك قصة حاطب بن أبي بلتعة المشهورة فقد ارتكب محظوراً ولكنها كانت في العمل ولم يكن يعتقدها. فلم يكفره الله ولا رسوله صلى الله عليه وسلم. قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ} 2. فنادى حاطبا باسم الإيمان كما أن الرسول صلى الله عليه وسلم منع عمر بن الخطاب رضي الله عنه من

1 الفتاوى 12/487- 488.

2 الآية 1 من سورة الممتحنة.

ص: 574

ضرب عنق حاطب رضي الله عنه. أما الكفر الاعتقادي المعبر عنه بالنفاق أحيانا فهو كفر مخرج عن الملة ولكننا لم نلزم بمعرفة البواطن فحكمنا ينصب على الظاهر والله تعالى يتولى السرائر.

ص: 575

المبحث الخامس: الآثار عن عمر في الحكم على المعين بالجنة أو النار.

199/1- اللالكائي قال: وذكر عبد الرحمن قال: ثنا محمد بن أحمد بن عمرو بن عيسى قال: ثنا علي بن موسى البصري قال ثنا سليمان بن عيسى الشجري قال ثنا سهل الحنفي عن مقاتل بن حيان قال: دخلت على عمر بن عبد العزيز فقال لي: من أين أنت؟ فقلت من أهل بلخ فقال: كم بينك وبين النهر؟ قلت كذا وكذا فرسخا. فقال: هل ظهر من وراء النهر رجل يقال له جهم؟ قلت لا. قال سيظهر من وراء النهر رجل يقال له جهم يهلك خلقا من هذه الأمة يدخلهم الله وإياه النار مع الداخلين 1.

200/2- ابن الجوزي قال: قال عباد بن إسحاق، عن الزهري، قال: قال عمر بن عبد العزيز: لو أن الأمم تخابثت فجاءوا بأخبثها رجلا، وجئنا بالحجاج، لظننا أنا سنغلبهم، وفى رواية:"إذا أتت قوم فارس بأكاسرتها والروم بقياصرتها أتينا بالحجاج فكان عدلا بهم" وإني لأظن كلمة تنجيه

1 اللالكائى: شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة 3 /425 قال محقق الكتاب يبدو على ظاهر الرواية الوضع لأن عمر توفى قبل خروج الجهم بحوالي ثلاثين سنة تقريبا والغيب لا يعلمه إلا الله الحاشية ج 3ص 425وعبد الرحمن هو عبد الرحمن ابن أبى حاتم، وبقية رجال السند مجهولون.

ص: 576

عندي قوله عند الموت: رب اغفر لي فإن الناس يزعمون أنك لا تغفر لي1.

201/3- قال: حدثنا

عن إبراهيم بن هشام، قال: حدثني أبي، عن جدي، قال: - يعني عمر بن عبد العزيز- ما حسدت الحجاج عدو الله على شيء حسدي إياه على حبه القرآن وإعطائه أهله، وقوله حين حضرته الوفاة: اللهم اغفر لي فإن الناس يزعمون أنك لا تفعل وفى رواية عند ابن عساكر عن هشام بن يحيى الغساني عن أبيه قال: قال لي عمر بن عبد العزيز لو جاءت كل أمة بخبيثها وجئنا بأبي محمد لفتناهم فقال رجل من آل أبي معيط لا تقل ذلك فوالله إن وطأ لكم هذا الأمر الذي أصبحتم فيه غرة فقال عمر: أتحب أن يدخلك الله مدخل الحجاج؟ قال إي والله إني لأحب أن يدخلني الله مد خلا ولا يدخلني مدخلك فقال عمر: أمنوا اللهم أدخله مدخل الحجاج2.

1 ابن الجوزي سيرة عمر ص112. وابن عساكر تاريخ دمشق 12/ 194 وابن الجوزى أيضا المنتظم 7/5.

وعباد هو عبد الرحمن بن إسحاق بن عبد الله المدني نزيل البصرة ويقال له عباد. صدوق رمي بالقدر من السادسة بخ م4. تقريب ص336.

2 ابن الجوزي سيرة عمر ص 112وأبو نعيم في الحلية5/345، وابن عساكر12/194.

ص: 577

202/4- قال: حدثنا عبد العزيز عن محمد بن المنكدر، قال: كان عمر بن عبد العزيز يبغض الحجاج، وكان ينفس عليه بكلمة تكلم بها عند موته: اللهم اغفر لي فإنهم زعموا أنك لا تفعل1.

التعليق:

نلمح من الآثار السابقة موقف عمر بن عبد العزيز في الحكم على المعين من أهل القبلة بالجنة أو النار. ولا شك أن أهل السنة والجماعة

لا يشهدون لمعين بالجنة أو بالنار إلا بدليل خاص، ولا يشهدون لهم بمجرد الظن من اندراجهم في العموم، لأنه قد يندرج في العمومين فيستحق الثواب والعقاب لقوله تعالى:{فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} 2، والعبد إذا اجتمع له سيئات وحسنات فإنه وإن استحق العقاب على سيئاته فإن الله يثيبه على حسناته، ولا يحبط حسنات المؤمن لأجل ما صدر منه، وإنما يقول بحبوط الحسنات كلها بالكبيرة الخوارج والمعتزلة الذين يقولون بتخليد أهل الكبائر في النار،

1 المصدر السابق ص112، وابن كثير البداية والنهاية 5/154. وابن أبي الدنيا رسالة حسن الظن بالله ص74،وابن عساكر/12 / 194 وعبد العزيز هو عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون، ثقة فقيه. تقريب ص357.

2 الآيتان 7-8 من سورة الزلزلة.

ص: 578

وأنهم لا يخرجون منها بشفاعة ولا غيرها وإن صاحب الكبيرة لا يبقى معه من الإيمان شيء. وهذه أقوال فاسدة مخالفة للكتاب والسنة المتواترة وإجماع الصحابة"1.

قال شارح الطحاوية:

لا نقول عن أحد معين من أهل القبلة: إنه من أهل الجنة، أو إنه من أهل النار إلا من أخبر الصادق صلى الله عليه وسلم أنه من أهل الجنة كالعشرة رضي الله عنهم، وإن كنا نقول: إنه لا بد أن يدخل النار من أهل الكبائر من يشاء الله إدخاله النار، ثم يخرج منها بشفاعة الشافعين. ولكنا نقف في الشخص المعين، فلا نشهد له بجنة ولا نار إلا عن علم. لأن حقيقة باطنه وما مات عليه لا نحيط به لكن نرجو للمحسن، ونخاف على المسيء.

وللسلف في الشهادة بالجنة ثلاثة أقوال:

أحدها: أن لا يشهد لأحد إلا للأنبياء. وهذا ينقل عن محمد بن الحنفية والأوزاعي.

والثاني: أنه يشهد بالجنة لكل مؤمن جاء فيه النص. وهذا قول كثير من العلماء، وأهل الحديث.

1 الفتاوى 35/68 بتصرف يسير.

ص: 579

والثالث: أنه يشهد بالجنة لهؤلاء ولمن شهد له المؤمنون كما في الصحيحين أنه مر بجنازة فأثنوا عليها بخير فقال النبي صلى الله عليه وسلم وجبت. ومر بأخرى فأثنوا عليها بشرّ فقال: وجبت، وفي رواية كرر: وجبت ثلاث مرات. فقال عمر: يا رسول الله ما وجبت؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا أثنيتم عليه خيرا وجبت له الجنة، وهذا أثنيتم عليه شرا وجبت له النار. أنتم شهداء الله في الأرض1.

وقال صلى الله عليه وسلم: "توشكون أن تعلموا أهل الجنة من أهل النار"، قالوا: بم يارسول الله؟ قال: "بالثناء الحسن والثناء السيئ"2. فأخبر أن ذلك مما يعلم به أهل الجنة وأهل النار3.

والذي يترجح هو القول الثاني، الذي ينص على أنه يشهد بالجنة لكل مؤمن جاء النص فيه ،. وأما كون الثناء الحسن الصادر حكمها من النبي صلى الله عليه وسلم فيحتمل أن ذلك مما اطلع عليه بالوحي ولا يقاس غيره عليه.

وأما الحديث الثاني توشكون،

ففيه أن الثناء الحسن والسيئ من أمارات من يدخل الجنة ومن يدخل النار، ومعروف أن الثناء لوحده أو

1 البخاري مع الفتح 3/228-229، برقم (1368) ، ومسلم 3/18-19. رقم (949) .

2 أخرجه ابن ماجة (4221) ، وأحمد 3/416، و6/466.

3 شرح العقيدة الطحاوية 2/537- 538.

ص: 580

الذم فقط لا يوجبان جنة ولا نارا. وإنما يستأنس بهما بعد وجود الأصل الذي هو الإيمان.

فالقول الصحيح هو القول الثاني الذي تؤيده الأدلة فالمؤمنون الذين جاء النص بدخولهم الجنة يقطع لهم بذلك ويتوقف عن غيرهم إلا بدليل خاص

ص: 581