المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الثاني: الآثار عن عمر في فضائل الصحابة وموقفه من أهل البيت - الآثار الواردة عن عمر بن عبد العزيز في العقيدة - جـ ١

[حياة بن محمد بن جبريل]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الأول

- ‌مقدمة

- ‌تمهيد:

- ‌الباب الأول: الآثار الواردة عن عمر في التوحيد

- ‌الفصل الأول: الأثار الواردة عن عمر في توحيد الألوهية

- ‌المبحث الأول: الآثار عن عمر بن عبد العزيز في الدعاء

- ‌المبحث الثاني: الآثار عن عمر بن عبد العزيز في الشكر

- ‌المبحث الثالث: الآثار عن عمر بن عبد العزيز في التوكل

- ‌المبحث الرابع: الآثار عن عمر بن عبد العزيز في الخوف والرجاء

- ‌المبحث الخامس: الآثار عن عمر بن عبد العزيز في التبرك

- ‌المبحث السادس: الآثار عن عمر بن عبد العزيز في النهي عن الشرك ووسائله

- ‌المطلب الأول: الآثار عن عمر بن عبد العزيز في النهي عن التطير

- ‌المطلب الثاني: ما أثر عن عمر بن عبد العزيز من النهي عن اتخاذ القبور مساجد

- ‌المطلب الثالث: الآثار عن عمر في حكم السحر

- ‌الفصل الثاني: الآثار الواردة عن عمر بن عبد العزيز في أسماء الله الحسنى

- ‌المبحث الأول: ما أثر عنه في أسمه تعالى "الله

- ‌المبحث الثاني: ما أثر عن عمر بن عبد العزيز في اسمه تعالى "الرب

- ‌المبحث الثالث: في ما أثر عن عمر بن عبد العزيز في أسمائه تعالى "الرحمن الرحيم، المليك، اللطيف، الخبير

- ‌المبحث الرابع: ما أثر عن عمر بن عبد العزيز في اسمه تعالى "الكريم

- ‌المبحث الخامس: ما أثر عن عمر بن عبد العزيز في اسمه تعالى "الحي

- ‌المبحث السادس: ما أثر عن عمر بن عبد العزيز في اسمه تعالى "الرقيب

- ‌المبحث السابع: ما أثر عن عمر بن عبد العزيز في اسمه تعالى "الشهيد

- ‌المبحث الثامن: ما أثر عن عمر بن عبد العزيز في اسمه تعالى"الواحد القهار

- ‌المبحث التاسع: ما أثر عن عمر بن عبد العزيز في اسمه تعالى"العلي العظيم

- ‌المبحث العاشر: ما أثر عن عمر بن عبد العزيز في اسمه تعالى" العفو الغفور

- ‌المبحث الحادي عشر: ما أثر عن عمر بن عبد العزيز في اسمه تعالى"العزيز الحكيم

- ‌المبحث الثاني عشر: ما أثر عن عمر بن عبد العزيز في اسمه تعالى "الوارث

- ‌المبحث الثالث عشر: ما أثر عن عمر بن عبد العزيز في اسمه تعالى "الخالق

- ‌الفصل الثالث: الآثار عن عمر بن عبد العزيز في الصفات العلى

- ‌المبحث الأول: ما أثر عن عمر بن عبد العزيز في إثبات صفة النفس لله تعالى

- ‌المبحث الثاني: ما أثر عن عمر بن عبد العزيز في صفة الوجه لله تعالى

- ‌المبحث الثالث: ماأثر عن عمر بن عبد العزيز في إثبات صفة العلم لله تعالى

- ‌المبحث الرابع: ما أثر عن عمر في إثبات صفة الكبرياء لله تعالى

- ‌المبحث الخامس: ما أثر عن عمر في صفة القدرة لله تعالى

- ‌المبحث السادس: ما أثر عن عمر في إثبات صفة العلو لله تعالى

- ‌المبحث السابع: ما أثر عن عمر في إثبات صفة المعية والقرب لله تعالى

- ‌المبحث الثامن: ما أثر عن عمر في إثبات صفة النزول لله تعالى يوم القيامة لفصل القضاء

- ‌المبحث التاسع: ما أثر عن عمر في إثبات صفة المشيئة والإرادة لله تعالى

- ‌المبحث العاشر: ما أثر عن عمر في إثبات صفة الغضب كما يليق لله تعالى

- ‌المبحث الحادي عشر: ما أثر عن عمر في إثبات صفة الرضى لله تعالى

- ‌المبحث الثاني عشر: ما أثر عن عمر في إثبات صفة الرحمة لله تعالى

- ‌الباب الثاني: الآثار عن عمر في الإيمان بالملائكة والكتب، والرل، واليوم الآخر، والقدر

- ‌الفصل الأول: الآثار عن عمر في الإيمان بالملائكة

- ‌الفصل الثاني: الآثار عن عمر في الإيمان بالكتب

- ‌الفصل الثالث: الآثار عن عمر بن عبد العزيز في الإيمان بالرسل

- ‌الفصل الرابع: الآثار عن عمر في الإيمان بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وفضائل أصحابه وحقوق أهل بيته

- ‌المبحث الأول: الآثار عن عمر في الإيمان بنبينا محد صلى الله عليه وسلم وذكر بعض خصائصه

- ‌المبحث الثاني: الآثار عن عمر في فضائل الصحابة وموقفه من أهل البيت

- ‌الفصل الخامس: الآثار عن عمر بن عبد العزيز في الإيمان باليوم الآخر وما يقع فيه من أمور

- ‌المبحث الأول: الآثار عن عمر في عذاب القبر ونعيمه

- ‌المبحث الثاني: الآثار عن عمر بن عبد العزيز في الإيمان بالمعاد، ونزول الرب لفصل القضاء

- ‌المبحث الثالث: الآثار عن عمر في الإيمان بالميزان

- ‌المبحث الرابع: الآثار عن عمر في الإيمان بالحوض

- ‌المبحث الخامس: الآثار عن عمر بن عبد العزيز في الإيمان بالصراط

- ‌المبحث السادس: الآثار عن عمر في الإيمان بالجنة والنار

- ‌المبحث السابع: الآثار عن عمر في الإيمان برؤية المؤمنين ربهم في الجنة

- ‌الفصل السادس: الآثار الواردة عن عمر في الإيمان بالقدر

- ‌المبحث الأول: الآثار الواردة عن عمر في تقرير الإيمان بالقدر

- ‌المبحث الثاني: الآثار عن عمر بن عبد العزيز في بيان مراتب القدر

- ‌المبحث الثالث: الآثار عن عمر في النهي عن الخوض في القدر

- ‌المبحث الرابع: الآثار عن عمر في الرضا بالقضاء

- ‌الفصل السابع: الآثار الواردة عن عمر في تعريف الإيمان وما يتعلق به من مسائل

- ‌المبحث الأول: الآثار الواردة عنه في تعريف الإيمان

- ‌المبحث الثاني: الآثار عن عمر في زيادة الإيمان ونقصانه

- ‌المبحث الثالث: الآثار عن عمر في حكم مرتكب الكبيرة

- ‌المبحث الرابع: الآثار عن عمر في حكم لعن المعين وتكفيره

- ‌المبحث السادس: الآثار عن عمر بن عبد العزيز في نواقض الإيمان

الفصل: ‌المبحث الثاني: الآثار عن عمر في فضائل الصحابة وموقفه من أهل البيت

‌المبحث الثاني: الآثار عن عمر في فضائل الصحابة وموقفه من أهل البيت

تمهيد:

الصحابي هو كل من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمنا به ومات على ذلك1، وأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم خير القرون وقد تشرفوا بصحبة خير الخلق صلى الله عليه وسلم ونطق الكتاب العزيز بفضلهم. قال تعالى:{وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} 2.

وقال عز وجل: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً} 3.

1 انظر البخاري مع الفتح 7/3-4.

2 الآية 100 من سورة التوبة.

3 الآية 29 من سورة الفتح.

ص: 403

وقال تعالى: {لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} 1.

ونهى صلى الله عليه وسلم عن سبهم وشتمهم وحرم ذلك على أمته، ففي صحيح مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال:"لا تسبوا أصحابي فو الذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أُحُد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه"2.

وفضائل أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كثيرة ويكفينا أنهم خير القرون، ففي صحيح البخاري عن عمران بن حصين رضي الله عنهما يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم" قال عمران: فلا أدري أذكر بعد قرنه قرنين أو ثلاثا3.

فالصحابة كلهم عدول ويجب علينا الترضي عنهم والثناء عليهم وعدم الخوض فيما جرى بينهم بل يذكر محاسنهم ويتحدث بها ويسكت عن بعض ما صدر من بعضهم وهو لا يعد شيئا بجانب ما لهم من المحاسن الكثيرة، فهم على كل حال لم يخرجوا عن نطاق البشرية وليسوا

1 الآية 10 من سورة الحديد.

2 صحيح مسلم 6/72-73 (2540) .

3 البخاري مع الفتح 7/3، برقم (3650) ، ومسلم 6/66، برقم (2533) .

ص: 404

بمعصومين فيما اجتهدوا فيه فإن أصابوا فلهم أجران وإن أخطأوا فلهم أجر واحد.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى ومن أصول أهل السنة والجماعة: سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فهم كما وصفهم الله به في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} 1، وطاعة النبي صلى الله عليه وسلم في قوله:"لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أُحُد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه"2.

ويقبلون ما جاء به الكتاب والسنة والإجماع من فضائلهم ومراتبهم3.

ولا قيمة لمخالفة الروافض والخوارج والنواصب لأهل السنة في هذا الباب، لأن هؤلاء لم يحفظوا وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم في حق صحابته، وقد تولى كبر مخالفة وصية النبي صلى الله عليه وسلم في حق صحابته الروافض. حيث زعموا أن النبي صلى الله عليه وسلم نص على علي بن أبي طالب رضي الله عنه في الخلافة نصا قاطعا للعذر

1 الآية 10 من سورة الحشر.

2 مسلم بشرح النووي 6/72-73.

3 الفتاوى 3/152.

ص: 405

وأن علياً معصوم، ومن خالفه كفر ورتبوا على ذلك تكفير كل الصحابة إلا نفرا قليلا منهم لزعمهم أنهم كتموا النص وبدلوا الدين وأصبحوا يتقربون إلى الله -في زعمهم- بسب الصحابة رضوان الله عليهم ولعنهم ونال أبابكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم النصيب الأوفر، من ظلمهم وبهتانهم1.

ويلي الروافض في الطعن على الصحابة الخوارج حيث كفروا عثمان وعليا ومن تبعهما وكفروا أهل صفين من الطائفتين2.

وطعن النواصب على علي بن أبي طالب رضي الله عنه وتنقصوه، وبالغوا في ذلك حتى رموه بالفسق، والظلم، وإرادة الدنيا ثم تعدى بهم الحال والمعتقد الفاسد إلى تنقص بقية أهل البيت وبغضهم وعداوتهم فعليهم من الله ما يستحقون3، هذا وقد كان لعمر بن عبد العزيز مواقف مشرقة تجاه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أبرز فيها فضائلهم وما يجب علينا نحوهم من حبهم واحترامهم والنهي عن الخروج عن إجماعهم، والنهي عن الخوض

1 انظر مجموع الفتاوى 3/356.

2 المصدر السابق 3/355.

3 انظر الآثار عن أئمة السلف في أبواب الاعتقاد من كتاب سير أعلام النبلاء للدكتور جمال بادي 2/581.

ص: 406

فيما شجر بينهم، كما أشاد بأهل البيت ورد عليهم حقوقهم المادية والمعنوية.

يتبين ذلك بالآثار المنقولة عنه في المسائل التالية:

ص: 407

المسألة الأولى: الآثار عن عمر في فضائل الصحابة.

111 /1 - أبو نعيم الحافظ قال: حدثنا حبيب بن الحسن ثنا جعفر بن محمد الفريابي، حدثنا قتيبة بن سعيد، ثنا عرعرة بن البرنْد، عن حاجب بن خليف البرجمي، قال: شهدت عمر بن عبد العزيز يخطب الناس وهو خليفة. فقال في خطبته: ألا إن ما سن رسول الله وصاحباه فهو دين نأخذ به وننتهي إليه، وما سن سواهما فإنا نرجئه1.

1 أبو نعيم في الحلية 5/298، وانظر جامع العلوم والحكم ص288، وحبيب بن الحسن بن داود بن محمد أبو القاسم القزاز روى عنه أبو نعيم، قال الخطيب: ثقة توفي سنة 359هـ. انظر تاريخ بغداد 8/253- 254، وجعفر بن محمد الفريابي قاضي الدينور روى عنه قتيبة بن سعيد، وخلق كثير بطول ذكرهم. وكان ثقة أمينا. انظر تاريخ بغداد 7/199- 200، وقتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف الثقفي أبو رجاء البغلاني ثقة ثبت. تقريب ص454، وتاريخ بغداد 12/464.

وعرعرة بن البرنْد بكسر الموحدة والراء بعدها نون ساكنة السامي بالمهملة الناجي بالنون والجيم أبو عمرو البصري لقبه كزْمان بضم الكاف وسكون الزاي

صدوق يهم من الثامنة. تقريب ص389، وحاجب بن خليفة البرجمي قال ابن أبي حاتم: روى عن عمر بن عبد العزيز، روى عنه عرعرة بن البرند سمعت أبي يقول ذلك. الجرح والتعديل 3/285.

ص: 408

112/2 - ابن عبد الحكم قال: وذُكر أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب: من عمر بن عبد العزيز إلى سالم بن عبد الله أما بعد: فقد ابتليت بما ابتليت به من أمر هذه الأمة من غير مشاورة مني ولا إرادة يعلم الله ذلك، فإذا أتاك كتابي هذا فاكتب إلي بسيرة عمر بن الخطاب في أهل القبلة وأهل العهد، فإني سائر بسيرته إن أعانني الله على ذلك والسلام1.

113/3 - أبو زرعة الدمشقي2 قال: حدثني آدم حدثنا ابن أبي ذئب، عن الزهري، قال: قال رجل لعمر بن عبد العزيز: طلقت امرأتي وأنا سكران. قال الزهري: فكان رأي3 عمر بن عبد العزيز أن يجلده ويفرق بينه وبين امرأته حتى حدثه أبان بن عثمان بن عفان: ليس على

1 ابن عبد الحكم سيرة عمر ص107، وانظر الحلية 5/284 مع اختلاف في بعض الألفاظ وكذا عند ابن الجوزي سيرة عمر ص108 والآجري في أخبار أبي حفص رحمه الله ص70- 71، وأبو حفص الملاء 1/395- 396 مع بعض الاختلاف.

2 هو عبد الرحمن بن عمرو بن عبد الله بن صفوان النصري بالنون أبو زرعة الدمشقي ثقة حافظ مصنف. تقريب ص347.

3 انظر حول مسألة طلاق السكران في البخاري مع الفتح 9/391، ومصنف ابن أبي شيبة 4/30- 31، حيث ذهب الجمهور بوقوعها بينما ذهب الشافعي في رواية إلى أن الطلاق لا يقع قياسا على المعتوه.

ص: 409

المجنون ولا السكران طلاق فقال عمر تأمروني وهذا يحدثني عن عثمان بن عفان؟ فجلده ورد إليه امرأته1.

114/4 - ابن عبد البر قال: وذكر ابن وهب عن نافع بن أبي نعيم عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه أنه قال: لقد أعجبني قول عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: ما أحب أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يختلفوا لأنه لو كان قولا واحدا كان الناس في ضيق وإنهم أئمة يقتدى بهم ولو أخذ رجل بقول أحدهم كان في سعة2.قال: أبو عمر رحمه الله هذا فيما كان طريقه الاجتهاد.

115/5 - ابن عبد الحكم قال: قال عمر بن عبد العزيز: سن رسول الله صلى الله عليه وسلم وولاة الأمر من بعده سننا الأخذ بها اعتصام بكتاب الله وقوة على دين الله ليس لأحد تبديلها ولا تغييرها ولا النظر في أمر خالفها من اهتدى بها فهو

1 تاريخ أبي زرعة الدمشقي 1/509، وانظر مصنف ابن أبي شيبة 4/31، والبخاري مع الفتح 9/391، وفيه حتى حدثه أبان بن عثمان بن عفان عن أبيه به. وسيأتي هذا الأثر برقم 190، و232.

2 جامع بيان العلم 2/901- 902، قال محقق الكتاب رجاله ثقات وقد علقه المصنف ولعله في كتاب الجامع لابن وهب. انظر الحاشية وقد بحثت في كتاب الجامع المطبوع فلم أجد الأثر.

ص: 410

مهتد، ومن استنصر بها فهو منصور، ومن تركها واتبع غير سبيل المؤمنين ولاه الله ما تولى وأصلاه جهنم وساءت مصيرا1.

116/6 - عبد الرزاق، عن ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن عون بن عبد الله قال: قال لي عمر بن عبد العزيز أعدلان عندك عمر وابن عمر؟ قال: قلت نعم. قال: إنهما لم يكونا يكبران هذا التكبير2.

117/7 - ابن عبد البر قال: أخبرنا عبد الوارث ثنا قاسم، ثنا أحمد بن زهير، ثنا هارون بن معروف، قال: نا ضمرة، عن رجاء بن جميل قال:

1 ابن عبد الحكم سيرة عمر ص40، وابن بطة في الإبانة 1/352، ورقم 230- 231، والآجري في الشريعة 1/174، وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله 2/1176. كلهم عن مالك بن أنس وأعل بالانقطاع ورواه الخطيب البغدادي في الفقيه والمتفقه ص173، واللالكائي 1/106 من طريق يعقوب بن سفيان الفسوي عن سعيد بن أبي مريم عن رشدين بن سعد قال: حدثني عُقيل، عن ابن شهاب، عن عمر بن عبد العزيز به، ورشدين ضعيف. انظر التقريب 209، وقد صحح هذا الأثر محقق كتاب الشريعة للآجري فقال: والأثر يصح بهذين الطريقين ويقوى بهما. انظر الشريعة 1/174. وقد أخرجه أيضا قواَّم السنة في الحجة في بيان المحجة 1/109- 110 وابن كثير في البداية والنهاية 5 /242 وعزاه محقق كتاب المعرفة والتاريخ إلى الجزء المفقود منه. انظر المعرفة والتاريخ 3/436- 347. وسيأتي برقم 208، 215، 218، 228، 233، 252، 266، 323.

2 عبد الرزاق في المصنف 2/66.والتكبير المقصود هنا هو تكبيرات الانتقال انظر المصنف 2 /66.

ص: 411

اجتمع عمر بن عبد العزيز والقاسم بن محمد رضي الله عنهما فجعلا يتذاكران الحديث. قال: فجعل عمر يجيء بالشيء يخالف فيه القاسم. قال: وجعل ذلك يشق على القاسم حتى تبين فيه، فقال له عمر: لا تفعل فما يسرني أن لي باختلافهم حمر النعم1.

118/8 - ابن سعد قال: أخبرنا علي بن محمد، عن خالد بن يزيد ابن بشر عن أبيه قال: سئل عمر بن عبد العزيز عن علي وعثمان، وصفين، وما كان بينهم فقال: تلك دماء كف الله يدي عنها وأنا أكره أن أغمس لساني فيها2.

119/9 - ابن عبد البر قال: حدثنا عبد الوارث بن سفيان، ثنا قاسم، ثنا أحمد بن زهير، ثنا الحوطي، ثنا أشعث بن شعبة، قال: سمعت الفزاري قال: سئل عمر بن عبد العزيز، عن قتال أهل صفين فقال: تلك دماء كف الله عنها يدي لا أريد أن ألطخ بها لساني3.

120/10 - ابن سعد قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله بن يونس قال: حدثنا أبو شهاب، عن محمد بن النضر، قال: ذكروا اختلاف أصحاب

1 جامع بيان العلم 2/901، وقال المحقق إسناده حسن.

2 الطبقات 5/394، وعلي بن محمد ويزيد بن بشر لم أجدهما.

3 جامع بيان العلم 2/934، وقال محقق الكتاب إسناده لا بأس به.

ص: 412

محمد صلى الله عليه وسلم عند عمر بن عبد العزيز فقال: أمر أخرج الله أيديكم منه ما تعملون ألسنتكم فيه1.

121/11 - أبو بكر الخلال: قال: أخبرنا هلال بن العلاء أبو عمر الرقي قال: حدثني أبو يوسف محمد بن أحمد الرقي، قال: حدثني أبو سلمة الخزاعي، عن جحشفة بن العلاء، قال: كان عمر بن عبد العزيز إذا سئل عن صفين والجمل قال: أمر أخرج الله يدي منه لا أدخل لساني فيه2.

122/12 – ابن سعد قال: أخبرنا قبيصة بن عقبة قال حدثنا سفيان عن إسماعيل بن عبد الملك عن عون عن عمر بن عبد العزيز قال: ما يسرني باختلاف أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حمر النعم.3.

1 ابن سعد الطبقات 5/382.

وأحمد بن عبد الله بن يونس ثقة. تقريب ص81، مات سنة 27هـ. وأبو شهاب هو موسى بن نافع الأسدي صدوق. تقريب ص554. ومحمد بن النضر لم أهتد إليه.

2 الخلال في السنة 1/461- 462 قال محققه في إسناده جحشفة بن العلاء مجهول الحال. انظر الجرح والتعديل 2/551.

3 ابن سعد الطبقات 5 /381.

ص: 413

التعليق:

تدل الآثار المذكورة في هذا المبحث على أن عمر بن عبد العزيز كغيره من السلف الصالح حريص على إبراز فضائل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولِمَ لا يكون ذلك! وقد أمر الله تبارك وتعالى بالاقتداء بهم والإقرار بفضائلهم. قال تعالى:{الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} 1.

وقال عز وجل: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً} 2.

فالصحابة الذين نصروا الدين، وآمنوا بالقرآن، وعزروا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بأموالهم وأنفسهم، وقام الدين على أكتافهم، وجاهدوا لإقامة دعائم

1 الآية 157 من سورة الأعراف.

2 الآية 18 من سورة الفتح.

ص: 414

الدين، وحرصوا على إتباع ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم هم الفائزون برضوان الله تعالى المفلحون، وقد بشرهم رسول الهدى صلى الله عليه وسلم بالنجاح والفلاح في الآخرة قال صلى الله عليه وسلم:"لا يدخل النار أحد ممن بايع تحت الشجرة" 1، فحبهم إيمان وبغضهم نفاق، وعصيان. وفضائلهم لا تحصى كثرة، وقد بوَّب البخاري رحمه الله في جامعه الصحيح بابا بعنوان " فضائل الصحابة "2، وبوب مسلم3 لفضائلهم باباً ذكر عدة أحاديث تدل على فضلهم وعدالتهم، كما ذكر مآثرهم أصحاب السنن والمسانيد وغيرهم، ففضائلهم متواترة. حرص أهل السنة والجماعة على إبرازها وبيانها، ومن هؤلاء عمر بن عبد العزيز الذي يقتدي بهم، ويحرم الخروج عما أجمعوا عليه من الأقوال والأفعال والاعتقادات، بل يعد الأخذ بما سنوا اعتصاما بالكتاب العزيز فمن اقتدى بهم فهو مهتد، ومن استنصر بما سنوا فهو منصور، ومن تبع غير سبيلهم فقد خرج عن سبيل الله ودخل في السبل وعاقبة أمره أن يصلى في جهنم وساءت مصيرا، فمن أخذ بقول أحدهم

1 الحديث رواه الترمذي 5/694 رقم 3860 وقال حديث حسن صحيح، وقال الألباني: صحيح.

انظر صحيح سنن الترمذي 3/240، وأصله في مسلم كما سيأتي قريبا.

2 انظر البخاري مع الفتح 7/106.

3 مسلم 5/529- 580، و6/5-79.

ص: 415

فهو في سعة إذا كان قول هذا الصحابي في الأمور الاجتهادية. ومما يجدر ذكره أن موقف أهل السنة والجماعة عدم الخوض فيما شجر بين الصحابة، وهذا هو الذي أُثر عن عمر. وتكاد أقواله ومواقفه مع من سأله عن هذه المسألة - أن تكون بمثابة قاعدة يسير عليها أهل السنة والجماعة فقوله:"تلك دماء طهر الله يدي منها فلا أريد أن أغمس لساني فيها" وقوله: "تلك دماء طهر الله يدي منها أفلا أطهر منها لساني" تُعَدَّان من أوجز الكلام وأوفاه تجاه ما شجر بين الصحابة.

قال البيهقي معلقا على قول عمر: "هذا حسن جميل لأن سكوت الرجل عما لا يعنيه هو الصواب1.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة"2.

فنقول فيما شجر بين الصحابة: إنه إما أن يكون عمل أحدهم سعيا مشكورا، أو ذنبا مغفورا، أو اجتهادا قد عفي لصاحبه عن الخطأ فيه. فلهذا كان من أصول أهل العلم: أنه لا يمكن أحد من الكلام في هؤلاء بكلام يقدح في عدالتهم وديانتهم بل يعلم أنهم عدول مرضيون وأن هؤلاء رضي الله عنهم لاسيما والمنقول عنهم من العظائم كذب مفترى،

1 ذكر ذلك عنه الرازي في مناقب الشافعي ص136.

2 الحديث أخرجه الترمذي 5/694، ورواه مسلم 6/47.برقم 2496.

ص: 416

مثلما كان طائفة من شيعة عثمان يتهمون عليا بأنه أمر بقتل عثمان أو أعان عليه، وكان بعض من تقاتله يظن ذلك به، وكان ذلك من شبههم التي قاتلوا علياًّ بها. وهي شبهة باطلة وكان علي يحلف - وهو الصادق البار- أني ما قتلت عثمان ولا أعنت على قتله، ويقول: اللهم شتت قتلة عثمان في البر والبحر والسهل والجبل1، وكانوا يجعلون امتناعه من تسليم قتلة عثمان من شبههم ذلك، ولم يكن ممكنا من أن يعمل كل ما يريده من إقامة الحدود ونحو ذلك لكون الناس مختلفين عليه وعسكره وأمراء عسكره غير مطيعين له في كل ما كان يأمرهم به. فإن التفرق والاختلاف يقوم من أسباب الشر والفساد وتعطيل الأحكام ما يعلمه من يكون من أهل العلم والعارفين بما جاء من النصوص في فضل الجماعة والإسلام2.

وقال ابن أبي زيد القيرواني رحمه الله تعالى في الرسالة فيما يجب على المسلم اعتقاده تجاه الصحابة. قال: وأن لا يذكر أحد من صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم إلا بأحسن ذكر والإمساك عما شجر بينهم، وأنهم أحق الناس أن يلتمس لهم أحسن المخارج ويظن بهم أحسن المذاهب3.

1 ابن كثير البداية والنهاية4 /250.

2 الفتاوى 27/476- 477.

3 الثمر الداني في تقريب المعاني شر ح رسالة ابن أبي زيد القيرواني ص23.

ص: 417

وقال النووي عند قوله صلى الله عليه وسلم إذا تواجه المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار1: واعلم أن الدماء التي جرت بين الصحابة رضي الله عنهم ليست بداخلة في هذا الوعيد. ومذهب أهل السنة والحق إحسان الظن بهم، والإمساك عما شجر بينهم، وتأويل قتالهم وأنهم مجتهدون متأولون لم يقصدوا معصية ولا محض الدنيا، بل اعتقد كل فريق أنه المحق ومخالفه باغ فوجب عليه قتاله ليرجع إلى أمر الله، وكان بعضهم مصيبا وبعضهم مخطئا معذورا في الخطأ، لأنه الاجتهاد والمجتهد إذا أخطأ لا إثم عليه. وكان علي رضي الله عنه هو المحق المصيب في تلك الحروب. هذا مذهب أهل السنة، وكانت القضايا مشتبهة حتى إن جماعة من الصحابة تحيروا فيها فاعتزلوا الطائفتين ولم يقاتلوا، ولم يتيقنوا الصواب، ثم تأخروا عن مساعدته منهم2.

وقال الحافظ ابن حجر: واتفق أهل السنة على وجوب منع الطعن على أحد من الصحابة بسبب ما وقع لهم من ذلك ولو عرف المحق منهم، لأنهم لم يقاتلوا في تلك الحروب إلا عن اجتهاد، بل ثبت أنه يؤجر أجرا واحدا وأن المصيب يؤجر أجرين3.

1 شرح النووي على صحيح مسلم برقم 2888.

2 شرح النووي على صحيح مسلم 6/11.

3 البخاري مع الفتح 13/34.

ص: 418

هذا وقد كان علي رضي الله عنه رابع الخلفاء الراشدين وترتيب هؤلاء الخلفاء في الفضل كترتيبهم في الخلافة عند أهل السنة، بينما ذهب الرافضة إلى تفضيل علي على أبي بكر وعمر وعثمان والغلو فيه. وقد أثر عن عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى ما يؤيد ما ذهب إليه أهل السنة والجماعة، وهذا هو مضمون الآثار المروية عنه في المسألة التالية.

ص: 419

المسألة الثانية: الآثار عن عمر في ترتيب الخلفاء الراشدين والمفاضلة بينهم.

123/1 - الذهبي قال: عبد الرحمن بن يزيد بن جابر سمع عمير ابن هانئ يقول: دخلت على عمر بن عبد العزيز فقال لي: كيف تقول في رجل رأى سلسلة دليت من السماء فجاء رسول الله فتعلق بها فصعد، ثم جاء أبو بكر فتعلق بها فصعد، ثم جاء عمر فتعلق بها فصعد، ثم جاء عثمان فتعلق بها فانقطعت فلم يزل حتى وصل ثم صعد، ثم جاء الذي رأى هذه الرؤيا فتعلق بها فصعد، فكان خامسهم. قال عمير: فقلت في نفسي هو هو ولكنه كنى عن نفسه.

وعلق الذهبي على هذه الرؤيا بقوله: يحتمل أن يكون الرجل عليا وما أمكن الرأي يفصح به لظهور النصب إذ ذاك1.

124/2 - ابن قتيبة قال: أخبرنا محمد بن الزبير الحنظلي قال: أرسلني عمر بن عبد العزيز إلى الحسن البصري رحمهما الله تعالى أسأله إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم استخلف أبا بكر رضي الله عنه فأتيته فاستوى جالسا وقال: إي

1 سير أعلام النبلاء 5/139، وتاريخ داريا ص83-84 تحقيق سعيد الأفغاني ط دار الفكر عام 1404هـ

ص: 420

والذي لا إله إلا هو استخلفه وهو أعلم بالله وأتقى لله من أن يتوثب عليهم لو لم يأمره1.

125/3 - أبو زرعة الدمشقي قال: حدثني أحمد بن أبي الحوارى، قال: حدثنا مروان بن محمد، قال: حدثني صدقة بن خالد، عن سعيد بن عبد العزيز، عن إسماعيل بن عبيد الله قال: قال ميمون ابن مهران: كنت أفضل عليّا على عثمان رحمة الله عليهما، فقال لي عمر بن عبد العزيز أيهما أحب إليك رجل أسرع في كذا أو رجل أسرع في المال؟ قال: فرجعت وقلت لا أعود2.

126/4 - الذهبي قال: وروى إسماعيل بن عبيد الله، عن ميمون ابن مهران، قال: كنت أفضل عليّا على عثمان، فقال لي عمر بن عبد العزيز: أيهما أحب إليك، رجل أسرع في الدماء، أو رجل أسرع في المال؟ فرجعت وقلت: لا أعود3.

1 الإمامة والسياسة المنسوب إلى ابن قتيبة ص10 تحقيق طه الزيني. ط دار المعرفة. وانظر شرح الطحاوية 2/707 وعزاه إلى الإبانة لابن بطة ولم أجده في الإبانة المحقق.

ومحمد الزبير الحنظلي البصري متروك. انظر تقريب التهذيب ص478.

2 تاريخ أبي زرعة ص145، وأحمد بن أبي الحواري هو: أحمد بن عبد الله بن ميمون ابن العباس بن الحارث التغلبي يكنى أبا الحسن بن أبي الحواري ثقة زاهد. تقريب ص81. ومروان بن محمد الطاطري شامي روى عنه أحمد بن أبي الحوارى ثقة. انظر الجرح والتعديل 8/275.

وصدقة بن خالد الأموي مولاهم أبو العباس الدمشقي ثقة. تقريب ص275. وإسماعيل بن عبيد الله بن أبي المهاجر المخزومي مولاهم الدمشقي أبو عبد الحميد ثقة. تقريب ص109. وانظر الجرح والتعديل 2/182-183، والأثر أخرجه الذهبي في السير 5/72.

3 سير أعلام النبلاء 5/72.

ص: 421

التعليق:

اتضح مما سبق نقله عن عمر بن عبد العزيز موقفه من الخلافة، وترتيب الخلفاء الراشدين.

والخلافة هي: "نيابة عن صاحب الشريعة في حفظ الدين وسياسة الدنيا" 1، والخلفاء الراشدون هم أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، رضوان الله عليهم أجمعين، وكلهم من العشرة المبشرين بالجنة. وكانت خلافتهم على منهاج النبوة. روى الترمذي وأبو داود عن سفينة أنه صلى الله عليه وسلم قال: خلافة النبوة ثلاثون سنة"2.

والآثار التي رويت عن عمر بن عبد العزيز يؤخذ منها أنه كان يرى أن خلافة الصديق ثبتت بالنص والإجماع. كما يرى أن ترتيب الخلفاء

1 مقدمة ابن خلدون ص151.

2 أبو داود/4 /211 والترمذي وقال هذا حديث حسن 4/436.

ص: 422

الراشدين في الفضل كترتيبهم في الخلافة، بل قد صرح بذلك في الأثر الأخير حيث قدم عثمان على علي رضي الله عنهما، وهذا هو موقف أهل السنة والجماعة. قال شيخ الإسلام أبو عثمان الصابوني:"ويشهدون ويعتقدون أن أفضل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي، وأنهم هم الخلفاء الراشدون الذين ذكر النبي صلى الله عليه وسلم خلافتهم بقوله فيما رواه سعيد بن جهمان عن سفينة-: "الخلافة بعدي ثلاثون سنة" ثم قال: أمسِكْ خلافة أبي بكر سنتين وعمر عشرا وعثمان ثنتي عشرة وعلي ستا، وبعد انقضاء أيامهم عاد الأمر إلى الملك العضوض على ما أخبر عنه الرسول صلى الله عليه وسلم 1.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية مبينا انعقاد خلافة أبي بكر وشرعيتها: خلافة أبي بكر الصديق دلت النصوص الصحيحة على صحتها وثبوتها، ورضا الله ورسول الله صلى الله عليه وسلم له بها

وانعقدت بمبايعة المسلمين له واختيارهم إياه اختيارا استندوا فيه إلى ما علموه من تفضيل الله ورسوله بها وأنها حق. وأن الله أمر بها وقدرها، وأن المؤمنين يختارونها وكان هذا أبلغ من مجرد العهد بها، لأنه حينئذ يكون طريق ثبوتها العهد. وأما إذا كان المسلمون قد اختاروه من غير عهد ودلت النصوص على صوابهم فيما فعلوه ورضي الله ورسوله بذلك كان ذلك دليلا على أن الصديق

1 عقيدة السلف وأصحاب الحديث ص86- 87.

ص: 423

كان فيه من الفضائل التي بان بها عن غيره ما علم المسلمون به أنه أحقهم بالخلافة. فإن ذلك لا يحتاج إلى عهد خاص1.

وقد هم صلى الله عليه وسلم أن يكتب لأبي بكر كتابا ثم قال: "يأبى الله والمسلمون إلا أبا بكر "2. ولعل وجود الشيعة الذين يرون أن الخلافة لعلي وأهل بيته في زمن عمر بن عبد العزيز جعله يكتب إلى الحسن البصري سيد التابعين ليؤكد لهؤلاء الشيعة أن موقفه هو موقف أهل السنة والجماعة، وليس في سؤاله للحسن إن صح ذلك عنه - ولا أظنه يصح - ما يدل أنه كان شاكا في ثبوت خلافة الصديق رضي الله عنه. ويحتمل أنه يريد أن يبين لهم أن موقفه هو موقف العلماء في وقته.

وفيما يخص التفضيل بين هؤلاء الخلفاء الراشدين على العموم وبين علي وعثمان على الخصوص فإن أهل السنة والجماعة يرون تقديم عثمان على علي، كما هو المأثور عن عمر بن عبد العزيز، روى البخاري عن

1 منهاج السنة 1/140- 141. ط. دار الكتب العلمية بيروت وبهامشه بيان موافقة المعقول لصريح المنقول.

2 الحديث رواه مسلم 5/535، برقم (2387) .

ص: 424

ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: كنا نعد ورسول الله صلى الله عليه وسلم حي فنقول: أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم نسكت1.

قال الحافظ ابن حجر: في الحديث تقديم عثمان بعد أبي بكر وعمر كما هو المشهور عند جمهور أهل السنة، وذهب بعض السلف إلى تقديم علي على عثمان، وممن قال به سفيان الثوري، ويقال إنه رجع عنه، وقاله ابن خزيمة وطائفة قبله وبعده. وقيل: لا يفضل أحدهما على الآخر قاله مالك في المدونة وتبعه جماعة، منهم يحيى القطان، ومن المتأخرين ابن حزم، وحديث الباب حجة الجمهور2.

وأما ما ذكر في الأثر الأخير من أن عثمان أسرع في المال وأن عليا أسرع في الدماء فعلى فرض صحته وصدوره عن عمر فإن أهل السنة والجماعة وفي مقدمتهم عمر يرون الكف عن الكلام فيما شجر بين الصحابة كما تقدم ذلك مستوفى في المبحث السابق، ولعل مقصد عمر في ذلك أن يزجر ميمون بن مهران فيما كان يذهب إليه من تفضيل علي على عثمان رضي الله عنهما، ولا يمكن أن يطعن أحد من الصحابة برأي أحد، ولم يأخذ عثمان المال بغير حق، كما لم يسفك علي دم أحد بغير

1 انظر البخاري مع الفتح ونص الرواية: كنا نخير بين الناس زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم فنخير أبابكر ثم عمر ثم عثمان رضي الله عنهم. 7/16، برقم (3655) ، وأحمد 2/14.

2 البخاري مع الفتح 7/16.

ص: 425

حق، وإنما قاتل البغاة الذين خرجوا عليه، وهو محق في قتالهم، وتوفي شهيدا حميداً رضي الله عنه وأرضاه.

ومما هو جدير ذكره هنا أن عليّا من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم ولأهل البيت حقوق ثبتت بالنصوص الصحيحة، وقد علم عمر بن عبد العزيز هذه الحقوق فأداها لأهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم حين كان أميرا بالمدينة وحين تولى الخلافة بعد ذلك. وهي حقوق مادية ومعنوية، وسيتضح موقفه وما أثر عنه تجاه أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم في المبحث الذي يلي هذا التعليق بإذن الله تعالى

ص: 426

المسألة الثالثة: موقفه من أهل البيت.

تمهيد:

المراد بأهل البيت عند أهل السنة والجماعة أزواجه صلى الله عليه وسلم رضي الله عنهن جميعا وأقربائه. قال الراغب الأصفهاني: أهل الرجل من يجمعه وإياهم نسب أودين أو ما يجرى مجراهما

"1، وتعورف في أسرة النبي صلى الله عليه وسلم مطلقا

".

وقال ابن منظور

وأهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم أزواجه وبناته وصهره أعني عليا وقيل: نساء النبي صلى الله عليه وسلم 2.

وقد ذكر ابن القيم أن العلماء اختلفوا في تحديد المراد بأهل البيت على أقوال، قال رحمه الله: واختلف في آل النبي صلى الله عليه وسلم على أربعة أقوال: فقيل هم الذين حرمت عليهم الصدقة وفيهم ثلاثة أقوال:

أ- أنهم بنو هاشم وبنوا المطلب.

ب - أنهم بنو هاشم خاصة.

ج- أنهم بنو هاشم ومن فوقهم إلى غالب.

1 المفردات في غريب القرآن ص29.

2 لسان العرب 11/29.

ص: 427

والقول الثاني: أن آل النبي صلى الله عليه وسلم هم ذريته وأزواجه خاصة1.

القول الثالث: أن آله أتباعه إلى يوم القيامة.

القول الرابع: أن آله هم الأتقياء من أمته2.

ثم رجح رحمه الله القول الأول وهو أن آله صلى الله عليه وسلم هم الذين حرمت عليهم الصدقة3.

هذا ويرى الشيعة أن آل النبي صلى الله عليه وسلم هم أربعة فقط: علي وفاطمة والحسن والحسين، وقولهم هذا مخالف للنصوص الصحيحة ولا تؤيده اللغة ولا العرف، لأن لفظة أهل البيت وردت في القرآن الكريم في سياق الخطاب لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم قال تعالى:{وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} 4.

فنفهم من الآية أن المراد بأهل البيت هن أزواجه عليه الصلاة والسلام.

1 انظر جلاء الأفهام في الصلاة والسلام على خير الأنام ص 109.

2 المصدر السابق ص110.

3 انظر المصدر السابق ص110- 119 ط دار الكتب العلمية.

4 الآية 28 من سورة الأحزاب.

ص: 428

هذا ولما لم توجد في زمن عمر واحدة من زوجاته صلى الله عليه وسلم وإنما وجد ذريته عليه الصلاة والسلام وأكثرهم من أولاد علي وأولاد أولاده فقد عرف لهم عمر رحمه الله تعالى حقوقهم المادية والمعنوية وأداها إليهم مستوفاة كاملة بدون بخس ولا شطط، وسيتبين ما قام به من خلال الآثار الآتية بإذن الله تعالى.

127/1- أبو داود قال: حدثنا عبد الله بن الجراح حدثنا جرير عن المغيرة قال: جمع عمر بن عبد العزيز بني مروان حين استخلف فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت له فدك1 ينفق منها، ويعود منها على صغير بني هاشم، ويزوج منها أيِّمهم، وإن فاطمة سألته أن يجعلها لها فأبى، فكانت كذلك حياة أبي بكر وعمر عملا فيها عمله، ثم أقطعها مروان، ثم صارت لي، فرأيت أمرا منعه رسول الله بنته ليس لي بحق، وإني أشهدكم أني قد رددتها على ما كانت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم 2.

1 فدك: قرية بالحجاز. قريبة من المدينة قيل بينها وبين المدينة مسيرة يومين أو ثلاثة أفاءها الله على رسوله صلى الله عليه وسلم في سنة سبع صلحا. انظر معجم البلدان 4/238.

2 سنن أبي داود 3/378- 379 ط دار الحديث، وانظر سير أعلام النبلاء 5/128- 129، وانظر أيضا ابن الجوزي سيرة عمر ص136- 137، وأبو حفص الملاء 1/138، وابن عساكر ورقة 142، وابن سعد في الطبقات 5/287.

ص: 429

128/2- ابن سعد قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثنا محمد بن بشر بن حميد المزني عن أبيه قال: دعاني عمر بن عبد العزيز فقال لي: خذ هذا المال الأربعة آلاف دينار فاقدم بها على أبي بكر بن حزم فقل له فليضم إليه خمسة آلاف أو ستة آلاف حتى يكون عشرة آلاف دينار وأن تأخذ تلك الآلاف من الكتيبة ثم تقسم ذلك على بني هاشم وتسوي بينهم الذكر والأنثى والصغير والكبير سواء، قال: ففعل أبو بكر

1.

129/3- ابن سعد قال: أخبرنا مالك بن إسماعيل قال: حدثنا جويرية بن أسماء قال: سمعت فاطمة بنت علي بن أبي طالب ذكرت عمر ابن عبد العزيز فأكثرت الترحم عليه، وقالت: دخلت عليه وهو أمير المدينة يومئذ فأخرج عني كل خصي وحرسي، حتى لم يبق في البيت غيري وغيره ثم قال: يا بنت علي والله ما على ظهر الأرض أهل بيت أحب إلي منكم ولأنتم أحب إلي من أهل بيتي2.

130/4- ابن سعد قال: أخبرنا عبد الله بن جعفر قال: حدثنا أبو المليح عن ابن عقيل يعني عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب قال:

1 ابن سعد الطبقات 5/390، وفي الأثر محمد بن عمر شيخ المصنف متروك.

2 المصدر السابق 5/388، ومالك بن إسماعيل النهدي ثقة متقن، مات سنة 17هـ. تقريب التهذيب ص516. وجويرية بن أسماء صدوق. تقريب ص143 مات عام 73هـ.

ص: 430

أول مال قسمه عمر بن عبد العزيز لمال بعث به إلينا أهل البيت فأعطى المرأة منا مثل ما يعطي الرجل وأعطى الصبي مثل ما تعطي المرأة، قال: فأصابنا أهل البيت ثلاثة آلاف دينار وكتب لنا: إني إن بقيت لكم أعطيتكم جميع حقوقكم1.

131/5- أخبرنا علي بن محمد عن لوط بن يحيى الغامدي قال: كان الولاة من بني أمية قبل عمر بن عبد العزيز يشتمون عليا رحمه الله تعالى فلما ولى عمر أمسك عن ذلك فقال كثير عزة الخزاعي:

وليت فلم تشتم عليا، ولم تخف

ريا، ولم تتبع مقالة مجرم2.

132/6- الفسوى قال: حدثنا سعيد بن عفير حدثني يعقوب عن أبيه أن عبد العزيز بن مروان بعث ابنه عمر بن عبد العزيز إلى المدينة يتأدب بها فكتب إلى صالح بن كيسان يتعاهده فكان عمر يختلف إلى عبيد الله بن عبد الله يسمع منه العلم، فبلغ عبيد الله أن عمر ينتقص علي بن أبي طالب

1 المصدر السابق 5/392، وعبد الله بن جعفر الرقي ثقة تقريب ص298، والجرح والتعديل 5/22.

وأبو المليح: هو الحسن بن عمر أو عمر الفزازي ثقة. تقريب ص165.

وعبد الله بن محمد صدوق. تقريب ص321.

2 نفس المصدر 5/393- 394 = في الأثر لوط بن يحيى أبو مخنف متروك الحديث. انظر الجرح والتعديل 7/182.

ص: 431

فأتاه عمر فقام يصلي وأزر عمر فلم يبرح حتى سلم من ركعتين ثم أقبل على عمر بن عبد العزيز فقال: متى بلغك أن الله سخط على أهل بدر بعد أن رضي عنهم؟ قال: فعرف عمر ما أراد فقال: معذرة إليك والله لا أعود. قال: فما سمع عمر بن عبد العزيز بعد ذلك ذاكرا عليا إلا بخير1.

133/7- ابن الجوزي قال: وعن حسين بن صالح قال: تذاكروا الزهاد عند عمر ابن عبد العزيز فقال قائلون فلان، وقال قائلون فلان، فقال عمر بن عبد العزيز: أزهد الناس في الدنيا علي بن أبي طالب رضي الله عنه2.

التعليق:

إن عمر بن عبد العزيز كغيره من السلف الصالح كان قائما بأداء حقوق أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم امتثالا لما أمر به صلى الله عليه وسلم

"أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي"3.

1 الفسوى المعرفة والتاريخ 1/568، والأغاني 9/152، وابن كثير 5/193، وابن عساكر 45/136، والذهبي في السير 5/117. وفي الأثر من لم أجده وهو عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله والد يعقوب.

2 ابن الجوزي سيرة عمر ص292، وأبو حفص الملاء 2/493، وحسن بن صالح ابن حي الهمداني الثوري أبو عبد الله الكوفي فقيه عابد على تشيع فيه، ولد سنة مائة انظر التقريب ص161.

3 صحيح مسلم 5/554، برقم (2408) .

ص: 432

وروى الإمام أحمد والترمذي، وغيرهما عن أم سلمة أن قوله تعالى:{إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} 1، لما نزلت أدار النبي صلى الله عليه وسلم كساءه على علي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم فقال:"اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا"2.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وإن من أصول أهل السنة والجماعة أنهم يحبون أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم ويتولونهم ويحفظون فيهم وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم3، وآل بيته صلى الله عليه وسلم لهم من الحقوق ما يجب رعايتها فإن الله جعل لهم حقا في الخمس والفيء وأمر بالصلاة عليهم مع الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم 4.

والحقوق التي ذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى هي التي حرص عمر بن عبد العزيز رحمه الله على أدائها على الوجه المطلوب شرعا فرد على آل رسول الله صلى الله عليه وسلم فدك كما قام برد خمس الخمس عليهم كما أطعمهم في الفيء ونهى عن الطعن على أحد منهم حيث أن بعض عمال بني أمية كانوا يستفزون بعض أهل البيت بالطعن عليهم وجعل عمر

1 الآية 33 من سورة الأحزاب.

2 المسند 6/292، والترمذي 5/30-31.وأصله في مسلم 5/566 برقم (2424) .

3 انظر مجموع الفتاوى 3/407.

4 انظر مجموع الفتاوى 3/407.

ص: 433

مكان الطعن الآية الكريمة {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ..} 1. وقيل غيرها. وقد بين الإمام الذهبي وشيخ الإسلام ابن تيمية السبب في طعن بعض ولاة بني أمية على بعض أهل البيت وعلى علي رضي الله عنه بالذات فقال الذهبي: "وخلف معاوية خلق كثير يحبونه ويتغالون فيه ويفضلونه، إما قد ملكهم بالكرم والحلم والعطاء وإما قد ولدوا في الشام على حبه وتربي أولادهم على ذلك. وفيهم جماعة يسيرة من الصحابة وعدد كثير من التابعين والفضلاء، وحاربوا معه أهل العراق، ونشؤوا على النصب نعوذ بالله من الهوى كما قد نشأ جيش علي رضي الله عنه ورعيته إلا الخوارج منهم على حبه والقيام معه وبغض من بغى عليه والتبري منهم وغلا خلق منهم في التشيع. فبالله كيف يكون حال من نشأ في إقليم لا يكاد يشاهد فيه إلا غاليا في الحب، مفرطا في البغض، ومن أين يقع له الإنصاف والاعتدال؟ فنحمد الله على العافية الذي أوجدنا في زمان قد انمحص فيه الحق واتضح من الطرفين وعرفنا مآخذ كل واحد من الطائفتين"2.

1 الآية 9 من سورة النحل. وقيل جعل مكانه قوله تعالى: الآية 10 من سورة الحشر، وانظر: مروح الذهب 3/194، والكامل في التاريخ 5/42، واليعقوبي 2/305.

2 سير أعلام النبلاء 3/128.

ص: 434

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية:"سب علي رضي الله عنه كان شائعا في أتباع معاوية

وهو من البغي الذي استحقت به الطائفة أن يقال لها الطائفة الباغية ويدل على صحة إمامة علي ووجوب طاعته وأن الداعي إلى طاعته داع إلى الجنة

"1.

وقد قام عمر رحمه الله تعالى بالاهتمام بحقوق أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم وسلّم إليهم حقوقهم المادية والمعنوية، حرصا منه على إتباع ما أمر الله به واجتناب ما نهى عنه وحبا منه لاتباع السلف الصالح الذين أحب أن يقتدى بهم في كل لحظة من لحظات حياته لتكمل له بذلك ما كان يمن به نفسه، وما كان يحرص عليه ويتمناه من العمل بالعدل واتباع السنة والسير على نهج أهل الحق ليصل إلى الثمن الغالي الذي تَتُوق نفسه إلى الوصول إليه، فرحمه الله رحمة واسعة.

1 انظر الفتاوى 4/437.

ص: 435