الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني: ما أثر عن عمر بن عبد العزيز من النهي عن اتخاذ القبور مساجد
.
43/1- عبد الرزاق قال: أخبرنا مالك عن إسماعيل بن أبي حكيم أنه سمع عمر بن عبد العزيز يقول: آخر ما تكلم به رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قال: "قاتل الله اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد لا يبقى - أو قال: لا يجتمع - دينان بأرض العرب"1.
44/2- ابن الجوزي قال: حدثنا حصين، أن عمر بن عبد العزيز نهى أن يبنى القبر بآجر وأوصى بذلك2
1 عبد الرزاق في المصنف 10/359- 360. والحديث متفق عليه انظر البخاري مع الفتح 3/200، رقم (1330) ، عن عائشة رضي الله عنها ومسلم بشرح النووي 2/184، رقم (259) ، لكن بدون زيادة لا يبقى أو لا يجتمع دينان بأرض العرب، والحديث أخرجه البيهقي في دلائل النبوة مرسلا عن عمر بن عبد العزيز، انظر دلائل النبوة 7/204، وإسماعيل بن أبي حكيم القرشي مولاهم المدني ثقة من السادسة، مات سنة 30هـ م د س ق. انظر تقريب التهذيب ص107.
2 ابن الجوزي سيرة عمر ص 346،وابن القيم إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان 1/196. ط. دار المعرفة.
التعليق:
تبين مما سبق ذكره محبة عمر بن عبد العزيز للعقيدة الصحيحة، وبغضه لكل ما يضادها، ولا شك أن اتخاذ القبور مساجد والبناء عليها وتجصيصها من وسائل الشرك الممنوعة، وقد كان صلى الله عليه وسلم حريصا على أمته يَعِزُّ عليه ما يشق عليها ويضرها، كما كان حريصا على سد منافذ الشرك ووسائله عن أمته.
وقد كان السلف الصالح مهتمين بهذا الجانب حرصا منهم على اتباع أوامر الله وأوامر رسوله صلى الله عليه وسلم، يتبين ذلك من خلال ما أثر عن عمر بن عبد العزيز وهو نص حديث متفق عليه أرسله عمر رحمه الله، وقد ورد هذا الحديث بلفظين "قاتل" و"لعن". ومضمون الحديث أنه عليه الصلاة والسلام حذر أمته من اتخاذ القبور مساجد وبين أن ذلك من فعل اليهود والنصارى، والمسلم منهي عن الاقتداء بهؤلاء الضلال المغضوب عليهم بنص القرآن، ولا شك أن اتخاذ القبور مساجد والبناء عليها وتجصيصها مما أجمع على منعه سلف الأمة كما مر عن عمر بن عبد العزيز حيث نهى أن يبنى القبر بآجر وأوصى أن لا يفعل ذلك بقبره.
ولما أمر الوليد بن عبد الملك ببناء المسجد النبوي حين كان عمر عاملا له على المدينة وإدخال حجرات الرسول صلى الله عليه وسلم ومنها حجرة عائشة رضي الله عنها التي فيها قبر الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبيه كان عمر بن عبد العزيز هو الذي جعل مؤخر القبر محددا بركن، لئلا يستقبل قبر النبي صلى الله عليه وسلم
فيصلى إليه جعل ذلك حين انهدم جدار البيت فبناه على هذا فصار للبيت خمسة أركان1.
قال النووي رحمه الله:
…
ولما احتاجت الصحابة والتابعون2 إلى الزيادة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين كثر المسلمون وامتد الزيادة إلى أن دخلت بيوت أمهات المؤمنين فيه ومنها حجرة عائشة رضي الله عنها مدفن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه أبي بكر، وعمر رضي الله عنهما بنوا على القبر حيطانا مرتفعة مستديرة حوله لئلا يظهر في المسجد فيصلي إليه العوام، ويؤدي إلى المحذور، ثم بنوا جدارين من ركني القبر الشماليين وحرفوهما حتى التقيا حتى لا يتمكن أحد من استقبال القبر
…
3.
1 انظر الجامع لابن أبي زيد القيرواني ص141، تحقيق محمد أبو الأجفان، وعثمان بطيخ. طبعة مؤسسة الرسالة الطبعة الثالثة عام 1406هـ. وانظر تيسير العزيز الحميد ص324.
2 وفي عبارة النووي رحمه الله ما يوهم أن إدخال حجرة عائشة رضي الله عنها في مسجده صلى الله عليه وسلم كان من فعل الصحابة والتابعين، والحال أن الأمر ليس كذلك، وإنما حصل هذا من الوليد بن عبد الملك كما مر ذكر ذلك.
3 انظر النووي على صحيح مسلم 2/185- 186.
4 انظر البخاري مع الفتح 3/200، رقم (1330) .
وقال الحافظ ابن حجر:
…
لما وسع المسجد جعلت حجرتها "يعني عائشة" مثلثة الشكل محددة حتى لا يتأتى لأحد أن يصلي إلى جهة القبر مع استقبال القبلة4.
وقال ابن رشد الجد قال: مالك: وإنما بنى عمر بن عبد العزيز هذا البناء "يعني الحجرة الشريفة" حين كان الناس يصلون إليه، وجعلوه مصلى". ثم علق ابن رشد على قول مالك بقوله: أما الصلاة إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فهو محظور لما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم من قوله: "اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" 1 فبناه عمر ابن عبد العزيز محددا على هيئة لا يمكن من صلى إلى القبلة استقباله2.
والمقصود أن عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى قد سد منافذ الشرك بعلمه وحكمته كما تبين من نَقْل من شاهدوا بناء المسجد النبوي في عهد ولايته على المدينة النبوية، ولا شك أن نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ قبره وقبر غيره مسجدا كان خوفا من المبالغة في تعظيمه والافتتان به، بل ربما أدى ذلك إلى الكفر كما جرى لكثير من الأمم الخالية
…
3.
1 البخاري مع الفتح3 /200 رقم 1330
2 البيان والتحصيل 17/625-626.
3 انظر صحيح مسلم بشرح النووي 2/185.
وقد منع عمر من اتخاذ البناء لقبره وأوصى بذلك مع أنه كان في الزمن الذي فيه العقيدة صافية نقية إذا قورن ذلك الزمان بما بعده، ولكن لفهمه الصحيح لمقاصد السنة ولاتباعه المنهج الصحيح منهج النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وفقه الله تعالى للوصية بأن لا يبنى على قبره خشية أن يتخذ مسجدا فحسم الموقف قبل أن يستفحل، ولا شك أن ما ذهب إليه عمر هو ما يدل عليه الحديث الصحيح الذي رواه الإمام مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يجصص القبر وأن يقعد عليه وأن يبنى عليه1.
1 صحيح مسلم بشرح النووي 3/32-33، رقم (970) .