المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الثالث: الآثار عن عمر بن عبد العزيز في الإيمان بالرسل - الآثار الواردة عن عمر بن عبد العزيز في العقيدة - جـ ١

[حياة بن محمد بن جبريل]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الأول

- ‌مقدمة

- ‌تمهيد:

- ‌الباب الأول: الآثار الواردة عن عمر في التوحيد

- ‌الفصل الأول: الأثار الواردة عن عمر في توحيد الألوهية

- ‌المبحث الأول: الآثار عن عمر بن عبد العزيز في الدعاء

- ‌المبحث الثاني: الآثار عن عمر بن عبد العزيز في الشكر

- ‌المبحث الثالث: الآثار عن عمر بن عبد العزيز في التوكل

- ‌المبحث الرابع: الآثار عن عمر بن عبد العزيز في الخوف والرجاء

- ‌المبحث الخامس: الآثار عن عمر بن عبد العزيز في التبرك

- ‌المبحث السادس: الآثار عن عمر بن عبد العزيز في النهي عن الشرك ووسائله

- ‌المطلب الأول: الآثار عن عمر بن عبد العزيز في النهي عن التطير

- ‌المطلب الثاني: ما أثر عن عمر بن عبد العزيز من النهي عن اتخاذ القبور مساجد

- ‌المطلب الثالث: الآثار عن عمر في حكم السحر

- ‌الفصل الثاني: الآثار الواردة عن عمر بن عبد العزيز في أسماء الله الحسنى

- ‌المبحث الأول: ما أثر عنه في أسمه تعالى "الله

- ‌المبحث الثاني: ما أثر عن عمر بن عبد العزيز في اسمه تعالى "الرب

- ‌المبحث الثالث: في ما أثر عن عمر بن عبد العزيز في أسمائه تعالى "الرحمن الرحيم، المليك، اللطيف، الخبير

- ‌المبحث الرابع: ما أثر عن عمر بن عبد العزيز في اسمه تعالى "الكريم

- ‌المبحث الخامس: ما أثر عن عمر بن عبد العزيز في اسمه تعالى "الحي

- ‌المبحث السادس: ما أثر عن عمر بن عبد العزيز في اسمه تعالى "الرقيب

- ‌المبحث السابع: ما أثر عن عمر بن عبد العزيز في اسمه تعالى "الشهيد

- ‌المبحث الثامن: ما أثر عن عمر بن عبد العزيز في اسمه تعالى"الواحد القهار

- ‌المبحث التاسع: ما أثر عن عمر بن عبد العزيز في اسمه تعالى"العلي العظيم

- ‌المبحث العاشر: ما أثر عن عمر بن عبد العزيز في اسمه تعالى" العفو الغفور

- ‌المبحث الحادي عشر: ما أثر عن عمر بن عبد العزيز في اسمه تعالى"العزيز الحكيم

- ‌المبحث الثاني عشر: ما أثر عن عمر بن عبد العزيز في اسمه تعالى "الوارث

- ‌المبحث الثالث عشر: ما أثر عن عمر بن عبد العزيز في اسمه تعالى "الخالق

- ‌الفصل الثالث: الآثار عن عمر بن عبد العزيز في الصفات العلى

- ‌المبحث الأول: ما أثر عن عمر بن عبد العزيز في إثبات صفة النفس لله تعالى

- ‌المبحث الثاني: ما أثر عن عمر بن عبد العزيز في صفة الوجه لله تعالى

- ‌المبحث الثالث: ماأثر عن عمر بن عبد العزيز في إثبات صفة العلم لله تعالى

- ‌المبحث الرابع: ما أثر عن عمر في إثبات صفة الكبرياء لله تعالى

- ‌المبحث الخامس: ما أثر عن عمر في صفة القدرة لله تعالى

- ‌المبحث السادس: ما أثر عن عمر في إثبات صفة العلو لله تعالى

- ‌المبحث السابع: ما أثر عن عمر في إثبات صفة المعية والقرب لله تعالى

- ‌المبحث الثامن: ما أثر عن عمر في إثبات صفة النزول لله تعالى يوم القيامة لفصل القضاء

- ‌المبحث التاسع: ما أثر عن عمر في إثبات صفة المشيئة والإرادة لله تعالى

- ‌المبحث العاشر: ما أثر عن عمر في إثبات صفة الغضب كما يليق لله تعالى

- ‌المبحث الحادي عشر: ما أثر عن عمر في إثبات صفة الرضى لله تعالى

- ‌المبحث الثاني عشر: ما أثر عن عمر في إثبات صفة الرحمة لله تعالى

- ‌الباب الثاني: الآثار عن عمر في الإيمان بالملائكة والكتب، والرل، واليوم الآخر، والقدر

- ‌الفصل الأول: الآثار عن عمر في الإيمان بالملائكة

- ‌الفصل الثاني: الآثار عن عمر في الإيمان بالكتب

- ‌الفصل الثالث: الآثار عن عمر بن عبد العزيز في الإيمان بالرسل

- ‌الفصل الرابع: الآثار عن عمر في الإيمان بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وفضائل أصحابه وحقوق أهل بيته

- ‌المبحث الأول: الآثار عن عمر في الإيمان بنبينا محد صلى الله عليه وسلم وذكر بعض خصائصه

- ‌المبحث الثاني: الآثار عن عمر في فضائل الصحابة وموقفه من أهل البيت

- ‌الفصل الخامس: الآثار عن عمر بن عبد العزيز في الإيمان باليوم الآخر وما يقع فيه من أمور

- ‌المبحث الأول: الآثار عن عمر في عذاب القبر ونعيمه

- ‌المبحث الثاني: الآثار عن عمر بن عبد العزيز في الإيمان بالمعاد، ونزول الرب لفصل القضاء

- ‌المبحث الثالث: الآثار عن عمر في الإيمان بالميزان

- ‌المبحث الرابع: الآثار عن عمر في الإيمان بالحوض

- ‌المبحث الخامس: الآثار عن عمر بن عبد العزيز في الإيمان بالصراط

- ‌المبحث السادس: الآثار عن عمر في الإيمان بالجنة والنار

- ‌المبحث السابع: الآثار عن عمر في الإيمان برؤية المؤمنين ربهم في الجنة

- ‌الفصل السادس: الآثار الواردة عن عمر في الإيمان بالقدر

- ‌المبحث الأول: الآثار الواردة عن عمر في تقرير الإيمان بالقدر

- ‌المبحث الثاني: الآثار عن عمر بن عبد العزيز في بيان مراتب القدر

- ‌المبحث الثالث: الآثار عن عمر في النهي عن الخوض في القدر

- ‌المبحث الرابع: الآثار عن عمر في الرضا بالقضاء

- ‌الفصل السابع: الآثار الواردة عن عمر في تعريف الإيمان وما يتعلق به من مسائل

- ‌المبحث الأول: الآثار الواردة عنه في تعريف الإيمان

- ‌المبحث الثاني: الآثار عن عمر في زيادة الإيمان ونقصانه

- ‌المبحث الثالث: الآثار عن عمر في حكم مرتكب الكبيرة

- ‌المبحث الرابع: الآثار عن عمر في حكم لعن المعين وتكفيره

- ‌المبحث السادس: الآثار عن عمر بن عبد العزيز في نواقض الإيمان

الفصل: ‌الفصل الثالث: الآثار عن عمر بن عبد العزيز في الإيمان بالرسل

‌المبحث الرابع: ما أثر عن عمر بن عبد العزيز في اسمه تعالى "الكريم

".

54/7- ابن الجوزي قال: حدثنا سهل بن يحيى المروزي قال: أخبرني أبي عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز، قال: لما ولي عمر بن عبد العزيز حمد الله وأثنى عليه ثم قال: "أوصيكم بتقوى الله، فإن تقوى الله خلف من كل شيء وليس من تقوى الله خلف، واعملوا لآخرتكم فإنه من عمل لآخرته كفاه الله أمر دنياه، وأصلحوا سرائركم يصلح الله الكريم علانيتكم

"1.

التعليق:

الكريم اسم من أسماء الله الحسنى، قال الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ} 2.

1 ابن الجوزي سيرة عمر ص269، والآ جرى أخبار أبي حفص ص56، وسهل بن يحيى بن محمد روى عن أبيه، عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز، وكان مصاحبا لابن المبارك ولم يذكره أبو حاتم بجرح ولا تعديل. انظر الجرح والتعديل 4/205.

2 الآية 6 سورة الانفطار.

ص: 286

ومعناه الجواد المعطى الذي لا ينفد عطاؤه، والله تعالى مسبب كل خير ومسهله فهو أكرم الأكرمين1.

1 انظر النهاية في غريب الحديث 4/166، وتفسير أسماء الله الحسنى للزجاج ص50.

ص: 287

‌المبحث الخامس: ما أثر عن عمر بن عبد العزيز في اسمه تعالى "الحي

".

55/8- أبو نعيم الحافظ قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر، ثنا عبد الله بن محمد بن العباس، ثنا سلمة بن شبيب، ثنا سهل بن عاصم، ثنا عبد الله بن عقبة، حدثني علي بن الحسين، قال: كان لعمر بن عبد العزيز صديق، فأخبر أنه قد مات فجاء إلى أهله يعزيهم، فصرخوا في وجهه، فقال لهم عمر: "إن صاحبكم هذا لم يكن يرزقكم، وإن الذي يرزقكم حي لا يموت

"1.

1 أبو نعيم في الحلية 5/330.

عبد الله بن جعفر بن محمد موسى أبو الحسين البزاز كان ثقة. انظر تاريخ بغداد 10/128- 129، وقد مات سنة 351هـ.

وعبد الله بن محمد بن العباس بن بيان قال الخطيب: فيه نظر. انظر تاريخ بغداد 10/106.

ومسلمة بن شبيب أبو عبد الرحمن النيسابوري صدوق. الجرح والتعديل 4/164.

وسهل بن عاصم السجستاني روى عنه سلمة بن شبيب. قال أبو حاتم: شيخ. الجرح والتعديل 4/202.

وعبد الله بن عقبة الليثي روى عن عبد الله بن سلام حديثا لعبد الله بن عمر رواه عنه نافع مولى ابن عمر. ولم يذكره ابن أبي حاتم بجرح ولا تعديل. انظر الجرح والتعديل 6/178- 179.

والأثر أخرجه أبو حفص الملَاّء 2/457، وابن الجوزي سيرة عمر ص245.

ص: 288

التعليق:

قال ابن فارس: الحاء والياء والحرف المعتل أصلان: أحدهما خلاف الموت، والآخر الاستحياء الذي هو ضد الوقاحة. وقال الزجاجي: الحي يفيد دوام الوجود. والله تعالى لم يزل موجودا، ولا يزال موجودا. والحي في كلام العرب خلاف الميت

فالله عز وجل الحي الباقي الذي لا يجوز عليه الموت ولا الفناء. فالحي اسم من أسماء الله الحسنى. قال الله تعالى: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَاّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} 1.

وحياته تعالى لم تسبق بعدم ولا يلحقها زوال، الحياة المستلزمة لكمال الصفات من العلم والقدرة، والسمع، والبصر، وغيرها2.

1 255 سورة البقرة.

2 انظر: الزجاجى اشتقاق أسماء الله ص102، وتفسير أسماء الله الحسنى للزجاج ص56، ومعجم مقاييس اللغة لابن فارس2/122، والقواعد المثلى لابن عثيمين ص6.

ص: 289

‌المبحث السادس: ما أثر عن عمر بن عبد العزيز في اسمه تعالى "الرقيب

".

56/9- ابن عبد الحكم قال: قال عمر بن عبد العزيز

إن الله على كل شيء رقيب1

".

التعليق:

الرقيب اسم من أسماء الله الحسنى، قال الله تعالى:{فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} 2.

ومعنى الرقيب: الحافظ، وهو مما جاء على فعيل بمعنى فاعل بمنزلة شهيد بمعنى شاهد، وعليم بمعنى عالم، ورقيب هنا بمعنى راقب، والرقبة الحفظ3.

1 ابن عبد الحكم سيرة عمر ص109، وأبو حفص الملَاّء 1/280.

2 الآية 117 سورة المائدة.

3 انظر: الزجاجى اشتقاق أسماء الله ص128.

ص: 290

‌المبحث السابع: ما أثر عن عمر بن عبد العزيز في اسمه تعالى "الشهيد

".

57/10- ابن عبد الحكم قال: خطب عمر بن عبد العزيز خطبة وكان مما قال فيها

والله على كل شيء شهيد1

".

التعليق:

الشهيد من الأسماء الحسنى، كما قال تقدم في الآية السابقة.

ومعناه في اللغة الشاهد. وهو فعيل بمعنى فاعل. كما أن العليم بمعنى العالم. والرحيم بمعنى الراحم. والشاهد خلاف الغائب، تقول العرب:"فلان كان شاهدا لهذا الأمر" أي لم يغب عنه. فالله عز وجل لما كانت الأشياء لا تخفي عليه كان شهيدا لها وشاهدا لها أي عالما بها وبحقائقها علم المشاهد لها، لأنه لا تخفي عليه خافية2.

1 ابن عبد الحكم سيرة عمر ص109، وأبو حفص الملَاّء1/280.

2 انظر: الزجاجي اشتقاق أسماء الله ص132.

ص: 291

‌المبحث الثامن: ما أثر عن عمر بن عبد العزيز في اسمه تعالى"الواحد القهار

"

المبحث الثامن: ما أثر عن عمر بن عبد العزيز في اسميه تعالى "الواحد القهار".

58/11- ابن عبد الحكم قال: قال عمر بن عبد العزيز لمولاه مزاحم حين تطير، يامزاحم إنا لا نخرج بشمس ولا بقمر، ولكنا نخرج بالله الواحد القهار1.

التعليق:

من أسماء الله الحسنى الواحد القهار، قال الله تعالى:{وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} 2.

الواحد: وحد يحد حدة، بمعنى بان عن غيره، فالواحد مبني عن انقطاع النظير وعوز المثل3، لأن معناه في حق الله تعالى أنه لا ثاني له في ذاته وأسمائه، وصفاته وأفعاله، ولفظه يطابق معناه، لتوافقهما في الدلالة على ذات الله ووحدته4.

1 ابن عبد الحكم سيرة عمر ص32، وأبو حفص الملاء 2/436.

2 الآية 48 سورة إبراهيم.

3 انظر تهذيب اللغة 5/292، 293، 294، 295.

4 انظر رسالة أسماء الله الحسنى معانيها وآثارها ص670، 671.

ص: 292

ويقصد عمر رحمه الله تعالى من ذكر هذا الاسم صدق توكله على الواحد الأحد، وعدم الاعتماد على أي شيء آخر ولا شك أن هذا مقام الموحدين1.

وقد ورد في الأثر كذلك اسم الله تبارك وتعالى القهار. وهو من الأسماء الحسنى، والقهر في وضع العربية، الرياضة والتذليل، يقال قهر فلان الناقة إذا راضها وذللها

والله تعالى قهر المعاندين بما أقام من الآيات والدلالات على وحدانيته. وقهر جبابرة خلقه بعز سلطانه، وقهر الخلق كلهم بالموت.

ويقصد أيضا بذكر هذا الاسم بأن الله تعالى هو القاهر فوق عباده ويجب على الخلق أن يتوكلوا عليه ولا يحيدوا عن ذلك، وأن لا يتعلقوا بما سواه من الأجرام والأفلاك لأنه هو القاهر وما سواه لا يستطيع صرف ضر ولا جلب خير. فهو سبحانه مستو على عرشه قاهر لخلقه فله علو القهر، والغلبة، والعظمة2.

1 انظر: الزجاج تفسير أسماء الله الحسنى ص57.

2 انظر: المصدر السابق ص38.

ص: 293

‌المبحث التاسع: ما أثر عن عمر بن عبد العزيز في اسمه تعالى"العلي العظيم

"

المبحث التاسع: ما أثرعن عمر بن عبد العزيز في اسميه تعالى "العلي العظيم".

59/12- ابن عبد الحكم قال: كتب عمر إلى أمراء الأجناد رسالة واختتمها بقوله

ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم1.

التعليق:

العلي من الأسماء الحسنى، قال الله تعالى:{وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} 2. والله هو العالي القاهر وله سبحانه علو القهر، وعلو الغلبة، وعلو الذات. فهو سبحانه مستو على عرشه بائن من خلقه كما أخبر بذلك.

وهذا الاسم غُصَّة في حُلوق الجهمية نفاة العلو لله تبارك وتعالى فقد حاولوا تأويله فما تمكنوا فَبُهِتُوا.

والعظيم: هو المستحق لأوصاف العلو والرفعة، والجلال، والعظمة، والتقديس من كل آفة وهذا الاسم من الأسماء التي تتضمن جملة من

1 ابن عبد الحكم سيرة عمر ص81.

2 الآية 255 سورة البقرة.

ص: 294

الصفات ولا يختص بصفة بعينها ومن ذلك المجيد والصمد، قال ابن كثير في قوله تعالى:{وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} كقوله وهو الكبير المتعال. وهذه الآيات وما في معناها من الأحاديث الصحاح الأجود فيها طريقة السلف الصالح: أمروها كما جاءت من غير تكييف ولا تشبيه1.

1 انظر تفسير ابن كثير 1/310، والاعتقاد على مذهب السلف أهل السنة والجماعة للبيهقي ص23.

ص: 295

‌المبحث العاشر: ما أثر عن عمر بن عبد العزيز في اسمه تعالى" العفو الغفور

"

المبحث العاشر: ما أثر عن عمر بن عبد العزيز في اسميه تعالى "العفو الغفور".

60/13- أبو نعيم الحافظ قال: حدثنا عبد الله بن محمد، ثنا أحمد بن الحسين الحذاء، ثنا أحمد بن إبراهيم الدورقي، ثنا عنبسة بن سعيد، ثنا ابن المبارك، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، قال: كتب عمر بن عبد العزيز إلى يزيد بن عبد الملك في مرض عمر الذي توفي فيه وقال فيها:

فإن يعف عني فهو العفو الغفور، وإن يؤاخذني بذنبي فيا ويح نفسي إلى ماذا تصير1.

1 أبو نعيم في الحلية 5/275.

عبد الله بن محمد بن عبد الله بن عثمان بن المختار أبو المزني الواسطي يعرف بابن السقا روى عنه أبو نعيم الحافظ، وكان فهما حافظا. انظر تاريخ بغداد 10/130.

وأحمد بن الحسين بن نصر أبو جعفر الحذاء مولى همذان ثقة. انظر تاريخ بغداد 4/97- 98، وأحمد بن إبراهيم بن الحسن أصله من دورق، وكان ثقة ثبتا صحيح السماع كثير الحديث. انظر تاريخ بغداد 4/18-19.

وعنبسة بن سعيد بن أبان القرشي الأموي الكوفي روى عن شريك، وابن المبارك روى عنه أحمد الدورقي. كان من حفاظ أهل الكوفة. انظر الجرح والتعديل 6/400.

وعبد الرحمن بن يزيد بن جابر الأزدي روى عن مكحول، والزهري روى عنه ابن المبارك، ثقة صدوق. انظر الجرح والتعديل 5/300.

ص: 296

التعليق:

العفو والغفور من الأسماء الحسنى، قال الله تعال:{إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ} 1

ومعنى العفو أن الله تعالى عفو وغفور عن الذنوب، وتارك العقوبة عليها.

ومعنى الغفور: هو الذي يكثّر المغفرة، فالله تعالى يستر عباده المذنبين ويغفر لهم بعد الستر2.

1 الآية 60 سورة الحج.

2 انظر الاعتقاد للبيهقي ص23، وتفسير أسماء الله الحسنى ص62.

ص: 297

‌المبحث الحادي عشر: ما أثر عن عمر بن عبد العزيز في اسمه تعالى"العزيز الحكيم

"

المبحث الحادي عشر: ما أثر عن عمر بن عبد العزيز في اسميه تعالى "العزيز الحكيم".

61/14- قال أبو نعيم: حدثنا أبو حامد بن جبلة، ثنا محمد بن إسحاق، ثنا عبيد الله بن جرير بن جبلة، ثنا علي بن عثمان، ثنا عبد الواحد بن زياد، ثنا عمرو بن ميمون مهران، حدثني ليث بن أبي رقية كاتب عمر بن عبد العزيز في خلافته أن عمر كتب إلى ابنه رسالة وفيها

فلله الحمد رب السموات والأرض، رب العالمين وله الكبرياء في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم1.

1 أبو نعيم في الحلية 5/277، والآيتان 36-37 من سورة الجاثية. وأخرج الأثر أيضا ابن الجوزي سيرة عمر ص111-112، وأبو حفص الملاء 1/267.

وعبيد الله بن جرير بن جبلة بن أبي رود أبو العباس، وقيل أبو الحسن العتكي البصري، ثقة. توفي سنة 262هـ. انظر تاريخ بغداد 10/325.

وعلي بن عثمان بن عبد الحميد لاحق الرقاشي روى عن عبد الواحد بن زياد وغيره ثقة. انظر الجرح والتعديل 6/196.

وعبد الواحد بن زياد أبو بشر العبدي البصري ثقة. انظر الجرح والتعديل 6/20.

وعمرو بن ميمون بن مهران الجزري ثقة. انظر الجرح والتعديل 6/258.

وليث بن أبي رقية كاتب عمر بن عبد العزيز شامي لم يذكره ابن أبي حاتم بجرح ولا تعديل 7/180.

ص: 298

التعليق:

العزيز الحكيم من أسماء الله الحسنى قال الله تعال: {وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} 1.

العزيز هو المنيع الذي لا يغلب. والعز في كلام العرب يأتي لمعان: فيأتي بمعنى الغلبة وبمعنى الشدة والقوة، وبمعنى نفاسة القدر، ومعنى العزيز على هذا أنه الذي لا يعادله شيء وأنه لا مثل له ولا نظير.

والحكيم هو المحكم لخلق الأشياء، وكون هذا الاسم يأتي مقارنا لاسمه تعالى العزيز إشارة إلى أن عزته تعالى منوطة بحكمته بخلاف العزيز من البشر فاجتماعهما نور على نور2.

1 الآية 2، سورة فاطر.

2 انظر: الخطابي شأن الدعاء ص47- 48- 73.

ص: 299

‌المبحث الثاني عشر: ما أثر عن عمر بن عبد العزيز في اسمه تعالى "الوارث

".

62/15- ابن عبد الحكم قال: خطب عمر بن عبد العزيز وذكر بالموت وقال: ألا ترون أنكم في أسلاب الهالكين، وسيخلفها بعدكم الباقون حتى ترد إلى خير الوارثين1

"

التعليق:

الوارث من الأسماء الحسنى، ويقارب في معناه اسمه تعالى الباقي في معنى الأبدية الدائمة وهو من لوازم اسمه الآخِرِ لأنه تعالى الباقي بعد ذهاب أمد الخلق، وهذا الذي أكدته غير ما آية من القرآن كأية سورة الحجر {وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ} 2. وذلك لأن وجود الخلق كان بمشيئة الله وكذلك الأملاك الدنيوية جعل الناس مستخلفين فيها وقد كتب عليهم وعليها الفناء والهلاك فإذا حشروا كان له الحكم والقهر

1 ابن عبد الحكم سيرة عمر ص42-43، والفسوى المعرفة والتاريخ 1/612.

2 آية 23 سورة الحجر.

ص: 300

بالملك كما قال عز وجل {

لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} 1. فتكون له المواريث جميعا2.

1 آية 16 سورة غافر.

2 انظر رسالة الأسماء الحسنى معانيها وأثارها ص702، رسالة دكتوراه لم تنشر بعد للدكتور رفيع أووَّنْلا.

ص: 301

‌المبحث الثالث عشر: ما أثر عن عمر بن عبد العزيز في اسمه تعالى "الخالق

".

63/16- ابن عبد الحكم قال: وخطب عمر في التقوى فقال: أيها الناس إني لست بخازن ولكني إنما أضع حيث أمرت ألا ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق

"1.

التعليق:

الخالق من الأسماء الحسنى، قال الله تعال:{هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ} 2.

ومعناه مأخوذ من قول العرب: خلق فلان الأديم إذا قدره للقطع للإصلاح. ورجل خالق أي صانع.

فالخالق يدل على ذات الله وعلى صفة الخلق. ويدل على الذات وحدها 3.

1 ابن عبد الحكم سيرة عمر ص41، وأبو حفص الملَاّء2/446، وأبو نعيم في الحلية 5/295-296، وابن عساكر ورقة 95ب.

2 الآية 24 سورة الحشر.

3 انظر اشتقاق أسماء الله الحسنى ص166-167.

ص: 302

المبحث الرابع عشر: ما أثر عن عمر بن عبد العزيز في اسمه تعالى "العليم".

64/17- أبو نعيم الحافظ قال: حدثنا أبو حامد بن جبلة، ثنا محمد ابن إسحاق السراج، ثنا أبو الأشعث أحمد بن المقدام، ثنا محمد بن بكر البرساني، ثنا سليم نفيع القرشي، عن خلف أبي الفضل القرشي، عن كتاب عمر بن عبد العزيز إلى المكذبين بالقدر وفيها: ولقد أعظم بالله الجهل من زعم أن العلم كان بعد الخلق بل لم يزل الله وحده بكل شيء عليما، وعلى كل شيء شهيدا قبل أن يخلق وبعد ما خلق

"1.

التعليق:

العليم من الأسماء الحسنى قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} 2. فالله عز وجل هو العالم المحيط علمه بكل شيء بالواجبات، والممتنعات، والممكنات، فيعلم تعالى نفسه الكريمة ونعوته المقدسة، وأوصافه العظيمة. فهو العليم الذي أحاط علمه بالعالم العلوي والسفلي لا يخلو عن علمه

1 أبو نعيم في الحلية 5/346، و348، وسيأتي الكلام على السند في فصل الرد على القدرية

2 الآية 75 سورة الأنفال.

ص: 303

مكان ولا زمان ويعلم الغيب والشهادة، والظواهر، والبواطن، والجلي، والخفي، وأحاط علمه بالماضي، والحاضر، والمستقبل، فلا يخفي عليه شيء من الأشياء1.

هذه بعض أسماء الله الحسنى الواردة عن عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى وكلها تبين المنهج الحق الذي يدل عليه الكتاب والسنة. وقد قعد أهل السنة قواعد في أسماء الله تعالى يمكن استنتاج بعضها من كلام عمر رحمه الله تعالى فمن هذه القواعد ما يلي:

1-

أن أسماء الله تعالى أزلية، قال عمر بن عبد العزيز:"

ولقد أعظم بالله الجهل من زعم أن العلم كان بعد الخلق بل لم يزل الله وحده بكل شيء عليما، وعلى كل شيء شهيدا قبل أن يخلق شيئا وبعد ما خلق

"2.

فبين عمر أن الله له لأسماء الحسنى وهي العليم، والشهيد أزلا وهذا معتقد أهل السنة والجماعة كما تقدم.

1 انظر شرح أسماء الله الحسنى في ضوء الكتاب والسنة لسعيد بن علي القحطاني ص88- 90.

2 أبو نعيم في الحلية 5/348.

ص: 304

2-

أن أسماء الله تعالى توقيفية، وهذا منهج أهل السنة والجماعة وهو ما تبين بالاستقراء من كلامه حيث لم يذكر حسب اطلاعي إلا أسماء الله الواردة في الكتاب والسنة، وهو الحق إذ لا يجوز أن يسمى الله إلا بما سمى به نفسه في كتابه الكريم أو على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم.

3-

أن أسماء الله تعالى أعلام وأوصاف، أعلام باعتبار دلالتها على الذات وأوصاف باعتبار ما دلت عليه من المعاني وهي بالاعتبار الأول - أي أعلام - مترادفة، وبالاعتبار الثاني - أي أنها أوصاف - متباينة، لدلالة كل واحد منها على معناه الخاص، فالحي الرحمن الرحيم كلها أسماء لمسمى واحد، لكن معنى الحي غير معنى الرحمن وهكذا1.

وقد خالف معتقد السلف الصالح في توحيد الأسماء الحسنى بعض الفرق المنتسبة إلى الإسلام، فالجهمية أنكرت الأسماء الحسنى وذلك لظنهم أن التوحيد نفي محض، وأن إثبات الأسماء الحسنى إثبات لأعراض حادثة، ولم يثبتوا من الأسماء الحسنى غير اسم الله "القادر والخالق" لأن الجهم لا يسمي أحداً من المخلوقين قادرا لنفيه استطاعة العباد، ولا يسمى أحداً

1 انظر القواعد المثلى ص8.

ص: 305

خالقا غير الله تعالى، لأن عنده أن كل صفة أو اسم يجوز أن يسمى أو يتصف به غير الله فلا يجوز إطلاقه على الله تعالى1.

وعلى هذا يجب على المسلم الوقوف عند ما ثبت وترك الابتداع، والتحريف، والتأويل المفضي إلى الإلحاد فإن الله تعالى قال:{وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} 2.

1 انظر منهاج السنة 2/526.

2 الآية 180 سورة الأعراف.

ص: 306

‌الفصل الثالث: الآثار عن عمر بن عبد العزيز في الصفات العلى

‌المبحث الأول: ما أثر عن عمر بن عبد العزيز في إثبات صفة النفس لله تعالى

الفصل الثالث: الآثار عن عمر بن عبد العزيز في الصفات العلى

تمهيد:

في تعريف الصفة لغة واصطلاحا وموقف أهل السنة من صفات الله الثابتة بالكتاب والسنة.

الصفة لغة: الصفة أصلها وصف، قال ابن فارس: الواو والصاد، والفاء، أصل واحد، هو تحلية الشيء، ووصفته أصفه وصفا.

والصفة: الأمارة اللازمة للشيء1.

فالصفة إذاً ما قام بالموصوف من نعوت، وتارة يراد به الكلام الذي يوصف به الموصوف، وتارة يراد به المعاني التي دل عليها الكلام، كالعلم والقدرة2.

فصفات الله تعالى إذاً هي:

"نعوت الكمال القائمة به سبحانه وتعالى".

والصفة غير الذات، وزائدة عليها من حيث مفهومها، وتصورها بيد أنها لا تنفك عن الذات3.

1 معجم مقاييس اللغة 6/115.

2 انظر مجموع الفتاوى 3/335.

3 انظر منهج أهل السنة ومنهج الأشاعرة في توحيد الله 2/400، وانظر الصفات الإلهية في الكتاب والسنة للشيخ الدكتور محمد أمان الجامي رحمه الله ص 82، ط. الجامعة الإسلامية.

ص: 309

وأهل السنة والجماعة يثبتون لله تعالى ما أثبته لنفسه من نعوت الجلال والكمال إثباتا بلا تمثيل ولا تكييف، وينزهون الله عن صفات النقص ومشابهة خلقه له في صفاته تنزيها بلا تعطيل.

قال ابن عبد البر: "أجمع أهل السنة على الإقرار بالصفات الواردة في الكتاب والسنة كلها، والإيمان بها وحملها على الحقيقة، لا على المجاز"1.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "مذهب أهل الحديث وهم السلف من القرون الثلاثة المفضلة، ومن سلك سبيلهم من الخلف، أن هذه الآيات والأحاديث التي فيها إثبات الصفات تمر كما جاءت، ويؤمن بها، وتصدق وتصان عن تأويل يفضي إلى تعطيل، وتكييف يفضي إلى تمثيل.

وقد أطلق غير واحد ممن حكى إجماع السلف منهم - الخطابي- مذهب السلف: أنها تجرى على ظاهرها، مع نفي الكيفية، والتشبيه عنها.

وذلك أن الكلام في الصفات فرع على الكلام في الذات، يحتذى فيه حذوه ويتبع فيه مثاله.

فإذا كان إثبات الذات إثبات وجود، لا إثبات كيفية. فكذلك إثبات الصفات إثبات وجود لا إثبات كيفية"2.

1 انظر التمهيد لابن عبد البر 7/145.

2 انظر الرسالة المدنية لشيخ الإسلام ابن تيمية ص 29-30 تحقيق الوليد بن عبد الرحمن الفريان، ط. الأولى عام 1408هـ.

ص: 310

ولأهل السنة والجماعة تفاصيل في الصفات التي يجوز إطلاقها على الباري، وما لا يجوز.

فمما لا يجوز إطلاقه على الباري، وصفه بما هو شر، وإطلاق الصفات المذمومة عليه مطلقا، ويمكن أن يطلق عليه ما يكون في حال المقابلة صفة مدح، كما في قوله تعالى {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُم} 1، وذلك أن هذه الصفة وغيرها تكون كمالا في حال، ونقصا في حال، فمن هنا فهي ليست جائزة في حق الله ولا ممتنعة على سبيل الإطلاق. فلا تثبت له إثباتا مطلقا، ولا تنفي عنه نفيا مطلقا فتجوز في الحال التي تكون كمالا، وتمنع في الحال التي تكون نقصا.

واتفق أهل السنة على أنه لا تصغّر صفات الله2، ولهم تفاصيل كثيرة ليس المجال مجال بحثها، وتفصيلها. وإنما إعطاء نبذة موجزة عنها، وقد كان السلف الصالح ومن سار على نهجهم يثبتون لله تعالى صفاته العلى الواردة في الكتاب والسنة كما تقدم. وكان أمير المؤمنين عمر بن عبد

1 الآية 142 من سورة النساء.

2 انظر البخاري مع الفتح 13/366، والقواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى للشيخ محمد بن صالح العثيمين ص20.

ص: 311

العزيز الذي هو موضوع البحث عن آثاره العقدية ممن يثبت الصفات العلى، وهذا ما سيتبين بالآثار المنقولة عنه فيما يلي:

ص: 312

المبحث الأول: ما أثر عن عمر في إثبات صفة النفس لله تعالى

65/1- ابن عبد الحكم قال: كتب عمر بن عبد العزيز إلى الضحاك ابن عبد الرحمن1 رسالة فقال: أما بعد فإن الله جعل الإسلام الذي رضي به لنفسه ومن كرم عليه من خلقه لا يقبل دينا غيره2

التعليق:

إثبات صفة النفس لله تبارك وتعالى كما تبين من هذا الأثر عن عمر ابن عبد العزيز هو ما يدل عليه الكتاب والسنة وهو ما عليه السلف الصالح، قال عز وجل:{وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ} 3 وقال: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَة} 4 وقال صلى الله عليه وسلم في ثنائه على ربه: "

لا أحصي ثناء عليك

1 الضحاك بن عبد الرحمن بن عزرب الشامي. تابعي ثقة. انظر: ميزان الاعتدال 2/324.

2 ابن عبد الحكم سيرة عمر ص86، وأبو حفص الملاء 1/280.

3 الآية 28، من سورة آل عمران.

4 الآية 54 من سورة الأنعام.

ص: 313

أنت كما أثنيت على نفسك" 1، وفي الحديث القدسي: "

إذا ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي

"2.

فنفسه تعالى هي ذاته المقدسة، كما تبين ذلك من الكتاب والسنة، وبه قال عامة السلف، ولكن مع ظهور أدلة هذه الصفة وقوتها وعدم قبولها التأويل والتحريف حاولت الجهمية إنكارها. وقالوا: إن الله تعالى إنما أضاف النفس إليه على معنى إضافة الخلق إليه، وإن نفسه غيره، كما أن خلقه غيره.

وهذا لا يتوهمه ذو لب فضلا عن أن يتكلم به، فإن الله قد بين في محكم تنزيله أنه كتب على نفسه الرحمة، وحذر العباد نفسه، أفيحل لمسلم أن يقول: إن الله حذر العباد غيره؟ 3.

فنفسه تعالى هي ذاته المتصفة بصفاته وليس المراد بها ذاتا منفكة عن الصفات، ولا المراد بها صفة للذات4.

1 صحيح مسلم بشرح النووي 2/152، رقم (486) .

2 متفق عليه صحيح مسلم بشرح النووي 6/175، برقم (2675) ، والبخاري مع الفتح 13/384، برقم (7405) .

3 انظر كتاب التوحيد لابن خزيمة ص 8.

4 انظر مجموع الفتاوى 14/196، و9/292-293.

ص: 314

‌المبحث الثاني: ما أثر عن عمر بن عبد العزيز في صفة الوجه لله تعالى

المبحث الثاني: ما أثر عن عمر في صفة الوجه لله تعالى.

66/2- ابن عبد الحكم قال: كتب عمر إلى الخوارج رسالة وفيها: "

وإني أقسم لكم بالله لو كنتم أبكاري من ولدي

لدفقت دماءكم ألتمس بذلك وجه الله والدار الآخرة

"1.

التعليق:

صفة الوجه لله تبارك وتعالى من الصفات الخبرية الذاتية التي جاء بها الكتاب والسنة، وقال بها سلف الأمة كما تبين آنفا من النقل عن عمر بن عبد العزيز.

فمن الآيات التي ورد فيها إثبات الوجه لله قوله تعالى: {وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَاّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ} 2، وقوله عز وجل:{وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ} 3، وغيرهما من الآيات. ومن السنة حديث ابن مسعود رضي الله عنه: لما قسم النبي صلى الله عليه وسلم

1 ابن عبد الحكم سيرة عمر ص75، وابن الجوزي سيرة عمر ص96، وانظر البخاري مع الفتح 12/313.

2 الآية 272، سورة البقرة.

3 الآية 22 من سورة الرعد.

ص: 315

الغنائم يوم حنين1 وقال رجل: والله إن هذه قسمة ما عدل فيها وما أريد فيها وجه الله

"2.

وحديث ابن عمر رضي الله عنهما في الثلاثة الذين حبسوا في الغار فقال كل واحدمنهم: "اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك ففرّج عنَّا ما نحن فيه

"3.

فما على المسلم إلا التسليم لقول الله تبارك وتعالى وقول رسوله صلى الله عليه وسلم وفهم سلف هذه الأمة لنصوص الصفات، وقد كان سيد الرسل محمد صلى الله عليه وسلم يدعو ربه ويلح في الدعاء طالبا النظر إلى وجهه تعالى، فلا يعقل أن يسأل الرسول ربه ما لا يجوز، ففي سؤاله ربه لذة النظر إلى وجهه بقوله:

1 حنين: مكان قريب من مكة وقيل: هو واد قبل الطائف، وقيل واد بجنب ذي المجاز. وقال الواقدي: بينه وبين مكة ثلاث ليال، وقيل بينه وبين مكة بضعة عشر ميلاً، وقعت فيه معركة حنين المشهورة. انظر معجم البلدان لياقوت 2/313.

2 البخاري مع الفتح 6/251، برقم (3150) ، ومسلم بشرح النووي 3/129، برقم (1062) .

3 البخاري مع الفتح 4/450، برقم (2272) ، ومسلم بشرح النووي 6/215، برقم (2743) .

ص: 316

"وأسألك لذة النظر إلى وجهك"1 أبين البيان وأوضح الحجج أن لله وجها يتلذذ بالنظر إليه من منَّ الله عليه وتفضل بالنظر إلى وجهه، ولا يتوهم أننا بإثباتنا لله وجها يليق به تشبيه وجه خالقنا عز وجل بوجه أحد من المخلوقين، كما يدعي من نفي صفات الرب جل وعلا وذلك بتفسير قوله تعالى:{وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ} 2، بزعمه أن الوصف بقوله:{ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ} إنما هو للرب فالمنعوت بـ"ذو الجلال والإكرام" عنده الرب لا الوجه، وقد رد هذا الدعوى الإمام ابن خزيمة فقال:"هذه دعوى يدعيها جاهل بلغة العرب لأن الله عز وجل قال: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ} فذكر الوجه مضموما في هذا الموضع مرفوعا وذكر الرب بخفض الباء بإضافة الوجه ولو كان قوله {ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ} مردود إلى ذكر الرب في هذا الموضع لكانت القراءة "ذي

1 الحديث أخرجه أحمد 4/364 والنسائي 3 / 55 وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي1/280-281

2 الآية 27، من سورة الرحمن.

ص: 317

الجلال والإكرام" مخفوضا، فذو الجلال والإكرام من نعت الوجه فلذلك رفع ذو1.

ولا شك أن ما وصف به خالق السموات والأرض من الصفات أنه حق لائق بكماله وجلاله لا يجوز أن ينفي خوفا من التشبيه بالخلق وأن ما وصف به الخلق من الصفات حق مناسب لحالهم وفنائهم وعجزهم وافتقارهم"2.

1 انظر كتاب التوحيد لابن خزيمة ص12، والرد على الجهمية للدارمي ص132.

2 منهج ودراسات لآيات الأسماء والصفات ص26- 27، للشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله.

ص: 318

‌المبحث الثالث: ماأثر عن عمر بن عبد العزيز في إثبات صفة العلم لله تعالى

المبحث الثالث: ما أثر عن عمر في إثبات صفة العلم لله تعالى

67/3- الآجري قال: أخبرنا الفريابي قال: حدثنا هشام بن عمار، قال: حدثنا الهيثم بن عمران قال سمعت عمرو بن مهاجر قال: أقبل غيلان - وهو مولى لآل عثمان وصالح بن سويد إلى عمر بن عبد العزيز فبلغه أنهما ينطقان بالقدر، فدعاهما فقال: أعلم الله نافذ في عباده أم منتقض؟ قالا: نافذ يا أمير المؤمنين. قال: ففيم الكلام؟ فخرجا فلما كان عند مرضه بلغه أنهما قد أسرفا فأرسل إليهما وهو مغضب فقال: ألم يك في سابق علمه حين أمر إبليس بالسجود أنه لا يسجد؟ قال عمرو فأومأت إليهما برأسي أن قولا نعم فقالا نعم، فأمر بإخراجهما1.

1 الشريعة للآجري 1/443، والقدر للفريابي ورقة ب56، والفريابي هو: جعفر بن محمد بن الحسن بن المستفاض أبو بكر الفريابي قاضي الدينور أحد أوعية العلم

وكان ثقة أمينا حجة. انظر ميزان الاعتدال 4/302، والهيثم بن عمران الدمشقي روى عن عمرو بن مهاجر وروى عنه هشام بن عمار لم يذكره ابن أبي حاتم بجرح ولا تعديل. انظر الجرح والتعديل 9/82.

ص: 319

68/4- وروى أبو داود أن عمر كتب إلى عامله رسالة وفيها:

وتضعيفا لأنفسهم أن يكون شيء من الأشياء لم يحط به علمه ولم يحصه كتابه ولم ينفذ فيه قدره

"1.

69/5- أبو نعيم الحافظ بسنده إلى كتاب عمر بن عبد العزيز إلى النفر الذين كتبوا إليه، قال فيها:

ولقد حرص إبليس على ضلالتهم جميعا فما ضل منهم إلا من كان في علم الله ضالا

2.

التعليق:

العلم صفة ذاتية لله تبارك وتعالى والسلف الصالح ومن سار على نهجهم رحمهم الله تعالى يثبتون أن لله تعالى علما وأن علمه أزلي بأزليته وأنه عز وجل علم في الأزل ما سيكون من دقيق وجليل. وهو عالم بكل شيء. وهذا ما قرره عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى بقوله: أعلم الله

1 أبو داود في السنن 4/202، والآجري في الشريعة 1/444- 445، والفريابي في القدر ورقة ب 74، وابن بطة في الإبانة 2/231-232- 233، والبيهقي في القضاء والقدر ل ق 89، وصحح الأثر الشيخ الألباني في صحيح سنن أبي داود 3/873.

2 أبو نعيم في الحلية 5/347، وسيأتي الكلام على سند هذا الأثر في فصل الرد على القدرية.

ص: 320

نافذ في عباده، وقوله: أن يكون شيء لم يحط به علمه

" وقد كفر عمر من جحد العلم من القدرية كما سيأتي في مناظرته لغيلان القدري، وثبوت العلم لله تبارك وتعالى هو ما نطق به الكتاب والسنة. قال تعالى: {وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَاّ بِمَا شَاءَ

} 1، وقال عز وجل:{لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ} 2، وقال تعالى:{إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} 3، ومن السنة أدلة كثيرة منها حديث الاستخارة:"اللهم إني استخيرك بعلمك.."4.

ولا شك أن علمه تعالى من لوازم نفسه المقدسة، وبراهين علمه تعالى ظاهرة مشاهدة في خلقه وفي شرعه، ومعلوم عند كل عاقل أن الخلق يستلزم الإرادة، ولا بد للإرادة من علم بالمراد كما قال تعالى:{أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} 5.

1 الآية 255 من سورة البقرة.

2 الآية 166 من سورة النساء.

3 الآية 97 من سورة المائدة.

4 البخاري مع الفتح 11/183، برقم "6382) .

5 الآية 14 من سورة الملك. وانظر شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري للشيخ عبد الله الغنيمان 103.

ص: 321

وإثبات صفة العلم لله تعالى هو مذهب السلف والخلف من الأشاعرة والكلابية1 وغيرهم، ومع وضوح أدلة هذه الصفة وكونها من الصفات التي أثبتها العقل والسمع حاول أن ينفيها غيلان القدري وغيره من القدرية الأولى ثم ورث هذا المعتقد الفاسد الجهمية، والمعتزلة فقالت المعتزلة إن علمه تعالى هي ذاته2، وهذا معلوم بطلانه بضرورة العقل الذي يقد مه المعتزلة. ويفضلونه على النقل فوجود المخلوقات، وظهور تناسبها دليل على علم خالقها فالمعتزلة خالفوا بدائه العقول فالعقول لا تعقل وجود ذات عالمة بغير علم. قال الحافظ ابن خزيمة رحمه الله:

أنكرت الجهمية أن يكون لخالقنا علم مضاف إليه من صفات الذات تعالى الله عما يقول الطاعنون في علم الله علوا كبيراً، فيقال لهم: خبرونا عمن هو عالم بالأشياء كلها أله علم أم لا؟ فإن قال: الله يعلم السر والنجوى، وهو بكل شيء عليم، قيل له فمن هو عالم بالسر والنجوى وهو بكل شيء عليم أله علم أم لا علم له؟ فلا جواب لهم لهذا السؤال إلا الهرب. {فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} 3.

1 انظر مثلا كتاب تمهيد الأوائل وتلخيص الدلائل للباقلاني ص49، ولمع الأدلة للجويني ص94. والبخاري مع الفتح 11/183.

2 انظر شرح الأصول الخمسة ص183.

3 كتاب التوحيد لابن خزيمة تحقيق محمد خليل الهراس ص 10، والآية 258 من سورة البقرة.

ص: 322

‌المبحث الرابع: ما أثر عن عمر في إثبات صفة الكبرياء لله تعالى

.

70/4- الفسوى قال: حدثنا حرملة أخبرنا ابن وهب، قال: حدثني الليث أن أبا النضر حدثه، قال: دسست إلى عمر بن عبد العزيز بعض أهله أن قل له إن فيك كبرا وأنه يتكبر: فقيل ذلك فقال عمر: "قل له: لبئس ما ظننت أن كنت تراني أتوقى الدينار والدرهم مراقبة لله فأنطلق إلى أعظم الذنوب فأركبه الكبرياء إنما هو رداء الرحمن فأنازعه إياه"1.

التعليق:

الكبرياء لله تعالى صفة ثابتة بالكتاب والسنة يثبتها السلف على ما يليق بالله تعالى كما اتضح لنا آنفا من كلام عمر بن عبد العزيز، ومن المعلوم أن الكبرياء من صفات الله التي لا يجوز للعباد أن يتصفوا بها فقد

1 الفسوى المعرفة والتاريخ 1/581- 582، وابن الجوزي سيرة عمر ص215، وأبو حفص الملاء 1/164.

وحرملة بن يحيى بن حرملة، أبو حفص التجيبي صدوق، انظر تقريب التهذيب ص156، وأبو النضر هو راوي قول أنس ما صليت خلف أحد أشبه صلاة برسول الله من هذا الفتى ولم يذكره ابن أبي حاتم بجرح ولا تعديل. انظر الجرح والتعديل 9/450.

ص: 323

توعد الله المتكبرين بجهنم. قال عز وجل: {قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ} 1، ولذا فقد حرص عمر رحمه الله تعالى أن يبين للسائل أنه لا يجوز له الاتصاف بالتكبر لأن هذه الصفة خاصة بالخالق عز وجل، ومن أدلة ثبوت هذه الصفة لله تعالى قوله:{وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} 2، وحديث أبي سعيد الخدري، وأبي هريرة رضي الله عنهما:"العز إزاره والكبرياء رداؤه فمن ينازعني عذبته"3. فوصف الله تعالى بأن العظمة إزاره والكبرياء رداؤه تثبت كسائر صفاته على ما يليق به ويجب أن يؤمن بها على ما أفاده النص دون تحريف ولا تعطيل4.

1 الآية 72 من سورة الزمر.

2 الآية 37من سورة الجاثية.

3 صحيح مسلم بشرح النووي 6/133، برقم "2620) . قال النووي "ينازعني يتخلق بذلك" انظر النووي على صحيح مسلم 6/133.

4 شرح كتاب التوحيد للغنيمان 1/161.

ص: 324

‌المبحث الخامس: ما أثر عن عمر في صفة القدرة لله تعالى

71/5- ابن الجوزي قال: حدثنا عيسى بن سليمان عن ضمرة قال: كتب عمر بن عبد العزيز إلى بعض عماله "أما بعد: فإذا دعتك قدرتك على الناس إلى ظلمهم، فاذكر قدرة الله عليك في نفاذ ما يأتي إليهم وبقاء ما يأتي إليك"1.

72/6- أبو نعيم في رسالة عمر في الرد على القدرية وفيها:

فالله أعز في قدرته وأمنع من أن يملك أحدا إبطال علمه

"2.

التعليق:

يتبين من خلال الأثرين السابقين إثبات عمر بن عبد العزيز صفة القدرة لله تبارك وتعالى وهي من الصفات التي دل عليها السمع والعقل

1 ابن الجوزي سيرة عمر ص125، وابن كثير البداية النهاية 5/225، وأبو حفص الملاء 1/205.

رجال السند عيسى بن سليمان يحتمل أنه القرشي الحمصي الفهري يدل حديثه على الصدق. انظر الجرح والتعديل 6/278. وضمرة هو ابن ربيعة الفلسطيني أبو عبد الله الرملي صالح الحديث انظر الجرح والتعديل 4/467.

2 أبو نعيم في الحلية 5/347،

ص: 325

قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} 1، وقال عز وجل:{قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً} 2، ومن السنة حديث أبي مسعود البدري رضي الله عنه لما ضرب غلامه قال له النبي صلى الله عليه وسلم:"اعلم يا أبا مسعود أن الله أقدر عليك منك على هذا الغلام"3.

1 الآية 20 من سورة البقرة وغيرها.

2 الآية 65 من سورة الأنعام.

3 مسلم برقم 1659، 4/290.

ص: 326

‌المبحث السادس: ما أثر عن عمر في إثبات صفة العلو لله تعالى

73/6- ابن عبد الحكم قال: كتب عمر إلى أمراء الأجناد وفي آخر الرسالة قال: ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم1

74/7- أبو زرعة الدمشقي قال: حدثني عبد الله بن أحمد بن ذكوان حدثنا عبد العزيز بن أبي السائب عن أبيه قال: قلت لعمر بن عبد العزيز: والذي أكرمك بما أكرمك به من الخلافة قال: فاستتر بيده من السماء وقال: ويحك تدري ما تقول؟ 2.

1 ابن عبد الحكم سيرة عمر ص81.

2 تاريخ أبي زرعة الدمشقي ص209، ط. دار الكتب العلمية عام 1417هـ ط. الأولى.

وعبد الله بن أحمد بن بشير بن ذكوان البهراني الدمشقي إمام الجامع صدوق، مات سنة 42 وله نحو 70 سنة، د ق تقريب ص295. وانظر الجرح والتعديل 5/5.

وعبد العزيز ابن أبي السائب هو عبد العزيز بن الوليد بن سليمان بن أبي السائب الدمشقي روى عن أبيه. انظر الجرح والتعديل 5/399، وذكره ابن حبان في الثقات وقال: كان من عباد أهل الشام. ثقات ابن حبان 8/392- 393.

ووالده هو الوليد بن سليمان بن أبي السائب الدمشقي الشامي روى عنه ابنه عبد العزيز بن الوليد وهو من ثقات مشيخة دمشق. انظر الجرح والتعديل 9/6.

ص: 327

75/8- ابن عبد الحكم قال: كان آخر خطبة خطبها عمر بن عبد العزيز أن حمد الله وأثنى عليه ثم قال فيها:

وإن لكم معادا ينزل الله تبارك وتعالى للحكم فيه والفصل بينكم

"1.

76/9- ابن أبي الدنيا قال: حدثني الحسن بن الصباح قال: ثنا ميسرة ابن إسماعيل، عن أبي عبد الله الأنطاكي: قال عمر بن عبد العزيز: كانت المساجد على ثلاثة أصناف: فصنف ساكت سالم، وصنف في ذكر الله عز وجل، والذكر معروج به وصنف في صلاة والصلاة لها من الله نور

2.

التعليق:

تتضمن هذه الآثار الواردة عن عمر بن عبد العزيز إثبات علو الله تبارك وتعالى تصريحا وتلميحا، وإثبات علو الله على خلقه مركوز في الفطر السليمة، وثابت بالكتاب والسنة وإجماع السلف الصالح.

1 ابن عبد الحكم سيرة عمر ص42، وانظر: الفسوى المعرفة والتاريخ 1/612.

2 ابن أبى الدنيا العزلة والانفراد ص81-82، تحقيق أبي عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان، ط. دار الوطن الرياض، ط. الأولى عام 1417هـ.

وقال المحقق إسناده ضعيف. والأثر ذكره ابن الجوزي سيرة عمر ص260، وأبو حفص الملاء 2/48.

ص: 328

قال شارح الطحاوية: والنصوص الواردة المتنوعة المحكمة على علو الله على خلقه وكونه فوق عباده تقرب من عشرين نوعاً:

أحدها: التصريح بالفوقية مقرونا بأداة "من" المعينة للفوقية بالذات كقوله تعالى: {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ} 1.

الثاني: ذكرها مجردة عن الأداة كقوله: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} 2.

الثالث: التصريح بالعروج إليه نحو {تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ} 3. وقوله صلى الله عليه وسلم: "فيعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم"4.

الرابع: التصريح بالصعود إليه كقوله تعالى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّب} 5.

الخامس: التصريح برفعه بعض المخلوقات إليه كقوله تعالى: {بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ} 6، وقوله:{إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَي} 7.

1 الآية 5 من سورة النحل.

2 الآية 18 و 61 من سورة الأنعام.

3 الآية 4 من سورة المعارج.

4 البخاري مع الفتح 2/33/رقم555 ومسلم بشرح النووي 2/272/برقم632.

5 الآية 10 من سورة فاطر.

6 الآية 158 من سورة النساء.

7 الآية 55 من سورة آل عمران.

ص: 329

السادس: التصريح بالعلو المطلق الدال على جميع مراتب العلو ذاتاً وقدراً وشرفاً كقوله تعالى: {وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} 1. {وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} 2، {إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ} 3.

السابع: التصريح بتنزيل الكتاب منه كقوله تعالى {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} 4، وغيرها من الآيات.

الثامن: التصريح باختصاص بعض المخلوقات بأنها عنده وأن بعضها أقرب إليه من بعض كقوله: {إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّك} 5، وقوله صلى الله عليه وسلم في الكتاب الذي كتبه تعالى على نفسه:"أنه عنده فوق العرش"6.

التاسع: التصريح بأنه تعالى في السماء كقوله للجارية "أين الله" فقالت: في السماء7 والسماء يراد به العلو، و"في" بمعنى "على".

1 الآية 255 من سورة البقرة.

2 الآية 23 من سورة سبأ.

3 الآية 51 من سورة الشورى.

4 الآية 1 من سورة الزمر.

5 الآية 206 من سورة الأعراف.

6 البخاري مع الفتح 6/287، برقم (3194) .

7 مسلم برقم 537 وأحمد ج 5/445.

ص: 330

العاشر: التصريح بالاستواء مقرونا بأداة "على" مختصا بالعرش الذي هو أعلى المخلوقات مصاحبا في الأكثر لأداة "ثم" الدالة على الترتيب والمهلة.

الحادي عشر: التصريح برفع الأيدي إلى الله تعالى كقوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله يستحيي من عبده إذا رفع إليه يديه أن يردهما صفرا "1، والقول بأن العلو قبلة الدعاء فقط باطل بالضرورة، والفطرة، وهذا يجده من نفسه كل داع.

الثاني عشر: التصريح بنزوله كل ليلة إلى سماء الدنيا والنزول المعقول عند جميع الأمم إنما يكون من علو إلى سفل.

الثالث عشر: الإشارة إليه حسًّا إلى العلو كما أشار إليه من هو أعلم به ولما يجب له ويمتنع عليه من جميع البشر، لما كان بالمجمع الأعظم الذي لم يجتمع لأحد مثله في اليوم الأعظم، في المكان الأعظم. قال لهم أنتم مسؤولون عني فماذا أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت فرفع أصبعه الكريمة إلى السماء رافعا لها إلى من هو فوقها وفوق

1 الحديث رواه مسلم برقم 1218، 3/340- 341.

ص: 331

كل شيء قائلا: "اللهم اشهد"1، فكأنا نشاهد تلك الإصبع الكريمة وهي مرفوعة إلى الله وذلك اللسان الكريم وهو يقول لمن رفع اصبعه إليه:"اللهم اشهد" ونشهد أنه بلغ البلاغ المبين، وأدى رسالة ربه كما أمر، ونصح أمته غاية النصيحة، فلا يحتاج مع بيانه وتبليغه وكشفه وإيضاحه إلى تنطع المتنطعين، وحذلقة المتحذلقين والحمد لله رب العالمين.

الرابع عشر: التصريح بلفظ "الأين" كقول أعلم الخلق به وأنصحهم لأمته وأفصحهم بيانا عن المعنى الصحيح بلفظ لا يوهم باطلا بوجه: "أين الله"2 في غير موضع.

الخامس عشر: شهادته صلى الله عليه وسلم لمن قال: إن ربه في السماء بالإيمان.

السادس عشر: إخباره تعالى عن فرعون أنه رام الصعود إلى السماء ليطّلع إلى إله موسى، فيكذبه فيما أخبره من أنه فوق السموات فقال: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى

1 أخرجه أحمد 5/438، وابن أبي شيبة 1/340، وأبو داود برقم 1488، والترمذي برقم 3551، وابن ماجة 3865، وصححه ابن حبان 2399، وحسنه الحافظ في الفتح 11/121.

2 مسلم برقم 537، 2/381، وأحمد 5/447.

ص: 332

وَإِنِّي لأَظُنُّهُ كَاذِباً} 1، فمن نفي العلو من الجهمية فهو فرعوني ومن أثبته فهو موسوي محمدي.

السابع عشر: إخباره صلى الله عليه وسلم أنه تردد بين موسى عليه السلام وبين ربه ليلة المعراج بسبب تخفيف الصلاة فيصعد إلى ربه، ثم يعود إلى موسى عدة مرات.

الثامن عشر: النصوص الدالة على رؤية أهل الجنة له تعالى من الكتاب والسنة وإخبار النبي صلى الله عليه وسلم أنهم يرونه كرؤية الشمس والقمر ليلة البدر ليس دونه سحاب، ولا يرونه إلا من فوقهم

"2.

ومع وضوح هذه الأدلة وثبوتها حيث لا مجال للمسلم تجاهها إلا التسليم والإيمان حرفها من خرج عن منهج السلف من المتكلمين ومن تأثر بهم وسلكوا في ردها مسلكين معوجين هما:

1-

تأويل هذه الأدلة والزعم بأن ظاهرها غير مراد، وأن إثباتها يؤدي إلى محذور ويكفي في الرد عليهم أن نقول لهم أأنتم أعلم أم الله ورسوله؟

2-

التفويض وهو عندهم أن هذه الصفة ثابتة لكن ثبوتها يقتصر على القول بها لفظا أما المعنى المراد منها فموكول علمه إلى الله سبحانه وتعالى.

1 الآيتان 36-37 من سورة غافر.

2 انظر: شرح العقيدة الطحاوية 2/380 إلى 386.

ص: 333

وهؤلاء المفوضة أساءوا إلى السلف الصالح حيث زعموا أنهم يفوضون1 معاني نصوص الصفات بلا دليل صحيح ويرد عليهم بما ثبت ما نقلناه عن عمر بن عبد العزيز من استتاره بيده من السماء حياءً من الله تعال، ى وإثباته النزول يوم القيامة، ولا شك أن النزول يستلزم العلو عند جميع العقلاء، ولا يمكن حمل ما أثر عن عمر بن عبد العزيز وغيره على أنه وغيره من السلف كانوا يفوضون معاني نصوص الصفات، بأي وجه من الوجوه لأن كلامه رحمه الله تعالى هنا لا يقبل التأويل ولا التفويض. فعلوه تعالى مطلق من كل وجه فله سبحانه وتعالى علو القهر وعلو القدر، وعلو الذات، ومن أثبت البعض ونفي البعض فقد تناقض 2.

وعلوه سبحانه وتعالى ثابت بالعقل من عدة وجوه:

أحدها: العلم البديهي القاطع بأن كل موجودين إما أن يكون أحدهما ساريا في الآخر قائما به كالصفات، وإما أن يكون قائما بنفسه بائنا من الآخر.

1 السلف كانوا يفوضون كيفية الصفات أما معناها فمعلوم لهم ومن زعم انهم يفوضون المعنى والكيفية فقد أبعد النجعة.

2 انظر: شرح العقيدة الطحاوية 2/388.

ص: 334

الثاني: أنه لما خلق العالم فإما أن يكون خلقه في ذاته أو خارجا عن ذاته والأول باطل، أما أوّلاً فبالاتفاق، وأما ثانيا فلأنه يلزم أن يكون محلا للخسائس والقاذورات، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. والثاني: يقتضي كون العالم واقعا خارج ذاته، فيكون منفصلا، فتعينت المباينة لأن القول بأنه غير متصل بالعالم وغير منفصل عنه غير معقول.

الثالث: أن كونه تعالى لا داخل العالم ولا خارجه يقتضي نفي وجوده بالكلية لأنه غير معقول فيكون موجوداً إما داخله وإما خارجه والأول باطل فتعين الثاني فلزمت المباينة.

وعلوه ثابت أيضا بالفطرة فإن الخلق جميعا بطباعهم وقلوبهم السليمة يرفعون أيديهم عند الدعاء ويقصدون جهة العلو بقلوبهم عند التضرع إلى الله تعالى وذكر محمد بن طاهر المقدسي أن الشيخ أبا جعفر الهمداني حضر مجلس الأستاذ أبي المعالي الجويني المعروف بإمام الحرمين وهويتكلم في نفي صفة العلو ويقول: كان الله ولا عرش وهو الآن على ما كان! فقال الشيخ أبو جعفر: أخبرنا يا أستاذ عن هذه الضرورة التي نجدها في قلوبنا؟ فإنه ما قال عارف قط: ياالله إلا وجد في قلبه ضرورة تطلب العلو لا يلتفت يمنة ولا يسرة فكيف ندفع هذه الضرورة عن أنفسنا؟ قال فلطم أبو المعالي على رأسه ونزل! وأظنه قال وبكى وقال: حيّرني الهمداني حيّرني

ص: 335

الهمداني أراد الشيخ: أن هذا أمر فطر الله عليه عباده من غير أن يتلقوه من المعلمين يجدون في قلوبهم طلبا ضروريا يتوجه إلى الله ويطلبه في العلو1.

1 انظر: شرح العقيدة الطحاوية 2/389- 391، وانظر العلو للعلي الغفار للذهبي ص188- 189.

ص: 336

‌المبحث السابع: ما أثر عن عمر في إثبات صفة المعية والقرب لله تعالى

.

77/10- ابن عبد الحكم قال: كتب عمر بن عبد العزيز إلى الضحاك ابن عبد الرحمن، أما بعد: فإن الله جعل الإسلام الذي رضي به لنفسه

وفيها: "

وأذكرهم تذكيراً بعد تذكير وأشهد عليهم الذي هو آخذ بناصية كل دابة والذي هو أقرب إلى كل عبد من حبل الوريد

"1.

78/11- ابن عبد الحكم قال: كتب عمر بن عبد العزيز إلى أيوب ابن شرحبيل وأهل مصر رسالة وفيها: "

ومن يخالف ما نهى عنه نعاقبه في العلانية ويكفينا الله ما أسر، إنه على كل شيء رقيب والله على كل شيء شهيد

"2.

التعليق:

تتضمن الأثران السابقان عن عمر بن عبد العزيز إثبات صفة المعية لله تبارك وتعالى وصفة القرب.

ولا شك أن المعية تنقسم إلى قسمين: معية عامة ومعية خاصة.

1 ابن عبد الحكم سيرة عمر 291، و93، وأبو حفص الملاء 1/283.

2 ابن عبد الحكم سيرة عمر ص89- 90، وأبو حفص الملاء 1/280.

ص: 337

وهذا المأثور عن عمر هو الحق الذي دل عليه الكتاب فمن أدلة المعية العامة في الكتاب قوله تعالى: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُم} 1، والمعنى أن الله مع جميع ما خلق يعلم ما هم عليه فلا تخفي عليه منهم خافية في الأرض ولا في السماء بل أحاط كل شيء علما وأحصى كل شيء عددا، ومن أدلة المعية الخاصة قول الله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} 2، ومما يجدر التنبيه عليه أن معية الله لا توجب المخالطة والممازجة الذاتية لا شرعا ولا لغة بل تمنع ذلك باعتبار إضافتها إلى الله تعالى فإذا كانت معية عامة فمعناها العلم والإطلاع والإحاطة، وإن كانت خاصة فمعناها الحفظ والنصر والتأييد. ولا ينبغي أن نفهم منها أي معنى من المعاني التي لا تليق بالله تعالى3.

وأما صفة القرب فهي صفة ثابتة لله تعالى بالكتاب والسنة قال تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ} 4 ومن السنة حديث: "من تقرب

1 الآية 4 من سورة الحديد.

2 الآية 128 من سورة النحل.

3 انظر الصفات الإلهية في الكتاب والسنة لمحمد أمان الجامي ص240.

4 الآية186 البقرة.

ص: 338

إلي شبرا تقربت منه ذراعا

"1 وأهل السنة والجماعة من السلف وأهل الحديث يعتقدون أن الله عز وجل قريب من عباده حقيقة كما يليق بجلاله وعظمته وهو مستو على عرشه بائن من خلقه ،وأنه يتقرب إليهم حقيقة ويدنو منهم حقيقة ولكنهم لا يفسرون كل قرب ورد لفظه في القرآن أو السنة بالقرب الحقيقي، فقد يكون القرب قرب الملائكة، وذلك حسب سياق اللفظ.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية:"وأما دنوه وتقربه من بعض عباده، فهذا يثبته من يثبت قيام الأفعال الاختيارية بنفسه، ومجيئه يوم القيامة، ونزوله، واستواؤه على العرش، وهذا مذهب أئمة السلف وأئمة الإسلام المشهورين وأهل الحديث والنقل عنهم متواتر2.

1 الحديث رواه البخاري برقم (7405) ومسلم برقم (26756) .

2 الفتاوى5 /466 وانظر: صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي السقاف 75- 76/ط دار الهجرة.

ص: 339

‌المبحث الثامن: ما أثر عن عمر في إثبات صفة النزول لله تعالى يوم القيامة لفصل القضاء

.

79/12- الفسوى قال: حدثنا أبو زيد عبد الرحمن بن أبي الغمر، حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن، عن أبيه، قال: خطب عمر بن عبد العزيز هذه الخطبة - وكانت آخر خطبة خطبها - فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إنكم لم تخلقوا عبثا ولن تتركوا سدى وأن لكم معادا ينزل الله ليحكم فيكم ويفصل بينكم

"1.

1 الفسوى المعرفة والتاريخ 1/611-612، وانظر ابن عبد الحكم سيرة عمر ص42، وابن الجوزي سيرة عمر ص275، وابن كثير في البداية والنهاية 5/222.

وأبو زيد عبد الرحمن بن أبي الغمر المصري روى عن معاوية بن يحيى الأطرابلسي، وعبد الرحمن بن القاسم ولم يذكره ابن أبى حاتم بجرح ولا تعديل انظر الجرح والتعديل 5 /274- 275.

ويعقوب بن عبد الرحمن الاسكندراني روى عنه عبد الرحمن بن أبي الغمر ثقة. انظر الجرح والتعديل ج9/210، وأبوه هو:

عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن عبد القاري روى عنه ابنه يعقوب ثقة. انظر الجرح والتعديل 5/281.

ص: 340

80/13- اللالكائي قال: أخبرنا الحسين قال أخبرنا أحمد قال ثنا بشر قال ثنا عبد الله بن يزيد المقري قال: ثنا حرملة بن عمران قال: حدثني سليمان بن حميد أنه سمع محمد بن كعب القرظي يحدث عن عمر بن عبد العزيز، قال: إذا فرغ الله من أهل الجنة وأهل النار أقبل تبارك وتعالى في ظلل من الغمام ومعه الملائكة فيقف على أهل أول درجة من الجنة فيسلم عليهم فيردون عليه وهو قوله: سلام قولا من رب رحيم1.

التعليق:

إن صفة النزول التي قررها عمر بن عبد العزيز في الأثر الأول صفة ثابتة بالكتاب قال تعالى: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً} 2، وقال عز وجل:{هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ} 3، وقال

1 اللالكائى: شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة 2/500، قال محقق الكتاب هذا الأثر لا يصح عن عمر بن عبد العزيز رحمه الله لأنه من الأمور التي لا يقبل فيها الاجتهاد وإنما مدارها على الوحي ولم يرد فيه نص صحيح وأما سنده ففيه سليمان ابن حميد مجهول الحال. الجرح والتعديل 4/106.

2 الآية 22 من سورة الفجر.

3 الآية 210 من سورة البقرة.

ص: 341

تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَاّ أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّك} 1، وثابتة بالسنة قال صلى الله عليه وسلم كما في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه في الرؤية: "

قال فيأتيهم الجبار في صورة غير صورته التي رأوه فيها أول مرة فيقول: أنا ربكم

" 2، وغيرها من الأحاديث والسلف الصالح ومن سار على نهجهم يثبتون هذه الصفة كما يليق بجلال الله وعظمته وأنه تعالى ينزل يوم القيامة لفصل القضاء بين الأولين والآخرين فيجزي كل عامل بعمله إن خيرا فخير وإن شرا فشر، وإذا ثبت نزوله يوم القيامة كما يليق بجلاله فمن باب أولى أن يؤمن بنزوله كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى الثلث الأخير من الليل، لا سيما مع ثبوت الخبر الصادق وقد استدل الإمام إسحاق بن راهويه بنزوله يوم القيامة على نزوله في الدنيا. فروى الذهبي في العلو أن إسحاق بن راهويه حضر مجلس ابن طاهر أمير خراسان فسئل عن حديث النزول أصحيح هو؟ قال نعم. فقال له بعض القواد كيف ينزل؟ فقال: أثبته فوق حتى أصف لك النزول، فقال الرجل:

1 الآية 158 من سورة الأنعام.

2 الحديث رواه البخاري برقم (7439) 13/421، ومسلم برقم (302) 1/401.

ص: 342

أثبته فوق. فقال: إسحاق قال الله: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً} 1 فقال ابن طاهر: هذا ياأبا يعقوب يوم القيامة. قال: ومن يجئ يوم القيامة من يمنعه اليوم؟ 2 أما كيف ينزل وهل يخلو منه العرش؟ هذا فيه خلاف بين السلف

قال شيخ الإسلام مبينا الصواب من قول أهل السنة في النزول مع كونه على العرش: "المأثور عن سلف الأمة وأئمتها أنه - لا يزال فوق العرش ولا يخلو العرش منه مع دنوه ونزوله إلى السماء الدنيا، ولا يكون العرش فوقه. وكذلك يوم القيامة كما جاء به الكتاب والسنة، وليس نزوله كنزول أجسام بني آدم من السطح إلى الأرض بحيث يبقى السقف فوقهم، بل الله منزه عن ذلك

"3، هذا مذهب أهل السنة والجماعة في إثبات ما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم.

1 الآية 22 من سورة الفجر.

2 الذهبي: العلو للعلي الغفار ص132.

3 انظر: شرح حديث النزول ص66.

ص: 343

أما غيرهم من أهل الكلام والتجهم فلم يقدروا كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم في إثبات هذه الصفة فتأولوها بنزول أمره أو نزول رحمته أو نزول الملك1، وهذه كلها تأويلات باطلة مخالفة لنصوص الوحيين.

قال شيخ الإسلام أبو عثمان الصابوني: ويثبت أهل الحديث نزول الرب سبحانه وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا من غير تشبيه له بنزول المخلوقين، ولا تمثيل، ولا تكييف، بل يثبتون ما أثبته رسول الله صلى الله عليه وسلم وينتهون فيه إليه، ويمرون الخبر الصحيح الوارد بذكره على ظاهره، ويكلون علمه إلى الله وكذلك يثبتون ما أنزله الله عز اسمه في كتابه من ذكر المجيء والإتيان

"2.

1 انظر شرح جوهرة التوحيد المسماة تحفة المريد ص93، والمواقف في علم الكلام ص273، وشرح المقاصد 4/174.

2 الصابونى عقيدة السلف وأصحاب الحديث ص23. ط. الأولى عام 1413هـ تحقيق نبيل بن سابق السبكي.

ص: 344

‌المبحث التاسع: ما أثر عن عمر في إثبات صفة المشيئة والإرادة لله تعالى

81/14- الآجري قال: وأخبرنا الفريابي، نا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: نا عبد الله بن إدريس، عن عمر بن ذر، قال: قال عمر بن عبد العزيز: لو أراد الله تعالى أن لا يعصَى ما خلق إبليس وهو رأس الخطيئة1.

82/15- الآجري قال: وحدثني أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبد الحميد الواسطي، قال: نا أبو موسى محمد بن المثنى، قال: نا مؤمل بن إسماعيل، قال: نا سفيان الثوري، قال: حدثني شيخ، قال مؤمل: زعموا أنه أبو رجاء الخراساني أن عدي بن أرطأة كتب إلى عمر بن عبد العزيز: إن قبلنا قوما يقولون: لا قدر فاكتب إلي برأيك، واكتب إلي بالحكم

1 الآجرى في الشريعة 1/440، ورواه البيهقي في الأسماء والصفات ص222، واللالكائي في السنة برقم (1245) ، وابن بطة في الإبانة برقم (1846) 2/238، وعبد الله بن الإمام أحمد في السنة رقم 936، وصحح هذا الأثر محقق كتاب الشريعة. وعبد الله بن إدريس بن يزيد الأودي الكوفي روى عنه ابن أبي شيبة وغيره ثقة حجة. انظر الجرح والتعديل 5/8-9.

ص: 345

فيهم، فكتب إليه: أما بعد فإني أوصيك بتقوى الله والاقتصاد في أمره

وفيها:

وما يقدر يكن، وما شاء كان وما لم يشأ لم يكن....1.

التعليق:

إن مما أثر عن عمر بن عبد العزيز هنا يدل دلالة واضحة على إثبات صفة الإرادة لله تعالى كما يليق بجلاله، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى واصفا قول أهل السنة في الإرادة وهو أن الله تعالى لم يزل مريدا بإرادات متعاقبة، فنوع الإرادة قديم، وأما إرادة الشيء المعين فإنما يريده في وقته2. وكونه تعالى متصفا بصفة الإرادة هو صريح ما دل عليه الكتاب. قال تعالى:{فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} 3، وقال عز وجل:{إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} 4، وقال تعالى: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا

1 الشريعة للآجري 1/443- 445، وأخرجه أبو داود 4/202، وصححه الشيخ الألباني في صحيح سنن أبي داود برقم 3856.

2 انظر: مجموع الفتاوى 16/303.

3 الآية 16 من سورة البروج.

4 الآية 82 من سورة يس

ص: 346

مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً} 1، وقال عز وجل:{يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} 2، وغيرها من الآيات وقد ضل كثير من الطوائف في هذه الصفة وخالفهم التوفيق فالأشاعرة ذهبوا إلى أنه تعالى مريد بإرادة قديمة3 أزلية واحدة وإنما يتجدد تعلقها بالمراد ونسبتها إلى الجميع واحدة، ولكن من خواص الإرادة أنها تخصص بلا مخصص4.

وكثير من العقلاء يقول: إن هذا فساده معلوم بالاضطرار حتى قال أبو البركات: ليس في العقلاء من قال بهذا.

وما علم أنه قول طائفة كبيرة من أهل النظر والكلام، وبطلانه من جهات: من جهة جعل إرادة هذا غير إرادة ذاك، ومن جهة أنه جعل الإرادة تخصص لذاتها، ومن جهة أنه لم يجعل عند وجود الحوادث شيئا حدث حتى تخصص أولا تخصص. بل تجددت نسبة عدمية ليست وجودا

1 الآية 16 من سورة الإسراء.

2 الآية 185 من سورة البقرة.

3 انظر الإرشاد للجويني ص102.

4 انظر: الفتاوى 16/301-302.

ص: 347

وهذا ليس بشيء، فلم يتجدد شيء فصارت الحوادث تحدث وتتخصص بلا سبب حادث ولا مخصص، والكرامية وغيرهم يقولون بإرادة واحدة قديمة مثل الأشاعرة لكنهم يقولون تحدث عند تجدد الأفعال إرادات في ذاته بتلك المشيئة القديمة، وهؤلاء أقرب من حيث أثبتوا إرادات الأفعال ولكن يلزمهم ما لزم أولئك من حيث أثبتوا حوادث بلا سبب حادث، وتخصيصات بلا مخصص، وجعلوا تلك الإرادة واحدة تتعلق بجميع الإرادات الحادثة، وجعلوها أيضا تخصص لذاتها ولم يجعلوا عند وجود الإرادات الحادثة شيئا حدث حتى تخصص تلك الإرادات الحدوث، وأما المعتزلة والجهمية فإنهم ينفون قيام الإرادة بالله تعالى، ثم إما أن يقولوا بنفي الإرادة أو يفسرونها بنفس الأمر والفعل، أو يقولوا بحدوث إرادة لا في محل كقول البصريين1.

والسبب في هذا هو إنكارهم للأفعال الاختيارية لله تبارك وتعالى فلذا قالوا بإرادة قديمة واحدة والله أعلم.

1 انظر: مجموع الفتاوى 16/301- 302- 303.

ص: 348

‌المبحث العاشر: ما أثر عن عمر في إثبات صفة الغضب كما يليق لله تعالى

83/16- ابن عبد الحكم قال: وخرج سليمان بن عبد الملك ومعه عمر بن عبد العزيز إلى الحج فأصابهم مطر شديد ورعد برق فقال سليمان: هل رأيت مثل هذا يا أبا حفص؟ فقال: يا أمير المؤمنين هذا في حين رحمته فكيف به في حين غضبه1.

84/17- ابن كثير قال: روى ابن أبي الدنيا قال: ثنا إسحاق بن إسماعيل، ثنا جرير، عن عطاء بن السائب قال: كان عمر بن عبد العزيز في سفر مع سليمان بن عبد لملك فأصابهم السماء برعد وبرق، وظلمة، وريح شديدة، حتى فزعوا لذلك وجعل عمر بن عبد العزيز يضحك، فقال له سليمان: ما يضحكك يا عمر؟ أما ترى ما نحن فيه؟ فقال له يا أمير المؤمنين هذا آثار رحمته فيها شدائد ما ترى فكيف بآثار سخطه وغضبه2.

1 ابن عبد الحكم سيرة عمر ص30.

2 ابن كثير البداية والنهاية 5/201، إسحاق بن إسماعيل أبو يعقوب المعروف بالطالقاني سمع جرير بن عبد الحميد وسفيان بن عيينة ثقة. انظر تاريخ بغداد 6/334- 337، وجرير بن عبد الحميد بن قرط الضبي الكوفي نزيل الري وقاضيها ثقة صحيح الكتاب قيل: كان في آخر عمره يهم من حفظه تقريب ص139، وعطاء بن السائب أبو محمد، ويقال أبو السائب الثقفي صدوق اختلط. تقريب ص391.

ص: 349

85/18- أبو نعيم الحافظ قال: حدثنا أبو حامد ثنا محمد بن إسحاق ثنا إبراهيم بن هانئ، ثنا سعيد بن أبي مريم، ثنا إسماعيل بن إبراهيم بن أبي حبيبة أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى بعض عماله: "أما بعد: فإني أوصيك بتقوى الله ولزوم طاعته فإن بتقوى الله نجا أولياء الله من سخطه

"1.

86/19- الدارمي قال: حدثنا سعيد بن أبي مريم المصري ابنا إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة الأنصاري قال: كتب عمر بن عبد العزيز إلى بعض أمراء الأجناد: "أما بعد: إني أوصيك بتقوى الله وطاعته والتمسك بأمره، والمعاهدة على ما حملك الله من دينه واستحفظك من كتابه فإن بتقوى الله نجا أولياؤه من سخطه

"2.

1 أبو نعيم في الحلية 5/278، وابن الجوزي سيرة عمر ص114، وأبو حفص الملاء 2/466-467، وفي الأثر إسماعيل بن إبراهيم بن أبي حبيبة الأنصاري مجهول. انظر الجرح والتعديل 2/156.

2 الرد على الجهمية للدارمي ص 103 تحقيق بدر البدر، وقال إسناده ضعيف لأن إسماعيل بن إبراهيم ضعيف. قلت: لكن معناه صحيح.

ص: 350

التعليق:

يتبين من الآثار المتقدمة المأثورة عن عمر بن عبد العزيز إثبات صفة الغضب كما يليق بجلال الله وعظمته وهذه الصفة يثبتها السلف الصالح لدلالة الكتاب والسنة على ذلك قال تعالى: {وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ} 1، وقوله عز وجل:{وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ} 2.

وهناك عدد من آيات الكتاب المبين في إثبات هذه الصفة، ومذهب سائر الأئمة إثباتها كما أن هناك أحاديث تؤكد ما جاء في هؤلاء الآي من وصف الله بالغضب، كما يليق به وإن هذا الغضب يحدث في وقت دون وقت، ومن ذلك ما جاء في حديث الشفاعة الطويل وهو سبحانه يخبر عما يقوله الأنبياء اعتذارا للناس عند ما يتقدمون إليهم لطلب الشفاعة، فكل واحد منهم يقول: "إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله اذهبوا إلى غيري

"3، إلى آخر الحديث، والحديث يدل دلالة واضحة على إثبات صفة الغضب ومحل

1 الآية 61 من سورة البقرة.

2 الآية 93 من سورة النساء.

3 البخاري مع الفتح 6/371، برقم (3340) ، ومسلم 1/428، برقم (327) .

ص: 351

الشاهد من الحديث: "إن ربي قد غضب اليوم" واللفظ صريح في أن الله يغضب في ذلك اليوم غضبالم يغضب مثله قبل ذلك كما لا يغضب بعده مثله1.

وكذلك حديث كلام الرب لأهل الجنة وهو قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله تعالى يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة، فيقولون: لبيك ربنا وسعديك والخير في يديك، فيقول هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى يارب وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك فيقول: ألا أعطيكم أفضل من ذلك؟ فيقولون: يارب وأي شيء أفضل من ذلك: فيقول أُحِلّ عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبدا"2.

وقد حاول المتكلمون إنكار هذه الصفة فركبوا مطيتهم المعروفة بالتأويل، فصرفوا هذه النصوص، وفسروا الغضب بأنه انتقام الله تعالى ممن عصاه، أو إرادته العقوبة لأهل المعاصي 3.

ويرد عليهم بأن الأصل حمل الكلام على الحقيقة، وبإجماع السلف الصالح ومنهم كما تقدم عمر بن عبد العزيز على إثبات هذه الصفة،

1 انظر: الجامي محمد أمان رحمه الله الصفات الإلهية ص298- 299.

2 البخاري مع الفتح 11/415، برقم (6549) ، ومسلم 6/300، برقم (2829) .

3 انظر: الإنصاف للباقلاني ص 62-63.

ص: 352

وبالقاعدة المطردة، وهي أن الكلام في بعض الصفات كالقول في بعض، فإنهم يقولون بأن الله تعالى حي بحياة عليم بعلم مريد بإرادة، ويجعلون ذلك كله حقيقة، فيقال لهم لا فرق بين ما نفيته وبين ما أثبته، بل القول في أحدهما كالقول في الآخر، فإن قلت: الغضب غليان دم القلب لطلب الانتقام فيقال لك ،والإرادة ميل النفس إلى جلب منفعة أو دفع مضرة، فإن قلت هذه إرادة المخلوق قيل لك وهذا غضب المخلوق1.

فالتسليم لنصوص الوحي واتباع منهج السلف الصالح هو سبيل المؤمنين الذي من اتبعه وصل إلى الحق واليقين، ومن حاد عنه وركب هواه فمسلكه خطير، وطريقه معوج، والله يهدي من يشاء إلى سواء السبيل.

1 انظر: مجموع الفتاوى 3/17- 18.

ص: 353

‌المبحث الحادي عشر: ما أثر عن عمر في إثبات صفة الرضى لله تعالى

.

87/20- ابن عبد الحكم قال: كتب عمر بن عبد العزيز إلى الضحاك بن عبد الرحمن أما بعد: فإن الله جعل الإسلام الذي رضي به لنفسه ومن كرم عليه من خلقه

1.

88/21- أبو نعيم بسنده أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى ولي عهده رسالة وفيها

فإن يرضى عني الرحيم فقد أفلحت2.

التعليق:

يتبين من الأثرين الواردين عن عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى إثباته صفة الرضى لله تعالى كما يليق بجلاله وعظمته، وهذا ما دل عليه القرآن والسنة المطهرة قال تعالى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ

1 ابن عبد الحكم سيرة عمر ص91، وأبوحفص الملاء 1/280.

2 أبو نعيم في الحلية 5/274- 275، وابن الجوزي سيرة عمر ص340، وقد تكلمنا عن سنده في مبحث الأسماء الحسنى.

ص: 354

الشَّجَرَةِ} 1، وقال عز وجل:{رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ} 2، ومن السنة حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله تبارك وتعالى يقول لأهل الجنة ياأهل الجنة فيقولون لبيك ربنا وسعديك فيقول هل رضيتم؟ فيقولون وما لنا لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك فيقول عز وجل أنا أعطيكم أفضل من ذلك. قالوا يارب، وأي شيء أفضل من ذلك؟ قال: أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبداً "3. فالرضا من الله تعالى مطلب كل عابد وغاية كل سالك، فرضى الله عن المؤمنين في دار الكرامة وعدم السخط عليهم بعد الرضى مطلب ليس بعده مطلب، فلا تؤول بدعوى أن الرضى انفعال نفسي، وتغير من حال إلى حال، لأن هذا من لوازم صفات المخلوق المعروفة لنا حقيقة ذاته، وأما بالنسبة لصفات الله تعالى فهذه اللوازم غير لازمة لصفاته، وقياس صفات الخالق على صفات المخلوق قياس فاسد، وقد أجمع السلف الصالح على إثبات هذه الصفة لله تبارك وتعالى

1 الآية 18 من سورة الفتح.

2 الآية 8 من سورة البينة.

3 البخاري مع الفتح 13/487، برقم "7518) ، ومسلم 6/300، برقم (2829) .

ص: 355

‌المبحث الثاني عشر: ما أثر عن عمر في إثبات صفة الرحمة لله تعالى

.

89/22- ابن عبد الحكم قال: كان عمر بن عبد العزيز يدعو ويقول: اللهم لا تعطني عطاء يبعدني من رحمتك في الآخرة

1.

90/23- ابن عبد الحكم قال: كان عمر يدعو بهذا الدعاء ويقول:

واكفني كل هول دون الجنة حتى تبلغنيها برحمتك يا أرحم الراحمين2.

التعليق:

إثبات صفة الرحمة لله تعالى هو مذهب أهل السنة والجماعة وهذا ما ثبت عن عمر بن عبد العزيز رحمه الله كما تقدم سطره في الأثرين اللذين ذكرناهما آنفا، وهو أيضا ما دل عليه الكتاب والسنة. قال تعالى:{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} 3، وقوله عز وجل:{وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ}

1 ابن عبد الحكم سيرة عمر ص98، وأبو حفص الملاء 2/477.

2 ابن عبد الحكم سيرة عمر ص98، وأبو حفص الملاء 2/476.

3 الآية 5 من سورة طه.

4 الآية 156 من سورة الأعراف.

ص: 356

ومن السنة ما رواه البخاري عن أسامة قال: كان ابن لبعض بنات النبي صلى الله عليه وسلم يقضي فأرسلت إليه أن يأتيها فأرسل: إن لله ما أخذ وله ما أعطى، وكل إلى أجل مسمى فلتصبر، ولتحتسب، فأرسلت إليه فأقسمت عليه فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وقمت معه، ومعاذ بن جبل، وأبي بن كعب، وعبادة بن الصامت، فلما دخلنا ناولوا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبي ونفسه تقلقل في صدره حسبته قال كأنها شَنّة فبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال سعد بن عبادة أتبكي فقال:"إنما يرحم الله من عباده الرحماء"1.

وحديث أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليصيبن أقواما سفع2 من النار بذنوب أصابوها عقوبة ثم يدخلهم الله الجنة بفضل رحمته تعالى يقال لهم الجهنميون"3.

وفي هذه النصوص ونحوها كثير أبلغ دليل على ثبوت صفة الرحمة لله تعالى

وبذلك يتبين بطلان قول أهل التأويل في هذه الصفة الكريمة من صفات ربنا تبارك وتعالى وقولهم أن الرحمة رقة في القلب وهي تدل

1 البخاري مع الفتح 13/434، برقم (7448) .

2 البخاري مع الفتح 13/434، والسفع: علامة تغير ألوانهم أي يريد أثراً من النار. انظر النهاية 2/374.

3 البخاري مع الفتح 13/434، برقم (7450) .

ص: 357

على الضعف والخور في طبيعة الراحم وتألمه على المرحوم 1 هذا قول باطل بالنسبة إلى صفة الله تعالى وبيان ذلك من وجوه:

الأول: أن هذا وصف رحمة بعض المخلوقين من النساء ونحوهن، وقد علم التفاوت العظيم بين الخالق تعالى والمخلوقين بالشرع، والعقل، والإجماع، وقد تقرر أن الصفة تتبع الموصوف في الكمال وضده.

الثاني: أن الضعف والخور مذموم وهو نقص وأما الرحمة فممدوحة كما قال تعالى: {وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ} 2، مع نهيه - تعالى عباده عن الوهن والحزن، قال تعالى:{وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا} 3، وحثهم على الرحمة كما في بعض الأحاديث كقوله صلى الله عليه وسلم:"من لا يرحم لا يرحم"4، وقوله:"لا تنزع الرحمة إلا من شقي" 5، وقوله:"الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء"6

1 انظر: الإنصاف للباقلاني 62-63 وشرح أسماء الله الحسنى للرازي 341-342

2 الآية 17 من سورة البلد.

3 الآية 139 من سورة آل عمران.

4 البخاري مع الفتح 10/426، برقم (5997) .

5 الحديث رواه الترمذي 4/258، وقال: حسن، والإمام أحمد 2/301.

6 الحديث رواه الترمذي 4/285، وقال حسن صحيح.

ص: 358

ومستحيل أن يقول: "لا ينزع الضعف والخور إلا من شقي ولما كانت الرحمة في حق كثير من الناس تقارن الضعف والخور ظن من غلط في ذلك أنها كذلك مطلقا.

الثالث: أن أسماء الله تعالى حسنى لا يلحقها نقص بوجه من الوجوه، وصفاته عليا عن النقص أيضا والله تعالى قد تمدح بهذه الأسماء والصفات لأنها تدل على الكمال، فمن المحال أن يلحقها ما يلحق رحمة المخلوق1.

وفي ختام هذا المبحث في موقف عمر بن عبد العزيز من إثبات الصفات أود التنبيه إلى أن التوسع في دراسة تلك الصفات له أماكنه الخاصة به وقد كتبت فيها مؤلفات عديدة ورسائل علمية كثيرة ولم يكن غرضي استقصاء دراسة كل صفة لعدم تعلق موضوعي به. فإن مجال بحثي هو في متابعة ما يقوله عمر فيها وكان موقف عمر منها هو الإثبات، ولم أر له مجادلات ومناظرات مع المخالفين فاكتفيت بإثبات معتقده في الصفة وإثبات الصفة أيضا من كتاب الله وسنة نبيه وفهم السلف.

1 انظر شرح كتاب التوحيد للشيخ عبد الله الغنيمان 1/262.

ص: 359

‌الباب الثاني: الآثار عن عمر في الإيمان بالملائكة والكتب، والرل، واليوم الآخر، والقدر

‌الفصل الأول: الآثار عن عمر في الإيمان بالملائكة

الفصل الأول: الآثار عن عمر في الإيمان بالملائكة.

تمهيد:

إن الإيمان بالملائكة والكتب من لوازم الإيمان بالرسل المعبر عنه بالنبوات، فلا يؤمن أحد برسل الله تبارك وتعالى إلا ويلزمه الإيمان بالملائكة الذين هم الواسطة بين الله وبين رسله، كما يلزمه الإيمان بالكتب التي يأتي بها هؤلاء الرسل لهداية الناس وتبشيرهم وإنذارهم وتهذيب نفوسهم وإرشادهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له.

ولا شك أن الإيمان بالرسل ركن عظيم ودعامة يبنى عليه أساس كل العبادات التي جاء بها الرسل عليهم الصلاة والسلام.

هذا وقد أثر عن أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى آثار تتعلق بالإيمان بالملائكة، والكتب، والرسل، كما ورد عنه آثار في الإيمان بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم وذكر بعض خصائصه وفضائل أصحابه وأهل بيته يتبين ذلك بما يأتي من الآثار:

ص: 363

91/1- ابن الجوزي قال: وعن قادم بن مسور قال: قال عمر بن عبد العزيز لما أمر الله عز وجل الملائكة بالسجود لآدم أول من سجد له إسرافيل فأنابه أن كتب القرآن في جبهته1.

92/2 - ابن عبد الحكم قال: كتب عمر بن عبد العزيز إلى منصور ابن غالب حين بعثه على قتال أهل الحرب رسالة وفيها: "واعلموا أن معكم من الله حفظة عليكم يعلمون ما تفعلون في مسيركم ومنزلكم فاستحيوا منهم وأحسنوا صحابتهم ولا تؤذوهم بمعاصي الله

"2.

93/3 - ابن الجوزي قال: حدثنا حازم قال: بلغنا أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى عبد الحميد بن عبد الرحمن في شأن ابنه عبد الملك حين توفي:

1 ابن الجوزي سيرة عمر ص274، وأبو حفص الملاء 2/494، وابن الجوزي أيضا المنتظم 1 /203 ط دار الكتب العلمية. وقادم بن مسور لم أجده. والأثر وإن كان شقه الأول صحيح المعنى لكن شقه الذي دل على كتابة القرآن على جبهة إسرافيل يحتاج إلى نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم لأنه من الأمور الغيبية ولم أطلع على دليل صحيح يؤيد ما دل عليه الشق الثاني من هذا الأثر.

2 ابن عبد الحكم سيرة عمر ص76، وابن الجوزي سيرة عمر ص241، وأبو نعيم في الحلية 5/302- 304، وأبو حفص الملاء 1/293.

ص: 364

أما بعد: فإن الله تبارك اسمه وتعالى جده كتب على خلقه حين خلقهم الموت، وجعل مصيرهم إليه، فقال فيما أنزل من كتابه الصادق الذي حفظه بعلمه وأشهد الملائكة على حقه

"1.

94/4- ابن عبد الحكم قال: قال عمر بن عبد العزيز لمولاه مزاحم حين سأله عن شأن غشيته حين سمع بوفاة ابنه عبد الملك

ولكني علمت أن ملك الموت قد دخل منزلي فأخذ بضعة مني فراعني ذلك فأصابني ما قد رأيت2.

95/5- أبو نعيم الحافظ قال: حدثنا أبي، ثنا إبراهيم بن محمد بن الحسن، ثنا سفيان بن وكيع، ثنا ابن عيينة، عن عمر بن ذر، قال: قال عمر بن عبد العزيز: لولا أن تكون بدعة لحلفت أن لا أفرح من الدنيا بشيء أبدا حتى أعلم ما في وجوه رسل ربي إلي عند الموت، وما أحب أن يهون علي الموت لأنه آخر ما يؤجر عليه المؤمن3.

1 ابن الجوزي سيرة عمر ص330- 331، وأبو نعيم في الحلية 5/357.

2 ابن عبد الحكم سيرة عمر ص100، وأبو حفص الملاء 2/434.

3 أبو نعيم في الحلية 5/316، وانظر الزهد، وزوائده للإمام أحمد وابنه عبد الله ص418.

إبراهيم بن محمد بن الحسن البخاري مجهول. انظر الجرح والتعديل 2/130، وسفيان بن وكيع بن الجراح لين. انظر الجرح والتعديل 3/231- 232.

ص: 365

96/6- البلاذري قال روى المدائني عن العباس بن محمد عن أبيه أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى بعض عماله: أما بعد

فانظر من ادعى الإسلام فشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وأنه يؤمن بالله وملائكته

1.

التعليق:

هذه الآثار الواردة عن عمر تدل على الإيمان بالملائكة مع ذكر بعض وظائفهم كحفظ أعمال العباد، وقبض أرواحهم عند انقضاء آجالهم بإذن الله تعالى، وتبشير المؤمنين بالجنة، وكونهم هم الواسطة بين الخلق والخالق عن طريق الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ولهم وظائف كثيرة جدا، نقتصر على ما ورد عن عمر في ذلك.

والإيمان بالملائكة هو الاعتقاد الجازم بأن الله تعالى خلق عالما سماه الملائكة، "وهم أرواح قائمة في أجسام نورانية قادرة على التمثيل بأنواع مختلفة الشكل بإذنه تعالى مناسبة للحالة التي يأتون فيها"ففي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خلقت الملائكة من نور وخلق الجان من مارج من نار، وخلق آدم مما وصف لكم2"3.

1 البلاذري كتاب جمل من أنساب الأشراف 8/163.

2 مسلم 6/415 رقم (2996) كتاب الزهد باب أحاديث متنوعة.

3 انظر منهج القرآن في الدعوة إلى الإيمان ص21 للشيخ الدكتور علي بن ناصر الفقيهي. ط. الأولى 1415هـ.

ص: 366

وقد كلف الله العباد الإيمان بهم والتصديق بوجودهم، لأن ذلك من جملة العقائد الإيمانية المذكورة في القرآن والسنة. قال تعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ

} 1، ومن السنة حديث جبريل المشهور وفيه: "

أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر"2.

وأما ما أثر عن عمر بن عبد العزيز في ذكر بعض وظائف الملائكة فمنها:

أن الملائكة تحفظ أعمال العباد. وهذا ما ورد في الكتاب العزيز وقال به أهل السنة. قال تعالى: {إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيد مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَاّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} 3، وقال عز وجل:{وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَاماً كَاتِبِين يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ} 4، وقوله عز وجل: {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ

1 الآية 285 من سورة البقرة.

2 الحديث متفق عليه صحيح مسلم بشرح النووي 1/131، برقم (1) ، والبخاري مع الفتح 1/115، برقم (50) .

3 الآيتان 17- 18 من سورة ق.

4 الآيتان 10- 12 من سورة الانفطار.

ص: 367

سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ} 1، فهؤلاء الملائكة مكلفون بمراقبة الإنسان في كل حركاته وسكناته، فإذا تيقن أن جميع أعماله الصادرة عنه مكتوبة عليه علم ماذا ينبغي أن يقوم تجاه مواقف الملائكة معه ووظائفهم المتعلقة به. وهذا ما عناه عمر بقوله فأحسنوا صحابتهم ولا تؤذوهم بمعاصي الله.

ومن وظائف الملائكة المأثورة عن عمر كذلك قبض أرواح بني آدم عند انقضاء آجالهم. وهذا ما جاء في الكتاب العزيز وقال به أهل السنة والجماعة. قال تعالى: {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُم} 2.

قال الطحاوي: "ونؤمن بملك الموت الموكل بقبض أرواح العالمين"3. كما أثر عن عمر أن لملك الموت أعوانا، وهذا ما جاء في الكتاب العزيز أيضا قال تعالى: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ} 4، والملائكة مخلوقات مربوبة لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، وليس لهم من علم الغيب من شيء {بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ لا

1 الآية 80 من سورة الزخرف.

2 الآية 11 الم السجدة.

3 شرح العقيدة الطحاوية 2/561.

4 الآية 61 من سورة الأنعام.

ص: 368

يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُون. يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلَاّ لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ} 1، وهم منقطعون دائما لعبادة الله وطاعة أمره. قال تعالى:{وَمَا مِنَّا إِلَاّ لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ} 2، ولا يحصي عدد الملائكة إلا ربهم قال تعالى:{وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَاّ هُوَ} 3، ويجب علينا أن نؤمن بمن سُمي لنا منهم كجبريل وميكائيل، وإسرافيل، وملك الموت، ومالك. وأما من لم يرد ذكرهم في الكتاب والسنة الصحيحة فنؤمن بهم بصورة إجمالية، ونؤمن بما ذكر من أصنافهم وأفعالهم في القرآن والسنة، وهذا كله ما تدل عليه الآثار السابقة الواردة عن عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى. وكل هذه الأمور مما كان لعمر فيها أثر معتقد أهل السنة والجماعة وسائر من ينتسب إلى الإسلام ولم يخالف في وجودهم إلا الملاحدة الذين يزعمون

1 الآيتان 27- 28 من سورة الأنبياء.

2 الآيتان 165- 166 من سورة الصافات.

3 الآية 31 من سورة المدثر.

ص: 369

أنهم لا يؤمنون إلا بمحسوسات ولا يؤمنون بما وراء ذلك من المغيبات وهؤلاء خارجون عما قررته الشرائع السماوية، ولا عبرة بما يقولونه1.

1 انظر: الإيمان أركانه حقيقته ونواقضه للدكتور محمد نعيم ياسين ص 37 -43.

ص: 370

‌الفصل الثاني: الآثار عن عمر في الإيمان بالكتب

.

97/1- روى البلاذري قال: قال أبو الحسن المدائني: كتب عمر إلى الخوارج رسالة قال فيها: إلى العصابة الذين خرجوا بزعمهم التماس الحق أما بعد: فإن الله تعالى لم يلبس على العباد أمورهم، ولم يتركهم سدى، ولم يجعلهم في عمياء، فبعث إليهم النذر، وأرسل إليهم الكتب، وبعث محمدا صلى الله عليه وسلم بشيراً ونذيراً، وأنزل عليه كتابا حفيظا1.

98/2 ابن عبد الحكم قال:

واعملوا بمحكمه واصبروا أنفسكم عليه، وآمنوا بمتشابهه

" 2.

99/3- ابن عبد الحكم أن عمر قال: "

فإن الله قد بين لكم ما تأتون وما تتقون، وأعذر إليكم في الوصية، وأخذ عليكم الحجة حين أنزل كتابه الحفيظ الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد

" 3.

1 البلاذرى: كتاب جمل من أنساب الأشراف 8/209-211والعيون والحدائق في أخبار الحقائق ص41 لمؤلف مجهول ط مكتبة المثنى بغداد.

2 ابن عبد الحكم سيرة عمر ص65، وأبو حفص الملاء 1/284.

3 ابن عبد الحكم سيرة عمر ص64، وأبو حفص الملاء 1/284، والآية 15 من سورة فصلت.

ص: 371

100/4- ابن عبد الحكم قال: قال عمر في شأن القرآن: " وأحكم الله في كتابه ما رضي من الأمور، فما جعل من ذلك حلالا فهو حلال إلى يوم القيامة، وما جعل من ذلك حراما فهو حرام إلى يوم القيامة"1.

101/5 - ابن عبد الحكم قال: قال عمر: "وإن دين الله الذي بعث به محمد كتابه الذي أنزل عليه أن يطاع الله فيه ويتبع أمره، ويجتنب ما نهى عنه، وتقام حدوده، ويعمل بفرائضه، ويحل حلاله، ويحرم حرامه، ويعترف بحقه، ويحكم بما أنزل فيه، فمن تبع هدى الله فقد اهتدى، ومن صد عنه فقد ضل سواء السبيل

"2.

102/6 - عبد الله بن الإمام أحمد قال: حدثنا الحسين بن الجنيد، حدثنا أبو نعيم، حدثنا عمرو بن عثمان بن عبد الله بن موهب، قال: سمعت عمر بن عبد العزيز قال: انتهى علم الراسخين في العلم بتأويل القرآن إلى أن قالوا: {آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} 3.

1 ابن عبد الحكم سيرة عمر ص66، وانظر ابن سعد الطبقات الكبرى 5/340، والفسوى المعرفة والتاريخ 1/575.

2 ابن عبد الحكم سيرة عمر ص83، وأبو حفص الملاء 1/272.

3 الزهد وزوائده للإمام أحمد وابنه عبد الله ص412، وانظر تفسير ابن جرير الطبري 3/183، وانظر كذلك تفسير القرطبي 3/16.

الحسين بن الجنيد الدامغاني القومسي لا بأس به. تقريب ص165، وذكره ابن حبان في الثقات ج 8 ص 193.

وأبو نعيم هو الفضل بن دكين الكوفي الملائي مشهور بكنيته ثقة ثبت تقريب ص446، وعمرو بن عثمان بن عبد الله ابن موهب التيمي مولاهم أبو سعيد الكوفي ثقة من السادسة وسماه شعبة محمدًا، تقريب ص424.

ص: 372

التعليق:

إن مما ورد عن عمر في هذه الآثار السابقة ليدل على وجوب الإيمان بالكتب جملة وبالقرآن تفصيلا.

والإيمان بالكتب المنزلة على الأنبياء ركن من أركان الإيمان، ولا يتم إيمان المسلم إلا بالإيمان بها وبالكتاب المنزل على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وهو القرآن الكريم، وقد بين ذلك عمر رحمه الله تعالى كما في الأثر الأول حيث قال:"وأرسل إليهم الكتب"، والكتب المنزلة على الأنبياء كثيرة ويجب علينا الإيمان بما ذكر منها في القرآن الكريم كالتوراة المنزلة على موسى، والإنجيل المنزل على عيسى، والزبور المنزل على داود، وصحف إبراهيم، وإيماننا إنما هو على أصولها المنزلة على هؤلاء الأنبياء. أما ما يوجد عند أهل الكتاب الآن فإنه محرف مبدل بنص القرآن الكريم، وتدل الآثار كما سبق على أنه يجب علينا الإيمان بالقرآن الكريم على التفصيل. وقد أولى عمر بن عبد العزيز فيما أثر عنه القرآن عناية بالغة حيث أمر بالعمل بمحكم القرآن والإيمان بمتشابهه.

ص: 373

وقبل بيان هذا النص الموجز لا بد من التوقف قليلا عند معنى المحكم والمتشابه في اللغة والاصطلاح، لما لهذين اللفظين من صلة بموضوع الإيمان بالقرآن.

فالمحكم في اللغة يطلق إطلاقات متعددة، منها ما ذكره ابن منظور حين قال: "

والعرب تقول: حكمت وأحكمت وحكّمت بمعنى منعت ورددت، ومن هذا قيل للحاكم بين الناس حاكما، لأنه يمنع الظالم. قال الأصمعي: أصل الحكومة رد الرجل عن الظلم. قال: ومنه سميت حكمة اللجام، لأنها ترد الدابة، وقال الأزهري: وحكم الشيء وأحكمه كلاهما منعه من الفساد1، إلى غير ذلك من المعاني التي تتفق جميعها في معنى عام - هو المنع.

أما المتشابه: فيطلق في اللغة على المماثلة بين شيئين، والعبارات الواردة في معنى المتشابه لا تعنى أكثر من ذلك.

يقول ابن منظور: "الشبْه والشبه والشبيه المثل والجمع أشباه، وأشبه الشيء ماثله"2.

أما في اصطلاح العلماء: فقد وقع بينهم اختلاف كبير، ذكر إمام المفسرين ابن جرير ما لا يقل عن سبعة أقوال، منها:

1 لسان العرب 12/141- 143.

2 المصدر السابق 13/503.

ص: 374

-1المحكم: المعمول بهن وهن الناسخات أو المثبتات الأحكام، والمتشابهات من الآيات المتروك العمل بهن المنسوخات1.

-2المحكمات من آي الكتاب: ما أحكم الله فيه بيان حلاله وحرامه، والمتشابه منها ما أشبه بعضه بعضا في المعاني وإن اختلف ألفاظه.

-3المحكمات من آي الكتاب ما لم يحتمل من التأويل غير وجه واحد، والمتشابه منها ما احتمل من التأويل أوجها.

-4المحكم ما أحكم الله فيه من آي القرآن وقصص الأمم ورسلهم الذين أرسلوا إليهم ففصله ببيان ذلك لمحمد وأمته، والمتشابه هو ما اشتبهت الألفاظ واتفق المعاني2.

-5المحكم: ما عرف العلماء تأويله وفهموا معناه وتفسيره، والمتشابه ما لم يكن لأحد إلى علمه سبيل مما استأثر الله بعلمه دون خلقه، وذلك نحو الخبر عن وقت خروج عيسى بن مريم والدجال، وحقيقة نعيم الجنة وغير ذلك3.

إلى غير هذه الأقوال التي ذكرها ابن جرير رحمه الله تعالى.

1 جامع البيان في تأويل القرآن 3/114.

2 المصدر السابق 3/116.

3 انظر المصدر السابق 3/116.

ص: 375

والمقصود: أن المحكم عند عمر بن عبد العزيز في القرآن هو الناسخ لغيره، بدليل قوله: فما جعل من ذلك حلالا فهو حلال إلى يوم القيامة، وما جعل من ذلك حراما فهو حرام إلى يوم القيامة، وهو الذي أمرنا بالعمل به. ولا شك أن العمل بالمأمورات يستلزم الصبر عليها، فلذا قال عمر: واصبروا أنفسكم عليه. ثم قال: وآمنوا بمتشابهه، فما هو المتشابه؟

المتشابه الذي أمرنا بالإيمان به هو المتشابه الحقيقي الذي استأثر الله بعلمه والذي يستوي فيه الراسخون في العلم وغير الراسخين في عدم معرفته، وذلك كحقيقة نعيم الجنة التي تخالف حقيقة نعيم الدنيا، فلا نعلمها نحن في الدنيا كما لا نعلم وقت الساعة، وحقيقة ما سيقع فيها من الحساب والصراط والميزان والحوض والثواب والعقاب، وحقيقة ذات الرب وصفاته سبحانه كاستوائه على عرشه وسمعه وبصره وكلامه، وغير ذلك من الحقائق الغيبية التي أثبتناها له تعالى حقيقة وآمنا بها دون معرفة حقائقها وكيفياتها، ولسنا مكلفين بمعرفة ذلك شرعا. وهذه المعاني هي المقصودة لعمر بقوله: وآمنوا بمتشابهه1.

تبقى الإشارة إلى أنه قد ورد عن عمر تفصيلات عن الإيمان بالقرآن، منها أن القرآن لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، والقرآن فيه تفصيل كل شيء وهو كتاب حفيظ لا يتبدل ولا يتغير

1 انظر مجموع الفتاوى من 4/372-400، فقد أجاد وأفاد.

ص: 376

ولا يحرف كما حرفت غيره من الكتب السابقة، وأن من الإيمان به أن يطاع الله فيه، ويتبع أمره، ويجتنب ما نهى عنه، وتقام حدوده، ويعمل بفرائضه، ويحل حلاله، ويحرم حرامه، ويعترف بحقه، ويحكم بما أنزل فيه.

وبهذا يتبين أن عمر بن عبد العزيز رحمه الله قد أتى على جل ما يتعلق بالإيمان بالكتب، ومن ضمن ذلك الإيمان بالقرآن الكريم الذي هو ناسخ الكتب المتقدمة، وأنه أنزل للأمة المحمدية التي هي آخر الأمم، كما أن نبيها آخر الأنبياء، فلم يترك صغيرة ولا كبيرة من النواحي العقدية والشرعية إلا وبينها وأوضحها، وفصلها. قال تعالى:{مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} 1. ولهذا حث عمر الأمة بأن يطاع الله في القرآن ويتبع أمره، ويجتنب نهيه، وتقام حدوده، ويعمل بفرائضه، فمن عمل بذلك فقد اهتدى بهدي الله.

وعلى ضوء ما ذكره عمر في الإيمان بكتاب الله عز وجل فإننا نجد فئاما كثيرة ضلت في الإيمان بكتاب الله، كالرافضة الذين يدعون أن القرآن ناقص ومحرف، وأن القرآن الكامل مع الغائب الذي سيخرج في آخر الزمان من سرداب سامراء

"2. وكغلاة الصوفية عموما ومنهم

1 الآية 38 من سورة الأنعام.

2 انظر: الأصول من الكافى1 \228-230 للكلينى ط طهران.

ص: 377

التيجانية، وذلك بتفضيلهم أورادهم وأذكارهم - كصلاة الفاتح على القرآن الكريم - حيث قالوا: إن قراءة صلاة الفاتح أفضل من قراءة القرآن ستة آلاف مرة1. وكذلك الفرق الباطنية كلها، وذلك بانحرافهم في تأويل القرآن وإغراقهم في التأويل الباطني وإخراج القرآن عن معانيه وحقائق الصحيحة2.

1 انظر: جواهر المعاني 2 /135-136 ط الحلبى القاهرة 1963 /م.

2 انظر: رسائل إخوان الصفا 3 /301 ط دار صادر.

ص: 378

الفصل الثالث: الآثار عن عمر بن عبد العزيز في الإيمان بالرسل.

103/1- ابن أبي الدنيا قال: أخبرنا إسحاق بن إسماعيل "الطالقاني" قال أخبرنا سفيان1، قال: أخبرنا جعفر بن برقان، قال: كتب إلينا عمر ابن عبد العزيز أما بعد:

فإن هذا الرجف شيء يعاقب الله تعالى به العباد، وقد كتبت إلى الأمصار أن يخرجوا من يوم كذا من شهر كذا فمن كان عنده شيء فليصدق فإن الله عز وجل قال:{قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} 2، وقولوا كما قال أبوكم آدم:{قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} 3، وقولوا كما قال نوح عليه السلام: {وَإِلَاّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي

1 هو سفيان بن عيينة.

2 الآيتان 14- 15 من سورة الأعلى.

3 الآية 23 من سورة الأعراف.

ص: 379

أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ} 1، وقولوا كما قال يونس عليه السلام:{لا إِلَهَ إِلَاّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} 3.

104/2- ابن أبي الدنيا قال: حدثني أبو بكر محمد بن هانئ قال: حدثني أحمد بن شبور، قال: حدثني سليمان بن صالح، قال: حدثني عبد الله بن المبارك، عن رجل، عن ابن أبي عبلة، قال: سمعت عمر بن عبد العزيز يقول في خطبته: إن كان النبي صلى الله عليه وسلم ليخطئ الخطيئة فيقذف في بطن الحوت ولا ينجيه منها إلا التوبة4.

1 الآية 47 من سور هود.

2 الآية 87 من سورة الأنبياء.

3 ابن أبى الدنيا: العقوبات ص32-33، وقد مر في الدعاء برقم (8) ، ورواه أبو نعيم في الحلية 5/304- 305، وابن عبد الحكم سيرة عمر ص64، وابن الجوزي سيرة عمر ص128، وأبو حفص الملاء 1/262.

4 ابن أبى الدنيا: العقوبات ص123.

أبو بكر محمد بن هانئ الطائي أبو عمرو، وهو والد أبي بكر الأثرم. انظر تاريخ بغداد 3/370، والجرح والتعديل 8/117، وأحمد بن شبور لم أجده وإنما وجدت أحمد بن شبويه المروزي أبو الحسن روى عن وكيع وعبد الرزاق. انظر الجرح والتعديل 2/55.

وسليمان بن صالح، ويعرف بسلمويه بن صالح المروزي روى عن عبد الله بن المبارك إمام حافظ، وابن أبي عبلة هو إبراهيم بن أبي عبلة واسمه شمر بن يقظان المرقل العقيلي ثقة. تهذيب الكمال 2/140.

ص: 380

105/3- قال البلاذري: روى المدائني عن العباس بن محمد عن أبيه أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى بعض عماله: أما بعد

فانظر من ادعى الإسلام فشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وأنه يؤمن بالله وملائكته ورسله وأن عيسى عبد الله وكلمته ورسوله إذا كان نصرانيا وأن عزيرا عبد الله إذا كان يهوديا

فضع عنه الجزية

"1.

106/4- أبو نعيم في الحلية في رسالة عمر في الرد على القدرية وفيها

ولقد حرصت الرسل على هدي الناس جميعا فما اهتدى منهم إلا من هداه الله

"2،

ولقد سمى الله رجالا من الرسل بأسمائهم وأعمالهم في سابق علمه فما استطاع آباؤهم لتلك الأسماء تغييرا، وما استطاع إبليس بما سبق لهم في علمه من الفضل تبديلا، فقال: {وَاذْكُرْ عِبَادَنَا

1 كتاب جمل من أنساب الأشراف 8/163. والمدائني هو: علي بن محمد أبو الحسن المدائني الإخباري صاحب التصانيف، وثقه يحيى بن معين انظر ميزان الاعتدال 3/153. وأما العباس بن محمد وأبوه فلم أجدهما.

2 أبو نعيم في الحلية 5/347.

ص: 381

إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الأَيْدِي وَالأَبْصَارِ إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ} 1"2.

107/5- أبو نعيم في رسالة عمر أيضا قال:

وابتلى آدم فعصى فرحم، وهم آدم بالخطيئة فنسي، وهم يوسف بالخطيئة فعصم

"3.

التعليق:

يظهر من الآثار السابقة إيمان عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى بالرسل الكرام، وقد تناولت الآثار الواردة عنه مسائل في الإيمان بهم كحرصهم على هدي الناس جميعا، وكونهم رجالا. ومشروعية الاقتداء بهم فيما لم يخالف شرعهم شرعنا، كما تتضمن بيان موقفه من عصمتهم من الذنوب.

وأما حرصهم على هدي الناس جميعا فالرسل عليهم الصلاة والسلام كلهم هداة مهمتهم إخراج الناس من الظلمات إلى النور، ومن عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام. فأول

1 الآية 45- 46 من سورة ص.

2 أبو نعيم في الحلية 5/347.

3 المصدر نفسه 5/350.

ص: 382

الرسل عليهم السلام نوح، دعا قومه جهارا ثم أسر إليهم الدعوة إسرارا ومكث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما يدعوهم إلى التوحيد ولم يتوان ولم ييئس إلا بعد أن أوحي إليه أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن. وهكذا تتابع الرسل في مهمة الدعوة إلى التوحيد ونبذ الشرك إلى نبينا صلى الله عليه وسلم فقد دعى إلى ربه حتى أتاه اليقين، والقرآن مملوء بذكر مواقف الأنبياء من الدعوة إلى الله والحرص على هدي الناس ودعوتهم إلى العقيدة السليمة بدون مجاملة ولا تردد، وقد بين عمر بن عبد العزيز رحمه الله في الآثار السابقة الفرق بين هديين هما:

هدي دلالة وبيان: وهو الذي يملكه الرسل وأتباعهم.

وهدي توفيق وإلهام: وهو الذي لا يقدر عليه إلا الله تبارك وتعالى. فقال: ولقد حرص الرسل على هدى الناس جميعا فما اهتدى منهم إلا من هداه الله، وهذا الفرق هو الذي تدل عليه الآيات. قال تعالى في هدي الدلالة والبيان الذي يملكه الرسل وأتباعهم {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} 1، وقال عز وجل في هدي التوفيق والإلهام الذي لا يملكه إلا

1 الآية 52 من سورة الشورى.

ص: 383

الله عز وجل: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاء} 2. وقد بين عمر في تلك الآثار أننا نقتدي بالرسل والأنبياء في الأمور التي لم يخالف فيه شرعهم شرعنا. فأمر رعيته بالدعاء حين ضربت الزلزلة بعض مدنهم اقتداء بالرسل والأنبياء السابقين كآدم ونوح ويونس عليهم السلام، فإن هؤلاء كانوا قد فزعوا إلى ربهم عند نزول الكرب عليهم، وتضرعوا إليه بالدعاء فكشف عنهم ما نزل بهم بدعائهم وتضرعهم وإظهارهم الفاقة والمسكنة لخالقهم العظيم. ولا شك أن شرع من قبلنا شرع لنا إذا لم يخالف شرعنا،3 ويظهر كذلك من الآثار أن الرسل والأنبياء عليهم السلام كلهم كانوا رجالا ولا يوجد نبي ولا رسول أنثى. وهذا ما قاله جمهور أهل العلم استدلالا بقوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَاّ رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِم

} 4، وهذه الآية نص في المسألة وقد ذهب ابن

1 الآية 56 من سورة القصص.

2 انظر شفاء العليل لابن القيم ص168.

3 الصواب أن المسالة خلافية وهذا أحد الأقوال فيها انظر تفصيلها في البحر المحيط للزركشى6 /39-48 ط الثانية الكويت عام 1413 هـ.

4 الآية 7 من سورة الأنبياء.

ص: 384

حزم1 وغيره إلى أن الله تعالى قد أوحى إلى مريم وإلى أم موسى، وذكر أن كل من أوحي إليه فهو نبي، ورد عليهم الجمهور بالآية السابقة، والمقصود أن عمر يرى أن الرسل والأنبياء كلهم رجالا يتبين ذلك من قوله رحمه الله تعالى:"ولقد سمى الله رجالا من الرسل".

وهناك مسألة مهمة تتعلق بالإيمان بالرسل ذكرها عمر في آثاره السابقة وهي عصمتهم من الذنوب. فهل الرسل والأنبياء معصومون عن الكبائر والصغائر قبل نبوتهم وبعدها؟ الذي يظهر من الآثار أنهم ليسوا بمعصومين من الصغائر ولكنهم لا يقرُّون عليها، بل ينبهون بالوحي أو بغيره، فيتوبون فور وقوع المعصية، وقد بين شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى هذه المسألة في الفتاوى فقال:"العصمة ثابتة للأنبياء والرسل فيما يبلغونه عن الله فلا يستقر في ذلك خطأ باتفاق المسلمين2، ثم قال: "وأما العصمة في غير ما يتعلق بتبليغ الرسالة فللناس فيه نزاع هل هو ثابت بالعقل أو بالسمع؟ ومتنازعون في العصمة من الكبائر والصغائر أو من بعضها أم هل العصمة إنما هي في الإقرار عليها لا في فعلها؟ أم لا يجب القول بالعصمة إلا في التبليغ فقط

".

1 انظر الفصل في الملل والنحل والأهواء 5/17-19.

2 انظر مجموع الفتاوى 10/290.

ص: 385

الأشياء إليه لما ابتلي بالذنب أكرم الخلق عليه، وقد ثبت في الصحاح حديث التوبة: "لله أفرح بتوبة عبده من رجل نزل منزلا

الخ "1.

وأما نسيان آدم عليه السلام وهَمُّ يوسف بالخطيئة فإنهما ليسا بقادحين في الرسالة والنبوة. فالإنسان لا يؤخذ بما نسيه، ثم إن آدم عليه السلام قد تاب من تلك الحوبة فغفر له بنص القرآن. وأما عزم يوسف فلم يكن عزما مصمما وإنما هم همًا تركه لله فأُثيب عليه حسنة وهو لم يفعل ذنبا ذكره الله عنه، وهو سبحانه لا يذكر عن أحد من الأنبياء ذنبا إلا ذكر استغفاره منه، ولم يذكر عن يوسف استغفارا من هذا الهم فعلم أنه لم يفعل ذنبًا"2.

1 انظر مجموع الفتاوى 10/292- 294، والحديث متفق عليه البخاري مع الفتح 11/102، برقم (6308) ، والنووي على صحيح مسلم 6/218-221، برقم (2675) .

2 انظر مجموع الفتاوى 15/117.

ص: 387

‌الفصل الثالث: الآثار عن عمر بن عبد العزيز في الإيمان بالرسل

والقول الذي عليه جمهور الناس وهو الموافق للآثار المنقولة عن السلف إثبات العصمة من الإقرار على الذنوب مطلقا، وهذا ما أثر عن عمر رحمه الله تعالى كما سبق. ثم قال رحمه الله: والرد على من يقول إنه يجوز إقرارهم عليها وحجج القائلين بالعصمة إذا حررت إنما تدل على هذا القول.

وحجج النفاة لا تدل على وقوع ذنب أقر عليها الأنبياء، فإن القائلين احتجوا بأن التأسي بهم مشروع، وذلك لا يجوز إلا مع تجويز كون الأفعال ذنوبا، ومعلوم أن التأسي بهم إنما هو مشروع فيما أقروا عليه دون ما نهوا عنه ورجعوا عنه، كما أن الأمر والنهي إنما تجب طاعتهم فيما لم ينسخ منه، فأما ما نسخ من الأمر والنهي فلا يجوز جعله مأمورا به ولا منهيا عنه فضلا عن وجوب اتباعه والطاعة فيه، وكذلك ما احتجوا به من أن الذنوب تنافي الكمال أو أنها ممن عظمت عليه النعمة أقبح أو أنها توجب التنفير أو نحو ذلك من الحجج العقلية، فهذا إنما يكون مع البقاء على ذلك وعدم الرجوع، وإلا فالتوبة النصوح التي يقبلها الله يرفع بها صاحبها إلى أعظم مما كان عليه. كما قال بعض السلف. كان داود عليه السلام بعد التوبة خيرا منه قبل الخطيئة. وقال آخر: لو لم تكن التوبة أحب

ص: 286