الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الرابع: الآثار عن عمر بن عبد العزيز في الخوف والرجاء
31/1- ابن سعد قال: أخبرنا عمر بن سعيد قال: حدثنا سعيد بن عبد العزيز أن عمر بن عبد العزيز استؤمر في البسط على العمال فقال: يلقون الله بخيانتهم أحب إلي من أن ألقاه بدمائهم1.
32/2- ابن سعد أيضا قال: أخبرنا علي بن محمد عن يزيد بن عياض ابن جعدبة، قال: كتب عمر بن عبد العزيز إلى سليمان بن أبي كريمة: إن أحق العباد بإجلال الله والخشية منه من ابتلاه بمثل ما ابتلاني به، ولا أحد أشد حسابا ولا أهون على الله إن عصاه مني فقد ضاق بما أنا فيه ذرعي وخفت أن تكون منزلتي التي أنا بها هلاكا إلا أن يتداركني الله منه برحمة، وقد بلغني أنك تريد الخروج في سبيل الله فأحب يا أخي إذا أخذت موقفك أن تدعو الله أن يرزقني الشهادة فإن حالي شديدة وخطري عظيم، فأسأل الله الذي ابتلاني بما ابتلاني به أن يرحمني ويعفو عني2.
1 ابن سعد الطبقات 5/376، وابن الجوزي سيرة عمر ص106-107.
وعمر بن سعيد الدمشقي يروي عن سعيد بن عبد العزيز. قال أبو حاتم: كتبت حديثه وطرحته، وقال النسائي: ليس بثقة، وقال مسلم: ضعيف الحديث، مات سنة 225هـ. انظر ميزان الاعتدال 3/199، وسعيد بن عبد العزيز التنوخي الدمشقي ثقة. انظر تقريب التهذيب ص238، والجرح والتعديل 6/111.
2 ابن سعد الطبقات 5/394- 395. ويزيد بن عياض بن جعدبة بن الليثي يكنى بأبي الحكم، كذبه الإمام مالك، وقال يحيى بن معين: ليس بشيء ضعيف. انظر الجرح والتعديل 9/283.
33/3- الفسوي قال: حدثنا الربيع بن روح حدثنا حنظلة بن عبد العزيز بن الربيع بن سبرة بن معبد الجهني، قال: حدثني أبي عن أبيه، قال: قلت لعمر بن عبد العزيز - وقد هلك ابنه وأخوه ومولاه مزاحم في أيام -: يا أمير المؤمنين ما رأيت رجلا أصيب في أيام متوالية بأعظم من مصيبتك، ما رأيت مثل ابنك ابنا ولا مثل أخيك أخا ولا مثل مولاك مولى، قال فنكس ساعة ثم قال لي: كيف قلت يا ربيع؟ فأعدتها عليه. فقال: لا والذي قضى عليهم الموت ما أحب أن شيئا من ذلك كان لم يكن من الذي أرجو من الله فيهم1.
34/4- ابن عبد الحكم قال: وكتب عمر بن عبد العزيز: من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى العمال أما بعد:
1 الفسوي المعرفة والتاريخ 1/610.
والربيع بن روْح اللاحوني - بمهملة - الحمصي ثقة من التاسعة. د س. تقريب ص206، وحنظلة بن عبد العزيز لم أجده، وعبد العزيز لم يذكره ابن أبي حاتم بجرح ولا تعديل. انظر الجرح والتعديل 5/382، والربيع بن سبرة بن معبد الجهني روى عن أبيه، وروى عنه الزهري. ولم يذكره ابن أبي حاتم بجرح ولا تعديل. الجرح والتعديل 3/462.
قلت: يحتمل أنه حرملة بن عبد العزيز بن الربيع بن سبرة الجهني من أهل ذي المروة روى عن عمه عبد الملك بن الربيع وروى عنه الحكم بن موسى ودحيم، والحميدي، ويعقوب بن حميد، قال أبو محمد: وروى عن أبيه عن جده، قال عنه يحيى بن معين: لا بأس به. الجرح والتعديل 3/274.
فإن هذا الأمر الذي ولاني الله لو كنت إنما أصبحت ورغبتي فيه مطعم أو ملبس أو مركب أو اتخاذ أزواج أو اعتقاد أموال لكنت قد بلغ بي من ذلك قبل ما ولاني من أفضل ما بلغ بعباده، ولكن أصبحت له خائفا أعلم أن فيه أمرا عظيماً، وحسابا شديدا، ومسألة لطيفة، عند مجاهدة الخصوم بين يدي الله إلا ما عافي الله ورحم ودفع، وإني آمرك فيما وليتك من عملي وأفضيت إليك من أمري بتقوى الله وأداء الأمانة، واتباع ما أمر الله به، واجتناب ما نهى الله عنه، وقلة الالتفات إلى شيء خالف ذلك، ليكون الذي آمرك به في سيرتك، والنظر في نفسك وفي عملك وما تفضي به إلى ربك وما تعمل به فيما بينك وبين الرعية قبلك، وأنت تعلم علما يقينا أنه ليست نجاة ولا حرز إلا أن تنزل بذلك المنزل من طاعة الله، ودع أن ترصد شيئا ليوم ترجوه غدا من الله، وتخاف منه فإنك رأيت عبرا في نفسك وعبرا ما مثلها وعظ مثلنا وكفي
…
1.
35/5- ابن الجوزي قال: حدثنا أبو زيد الدمشقي قال: لما ثقل عمر ابن عبد العزيز دعي له طبيب فلما نظر إليه قال الرجل: قد سقي السم، ولا آمن عليه الموت فرفع عمر بصره فقال: ولا تأمن الموت أيضا على من لم يسق السم. قال الطبيب: هل أحسست بذلك يا أمير المؤمنين؟ قال: نعم قد عرفت حين وقع في بطني. قال: فتعالج يا أمير المؤمنين؟ فإني
1 ابن عبد الحكم سيرة عمر ص81- 82، وأبو حفص الملَاّء 1/270.
أخاف أن تذهب نفسك. فقال ربي خير مذهوب إليه، والله لو علمت أن شفاي عند شحمة أذني، ما رفعت يدي إلى أذني فتناولته1، اللهم خرْ لعمر في لقائك. قال فلم يلبث أياما حتى مات2.
36/6- ابن الجوزي أيضا: وعن قتادة أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى ولي العهد من بعده: بسم الله الرحمن الرحيم. من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى يزيد بن عبد الملك. السلام عليك: فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو. أما بعد: فإني كتبت إليك وأنا دنف 3 من وجعي وقد علمت أني مسؤول عما وليت يحاسبني عليه مليك الدنيا والآخرة. ولست أستطيع أن أخفي عليه من عملي شيئا يقول تعالى فيما يقول: {فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ} 4. فإن يرضى عني الرحيم فقد أفلحت ونجوت
1 هكذا في الكتاب ولعل الصحيح "فأتناوله".
2 ابن الجوزي سيرة عمر ص340، وأبو زيد الدمشقي لم أجده. وانظر أبو حفص الملَاّء 2/638- 639، وابن عساكر 45/249، وابن أبي الدنيا كتاب المحتضرين ص82-83، ط. دار ابن حزم عام 1417هـ بيروت وهذا الأثر يدل على إحسان عمر الظن بالله وخاصة في مثل هذه الحال وبناء على ذلك فلا يعارض ما سبق من أمره بالبحث عن الخارجيين اللذين أمر بإدخالهما عليه ومن ناحية السند فان الأثر الأول أقوى إسنادا من أثرنا هذا والله أعلم.
3 دنف الرجل من مرضه براه المرض حتى أشفي على الهلاك لسان العرب9 /107
4 الآية 7 من سورة الأعراف.
من الهوان الطويل، وإن سخط علي فياويح نفسي إلى ما أصير، أسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يجيرني من النار برحمته وأن يمن علي برضوانه والجنة
…
1.
37/7- ابن القاسم عن مالك قال: إن عمر بن عبد العزيز كان رجلا عيشه هذه القطاني، وأنه أكل يوما عدسا، وشرب عليه ماء، ثم استلقى فضرب على بطنه فقال:"بطين بطيئ عن أمر الله يتمنى على الله منازل الأبرار" - شك ابن القاسم في ضرب بطنه عن مالك2.
1 ابن الجوزي سيرة عمر ص340- 341، وقتادة هو: ابن دعامة السدوسي البصري روى عن أنس بن مالك. وروى عنه سعيد بن أبي عروبة وصف بالحفظ والإتقان. انظر الجرح والتعديل 7/133- 134- 135.
والأثر رواه أبو نعيم بسنده حدثنا أبو حامد بن جبلة، ثنا محمد بن إسحاق السراج الثقفي، ثنا محمد بن الصباح، ثنا عمر بن حفص، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن عمر، به. انظر الحلية 5/274- 275.
2 ابن رشد الجد البيان والتحصيل 18/474- 475، تحقيق الدكتور محمد حجي عام 1408هـ ط. دار الغرب الإسلامي بيروت لبنان. وانظر ابن عبد الحكم سيرة عمر ص50، والفسوى في المعرفة والتاريخ 1/585، عن عبد الله بن عثمان، عن ابن المبارك، عن ميمون بن مهران، به. مع بعض الاختلاف في اللفظ.
التعليق:
يظهر مما أثر عن عمر بن عبد العزيز -رحمه الله تعالى- جمعه بين الخوف والرجاء ولا شك أن الجمع بين الخوف والرجاء هو من عقيدة السلف الصالح، وهو توسط المؤمن بين الأمن من مكر الله واليأس من روح الله، فالسلف كانوا يخافون ربهم ويرجون رحمته، وهم سائرون على ما قال تعالى:{أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ} 1.
قال أحد السلف: الخوف والرجاء، كجناحي الطائر إذا استويا استوى الطير وتم طيرانه، وإذا نقص أحدهما وقع فيه النقص، وإذا ذهبا صار الطائر في الموت2.
وقد مدح الله أهل الخوف والرجاء بقوله: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّه} 3 وبقوله تعالى: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً} 4.
1 الآية 57 من سورة الإسراء.
2 مدارج السالكين 2/37.
3 الآية 9 من سورة الزمر.
4 الآية 16 من سورة السجدة.
قال شارح الطحاوية: الرجاء يستلزم الخوف، ولولا ذلك لكان أمنا، والخوف يستلزم الرجاء ولولا ذلك لكان قنوطا ويأسا، وكل أحد إذا خفته هربت منه إلا الله تعالى فإنك إذا خفته هربت إليه فالخائف هارب من ربه إلى ربه1.
ويجب أن يكون العبد خائفا راجيا، فإن الخوف المحمود الصادق ما حال بين صاحبه وبين محارم الله
…
والرجاء المحمود رجاء رجل عمل بطاعة الله على نور من الله فهو راجٍ لثوابه أو رجل أذنب ذنبا ثم تاب منه إلى الله، فهو راجٍ لمغفرته. قال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} 2.
أما إذا كان الرجل متماديا في التفريط والخطايا يرجو رحمة الله بلا عمل فهذا هو الغرور والتمني، والرجاء الكاذب3.
ومما يجدر ذكره هنا أن بعض السلف غلَّبوا جانب الخوف وبعضهم غلَّب جانب الرجاء ولعل الصواب في ذلك أن المسلم يغلب جانب الخوف إذا كان في صحة وعافية ويغلب جانب الرجاء إذا كان في مرض
1 شرح العقيدة الطحاوية 2/456.
2 الآية 218 من سورة البقرة.
3 انظر شرح العقيدة الطحاوية 2/456.
مخوف لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بربه"1، فأمر عليه الصلاة والسلام المسلم بأن يغلب جانب الرجاء عند الموت2.
ويتضح أن بعض الآثار الواردة عن عمر ولا سيما التي قالها في مرض موته فيها تغليبه جانب الرجاء، وكل ما أثر عنه - رحمه الله تعالى - يدل على طريقة السلف الصالح في عبادتهم لربهم وخوفهم منه ورجائهم فيما عنده وهي الطريقة التي أشار إليها القرآن الكريم حين قال تعالى:{وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} 3، فإن الجمع بين الخوف والرجاء هو من أحسن الطرق التي ينبغي أن يسير عليها المسلم، لأن عبادة الله بالخوف فقط كما يفعله الخوارج تؤدي إلى القنوط واليأس، وعبادته بالرجاء فقط يؤدي إلى التكاسل عن العمل كما هو الحال عند المرجئة، وطريقة السلف بخلاف ذلك حيث جمعوا بين الخوف والرجاء4.
ويتبين من الأثر الأخير ما كان عليه عمر بن عبد العزيز من الخوف لله عز وجل، ومخافة التقصير في أمره مع الرجاء فيما عنده من أن يحله محل
1 مسلم رقم 2877، 6/329.
2 انظر شرح العقيدة الطحاوية 2/458.
3 الآية 60 من سورة المؤمنون.
4 انظر شرح العقيدة الطحاوية 2/458.
الأبرار وهذا هو الواجب أن يكون الرجاء والخوف في قلب الرجل سيين فلا يأمن من عذابه ولا يقنط من رحمته1.
1 انظر البيان والتحصيل 18/474- 475.