الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث التاسع: ما أثر عن عمر في إثبات صفة المشيئة والإرادة لله تعالى
81/14- الآجري قال: وأخبرنا الفريابي، نا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: نا عبد الله بن إدريس، عن عمر بن ذر، قال: قال عمر بن عبد العزيز: لو أراد الله تعالى أن لا يعصَى ما خلق إبليس وهو رأس الخطيئة1.
82/15- الآجري قال: وحدثني أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبد الحميد الواسطي، قال: نا أبو موسى محمد بن المثنى، قال: نا مؤمل بن إسماعيل، قال: نا سفيان الثوري، قال: حدثني شيخ، قال مؤمل: زعموا أنه أبو رجاء الخراساني أن عدي بن أرطأة كتب إلى عمر بن عبد العزيز: إن قبلنا قوما يقولون: لا قدر فاكتب إلي برأيك، واكتب إلي بالحكم
1 الآجرى في الشريعة 1/440، ورواه البيهقي في الأسماء والصفات ص222، واللالكائي في السنة برقم (1245) ، وابن بطة في الإبانة برقم (1846) 2/238، وعبد الله بن الإمام أحمد في السنة رقم 936، وصحح هذا الأثر محقق كتاب الشريعة. وعبد الله بن إدريس بن يزيد الأودي الكوفي روى عنه ابن أبي شيبة وغيره ثقة حجة. انظر الجرح والتعديل 5/8-9.
فيهم، فكتب إليه: أما بعد فإني أوصيك بتقوى الله والاقتصاد في أمره
…
وفيها:
…
وما يقدر يكن، وما شاء كان وما لم يشأ لم يكن....1.
التعليق:
إن مما أثر عن عمر بن عبد العزيز هنا يدل دلالة واضحة على إثبات صفة الإرادة لله تعالى كما يليق بجلاله، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى واصفا قول أهل السنة في الإرادة وهو أن الله تعالى لم يزل مريدا بإرادات متعاقبة، فنوع الإرادة قديم، وأما إرادة الشيء المعين فإنما يريده في وقته2. وكونه تعالى متصفا بصفة الإرادة هو صريح ما دل عليه الكتاب. قال تعالى:{فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} 3، وقال عز وجل:{إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} 4، وقال تعالى: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا
1 الشريعة للآجري 1/443- 445، وأخرجه أبو داود 4/202، وصححه الشيخ الألباني في صحيح سنن أبي داود برقم 3856.
2 انظر: مجموع الفتاوى 16/303.
3 الآية 16 من سورة البروج.
4 الآية 82 من سورة يس
مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً} 1، وقال عز وجل:{يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} 2، وغيرها من الآيات وقد ضل كثير من الطوائف في هذه الصفة وخالفهم التوفيق فالأشاعرة ذهبوا إلى أنه تعالى مريد بإرادة قديمة3 أزلية واحدة وإنما يتجدد تعلقها بالمراد ونسبتها إلى الجميع واحدة، ولكن من خواص الإرادة أنها تخصص بلا مخصص4.
وكثير من العقلاء يقول: إن هذا فساده معلوم بالاضطرار حتى قال أبو البركات: ليس في العقلاء من قال بهذا.
وما علم أنه قول طائفة كبيرة من أهل النظر والكلام، وبطلانه من جهات: من جهة جعل إرادة هذا غير إرادة ذاك، ومن جهة أنه جعل الإرادة تخصص لذاتها، ومن جهة أنه لم يجعل عند وجود الحوادث شيئا حدث حتى تخصص أولا تخصص. بل تجددت نسبة عدمية ليست وجودا
1 الآية 16 من سورة الإسراء.
2 الآية 185 من سورة البقرة.
3 انظر الإرشاد للجويني ص102.
4 انظر: الفتاوى 16/301-302.
وهذا ليس بشيء، فلم يتجدد شيء فصارت الحوادث تحدث وتتخصص بلا سبب حادث ولا مخصص، والكرامية وغيرهم يقولون بإرادة واحدة قديمة مثل الأشاعرة لكنهم يقولون تحدث عند تجدد الأفعال إرادات في ذاته بتلك المشيئة القديمة، وهؤلاء أقرب من حيث أثبتوا إرادات الأفعال ولكن يلزمهم ما لزم أولئك من حيث أثبتوا حوادث بلا سبب حادث، وتخصيصات بلا مخصص، وجعلوا تلك الإرادة واحدة تتعلق بجميع الإرادات الحادثة، وجعلوها أيضا تخصص لذاتها ولم يجعلوا عند وجود الإرادات الحادثة شيئا حدث حتى تخصص تلك الإرادات الحدوث، وأما المعتزلة والجهمية فإنهم ينفون قيام الإرادة بالله تعالى، ثم إما أن يقولوا بنفي الإرادة أو يفسرونها بنفس الأمر والفعل، أو يقولوا بحدوث إرادة لا في محل كقول البصريين1.
والسبب في هذا هو إنكارهم للأفعال الاختيارية لله تبارك وتعالى فلذا قالوا بإرادة قديمة واحدة والله أعلم.
1 انظر: مجموع الفتاوى 16/301- 302- 303.