الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الرابع: الآثار عن عمر في الإيمان بالحوض
.
146/1- أبو زرعة قال: حدثني عبد الرحمن بن إبراهيم، حدثنا الوليد ابن مسلم عن يحيى بن الحارث عن أبي سلام، قال: كتب عمر بن عبد العزيز إلى صاحب دمشق أن سل أبا سلام عما سمع من ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحوض فإن كان يثبته فاحمله على مركبة من البريد1.147/1- ابن الجوزي قال: حدثنا إسماعيل بن عياش، عن العباس بن سالم اللخمي قال: بعث عمر بن عبد العزيز إلى أبي سلام الحبشي يحمل على البريد. فلما قدم عليه قال: لقد شق علي، قال: عمر: ما أردنا ذلك ولكنه بلغني عنك حديث ثوبان في الحوض فأحببت أن أشافهك به، فقال: سمعت ثوبان: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن حوضي من عدن2
1 تاريخ أبي زرعة الدمشقي ص164،وابن كثير البداية والنهاية 5 /226 وعبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي يعرف بدحيم اليتيم روى عن الوليد بن مسلم، ثقة. انظر الجرح والتعديل 5/211- 212، والوليد بن مسلم القرشي مولاهم ثقة لكنه كثير التدليس. تقريب ص584، ويحيى بن الحارث الذمارى بكسر المعجمة وتخفيف الميم أبو عمرو الشامي القارئ ثقة. تقريب ص589. وأبو سلام هو ممطور الأسود الحبشي ثقة يرسل. تقريب ص545. وسيأتي الأثر برقم 226، و227.
2 عدن: بالتحريك آخره نون مدينة مشهورة على ساحل بحر الهند من ناحية اليمن. انظر معجم البلدان 4/89.
إلى عمان البلقاء1 ماؤه أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل، وأكوابه عدد نجوم السماء، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا، أول الناس ورودا عليه فقراء المهاجرين
…
"2.
147/2- أبو زرعة قال: أخبرني يحيى بن صالح الوحاظي، قال: حدثنا محمد بن مهاجر، عن العباس بن سالم، عن أبي سلام: أنه دخل على عمر بن عبد العزيز فقال: لقد شققت علي يا أمير المؤمنين، قال: ما أردت ذاك ولكن أحببت أن تشافهني بحديث ثوبان في الحوض3.
1 عَمَّان بالفتح ثم التشديد وآخره نون بلد في طرف الشام وكانت قصبة أرض البلقاء. انظر معجم البلدان 4/151.
2 ابن الجوزي سيرة عمر ص37، إسماعيل بن عياش بن سليم العنسي بالنون أبو عتبة الحمصي صدوق في روايته عن أهل بلده مخلط في غيرهم من الثامنة. تقريب ص109.
والعباس بن سالم اللخمي الدمشقي ثقة من السادسة. د ت ق. تقريب ص294، والحديث صححه الشيخ الألباني في السلسلة برقم 1082. وقد أخرج الأثر أبو حفص الملاء 2/584- 585.
3 تاريخ أبي زرعة ص164، ومن طريقه ابن عساكر45/216 ويحيى بن صالح الوحاظي الحمصي صدوق. تقريب ص591.
والعباس بن سالم الدمشقي ثقة. تقريب ص293.
التعليق:
يتبين من الآثار الواردة عن عمر بن عبد العزيز في هذا المبحث الإيمان بالحوض على حقيقته كما جاء في الكتاب والسنة، ولا شك أن الإيمان بالحوض كما جاء في النصوص الصحيحة هو عقيدة أهل السنة والجماعة، استنادا إلى النصوص الصريحة بذلك، فمنها ما ورد في الصحيح عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"أنا فرطكم على الحوض وليرفعن رجال منكم ثم ليختلجن دوني فأقول يارب أصحابي فيقال إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك"1.
وأدلة إثبات الحوض في السنة بلغت حد التواتر، وأما بالنسبة للقرآن فإنه لم يرد التصريح به، إلا أن من العلماء من جعل الحوض بمعنى الكوثر، ثم استدل لإثبات الحوض بسورة الكوثر تغليبا لاسم الكوثر على اسم الحوض. والذي يظهر من النصوص ومن كلام العلماء أن الحوض في الموقف والكوثر في الجنة، وبينهما اتصال قوي، حيث يصب من الكوثر إلى الحوض الذي هو في عرصات القيامة2.
1 البخاري مع الفتح 11/463، رقم (6575) .
2 انظر الحياة الآخرة لشيخنا الدكتور غالب العواجي 2/1409 ط. دار لينة ط. الأولى 1417هـ مطابع الفاروق الحديثة القاهرة.
وقد أولت المعتزلة الأدلة الصحيحة السابقة وأنكروا وجود الحوض، وكذلك الخوارج. قال ابن حجر وأنكرت طائفة من المبتدعة الحوض، وأحالوه على ظاهره، وغلوا في تأويله من غير استحالة عقلية ولا عادية تلزم من حمله على ظاهره وحقيقته، ولا حاجة تدعو إلى تأويله فخرقوا إجماع السلف وفارقوا مذهب الخلف1.
وقد كان السلف يقولون عن منكري الحوض عبارتهم المشهورة: "من كذب به فلا سقاه الله منه"، ولا شك أن حرص عمر رحمه الله تعالى في سماع الحديث من أبي سلام دليل على شدة حبه للعقيدة الصحيحة والتأكد من رواتها، ومشافهتهم حتى يطمئن قلبه رحمه الله، كما أنه يمكن أن يستدل بعمل عمر هذا على الرد على من ينكر الحوض، حيث شافه من سمع الحديث من ثوبان رضي الله عنه مع شهرة أحاديث الحوض بين الصحابة.
وقد تقدم أن أحاديث الحوض بلغت حد التواتر، وقد وقع الخلاف بين العلماء في تحديد مسافة الحوض، وهو ناشئ عن اختلاف الروايات في تحديده، فقد ورد أن طوله وعرضه مسيرة شهر، وأنه كما بين عدن وعمان، وما بين صنعاء والمدينة، وما بين المدينة وعمان، وما بين أيلة ومكة، وما بين المدينة وبيت المقدس، وغير ذلك. قال بعض العلماء وهذا الاختلاف والاضطراب لا يوجب الضعف، لأنه من اختلاف التقدير
1 انظر البخاري مع الفتح 11/467.
والتحديد، لا من الاختلاف في الرواية، لأن ذلك لم يقع في حديث واحد فيعد اضطرابا، وإنما جاء في أحاديث مختلفة عن غير واحد من الصحابة وقد سمعوه في مواطن متعددة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يمثل لكل قوم الحوض بحسب ما يعلم المتكلم ويفهم السائل وبحسب ما يسنح له صلى الله عليه وسلم من العبارة ويحدد الحوض بحسب ما يفهم الحاضرون من الإشارة1.
1 لوامع الأنوار البهية 3/201- 202. وانظر الحياة الآخرة 2/1447-1451.