الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث العاشر: ما أثر عن عمر في إثبات صفة الغضب كما يليق لله تعالى
83/16- ابن عبد الحكم قال: وخرج سليمان بن عبد الملك ومعه عمر بن عبد العزيز إلى الحج فأصابهم مطر شديد ورعد برق فقال سليمان: هل رأيت مثل هذا يا أبا حفص؟ فقال: يا أمير المؤمنين هذا في حين رحمته فكيف به في حين غضبه1.
84/17- ابن كثير قال: روى ابن أبي الدنيا قال: ثنا إسحاق بن إسماعيل، ثنا جرير، عن عطاء بن السائب قال: كان عمر بن عبد العزيز في سفر مع سليمان بن عبد لملك فأصابهم السماء برعد وبرق، وظلمة، وريح شديدة، حتى فزعوا لذلك وجعل عمر بن عبد العزيز يضحك، فقال له سليمان: ما يضحكك يا عمر؟ أما ترى ما نحن فيه؟ فقال له يا أمير المؤمنين هذا آثار رحمته فيها شدائد ما ترى فكيف بآثار سخطه وغضبه2.
1 ابن عبد الحكم سيرة عمر ص30.
2 ابن كثير البداية والنهاية 5/201، إسحاق بن إسماعيل أبو يعقوب المعروف بالطالقاني سمع جرير بن عبد الحميد وسفيان بن عيينة ثقة. انظر تاريخ بغداد 6/334- 337، وجرير بن عبد الحميد بن قرط الضبي الكوفي نزيل الري وقاضيها ثقة صحيح الكتاب قيل: كان في آخر عمره يهم من حفظه تقريب ص139، وعطاء بن السائب أبو محمد، ويقال أبو السائب الثقفي صدوق اختلط. تقريب ص391.
85/18- أبو نعيم الحافظ قال: حدثنا أبو حامد ثنا محمد بن إسحاق ثنا إبراهيم بن هانئ، ثنا سعيد بن أبي مريم، ثنا إسماعيل بن إبراهيم بن أبي حبيبة أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى بعض عماله: "أما بعد: فإني أوصيك بتقوى الله ولزوم طاعته فإن بتقوى الله نجا أولياء الله من سخطه
…
"1.
86/19- الدارمي قال: حدثنا سعيد بن أبي مريم المصري ابنا إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة الأنصاري قال: كتب عمر بن عبد العزيز إلى بعض أمراء الأجناد: "أما بعد: إني أوصيك بتقوى الله وطاعته والتمسك بأمره، والمعاهدة على ما حملك الله من دينه واستحفظك من كتابه فإن بتقوى الله نجا أولياؤه من سخطه
…
"2.
1 أبو نعيم في الحلية 5/278، وابن الجوزي سيرة عمر ص114، وأبو حفص الملاء 2/466-467، وفي الأثر إسماعيل بن إبراهيم بن أبي حبيبة الأنصاري مجهول. انظر الجرح والتعديل 2/156.
2 الرد على الجهمية للدارمي ص 103 تحقيق بدر البدر، وقال إسناده ضعيف لأن إسماعيل بن إبراهيم ضعيف. قلت: لكن معناه صحيح.
التعليق:
يتبين من الآثار المتقدمة المأثورة عن عمر بن عبد العزيز إثبات صفة الغضب كما يليق بجلال الله وعظمته وهذه الصفة يثبتها السلف الصالح لدلالة الكتاب والسنة على ذلك قال تعالى: {وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ} 1، وقوله عز وجل:{وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ} 2.
وهناك عدد من آيات الكتاب المبين في إثبات هذه الصفة، ومذهب سائر الأئمة إثباتها كما أن هناك أحاديث تؤكد ما جاء في هؤلاء الآي من وصف الله بالغضب، كما يليق به وإن هذا الغضب يحدث في وقت دون وقت، ومن ذلك ما جاء في حديث الشفاعة الطويل وهو سبحانه يخبر عما يقوله الأنبياء اعتذارا للناس عند ما يتقدمون إليهم لطلب الشفاعة، فكل واحد منهم يقول: "إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله اذهبوا إلى غيري
…
"3، إلى آخر الحديث، والحديث يدل دلالة واضحة على إثبات صفة الغضب ومحل
1 الآية 61 من سورة البقرة.
2 الآية 93 من سورة النساء.
3 البخاري مع الفتح 6/371، برقم (3340) ، ومسلم 1/428، برقم (327) .
الشاهد من الحديث: "إن ربي قد غضب اليوم" واللفظ صريح في أن الله يغضب في ذلك اليوم غضبالم يغضب مثله قبل ذلك كما لا يغضب بعده مثله1.
وكذلك حديث كلام الرب لأهل الجنة وهو قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله تعالى يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة، فيقولون: لبيك ربنا وسعديك والخير في يديك، فيقول هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى يارب وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك فيقول: ألا أعطيكم أفضل من ذلك؟ فيقولون: يارب وأي شيء أفضل من ذلك: فيقول أُحِلّ عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبدا"2.
وقد حاول المتكلمون إنكار هذه الصفة فركبوا مطيتهم المعروفة بالتأويل، فصرفوا هذه النصوص، وفسروا الغضب بأنه انتقام الله تعالى ممن عصاه، أو إرادته العقوبة لأهل المعاصي 3.
ويرد عليهم بأن الأصل حمل الكلام على الحقيقة، وبإجماع السلف الصالح ومنهم كما تقدم عمر بن عبد العزيز على إثبات هذه الصفة،
1 انظر: الجامي محمد أمان رحمه الله الصفات الإلهية ص298- 299.
2 البخاري مع الفتح 11/415، برقم (6549) ، ومسلم 6/300، برقم (2829) .
3 انظر: الإنصاف للباقلاني ص 62-63.
وبالقاعدة المطردة، وهي أن الكلام في بعض الصفات كالقول في بعض، فإنهم يقولون بأن الله تعالى حي بحياة عليم بعلم مريد بإرادة، ويجعلون ذلك كله حقيقة، فيقال لهم لا فرق بين ما نفيته وبين ما أثبته، بل القول في أحدهما كالقول في الآخر، فإن قلت: الغضب غليان دم القلب لطلب الانتقام فيقال لك ،والإرادة ميل النفس إلى جلب منفعة أو دفع مضرة، فإن قلت هذه إرادة المخلوق قيل لك وهذا غضب المخلوق1.
فالتسليم لنصوص الوحي واتباع منهج السلف الصالح هو سبيل المؤمنين الذي من اتبعه وصل إلى الحق واليقين، ومن حاد عنه وركب هواه فمسلكه خطير، وطريقه معوج، والله يهدي من يشاء إلى سواء السبيل.
1 انظر: مجموع الفتاوى 3/17- 18.