الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل السابع: الآثار الواردة عن عمر في تعريف الإيمان وما يتعلق به من مسائل
المبحث الأول: الآثار الواردة عنه في تعريف الإيمان
…
تمهيد:
تعريف الإيمان لغة: الإيمان مصدر آمن يؤمن إيمانا فهو مؤمن1، وأصل آمن أأمن بهمزتين لينت الثانية2، وهو من الأمن ضد الخوف3. قال الأزهري: "واتفق أهل العلم من اللغويين وغيرهم أن الإيمان معناه: التصديق4.
والصحيح أنه قد عرف بعدة تعريفات فقيل: هو التصديق4، وقيل هو الثقة5، وقيل هو الطمأنينة6، وقيل هو الإقرار7.
وقد اختار شيخ الإسلام ابن تيمية في تعريف الإيمان اللغوي أنه بمعنى الإقرار 8، لأنه رأى لفظة أقرّ أصدق في الدلالة على معنى الإيمان من
غيرها من الألفاظ التي فسر بها الإيمان9.
تعريف الإيمان اصطلاحا: الإيمان في الاصطلاح: هو قول باللسان واعتقاد بالقلب وعمل بالجوارح يزيد وينقص، وهذا هو الحق الذي يدل عليه نصوص الكتاب والسنة وهو المأثور عن عمر بن عبد العزيز كما يأتي:
1 انظر: تهذيب اللغة للأزهري 15/513، ط. دار الكتاب العربي عام 1967م.
2 انظر: الصحاح للجوهري 5/2071.
3 انظر: المفردات للراغب الاصفهاني ص35، والقاموس المحيط ص1518.
4 انظر: تهذيب اللغة 15/515.
5 انظر: الصحاح للجوهري 5/2071، وتهذيب اللغة 15/516.
6 انظر: تهذيب اللغة 15/516.
7 انظر: مجموع الفتاوى 7/638.
8 انظر: تهذيب اللغة 15/516.
9 انظر زيادة الإيمان ونقصانه وحكم الاستثناء فيه للشيخ الدكتور عبد الرزاق العباد البدر ص17 ط. دار القلم والكتاب الطبعة الأولى عام 1446هـ. 1996م. الرياض المملكة العربية السعودية.
المبحث الأول: الآثار عن عمر بن عبد العزيز في تعريف الإيمان.
180/1- ابن أبي شيبة قال: حدثنا أبو أسامة عن جرير بن حازم حدثني عيسى بن عاصم حدثني عدي بن عدي، قال: كتب إلي عمر بن عبد العزيز أما بعد: فإن الإيمان فرائض، وشرائع، وحدودا، وسننا، فمن استكملها استكمل الإيمان، ومن لم يستكملها لم يستكمل الإيمان، فإن أعش فسأبينها لكم حتى تعملوا بها، وإن أمت فما أنا على صحبتكم بحريص1.
1 ابن أبى شيبة في الإيمان ص48، والبخاري مع الفتح 1/45، واللالكائى في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة 4/926، برقم 1572، والبغوي في شرح السنة 1/40، وابن عساكر 45/203، وقوَّام السنة في الحجة في بيان المحجة 2/150، وابن عبد الحكم سيرة عمر ص60، وابن بطة في الإبانة 2/859، والبيهقي في الشعب 1/197، وأبو حفص الملاء 1/38، والخلال في السنة 4/57، وصحح إسناده الشيخ الألباني ومحقق كتاب السنة للخلال.
وأبو أسامة هو حماد بن أسامة بن زيد القرشي روى عن الأعمش، وروى عنه عبد الله وعثمان ابنا أبي شيبة، وهو ثقة ثبت. انظر الجرح والتعديل 3/132- 133، وجرير بن حازم بن زيد بن عبد الله الأزدي أبو النضر البصري، والد وهب ثقة. تقريب ص138.
وعيسى بن عاصم الأسدي الكوفي ثقة. تقريب ص439.
وعدي بن عدي بن عميرة -بفتح المهملة- الكندي أبو فروة الجزري ثقة فقيه عمل لعمر بن عبد العزيز على الموصل من الرابعة مات سنة 120هـ. تقريب ص388. وسيأتي برقم 182، و319.
181/2- ابن أبي شيبة أيضا قال: حدثنا عمر بن أيوب عن جعفر بن برقان، قال: كتب إلينا عمر بن عبد العزيز أما بعد: فإن عرى الدين وقوائم الإسلام الإيمان بالله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، فصلوا الصلاة لوقتها1.
التعليق:
يدل ما أثر عن عمر بن عبد العزيز في هذا المبحث على تعريف الإيمان، حيث بين رحمه الله تعالى أن الإيمان فرائض أي: أعمالا مفروضة كالصلاة والحج والصوم، وشرائع أي: عقائد دينية كالإيمان بالله وملائكته، وحدودا أي: منهيات ممنوعة كشرب الخمر والزنا، وسننا أي: مندوبات كإماطة الأذى عن الطريق2، وغيرها من المندوبات فهذه الأمور كلها من الإيمان.
1 ابن أبى شيبة في الإيمان ص23، وابن عبد الحكم سيرة عمر ص72.
وعمر بن أيوب العبدي الموصلي صدوق له أوهام. تقريب ص410.
2 انظر البخاري مع الفتح 1/47.
وهذا المأثور عن عمر هو الحق الذي يدل عليه الكتاب والسنة وأقوال السلف الصالح. فالإيمان عند أهل الحق: قول باللسان وتصديق بالجنان وعمل بالأركان.
فمن الأدلة الدالة على أن الإيمان قول باللسان قوله تعالى: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ} 1. وقوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة رضي الله عنه: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فمن قال لا إله إلا الله فقد عصم مني نفسه وماله إلا بحقه وحسابه على الله"2.
ومن الأدلة على أن أعمال القلوب من الإيمان قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ
…
} 3، والوجل من أعمال القلوب. وقد سمى في الآية إيمانا.
ومن الأدلة على أن أعمال الجوارح من الإيمان قوله تعالى: {
…
وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُم
…
} 4، يبين ذلك سبب نزول الآية حين سئل
1 الآية 136 من سورة البقرة.
2 البخاري مع الفتح3/262، برقم (1399) ، ومسلم1/168- 169، رقم (32) .
3 الآية 2 من سورة الأنفال.
4 الآية 143 من سورة البقرة.
عليه السلام: أرأيت الذين ماتوا وهم يصلون إلى بيت المقدس؟ فأنزل الله عز وجل: {
…
وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُم} وفي هذا دلالة على أنه تعالى سمى صلاتهم إلى بيت المقدس إيمانا فإذا ثبت ذلك في الصلاة ثبت ذلك في سائر الطاعات1.
ومن أقوال سلف الأمة في تعريف الإيمان وأنه يشمل الأعمال، والأقوال، والعقائد، ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى حيث قال:
…
جمهور السلف، وهو مذهب أهل الحديث وهو المنسوب إلى أهل السنة أن الإيمان قول وعمل
…
وربما قال بعضهم قول وعمل ونية، وربما قال آخر: قول وعمل ونية واتباع السنة، وربما قال: قول باللسان واعتقاد بالجنان، وعمل بالأركان أي بالجوارح
…
".
وقال الآجري: اعلموا رحمنا الله وإياكم أن الذي عليه علماء المسلمين أن الإيمان واجب على جميع الخلق وهو تصديق بالقلب وإقرار باللسان وعمل بالجوارح.
ثم اعلموا أنه لا تجزئ المعرفة بالقلب والتصديق إلا أن يكون معه الإيمان باللسان نطقا، ولا تجزئ معرفة القلب ونطق اللسان حتى يكون
1 انظر الاعتقاد للبيهقي ص95- 96، وتفسير ابن كثير 1/192، وسنن الترمذي 5/192.
عمل بالجوارح، فإذا كملت فيه هذه الثلاث الخصال كان مؤمنا دل على ذلك الكتاب والسنة وقول علماء المسلمين1.
ثم روى بأسانيده عن عدد من السلف أن الإيمان قول وعمل2.
هذا هو القول الصحيح في تعريف الإيمان وقد ضل في هذه المسألة طوائف ويمكن تقسيم قولهم في الإيمان إلى قسمين:
قسم يدخلون العمل في الإيمان ويجعلونه شرطا في صحته، وقسم يخرجون العمل من الإيمان وهم أقسام ويجمعهم وصف الإرجاء3.
أما أهل القسم الأول فهم الخوارج والمعتزلة، يقولون: إن الإيمان قول واعتقاد وعمل، لكن الإيمان عندهم كل واحد لا يتجزأ إذا ذهب بعضه ذهب كله فمن أخل بالأعمال ذهب إيمانه باتفاق الطائفتين، وهو كافر عند الخوارج وفي منزلة بين المنزلتين عند المعتزلة4.
وفساد هذا القول ظاهر فإن نصوص الكتاب والسنة وما أثر عن عمر هنا في تعريف الإيمان وزيادته ونقصانه وما نقل عن غيره من السلف كل
1 الشريعة للآجري 1/274.
2 الشريعة1/288.
3 انظر زيادة الإيمان ونقصانه وحكم الاستثناء فيه للشيخ الدكتور عبد الرزاق العباد البدر ص26.
4 انظر مجموع الفتاوى13/48،وزيادة الإيمان ونقصانه وحكم الاستثناء فيه ص26.
ذلك يدل على تبعض الإيمان وتفاضله وزيادته ونقصانه، وستأتي المسألة في المبحث التالي إن شاء الله تعالى.
وأما أهل القسم الثاني وهم المرجئة فهؤلاء ثلاثة أصناف:
1-
صنف يقولون: الإيمان مجرد ما في القلب، ثم من هؤلاء من يدخل فيه أعمال القلوب وهم أكثر المرجئة ومنهم من لا يدخلها في الإيمان كجهم ومن اتبعه.
2-
وصنف يقولون: هو مجرد قول اللسان وهذا لا يعرف لأحد قبل الكرامية.
3-
وصنف يقولون: هو تصديق القلب وقول اللسان. وهذا المشهور عن أهل الفقه والعبادة منهم1.
وهذه الأقوال فاسدة وأشدها فسادا وخبثا قول الجهمية الغلاة فإن لازم قولهم أن فرعون وإبليس -واليهود وأمثالهم مؤمنون كاملي الإيمان.
ثم يلي قول جهم في الفساد قول الكرامية أن الإيمان هو قول اللسان فقط، ثم يلي هذا القول: قول المرجئة الفقهاء: أن الإيمان اعتقاد في القلب وقول باللسان.
1 انظر مجموع الفتاوى 7/195.
وجميع هذه الأقوال بعيدة عن الحق مجانبة للصواب الوارد في الكتاب والسنة وأقوال سلف الأمة. ومنهم عمر بن عبد العزيز رحمه الله كما سبق في الآثار.
تبقى الإشارة إلى أن الأثر الوارد عن عمر في تعريف الإيمان قد جاء بروايتين "أن الإيمان""وأن الإسلام" كما عند ابن عبد الحكم، وابن عساكر، فهل الإسلام والإيمان لفظتان مترادفتان؟
اختلف أهل العلم في ذلك فذهب بعضهم إلى أنهما لفظتان مترادفتان، بينما ذهب الآخرون إلى أنهما متغايرتان، والصحيح أنهما إذا اجتمعا افترقا، وإذا افترقا اجتمعا.
وهذا هو المشهور عند العلماء المحققين حين يذكرون حقيقتهما يقررون أنه في الشرع لهما حالتان:
أ- أن يطلق الإسلام على الافراد غير مقترن بذكر الإيمان فهو حينئذ يراد به الدين كله أصوله وفروعه، من اعتقاداته وأقواله وأفعاله كقوله تعالى:{وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً} 1، وقوله تعالى:{وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} 2.
1 الآية 3 من سورة المائدة.
2 الآية 84 من سور آل عمران.
ب- أن يطلق الإسلام مقترنا بالإيمان فهو حينئذ يراد به الأعمال والأقوال الظاهرة وذلك كقوله تعالى: {قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ
…
} 1.
ووجه الجمع والتفريق بين الإسلام والإيمان حال الاجتماع والافتراق يتضح بتقرير أصل عظيم وهو "أن من الأسماء ما يكون شاملا لمسميات متعددة عند إفراده وإطلاقه فإذا قرن ذلك الاسم بغيره صار دالا على بعض تلك المسميات والاسم المقرون دال على باقيها.
فإذا يقال: إذا أُفرد كل من الإسلام والإيمان بالذكر فلا فرق بينهما حينئذ وإن قرن بين الاسمين كان بينهما فرق، وعليه فهما إذا اجتمعا افترقا وإذا افترقا اجتمعا. فاجتماعهما في الذكر يقتضي افتراقهما في المعنى، وافتراقهما في الذكر يقتضي اجتماعهما في المعنى2.
1 الآية 14 من سورة الحجرات.
2 انظر جامع العلوم والحكم لابن رجب ص26.