الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس السادس
(خصوصية الأدب العربي وميزاته الحضارية)
نشأة الأدب العربي وسماته الخاصة
خصوصية الأدب العربي وميزاته الحضارية:
للأستاذ أنور الجندي رحمه الله عليه كتاب بعنوان (خصائص الأدب العربي في مواجهة نظريات النقد الأدبي الحديث)، وهو كتاب يثير الفكر، ويحرك العقول ويستفزنا إلى البحث عن ما يغني أدبنا، ويحافظ على أصالته وقيمه الخيرة، وينفي عنه أوضار التقليد الضار الذي يضيع معالمه ويفسده ويحمِلُه ما لا نرضاه له من مضامين مؤذية تتنافي، وقيمنا الإسلامية الكريمة.
وإن كنا لا نتفق معه في كل ما قال، ولعل أول ما يثيره الكتاب من قضايا هو قوله "إن الأدب العربي لم يتشكل في صورته الحقيقية إلا منذ ظهور الإسلام الذي جمع العرب في الجزيرة العربية، فكان عاملًا في تحويل العرب إلى أمة تامة".
ومعنى هذا: أنه يلغي تاريخ الأدب العربي قبل الإسلام تمامًا، وهو ما لا نستطيع تقبله إذ لا يمكن إلغاء كل ذلك التاريخ دفعة واحدة كأنه لم يكن، فضلًا عن أن تجاهلنا لتلك الفترة التي لا يعلم مقدار طولها الحقيقي إلا الله سبحانه وتعالى إذ إن أدب تلك الفترة ماثل أمام أعيننا طوال الوقت، متمثلًا فيما يسمي بالأدب الجاهلي، كما أن ذلك الأدب يتضمن كثيرًا من القيم الكريمة التي لم يلغها الإسلام، بل باركها ورحب بها وأبقاها، كقيمة العفاف والكرم والنجدة والمروءة مثلًا.
كذلك فإن اللغة التي كتب وما زال يكتب بها الأدب العربي منذ سطوع شمس الإسلام إلى يوم الناس هذا، إنما قد ورثناها عن ذلك الأدب، علاوة على أنه يعطينا صورة دقيقة للمجتمع العربي في ذلك الحين، فهو إذًا وثيقة لغوية وتاريخية، واجتماعية في غاية الأهمية، فكيف نتنكر بهذه السهولة للأدب الذي أورثنا تلك اللغة العبقرية، وقدم لنا تلك الصورة الصادقة للمجتمع العربي في فترة الجاهلية؟.
وإذا كان الرسول الكريم وصحابته الأطهار لم يتنكروا لذلك الأدب أو يديروا ظهورهم له جميعه عاطلًا مع باطل، فكيف يتصور متصور أن نصنع نحن ما لم يدر لهم ببال؟.
لو أنه قال: إننا حين ندرس الأدب الجاهلي ينبغي أن نكون على ذكر من اعتماد ما فيه من قيم كريمة، ونبذ عكسها لما يحتويه من قيم ضارة، لكنا نوافقه تمام الموافقة، وهذا بالمناسبة هو موقفنا من الأدب العربي جميعه، حتى في مرحلة صدر الإسلامي، وهي المرحلة التي قد يظن أن أدبها صورة مطابقة تمامًا للقيم الإسلامية، ألا وهو وجوب وضع هذا الأدب في كل عصوره تحت المجهر، فما كان في مضامينهم متفقًا مع قيم الخير والجمال والحق قبلناه، وما لم يكن قلنا فيه رأينا بمنتهى الصراحة، واستنكرنا ما تضمنه من قيم الزيف والتشويه والأذى، على أن يكون مرجعنا في هذا هو الإسلام وقيمه ومبادئه.
وليس معنى ذلك أننا ننادي بتحويل الأدب العربي إلى مواعظ ونشرات دينية. بل معناه أن نترك للأديب الحرية كاملة داخل ذلك النظام القيمي الإسلامي، فلا يناقِ ض هـ ولا ينقضه، وهو حر بعد هذا يتناول من الموضوعات ما يشاء على النحو الفني الذي يشاء، أي: أننا في نفس الوقت الذي لا نوجب على الأديب مثلًا أن يأمر الناس بالصلاة، لا نقبل منه أن يكتب قصيدة أو قصة أو غير ذلك من الإبداعات الأدبية، يحرض الناس فيه على ترك الصلاة، أو يسخر من المصليين وهكذا.
قد يقال: إنّ الأدَبَ والفن لا يزدهران إلا في جو الحرية، فنجيب بأن الحرية المطلقة لا وجود لها في أي مكان في العالم، والذين ينادون بهذا إنما يريدون التفلت من قيم الإسلام إلى قيم أخرى، يريدون نشرها تحت ستار حرية التعبير،
وهذا واضح مفهوم رغم كل الغبار الذي يثيره هؤلاء في أعيننا كي لا نطلع على ما يخططون له.
وهذا كله إن كان قصدنا أن نرسم الأدب العربي شيئًا يستأنس به الأدباء في إبداعاتهم، أما إن كان المراد رسم صورة الأدب العربي في مسيرته الطويلة كما هو، فهذا موضوع آخر، وهو ما نرد الحديث فيه الآن، فأما من الناحية اللغوية فكانت العربية الفصحى هي أداته التي لا يعرف أداة غيرها، اللهم إلا في الزجل الأندلسي تقريبًا.
وفي بعض خرجات الموشحات الأندلسية التي قد تختلط فيها بعض الكلمات الأجنبية بالكلمات العامية، ثم جاء العصر الحديث، فأثيرت مسألة الكتابة بالعامية، وتولى كبر الدعوة إليها على حساب الفصحى طائفة من عتاة المستشرقين، الذين لا تهمهم المسألة بذاتها قليلة أو كثيرة، لكنهم إنما كانوا يرمون من وراء ذلك إلى القضاء على لغة القرآن، لتمزيق الروابط التي تصلنا بالتراث، وبكتاب الله وأحاديث رسول الله، ومن ثم ننسلخ عن ماضينا وهويتنا، ونُضحي أمساخًا مشوهة لا هم لها إلا تقليد الغرب في كل شيء.
ثم سرعان ما رأينا بعض الكتاب من الأدباء والنقاد، يزينون لكتاب القصص والمسرحيات اصطناع العامية في الحوار، بحجة الحفاظ على الواقعية، وصدق التصوير.
ثم تتابعت الكتابات التي تفعل ذلك، وكثرت نسبيًّا، وإن كان هناك في ذات الوقت أدباء كثيرون وبخاصة ذوي المقامات والمواهب العالية لا يزالون يلتزمون الفصحى في كل شيء، سردًا وحوارًا ووصفًا.