المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌خصائص الأدب العربي - الأدب المقارن - جامعة المدينة (بكالوريوس)

[جامعة المدينة العالمية]

فهرس الكتاب

- ‌الدرس: 1 الأدب المقارن نشأته وتطوره

- ‌تعريف الأدب المقارن ونشأته

- ‌ميادين الأدب المقارن ومدارسه

- ‌الصلة التي تربط بين الأدب والفنون الجميلة

- ‌الدرس: 2 التأثر والتأثير في الأدب المقارن

- ‌التأثير والتأثر في الأدب المقارن عند المدرسة السلافية

- ‌التأثير والتأثر في الأدب المقارن عند المدرسة الفرنسية

- ‌بعض الشواهد على عملية التأثير والتأثر في بعض مجالات الأدب المقارن

- ‌الدرس: 3 الأجناس الأدبية القديمة والحديثة والتفاعل فيما بينها

- ‌تعريف الملحمة، وأهم أنواعها، وسماتها

- ‌المسرحية، ودورها كجنس أدبي

- ‌الدرس: 4 الرواية والقصة القصيرة، ودلالات التأثر والتأثير فيها

- ‌الرواية والقصة القصيرة؛ جذورها التاريخية وسماتها الأدبية

- ‌الموضوعات التي تناولتها القصة العربية القديمة

- ‌شبه ما يعترضون على وجود القصص العربي القديم

- ‌الدرس: 5 الشعر الغنائي ودلالات التأثر والتأثير فيه

- ‌معنى الشعر الغنائي وماهيته

- ‌أي الفنين أسبق من الآخر؛ الشعر أم النثر

- ‌عمر الشعر العربي

- ‌الدرس: 6 خصوصية الأدب العربي وميزاته الحضارية

- ‌نشأة الأدب العربي وسماته الخاصة

- ‌الشعر كجنس من أجناس الأدب العربي

- ‌القصص كجنس أدبي

- ‌خصائص الأدب العربي

- ‌الدرس: 7 تأثير المقامات في الأدب الأوربي

- ‌تعريف المقامة وتاريخ نشأتها وآراء نقاد الأدب فيها

- ‌المقامة المضيرية، كمثال من المقامات

- ‌تأثر الفن القصصي الجديد في أوربا بفن المقامة

- ‌الدرس: 8 قصة حي بن يقظان وأثرها في قصة "روبنسون كروزو" وغيرها

- ‌تطور قصة حي بن يقظان في الأدب العربي

- ‌ حي ابن يقظان" وتأثيرها في الفكر والأدب العالمي

- ‌الصلة بين "حي ابن يقظان" و"روبنسون كروزو

- ‌الدرس: 9 ألف ليلة وليلة والموشحات وتأثيرهما على الأدب الغربي الحديث

- ‌أثر "ألف ليله وليله" في الأدب الغربي

- ‌أثر الموشحات في الأدب الغربي

- ‌الدرس: 10 تأثير الأدب العربي في الشاعر الألماني جوت

- ‌نشأة جوته وثقافته

- ‌ما تركه القرآن في الأثر فيما خططته براعة جوته

- ‌الدرس: 11 أثر الأدب العربي في الآداب الإسلامية (1)

- ‌أثر الأدب العربي في الأدبين الإفريقيين: الأدب السواحلي، والأدب الهوسوي

- ‌تأثير الأدب العربي في لغة الهوسا وآدابها

- ‌الدرس: 12 أثر الأدب العربي في الآداب الإسلامية (2)

- ‌أثر الأدب العربي في الأدبي الفارسي

- ‌أثر الأدب العربي في الأدب الملاوي

- ‌الدرس: 13 تأثر الأدب العربي بالآداب الغربية (1)

- ‌تأثر الأدب العربي في ميدان التأليف المسرحي بالأدب الغربي

- ‌نماذج من المسرحيات العربية التي تأثرت بالمسرح الغربي

- ‌الدرس: 14 تأثر الأدب العربي بالآداب الغربية (2)

- ‌تعريف القصة، والفرق بينها وبين الملحمة والمسرحية

- ‌بعض المقارنات بين الأعمال القصصية العربية الحديثة، ونظيرتها في الآداب الغربية

- ‌الدرس: 15 نشأة قصيدة الشعر الحر وتطورها

- ‌نبذة عن مراحل تطور الشعر العربي

- ‌دعوى أصحاب شعر التفعيلة أن الشعر العربي شعر إنشادي

- ‌بناء القصيدة في الشعر العربي

- ‌المناداة بما يسمى بالوحدة العضوية داخل القصيدة

- ‌ظهور ما يُسمى بالشعر الحر

- ‌الدرس: 16 تأثر الشعر العربي بالشعر الإنجليزي

- ‌عوامل الاتصال بين الشرق والغرب وأثرها في إحياء الشعر العربي في العصر الحديث

- ‌مدرسة الديوان وأثرها في حركة الشعر في العصر الحديث

- ‌تأثر شعراء المهجر بالشعر بالأدب الغربي

- ‌الدرس: 17 المذهب الرومانسي والمذهب الواقعي في ميدان الأدب

- ‌المذهب الرومانسي في الأدب؛ نشأته وتطوره

- ‌مذهب الواقعية في الأدب؛ نشأته وتطوره

- ‌الدرس: 18 الرمزية والسريالية

- ‌الرمزية وأثرها في الأدب العربي

- ‌السريالية وأثرها في الأدب العربي

- ‌الدرس: 19 تقويم علاقة التأثر بين الأدب العربي وغيره من الآداب

- ‌طرق الاستفادة من الأدب المقارن في الأدب القومي

- ‌العوامل التي ساعدت على نشأة الأدب المقارن

- ‌الدرس: 20 بعض الدراسات التطبيقية الخاصة بالتأثير والتأثر بين الأدب العربي والآداب العالمية

- ‌بداية معرفة العرب بالشعر الإنجليزي بتأثر السياب بـ"شِلي

- ‌حكايات الحيوان عند كل من إيسوب الحكيم وإخوان الصفا

- ‌الدرس: 21 علاقة الأدب المقارن بالعولمة والعالمية، والمثاقفة بين الشعوب، وتحديد خصوصية الأدب العربي وبيان ملامحه

- ‌(علاقة الأدب المقارن بالعولمة والعالمية

- ‌المثاقفه بين الآداب وبعضها

- ‌خصوصية الأدب العربي وسماته، وعَلاقة ذلك بالأدب المقارن

الفصل: ‌خصائص الأدب العربي

‌خصائص الأدب العربي

لا بد من التذكير بأن الأدب العربي القديم لم يكن يعرف فن المسرح، كما أخذناه فيما بعد عن الغرب، وإن كان هناك "طيف الخيال" مثلًا لابن دانيال الموصل، وهو فن تمثيلي يقوم بأدوار الأشخاص في صور من الورق المقوى أو الجلد يحركها المخايل كما هو معروف، وبالمثل لم يعرف الأدب العربي القديم فن الملاحم بالمقاييس الغربية طبقًا لما هو موجود في الإلياذة والأوديسة، اللهم إلا إذا وسعنا مفهوم الملحمة، ولم نشترط أن تكون منظومة أو تحتوي على آلهة وثنية مثلًا، فعندئذٍ يمكن أن نقول إن لدينا سيرة عنترة وذات الهمة، والظاهر بيبرس، وسيف بن ذي يزن وما إليها.

كذلك من خصائص الأدب العربي اتساع المساحة المكانية والزمانية التي يشغلها، إذ يمتد منذ العصر الجاهلي الذي لا ندري بالضبط أوله، وإن كان العرف قد جرى على تحديده بنحو مائتي عام طبقًا للنصوص التي وصلتنا عنه، حتى العصر الحديث، وإلى ما شاء الله، كما امتد لعدة قرون من أواسط آسيا إلى شواطئ أفريقيا على المحيط الأطلسي، ثم تقلصت تلك المساحة المكانية بعد ذلك لتقتصر على ما يسمى الآن بالعالم العربي.

وكانت اللغة العربية التي نعرفها اليوم عي لغة ذلك الأدب طوال هاتيك القرون المتطاولة، لم تتغير قواعدها في قليل أو قصير، وإن زاد معجمها بطبيعة الحال تبعًا للمخترعات والمستجدات الحضارية والثقافية، وهو أدب تعاون في إبداعه أدباء من بلاد وشعوب شتى تظللهم جميعًا راية الإسلام.

ص: 166

وفوق ذلك امتاز هذا الأدب بالغنى بحيث لم يترك شيئًا في الحياة أو في النفس البشرية إلا تناوله، ووضعه تحت المجهر؛ ليشرحه بكل حرية وجسارة، ولو نظرنا على سبيل المثال في كتب الرحلات، وما سجله مؤلفوها من مشاهدات وخبرات في أسفارهم وتنقلاتهم، سواء داخل بلاد المسلمين أو في بلاد الكفار، لعرفنا إلى أي مدى كانت هذه الحرية وتلك الجسارة، فضلًا عن الموضوعية الشديدة التي كانوا يلتزمونها في نطاق عصرهم وظروفهم.

كذلك يُؤكد الأستاذ "أنور الجندي" رحمه الله أن الأدب العربي القديم كان ملتزمًا الصراط المستقيم منذ أشرقت شمس الإسلام، ثم انحرف الشعر إلى الخمريات، والغزل المكشوف والغلمانيات، بتأثير الشعراء الفرس اللذين تأثروا بالمجوسية من أمثال بشار وأبي نواس، مثلما انحرف النثر إلى الأسجاع والمحسنات البديعية والمقامات، وهذا الكلام موجود في كتابه (خصائص الأدب العربي).

ونحن نشكر للأستاذ الجندي غيرته على الأدب العربي، وحرصته على استقامة سبيله، بيد أننا لا نشاركه في تصوير العرب كأنهم ملائكة مبرءون من العيوب لولا الفرس الأشرار الذين أغروهم بالشر والفساد، ذلك أن العرب هم بشر من البشر مثلهم مثل الفرس وغير الفرس، ولقد وقف العرب في وجه الإسلام طويلًا متمسكين بوثنيتهم لا يكفون عن الائتمار بالرسول وأتباعه، غير متورعين عن قتل من يستطيعون قتله من أصحابه، كما أنهم كانوا يعلون في الجاهلية من شأن الخمر والقمار، وتفشو فيهم العصبية القبلية اللعينة التي لم تفارقهم تمامًا بعد الإسلام كما هو معروف.

كذلك كان هناك ابن أبي ربيعة في العصر الأموي، ومطاردته للنساء في الطواف حول الكعبة، وفي غير ذلك من مشاعر الحج المقدسة حين لم يكن ثم نفوذ أو

ص: 167

تأثير للفرس، وحتى عندما أصبح الفرس ذوي نفوذ وتأثير في العصر العباسي؛ فإن هذا لا يعفي العرب من المؤاخذة، فهم ليس سذجًا أغرارًا ولا هم معتقون من الحساب كسائر البشر.

ثم إنه ليس ثمة دليل على أن بشار بن برد أو أبا نواس كان مجوثيًّا، بل هما -إلى أن يثبت العكس- كانا مسلمين يؤمنان بالله والرسول والقرآن، وإن لم تتطابق تصرفاتهما وقيم الإسلام في كل الأحوال، أي أنها في أسوأ الاحتمالات من المسلمين العصاة.

ولقد درست شخصية بشار وشعره منذ وقت طويل في كتاب كبير، فوجدت الرجل مسلمًا مثل أي مسلم آخر، وإن أخذت عليه سفاهته في بعض العبارات، وانحرافه في بعض المواقف والتصرفات، ومن منا يبرأ من العيوب في كل الأحوال! ومع هذا فأنا لا أنكر مثلًا أن أبا نواس هو زعيم الشذوذ الجنسي في الأدب العربي، إلا أن هذا لا يعفي الشعراء العرب الذين جروا في ركابه، واقتفوا سنته الكريهة، كما لا أنكر أن بشارًا هو صاحب الرائية الفاجرة التي نظمها في التفاخر بخداع فتاة صغيرة، والشماتة بما سببه لها من فضيحة والسخرية منها ومن وقوعها في حبائله.

أما الشعر الخمري فيرجِعُ إلى الجاهلية إذ كان العرب من المغرمين بشرب الخمر غرامًا شديدًا، حتى لقد احتاج الأمر إلى أن يحرم الإسلام على مراحل ثلاث لا دفعة واحدة، وفي الإسلام أيام الفتوح على عهد عمر، وقبل أن يظهر الشعوبيون أو يكون للفرس تأثير أي تأثير، كان هناك "أبو محجن الثقفي" المعروف

ص: 168

بإدمانه الخمر ومجاهرته بذلك، وهي المهاجرة التي أدت إلى أن يحبسه "سعد بن أبي وقاص" وهو القائل:

إذا مت فادفني إلى جنب كرمة

تروي مشاشي بعد موتي عروقها

ولا تدفنني في الفلاة فإنني

أخاف إذا ما مت أن لا أذوقها

لكن لا بد أن نردف هذا بأنه رحمه الله قد تاب وأناب وصلح حاله، وأخذ يجاهد في سبيل الله، لكن أبا نواس هو أيضًا قد تاب وابتهل إلى الله أن يغفر له ويرحمه ويتجاوز عن زلاته.

وقبل العصر العباسي والشعوبيين لدينا "الوليد بن يزيد" الخليفة الأموي، وكان على ما تصوره الروايات وما ينسب إليه من أشعار متهتكًا متهالكًا على الخمر، ينظم فيها الأشعار التي لا يبالي فيها بحرمة أو حياء.

وقد قام المرحوم الجندي في كتابه المذكور آنفًا بحملة على استخدام الأدباء العرب للسجع والمحسنات البديعية؛ لكني لا أدري لهذه الحملة وجهًا؛ إذ أن استخدام السجع مسألة فنية ترجع إلى طبيعة اللغة العربية المعروفة بغنى معجمها، وموسيقية ألفاظها وتراكيبها، مما لا وجود له بهذه الدرجة فيما نعرفه من اللغات الأخرى.

ورغم أن الأدب العربي في العصور المختلفة قد جنح إلى الإسراف في تلك النزعة، حتى لقد غطى الاهتمام بتلك المحسنات على الاهتمام بالفكرة والشعور؛ فإن عصور القوة قد شهدت أدباء فحولًا كانوا يستخدمون السجع وغيره من الزخارف الأسلوبية استخدامًا عبقريًّا يبرز ما يريدون التعبير عنه من معان وأحاسيس على أبهى ما يكون، ومن هؤلاء الهمذاني والحريري صاحبا المقامات المعروفات.

ص: 169

إذ إنّ تِلك المقامات شاهد قوي على عبقريتهما في تصريف اللغة، وإبداع القصص على أحسن ما يُرام، ولقد قرأنا وقرأ كثير من كبار النقاد والأدباء في العصر الحديث تلك المقامات، فألفيناها بدعًا لا يجارى ولا يمارى، والهمذاني والحريري بالمناسبة عربيان صميمان، كذلك فليس الشعوبيون هم الذين اختطوا أسلوب الأسجاع والزخارف البديعية، وإلا فهل كان أبو تمام وابن زيدون من الشعوبيين؟! لقد كان كلاهما مغرمًا بالسجع والمحسنات، وكان كلاهما عربيًّا وسابقًا على ابن العميد وابن عباد الذين عزا إليهما الأستاذ الجندي "كبر أزمة السجع" كما سماها.

بل لقد كان السجع المتكلف المتساخف هو ديدن الكهان العرب في العصر الجاهلي قبل أن يكون ثم فرس وشعوبيون، فما القول في ذلك؟.

كذلك لا نستطيع مجاراة الأستاذ الجندي في رفضه تقسيم الأدب العربي على أساس زمني، فنقول: الأدب الجاهلي، والأدب الإسلامي، والأدب الأموي، والأدب العباسي والمملوكي، والعثماني، والأدب الحديث، ذلك أن مثل هذا التقسيم من شأنه تسهيل دراسة الأدب حتى لا يضيع الدارس في خضم الهادر دون صون تحدد له المسارات والطرق، كما أن كل عصر من تلك العصور يتسم بخصائص في الموضوعات، وفي الأساليب وغيرها تميزه عن سواه من العصور الأخرى.

وإن كانت هناك في ذات الوقت سمات مشتركة بين تلك العصور أو بين بعضها فقط، فضلًا عن وجوب التنبه إلى أن تلك الخصائص الفارقة لا تبرز بين عشية وضحاها، بل تتشكل وتتبلور قليلًا قليلًا ثم لا تختفي مباشرة مع اختفاء العصر الذي تبلورت فيه بل يأخذ اختفاؤها وقتًا، لقد وصم رحمه الله هذا

ص: 170

التقسيم بأنه تقسيم أجنبي ظالم، ولست أدري موقع الظلم في تلك المسألة الاعتبارية التي لا تمنع أحدًا من تقسيم الأدب العربي على أساس آخر يرتضيه.

ولقد وجدنا ابن سلام وابن قتيبة في كتابيهما الرائدين في التأريخ للأدب، يصنفان الشعراء ضمن اعتبارات أخرى على أساس الزمن، أي أن التقسيم الزمني ليس وارد الغرب كما قد يُظن، وبالمناسبة فمثل هذا التقسيم لا يراعى في الأدب وحده بل في التأريخ لعلم التفسير والحديث والفقه، والفلسفة أيضًا، ولم يقل أحدٌ أنه تقسيم أجنبي ظالم.

ثم إنه ليس كل شيء أجنبي سيئًا بالضرورة، والحكمة ضالة المؤمن يأخذه أن وجدها، فالغربيون بشر لهم حسناتهم مثلما لهم سيئاتهم، أقول هذا رغم أني أقف في طريق كثير مما ينقله الببغاوات العرب من الغرب عن غفلة أو عن رغبة في الإدراك، داعيًا إلى أن ننظر أولًا في الوارد عن الغربيين؛ فإنْ كان نافعًا أخذناه وانتفعنا به وذكرنا فضلهم في ذلك، وإلا رفضناه وحذرنا منه، ووقفنا في وجهه.

لكننا مع الأستاذ الجندي في الوقوف بقوة في وجه التيار الإباحي في الأدب العربي الحديث، الذي ينطلق من مفاهيم غربية لا تتناسب والإسلام الذي ندين به، ولا نرضى به بديلًا، إن هنالك كتابًا وكاتبات من العرب يعملون في مؤلفاتهم على إشعال الشهوات بحجة أنهم يمارسون حرية التعبير.

بل إنّ مِنْهُم من يتوغل في هذا الاتجاه إلى درجة لا تصدق ولا تطاق، وبعض الكاتبات العربيات الآن يكتبن عن تجاربهن الجنسية بعري مقزز، غير متحرجات من وصف أي شيء، ولا استعمال أي لفظ مهما تكن شناعة هذا أو ذاك.

والحجة التي يستند إليها هؤلاء الكتاب والكاتبات هي أن الجسد ملك شخصي لصاحبه يصنع به ما يشاء، وإن حرية الشبان والشابات العرب تبدأ بحريتهم

ص: 171

الجنسية، وتمردهم على الأعراف والتقاليد والقيم الخلقية والدينية، وإلا كانوا متخلفين عن العصر، وهم في هذا إنما يمشون على خطى الغربيين كحذوك النعل بالنعل.

وإذا ما وجه أحد إليهم نقدًا على أساس أن هذا يناقد الخلق والدين، كان جوابهم: أنه لا دخل للدين ولا للأخلاق في الإبداعات الأدبية، والواقع أنهم يقولون هذا لا لأن الأدب لا ينبغي أن يخضع لشيء من خارجه كما يزعمون، بل لأنهم يتبنون قيمًا غير القيم التي نتمسك نحن بها، إنها قيم الانحلال، والسعار الجنسي.

وما من أدب في الدنيا إلا وهو يعكس ثقافة صاحبه، وفكره وقيمه الخلقية والدينية أو الإلحادية لا مشاحة في هذا، ولا مناص منه، فالأديب لا يأتي بمضامين كتاباته من الهواء بل من داخل نفسه التي بين جنبيه، فهي مستودع العقائد، والنزعات، والتوجهات الخلقية والفكرية.

ونحن مع المرحوم أنور الجندي أيضًا في استنكاره الشديد للمحاولات التي يبذلها بعض الكتاب لإحلال العامية محل الفصحى في كتابة الحوار القصصي والمسرحي، وإن زاد بعضهم في الطنبور نغمة، فنادوا بأن تشغل العامية موضع الفصحى في كل مجالات الكتابة، إن هؤلاء إنما يتغيون ما يتغياه أولئك المستشرقون الذين كانوا ينادون بنبذ الفصحى، واصطناع العامية بدلا منها كي نتقدم، ونساير العصر وترتقي العلوم في بلاد العرب.

مع أن العامية في كل مكان هي مجرد لهجة للاستعمال اليومي ليس غير، فهي من ثم فقيرة فقرًا شنيعًا بحيث لا تستطيع أن تؤدي شيئًا من العلوم والآداب التي نعرفها، اللهم إلا الأزجال، ومعروف أن هذه الدعوة إنما تقصد ضرب الوحدة

ص: 172

العربية في الصميم، لأنه إذا ما تفرقت الشعوب العربية لغويًّا، وأمسى لكل شعب لغته الخاصة به التي لا يفهمها شعب عربي آخر كان ذلك أول مسمار يندق في نعش العروبة، التي هي محور الإسلام ومادته الصلبة.

وحينئذ سرعان ما ينهار عمود الإسلام -أو على أقل تقدير- يتحلحل ولا يثبت على حاله، ولسوف تقوم حينئذ حواجز سميكة من اللغة بيننا، وبين تراثنا وقرآننا وأحاديث نبينا، فنضطر إلى ترجمتها بما يجر ذلك من تغيير في النص المترجم كل حين كما هو الحال مع الكتاب المقدس الذي لا يثبت على حال أبدًا.

ونحن مع أنور الجندي كذلك في وجوب الاهتمام بكتابات ابن حزم والغزالي، وابن خلدون، وابن تيمية، وأمثالهم بوصفها إبداعات أدبية مثلما هي إبداعات فكرية، بل إن كتابات هؤلاء وأمثالهم لتفوق في الجمال والعمق والروعة الفكرية، والأسلوبية كثيرًا من النصوص النثرية التي درجنا على دراستها في كتب الأدب، وحصصه، ومحاضراته.

ولكن لا بد أن نضيف ما هو معلوم من أن قدماء نقادنا هم الذين استنوا سنة استبعاد أمثال الغزالي وابن خلدون من دائرة اهتمامهم، مركزين على ما يسمي بـ"النثر الفني" وهو النثر المنحصر في الرسائل الديوانية، وما إليها.

ذلك أن كلام الجندي يفهم منه أن هذه ثمرة من ثمار تقليد المستشرقين في دراستهم للأدب العربي، وهذا غير صحيح في حدود علمي، فالمستشرقون عادة ما يوسعون دائرة الأدب بحيث تشمل أمثال أولئك الكتاب الذين ذكرنا أسماءهم آنفًا، إذ الأدب في الغرب لا يقتصر على النثر الفني كما نعرفه، بل يشمل كل كتابة تتسم بجمال التعبير، ودفئه أيًّا كان موضوعها حتى ولو كان تاريخًا أو جغرافية أو فلسفة.

بل كثيرًا ما يقصد بهذا المصطلح هناك كل ألوان الكتابة بإطلاق، وقد درج الكتاب في العقود الأخيرة عندنا على ترجمة هذه الكلمة بمعناها الأخير إلى "أدبيات"، فيقولون: الأدبيات السياسية، والأدبيات القانونية وهلم جرة.

ص: 173

أما أنا فأوثر ببساطة أن أترجمها إلى "كتابة أو كتابات" فنقول: الكتابة أو الكتابات السياسية أو القانونية، وتشرح مادة " Litrature" في الموسوعة البريطانية الأمر بما لا يخرج عما قلناه، وتزيد الموسوعة اليونيفرسالية الفرنسية المسألة إيضاحًا.

وعلى نفس المنوال أجدني مع المرحوم الجندي أيضًا في وجوب الاعتزاز بديننا، والمحافظة عليه في كل كتاباتنا وتفكيرنا، لا على أساس إلغاء عقولنا وترديد ما هو موجود في القرآن والسنة دون تفكير، بل على أساس اقتناعنا التام به، وتحققنا أنه من عند الله، ومن ثم فلا مكان عندنا لمن يشككون في القرآن أو في ثوابت الإسلام، ولا لمن ينادون باطراح الدين خلف ظهورنا حين نستقبل البحث الأدبي.

وكأن الدين الذي أتى به المصطفى عليه السلام ضد البحث العلمي، وهو ما فعله للأسف "طه حسين" حين عاد وهو شاب من أوربا مغترًا بالقليل الذي حصله هناك، فألف كتابه في (الشعر الجاهلي) في عجلة وتسرع دون أن يمحص ما سجله فيه، مما أظهر العلماء الأثبات رعونته، وسطحيته وفساده، وتناقضه مع نفسه، ومع وقائع التاريخ، وشواهد النصوص على السواء.

كذلك لا مكان في نفس المسلم الحق للشكوك، ومشاعر اليأس المظلم والإحباط الدائم، والقلق المستمر دون سبب، تلك الشكوك والمشاعر التي تغذيها الفلسفات الوجودية والاعتقادات الإلحادية، ويعتنقها بعض الببغاوات في بلاد العرب والمسلمين عن غير اقتناع، بل عن تقليد، وتصور خاطئ بأن هذا هو ما ينبغي على المثقف العصري أن يعتقده، ما دامت هذه البضاعة قد أتتنا من الغرب.

والسلام عليكم ورحمة الله.

ص: 174