المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ظهور ما يسمى بالشعر الحر - الأدب المقارن - جامعة المدينة (بكالوريوس)

[جامعة المدينة العالمية]

فهرس الكتاب

- ‌الدرس: 1 الأدب المقارن نشأته وتطوره

- ‌تعريف الأدب المقارن ونشأته

- ‌ميادين الأدب المقارن ومدارسه

- ‌الصلة التي تربط بين الأدب والفنون الجميلة

- ‌الدرس: 2 التأثر والتأثير في الأدب المقارن

- ‌التأثير والتأثر في الأدب المقارن عند المدرسة السلافية

- ‌التأثير والتأثر في الأدب المقارن عند المدرسة الفرنسية

- ‌بعض الشواهد على عملية التأثير والتأثر في بعض مجالات الأدب المقارن

- ‌الدرس: 3 الأجناس الأدبية القديمة والحديثة والتفاعل فيما بينها

- ‌تعريف الملحمة، وأهم أنواعها، وسماتها

- ‌المسرحية، ودورها كجنس أدبي

- ‌الدرس: 4 الرواية والقصة القصيرة، ودلالات التأثر والتأثير فيها

- ‌الرواية والقصة القصيرة؛ جذورها التاريخية وسماتها الأدبية

- ‌الموضوعات التي تناولتها القصة العربية القديمة

- ‌شبه ما يعترضون على وجود القصص العربي القديم

- ‌الدرس: 5 الشعر الغنائي ودلالات التأثر والتأثير فيه

- ‌معنى الشعر الغنائي وماهيته

- ‌أي الفنين أسبق من الآخر؛ الشعر أم النثر

- ‌عمر الشعر العربي

- ‌الدرس: 6 خصوصية الأدب العربي وميزاته الحضارية

- ‌نشأة الأدب العربي وسماته الخاصة

- ‌الشعر كجنس من أجناس الأدب العربي

- ‌القصص كجنس أدبي

- ‌خصائص الأدب العربي

- ‌الدرس: 7 تأثير المقامات في الأدب الأوربي

- ‌تعريف المقامة وتاريخ نشأتها وآراء نقاد الأدب فيها

- ‌المقامة المضيرية، كمثال من المقامات

- ‌تأثر الفن القصصي الجديد في أوربا بفن المقامة

- ‌الدرس: 8 قصة حي بن يقظان وأثرها في قصة "روبنسون كروزو" وغيرها

- ‌تطور قصة حي بن يقظان في الأدب العربي

- ‌ حي ابن يقظان" وتأثيرها في الفكر والأدب العالمي

- ‌الصلة بين "حي ابن يقظان" و"روبنسون كروزو

- ‌الدرس: 9 ألف ليلة وليلة والموشحات وتأثيرهما على الأدب الغربي الحديث

- ‌أثر "ألف ليله وليله" في الأدب الغربي

- ‌أثر الموشحات في الأدب الغربي

- ‌الدرس: 10 تأثير الأدب العربي في الشاعر الألماني جوت

- ‌نشأة جوته وثقافته

- ‌ما تركه القرآن في الأثر فيما خططته براعة جوته

- ‌الدرس: 11 أثر الأدب العربي في الآداب الإسلامية (1)

- ‌أثر الأدب العربي في الأدبين الإفريقيين: الأدب السواحلي، والأدب الهوسوي

- ‌تأثير الأدب العربي في لغة الهوسا وآدابها

- ‌الدرس: 12 أثر الأدب العربي في الآداب الإسلامية (2)

- ‌أثر الأدب العربي في الأدبي الفارسي

- ‌أثر الأدب العربي في الأدب الملاوي

- ‌الدرس: 13 تأثر الأدب العربي بالآداب الغربية (1)

- ‌تأثر الأدب العربي في ميدان التأليف المسرحي بالأدب الغربي

- ‌نماذج من المسرحيات العربية التي تأثرت بالمسرح الغربي

- ‌الدرس: 14 تأثر الأدب العربي بالآداب الغربية (2)

- ‌تعريف القصة، والفرق بينها وبين الملحمة والمسرحية

- ‌بعض المقارنات بين الأعمال القصصية العربية الحديثة، ونظيرتها في الآداب الغربية

- ‌الدرس: 15 نشأة قصيدة الشعر الحر وتطورها

- ‌نبذة عن مراحل تطور الشعر العربي

- ‌دعوى أصحاب شعر التفعيلة أن الشعر العربي شعر إنشادي

- ‌بناء القصيدة في الشعر العربي

- ‌المناداة بما يسمى بالوحدة العضوية داخل القصيدة

- ‌ظهور ما يُسمى بالشعر الحر

- ‌الدرس: 16 تأثر الشعر العربي بالشعر الإنجليزي

- ‌عوامل الاتصال بين الشرق والغرب وأثرها في إحياء الشعر العربي في العصر الحديث

- ‌مدرسة الديوان وأثرها في حركة الشعر في العصر الحديث

- ‌تأثر شعراء المهجر بالشعر بالأدب الغربي

- ‌الدرس: 17 المذهب الرومانسي والمذهب الواقعي في ميدان الأدب

- ‌المذهب الرومانسي في الأدب؛ نشأته وتطوره

- ‌مذهب الواقعية في الأدب؛ نشأته وتطوره

- ‌الدرس: 18 الرمزية والسريالية

- ‌الرمزية وأثرها في الأدب العربي

- ‌السريالية وأثرها في الأدب العربي

- ‌الدرس: 19 تقويم علاقة التأثر بين الأدب العربي وغيره من الآداب

- ‌طرق الاستفادة من الأدب المقارن في الأدب القومي

- ‌العوامل التي ساعدت على نشأة الأدب المقارن

- ‌الدرس: 20 بعض الدراسات التطبيقية الخاصة بالتأثير والتأثر بين الأدب العربي والآداب العالمية

- ‌بداية معرفة العرب بالشعر الإنجليزي بتأثر السياب بـ"شِلي

- ‌حكايات الحيوان عند كل من إيسوب الحكيم وإخوان الصفا

- ‌الدرس: 21 علاقة الأدب المقارن بالعولمة والعالمية، والمثاقفة بين الشعوب، وتحديد خصوصية الأدب العربي وبيان ملامحه

- ‌(علاقة الأدب المقارن بالعولمة والعالمية

- ‌المثاقفه بين الآداب وبعضها

- ‌خصوصية الأدب العربي وسماته، وعَلاقة ذلك بالأدب المقارن

الفصل: ‌ظهور ما يسمى بالشعر الحر

وتزداد فرصة تحقق الوحدة العضوية إذا كانت القصيدة قائمة على نظام المقاطع الذي ينفرد فيه كل مقطع بشكل موسيقي مختلف، ففي هذه الحالة يستحيل أن ينتقل أي بيت في القصيدة من مقطع إلى مقطع آخر، وإلا فسد نظامها الموسيقي، وبهذا تقل فرصة تلاعب الأبيات عن طريق نقلها من موضع إلى غيره، كما هو الحال في الموشحات وفي قصيدة "أخي" لـ"ميخائيل نعيمة" وأمثالها.

وعلى أية حال؛ فإنّ أحسَنَ شَيء في هذه القضية: هي أن نقصر مطالبتنا للشاعر على أن يكون لقصيدته موضوع واحد، وأن يسودَها جو نفسي واحد، وألا تكون الوحدة الفكرية الصغرى في القصيدة هي البيت بل المقطع وما أشبه.

‌ظهور ما يُسمى بالشعر الحر

ثم ظَهَر بعد هذا ما يُسمّى بالشعر الحُر، وهي تسمية توحي بأن أصحاب هذا الاتجاه في كتابة الشعر، يرون أن من سبقهم كانوا يكتبون شعرًا مقيدًا، وأن طريقتهم هم؛ قد حررت الشعر العربي من القيود التي كبلت الشعراء العرب قرونًا طويلة.

إذ رأى أعضاء هَذه الجَماعة أن القصيدة العربية القديمة فرضت عليهم قالبًا شعريًّا قائمًا على وحدة الوزن والقافية، طالبتهم باتباعه فكان على الشاعر حين يكتب قصيدة في بحر من بحور الشعر العربي أن يكمل البحر في كل بيت من أبيات القصيدة، حتى لو اضطر كما يحدث في كثير من الأحيان -وفاء لشكل هذا البحر- أن يضيف كلمات، أو عبارات، أو جملًا، بغية استكمال الشكل لهذا البحر؛ مما يدل على أن الشكل الشعري أصبح قيدًا يتحكم في الشاعر، وليس الشاعر هو الذي يتحكم فيه.

ص: 442

فكان على الشاعر أن يتحرر من هذا القيد ويتمرد على مفهوم البيت المتكون من شطرين متساويين، وعاد تشكيله بحيث أضحى يتألف من سطور متفاوتة الطول، إذ كل سطر منها مكون من عدد من التفعيلات يختلف حسب الدفعة الشعورية؛ فإذا طالت طال معها السطر والعكس صحيح، ومن ثم لم يعد بحاجة إلى الحشو لتكميل وزن البيت.

ولم يمض سنواتٌ قلائل؛ حتى شكل هذا اللون من الشعر مدرسة شعرية جديدة، حطمت -كما قالوا- كلَّ الفروض المفروضة على القصيدة العربية، وانتقلت بها من حالة الجمود والرتابة، إلى حال أكثر حيوية وأرحب انطلاقًا.

وبالنسبة إلى بدايات هذا الاتجاه نجد من يرجعها إلى خمسينات القرن العشرين، وإن كانت إرهاصاتها قد بدأت في الأربعينات، إلا أن هناك من يعودها إلى الثلاثينات، بل هناك من يعود بها إلى ما هو أبعد من ذلك كما سيأتي تفصيله.

وقد وجدت مدرسة الشعر الحر الكثير من المريدين، وانتشرت في جميع البلدان؛ فرأينا في العراق "نازك الملائكي" و"السياب" و"البياتي" ورأينا في مصر "صلاح عبد الصبور" و"أحمد عبد المعطي حجازي" ورأينا في لبنان "أحمد علي سعيد""خليل حاوي" و"يوسف الخال" ورأينا في فلسطين "فدوى تقان" و"سلمى خضراء الجيوشي" ورأينا في السودان "محمد الفيتوري" و"صلاح محمد إبراهيم" وهذه مجرد أمثلة ليس غير.

ولكن ما شكل الشعر الحر؟ فعند "نازك الملائكي" أنّ الشعر الحر هو شعر ذو شطر واحد، أو فلنقل: ذو سطر؛ مكون من عدد من التفعيلات ليس له طول ثابت، إذ يصحُّ أنْ يتغيرَ عدد التفعيلات من شطر إلى شطر، مع تفضيل وحدة التفعيلة؛ فينظِمُ الشَّاعر من البحر ذي التفعيلة الواحدة المكررة "كالرمل" مثل أشطرًا تجري

ص: 443

على هذا النسق أو على نسق آخر مُشابه، "فاعلات فاعلات فاعلات فاعلات، فاعلات فاعلات"، "فاعلات فاعلات فاعلات فاعلات"، "فاعلات فاعلات فاعلات، فاعلات فاعلات".

وهكذَا يَمْضِي الشّاعِرُ عَلَى هذا النسق حُرًّا في اختيار عدد التفعيلات في السطر الواحد، غير خارج على القانون العروضي على بحر الرمل، فالشكل الجديد يقوم هنا على وحدة التفعيلة دون التزام موسيقى البحور المعروفة، وإنْ كان هناك من ينظم قصيدته على أكثر من تفعيلة كما سيأتي لاحقًا.

وبالإضافة إلى ذلك؛ فإن شُعَراء القصيدة الحُرّة يرون أن موسيقى الشعر ينبغي أن تكون انعكاسًا للحالات الانفعال عند الشاعر.

ومِمّا سَبَق تتضح لنا ملامح الشعر الحر؛ فالعروض موجود وهو يقوم على التفعيلة لا على البحر كله، فإذا أراد الشاعر أن ينسج قصيدة ما على بحر معين، وليكن الرمل مثلًا كان لزامًا عليه، أن يلتزم في قصيدته بتفعيلات هذا الرمل من مطلعها إلى منتهاها، وليس له من الحرية سوى عدم التقيد بنظام البيت التقليدي، والقافية الموحدة، وإن كان الأمر لا يمنع من ظهور القافية واختفائها من حين لآخر دون نظام معروف، بل حسبما تقتضيه الدفقة الشعورية.

فقد يتكون الشطر أو السطر من تفعيلة واحدة، وقد يصل في أقصاه ست تفعيلات كبيرة، مثل:"مفاعيل ومستفعل" أو ثمان صغيرة، إذا كان البحر الذي استخدمه الشاعر يتكون من ثلاث تفعيلات صغيرة، مثل:"فعول أو فاعل"، وإن كان من النقاد من لا يميل إلى تحديد عدد التفعيلات في الشطر الواحد، تاركًا الحُرّية للشاعر نفسه في تحديدها وفقًا لتنوع الدفقات الشعورية التي تموج بها نفسه، في حالته المعينة.

ص: 444

ورغم أنّ الشاعر الذي ينظم الشعر الحر يمكنه استخدام البحور الخليلية المفردة التفعيلات، والمزدوجة منها على حد سواء؛ فإن البحور الصافية التفاعيل هي أفضل البحور وأيسرها في نظم هذا اللون من الشعر الحر، لاعتمادها على تفعيلة مفردة غير ممزوجة بأخرى، والبحور الصافية التفاعيل هي التي يتألف شطرها من تكرار تفعيلة واحدة ست مرات، كالرمل والكامل والهزج والرجز والمتقارِب والمتدارك.

كما يدخل ضمن تلك البحور مجزوء الوافر "مفاعلة مفاعلة"، وقد يجمع الشاعر من أشكال الوزن الواحد "الوافي والمجزوء والمشطور والمنهوك جميعًا.

أما القافية: فهي في مفهوم أصحاب هذا الاتجاه نهاية موسيقية للسطر الشعري، وهي انسب نهاية لهذا السطر؛ ومن هنا كان صعوبة القافية في الشعر الجاهلي في رأيهم، وكانت قيمته الفنية كذلك؛ إذ الشاعر في هذا لا يبحث عنها في قائمة الكلمات التي تنتهي نهاية واحدة، وإنما هي كلمة ما من بين كل كلمات اللغة يستدعيها السياقان:"المعنوي والموسيقي" من الشطر الشعري؛ لأنها هي الكلمة الوحيدة التي تضع لهذا السطر نهاية ترتاح النفس للوقوف عندها، كما قال الدكتور "عز الدين إسماعيل".

كذلك يقول أصحاب هذا الاتجاه: إن وظيفة ما يسمونه بالشعر الحر: هو التعبير عن معاناة الشاعر الحقيقية للواقع الذي يعيشه؛ فالقصيدة تجربة إنسانية مستقلة، وليس الشعر مجموعة من المشاعر والأخيلة والتراكيب اللغوية فحسب، بل هو فوق هذا طاقة تعبيرية تشارك في خلقها كل القدرات والإمكانات من إنسانية في المجتمع، كما أن موضوعاته موضوعات الحياة عامة، وبالذات ما يكشف منها عما في الواقع من زيف وضلال، وتخلف وجوع ومرض بغية دفع الناس إلى تغيير حياتهم نحو الأفضل.

ص: 445

أما بالنّسبة إلى بدايات الشعر الحر فتقول "نازك الملائكة" في أول طبعات كتابها (قضايا الشعر المعاصر): كانتْ بداية حركة الشعر الحر سنة 1947م في العراق، ومن العراق بل من بغداد نفسها زحفت هذه الحركة وامتدت حتى غمرت الوطن العربي كله، وكادت بسبب الذين استجابوا لها تجرف أساليب شعرنا الأخرى جميعًا، وكانت أول قصيدة حُرّة الوزن تنشر قصيدة معنونة "الكوليرا" ثم قصيدة "هل كان حبًّا" لبدر شاكر السياب من ديوان "أزهار دابلة" وكلتا القصيدتان نشرتا في عام 1947م.

إلا أن "نازك الملائكي" عادت في مقدمة طبعة لاحقة لكتابها المذكور فقالت: "إنه مزيد من الاطلاع والدرس، قد تحقق لديها أنّ بدايات الشعر الحُر ترجعُ إلى ما قبل عام ألف وتسعمائة وسبعة وأربعين ميلادية، وممن ذكرت اسمهم في هذا المجال "علي أحمد باكثير" و"محمد فريد أبو حديد" و"محمود حسن إسماعيل" و"لويس عوض" و"عرار" شاعر الأردن

إلخ.

بل أشارت الشاعرة والناقدة العراقية إلى قصيدة من الشعر الحر عنوانها "بعد موتي" نشرتها جريدة العراق سنة 1821م تحت عنوان: "النظم المطلق" الشاعر وقع تحتها بالحرفان الأولان من اسمه "ب ن" ثم تعقب بقولها: والظاهر أن هذا أقدم نص في الشعر الحر.

إلّا أنّ النّاقد السعودي دكتور "محمد الصفراني" قد رد على ذلك في مقال له منشور بموقع أسواق المربد بعنوان "في القصيدة الحديثة ريادة العواد حقيقة علمية جديدة قائلًا: "والسؤال المهم الآن هل نستطيع أن نَحْكُم بأن حركة الشعر الحر بدأت في العراق سنة إحدى وعشرين وثمان مائة وألف ميلادية؟ إن الشاعر السعودي "محمد حسن عواد" يبرز من بين المعروفين والمشهورين في ساعة الشعر

ص: 446

الحر رائدًا يستحق الريادة، بالدليل التاريخي المادي والفني؛ وليس بالعواطف والتمني ولا التصارخ والتجني.

فقد سبق الشاعر والناقد "محمد حسن عواد" كل من "باكثير" و"نازك الملائكة" و"بدر شاكر السياب" في إبداع الشعر الحر والتنظير له نقديًّا"، وحتى يكون كلامنا بعيد عن الأهواء والتمنيات والرجم بالغيب، ها نحن نقدم الدليل المادي على ريادة "العواد" للشعر لحر بين يدي دعوانا وهو صورة أو نص حر نشره "العواد" في صحيفة "القبلة" عام 1921م مع وعد بنشر النص الحر الثاني الذي نشره "العواد" بصحيفة "القبلة" في نفس العام في الحلقة القادمة.

ودفعًا للشبهات فإنا سأدرج صورة طبق الأصل من الصفحة الأولى من صحيفة "القبلة" للعدد الذي نشر فيه "محمد حسن العواد" نصه الأول المكتوب على نظام الشعر الحر، وأتلوها بصورة طبق الأصل من الصفحة التي نشر فيه النص نفسه، بعنوان:"تحت أفياء اللواء" وسأعيد كتابة مقدمة الصحيفة للنص ونص قصيدة "العواد" حتى أكون واضحًا، وأشير إلى عدد التفعيلات المكونة لكل سطر من أسطر النص برقم في أوله.

"الشعر المطلق" جاءتنا القصيدة الآتية من الفاضل صاحب الإمضاء بجدة، وهي من الشعر المطلق على الطراز الجديد، يُضاهي بها قصيدة من هذا النوع تغزل فيها صاحبها بالرايات العربية، وكنا قد نشرناها في عددنا رقم 115 نقلًا عن جريدة "العراق الغراء" وهي القصيدة التي جاءتنا من "جدة":

تحيا تحت أفياء اللواء نهضتي

أنت فخري أنت ذخري بك قدري

يعتلي فوق سماك الأعزل

ص: 447

لك قد آثرت في العمر احتساء العلقمي

بك دومًا فقت قومًا عرفوا معنى الحياة

فانشرينا وارفعينا في الورى أرفع جاه

نحن قزم نعتلي تحت ظلال العلقمي

نهضتي ما ارتقائي واعتلائي واكتسائي

ثوب عز فيه يصفو العيش لي

بسواك أنت أسباب حياتي الأمم

بك تحيا كل عليا أنت عنوان الفخار

افهميني علميني في الورى حفظ الزنار

وارفعي رايتنا فوق جباه الأنجم

نهضتي أنت مجدي منك سعدي

حرري وطن لا يبتغي إلا الصعود

واخلعي عن عنقه نير العبود

أسعديه بلغيه كل غايات المرامي

ليعيش الشعب في عيش رغيد

في هناء تحت أفياء اللواء المعلمي

نهضتي أنت أس للارتقاء السام الصحيح للوطن

أنت للشعب المعنى خير روحي في بدن

ص: 448

فاكتبي في صفحة الشعر الجديد إنما النهضة أم الارتقاء العالمي

جدة م ح "أي: محمد حسن عواد"

يبني العواد نصه على أن الشعر الحر؛ فقد أقام وزنه على أساس تفعيلة "فاعلات" التي يقوم عليها بحر صاف هو بحر الرمل، ولقد جعل "العواد" من تفعيلة "فاعلات" وحدة موسيقية مستقلة بذاتها، ووزعها بأعداد متساوية على سطور النص، من غير أن يلتزم بنظام ثابت في التوزيع، ويتضح التفاوت في التوزيع التفعيلات على سطور النص من خلال الأرقام التي يبدأ بها كل نص، والتي يدل كل منها على عدد التفعيلات المكونة للسطر.

وقد قسم "العواد" النص إلى أربعة مقاطع حيث يتكون المقطع الأول من ثلاثة عشر سطرًا، ويتكون المقطع الثاني من ثلاثة عشر سطرًا، ويتكون المقطع الثالث من أحد عشر سطرًا، ويتكون المقطع الرابع من ثمانية أسطر، وقد كتب "العواد" مقاطع النّص جميعها على هيئة السطر النثري، الذي يخالف الشكل التناظري للقصيدة الكلاسيكية القائمة على البيتية على بحور الشعر العربي المعروف.

وبهذا يتبين لنا أن نص العواد يتوافق مع مفهومنا الإجرائي للشعر الحر موافقة تامة، كما يتوافق مع مفهوم العواد للشعر الحر، كما سيرد في مدونة "العقاد" النقدية لاحقًا، واستنادًا إلى توافق نص "تحت أفياء اللواء" مع مفهوم الشعر الحر، واستنادًا إلى تاريخ نشره في صحيفة "القبلة" الواقع في سنة ألف وتسع مائة وواحد وعشرين ميلادية، نستطيع القول إن الشاعر السعودي "محمد حسن العواد" قد سبق كل من "با كثير" و"نازك الملائكة" و"بدر شاكر السياب" في كتابة الشعر. هذا ما قاله الكاتب السعودي.

ص: 449

ومع هذا فقد رد أحد المعلقين على هذا المقال بالموقع: بأن موضوع بدايات الشعر الحُر وريادتة موضوع مطول جدًّا، واجتهد باحثون كثيرون في رصد هذه الظاهرة أبرزهم "يوسف عز الدين" و"إحسان عباس" وعز الدين إسماعيل" وآخرون، وانتهى أكثرهم إلى جملة من الرواد "محمد فريد أبو حديد"، "أحمد ذكي أبو شادي"، "باكثير"، "بشر فارس".

لكنّ أقدم نص في العصر الحديث ينتمي لهذا الشكل هو نص "رفيف الأقحوان" للشاعر "توفيق فياض" سنة 1892م، وهذا التعليق يبين لنا أن أساس المسألة هي نصوص تظهر بين الحين والحين من ركام الماضي؛ فكُلّما ظهر نص ينطبق عليه مفهوم الشعر الحُر، رجعنا ببدايات هذا الشعر إليه، إلى أن يظهر نص آخر يلغيه وهكذا، وإن لم يرد المعلق نص "توفيق فياض" مكتفيًا فقط بالإشارة إليه.

وعلى كل حال فمن المعروف أنه لا يتم أي تغيير أو تطوير دفعة واحدة، بل يبدأ قطرات صغيرة متباعدة، تسبق أهطال المطر وتدق السيول، وقد ذكر بعضهم على لسان أصحاب شعر التفعيلة: أن القصيدة التفعيلة أن القصيدة التفعيلية هي الإطار الملائم والمفضل لدى معظم الشعراء وما زالت، بما لها من فوائد تخدم الذائقة، ومنها الحرية التعبيرية التي يجتاح من خلالها تدفق الأفكار الشعرية دونما عائق من قافية أو وزن محدد التفاعيل، ثم الأريحة البصرية والنفسية، بسبب من كسر للروتين التوزيع البصري للقصيدة البيتية؛ مما حد من "سيماترية" العمود الكلاسيكي.

كما أن التفعيلة من موسيقاها تساعد كثيرًا على تمكين ألفاظ الشعر من تعدي عالم الوعي، والوصول إلى العالم الذي يتجاوز حدود الوعي، التي تقف دونها الألفاظ المنشورة.

ص: 450

لكن فات القائلين بهذا أنه لا يوجد شيء في الدنيا يخلو من القيود، فضلًا عن أن يكون هذا الشيء هو الفن، إن هذه القيود هي الحافذ الذي يستثير كوامن الموهبة، ما المذخور العبقري عند الفنانين الكبار إلى الظهور فتأتي بالأعاجيب، ولولا هذه القيود التي لا ينبغي مع ذلك أن تتحول من عامل يستنفر المواهب والعبقريات، إلى جدار مصمت صعب أو يستحيل اختراقه؛ لما استطعنا تمييز الإبداع الحقيقي عن الغثاء الفني.

أما ما قيل عن الراحة البَصرية؛ فإنْ صَحّ هذا الكلام وهو لا يصح، فبإمكان الشاعر أن يَطْبَع نص القصيدة دون تنسيق، وإن كُنّا نستغرب هذا التعبير العجيب، لكننا إنما نرد على قائليه بطريقتهم ليس إلا، أما الزعم أن التفعيلة بموسيقاها تساعد كثيرًا على تمكين ألفاظ الشعر من تعدي عالم الوعي، والوصول إلى العالم الذي يتجاوز حدود الوعي الذي تقف دونها الألفاظ المأثورة؛ فهو كلام غير منضبط وغير مفهوم، وإلا فإذا كانت من موسيقى التفعيلة تلك الخاصة، فلا ريب أنّ لموسيقى قافية الشعر ذو الشطرتين أقوى نغمة، ومن ثم أقدر على تأدية تلك الوظيفة المدعاة أيًّا كان المقصود منها.

كذلك فقول بعضهم: إنّ القَافِية في الشعر التفعيلي أصعب منها في الشعر القديم، هو مما لا يعقل؛ إذ يذكُر أنصارُ الشِّعر الجديد من بين الأسباب الني دعت إلى الخروج عن نظام الموسيقى الخالدية: صعوبة القيود التي تكبل الشعراء في هذا النظام؛ فكيفَ نُصَدِّق أنهم يعملون على الانعتاق من صعوبة، بغية الوقوع في صعوبة أصعب؟ هذا ما لا يمكن تصوره.

ويقول الدكتور "النويهي": إن الدافع الحقيقي إلى نظم شعر التفعيلة هو الرغبة في استخدام التجربة، مع الحالة النفسية والعاطفية للشاعر، وكذلك لكي يتآلف

ص: 451

الإيقاع والنغم مع المشاعر الذاتية، في وحدة موسيقية عضوية واحدة، وهو زعمٌ لا يعقل، وإلا كان معنى ذلك أن الشعراء العرب طوال ستة عشرَ قرنًا من الزمان على الأقل، لم يكونوا يستطيعون العثور على النغم الموسيقي المناسب للتعبير عن مشاعرهم الذاتية.

ترى ماذا كان يفعل "امرؤ القيس" أو "طرفة" أو "عنترة" أو "زهير" أو "الخنساء" أو "أبو ذؤيب الهذلي" أو "عمر بن أبي ربيعة" أو "جميل بثينة" أو "كثير عزة" أو "ابن قيس الرُّقيات" أو "بشار" أو "أبو نواس" أو "أبو العتاهية" أو "العباس الأحدب" أو "أبو تمام" أو "البحتري" أو "ابن الرومي" أو "ابن زيدون" أو "المعري" أو "الشريف الرضي" أو "ديك الجن" أو "البهاء زهير" إلى آخر من نعرف ومن لا نعرف من الشعراء العرب، سوى التعبير عن أنفسهم ومشاعرهم ومواقفهم مستعينين في كل هذا بنظام والقوافي المتاحة لهم، والذي لا يعجب الآن الدكتور "نويهي".

والعجيب أنه في كتابه (الشعر الجاهلي) يقف مبهورًا أمام بعض النماذج الشعرية الجاهلية، مبرزًا ضمن ما أبرز البراعة النغمية الموسيقية التي يقوم عليها بناء النص الذي يحلله، بل لقد فعل ذبك إلى درجة مغالية لم أستطع أن أقرها عليه أحيانًا فيما كتبت عن ذلك الموضوع في الفصل الأول من كتابي (الورايا الرشوية) الذي تناولت فيها منهج الدكتور "النويهي" في دراسة الشعر الجاهلي.

كذلك نراه في كتابه (ثقافة الناقد الأدبي) يعبر عن إعجابه العظيم بقصيدة "ابن الرومي" في رثاء ابنه الأوسط، ويراها شيئًا فذًّا رغم أنها منظومة على نظام الموسيقى التقليدي، فما عدا إذًا مما بدا، ومن الواضح أن في حكمة الأخير على النظام العروضي والقافوي السابق تجنيًا وإسرافًا بعيدًا، وأن الأمر يحتاج إلى اعتدال النظرة، وهدوء المشاعر، بدلًا من المبالغات الشديدة والآراء المسبقة، الكفيلة بإفساده للأحكام النقدية هذا الإفساد الشنيع.

ص: 452

إن الرجل لبارع في استخدام المنهج الانطباعي في التعليق على النصوص الشعرية، إلا أنه فيما يبدو لا يوفق كثيرًا حين يخرج عن هذا المنهج، أو حين يلجأ إلى التنظير.

أما بالنسبة إلى كلام المتحمسين للشعر التفعيلي حول الوحدة العضوية ودعواه افتقار الشعر العمودي إليها؛ فينبغي أن لا ننسى أن كثيرًا من نماذج الشعر العربي القديم جدًّا تتمتع بتلك الوحدة؛ كقصائد "الخنساء" وقصائد "عمر بن أبي ربيعة" وقصائد "جميل" وكثير من قصائد "بشار" و"أبي نواس" و"أبي تمام" و"ابن الرومي" و"المعري" و"ابن زيدون" و"البهاء زهير" ومعظم الموشحات وكل أشعار مدرسة المهجر ومدرسة الديوان ومدرسة أبوللو تقريبًا على قدر ما يُمكن تحقق الوحدة العضوية في الشعر الغنائي، الذي أنكر الدكتور "مندور" بقوة أن يتحقق له ذلك اللون من الوحدة، ورددت عليه أنا مبينًا أن هناك شعرًا غنائي غير قليل، تتحقق له تلك الوحدة، التي ينبغي مع ذلك أن لا نكون متنقصين في تعريفها وتضييق مفهومها، وإلا فلا يُمكن تحققها في أي شعر غنائي تقريبًا.

وهناك أيضًا من أحدث ضجيجًا مصمًّا حول اللغة البسيطة التي يستعملها شعراء التفعيلة، والتي يجعلون منها إحدى مزايا ذلك الشعر، زاعمين أنها غائبة من الشعر العمودي تمامًا، وهذا ادعاء فاسد تكذبه الوقائع الصلبة، إذ إن شعر "الخنساء" مثلًا أو "ابن أبي ربيعة" أو "جميل" أو "البهاء زهير" وبهذه الأسماء ولو مجرد أمثلة أذكرها كيفما اتفق قد نظم بلغة لم يكن للمستمع أو القارئ وقتئذ فيها شيئًا يصعب فهمه، بل إننا الآن لنستطيع أن نقرأ هذه الأشعار، ونفهمها ونتذوقها إلى حد كبير دون الاستعانة بأي قاموس لغوي.

أما في العصر الحديث؛ فالأمر يحتاج إلى توضيح، وإلا فإن كان "المازني" أو "علي محمود طه" أو "الهمشري" مثلًا ينظمون أشعارهم بألفاظ حوشية غير مفهومة، أو لا تسوغ في السمع أو على الألسنة، إن كل شعر إنما ينظم بوجه عام باللغة التي

ص: 453

يفهمها أبناء العصر، والشعر الجاهلي نفسه بعيدًا عن وصف "الناقة، والثور الوحشي" وما إليه مما يستلزم ألفاظًا لا نعرفها نحن الآن لأننا ليس لنا تلك الخبرة التي كانت لشعراء ذلك العصر بتلك الحيوانات؛ لهو شعر مفهوم لنا في كثير من نماذجه إلى حد غير قليل، فما بالنا بشعر العصور التالية للعصر الجاهلي؟.

وتبقى فكرة التجديد الموسيقي، وهي ليست بالأمر الجديد إذ رأينا القدماء يبتكرون ألوانًا جديدة للقافية كالمزوجات، والمثلثات، والمربعات، والمخمسات، والمصمدات. وكذلك الموشحات التي طبقت شهرتها الآفاق، ويمزجون في القصيدة الواحدة بين الوزن الكامل، ومجزوئه، ومشطوره، ومنهوكه، وتفنن الشعراء المحدثون بعد هذا تفننًا، إلا أنّ النغم الموسيقي ظل قويًّا معبرًا، ولم يفتر أو يمت حسبما انتهى الأمر إليه سريعًا في الشعر التفعيلي.

كما كان هناك دائمًا نظام مفهوم ومرئي لهذا النغم، ولم يكن الأمر سداح مداح كما هو في شعر التفعيلة.

وعلى كل حال رغم ظهور شعر التفعيلة، ظلت القصيدة العربية التقليدية الشكل موجودة بعد ما تجددت في معجمها ومعانيها وأخيلتها، وبقي لها شعراؤها وجمهورها، والعبرة كما نقول دائمًا بقدرة الشاعر على التعبير عن أفكاره ومواقفه ومشاعره وعواطفه، وبما تحويه القصيدة من الطاقات التعبيرية؛ مع التنبيه دائمًا إلى ما أخذناه عن القصيدة التفعيلية من فتور النغم، بل انعدامه في كثير من نماذجه المتأخرة، وشيوع الغموض فيها، وانتشال التجديف في حق المولى سبحانه، فضلًا عن اللجوء إلى الرموز الوثنية والصليبية إلى درجة لافتة للنظر، كانت وما تزال مسارًا يقصده الجمهور وكثير من النقاد الذين يعتزون بدينهم وتراثهم.

والسلام عليكم ورحمة الله.

ص: 454