الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
غموضها، ولكن في أغلب الأحايين غموض يطمس المعنى، ولا تكاد تدركه إلا إذا كان فكرك أشعة "رودلير".
ولا ريب في أن معالجة الشعر الرمزي الجيد تحتاج إلى مهارة فائقة، وموهبة مسعفة، وقريحة وقادة، وقبل كل شيء دراسة واعية متعمقة، وإذا لم يطبق شيء من ذلك؛ فسنعيش مع شعرنا الجديد في عالم مفعم بالألغاز والأحاجي، والصور الشعرية الضحلة.
السريالية وأثرها في الأدب العربي
أما السريالية: فكما جاء في المعدة المخصصة لها في الموسوعة العربية العالمية، هي: مذهب في الفن والأدب أسسه في باريس عام ألف وتسعمائة وأربعة وعشرين الشاعر الفرنسي "أندريه بيتوه" وتحاول السريالية أن تكشف عن واقع جديد يتجاوز الواقع الفعلي، وهذا واضح من مدلول المصطلح ذاته؛ إذ هو كلمة تعني ما فوق الواقعية.
ويدعي السرياليون أنهم يصنعون أشكالًا وصورًا بدون وعي وبدون تفكير، لكن بإحساس فطري خالص، وعن طريق المصادفة وباستخدام هذا المنهج نراهم يزعمون أن بإمكانهم صنع عالم في مجال الفن والأدب، أكثر جمالًا من العالم الحقيقي، وبهذه الطريقة يحاول السرياليون مفاجأة المشاهد أو القارئ، وعرض ما يعتقدون أنه هو العالم العميق والحقيقي للطبيعة البشرية.
ومن قيادات الحركة السريالية في مجال الرسم: "أندريه ماسو" و"رينيه مارجريت" و"سلفادور دالي" و"ماكس آرمس" وتمثل أعمال "ماسو" الرسم العابث بضربات الفرشاة أما "مارجريت" و"دالي" فإنهما يرسمان باهتمام أشكالًا حقيقية لصنع صورٍ تشبه الحلم، أما "آرمس" فكان يجمع بين الأسلوبين؛ حيث تبدو في رسومه مخلوقات غريبة تظهر بين أشكال ملونة متناثرة عشوائيًّا على اللوحة.
وهناك نكتة مشهورة في هذا المجال: هي أن أحد العابثين أراد أن يسخر من الرسامين السرياليين؛ فأتى بحمار وغمس ذيله في دلو به ألوان مختلطة، ثم أدار ظهره إلى لوحة علقها على جدار ونخسه؛ فما كان منه إلا أن طوح بذيله يمينًا ويسارًا، ناثرًا الألوان في كل اتجاه كيفما اتفق، وسقط بعضها على اللوحة، ثم أخذ اللوحة وعرضها على بعض كبار النقاد التشكيليين، الذين لم يتمالكوا أنفسهم من إبداء بإعجاب بالرسام العبقري الذي أبدع تلك اللوحة السريالية الرائعة، وكانت فضيحة "بجلاجل" حين أخبرهم بحقيقة ما صنع.
ويقول الدكتور محمد مندور في كتابه (الأدب ومذاهبه): إنه في أعقاب الحرب العالمية الأولى، تضافرت الفلسفة "الفرودية" مع المحنة الإنسانية العاتية التي أصابت البشر بويلات الحرب؛ فتصدعت القيم الإنسانية، وهانت الحياة على الإنسان بعد أن رأى الفساد يتربص به في كل مكان، ونشأت رغبة جارفة للتحلل من الأخلاق، وانتهاب اللذات قبل أن تفنى الحياة وتخر في العدم، وبالتالي تحركت الغرائز والرغبات المكبوتة في النفس البشرية لإشباعها إشباع حر طليقًا لا يخضع لأي قيد، ولا تردعه أية مواضعة من مواضعات المجتمع.
ولم تقتصر هذه النزعة على الحياة؛ بل امتدت إلى الفن والأدب اللذين يصدران عن هذا النوع من الحياة، مما أدى إلى ظهور المبدأ المعروف بالسريالية، أي: مذهب ما فوق الواقعية، وهو المذهب الذي يريد أن يتحلل من واقع الحياة الواعية، والذي يزعم أن فوق هذا الواقع أو خلفه واقعًا آخر، أقوى فاعلية وأعظم اتساعًا، وواقع لا وعي، واقع مكبوت في داخل النفس البشرية.
وعلى تحرير هذا الواقع وإطلاق مكبوته، وتسجيله في الأدب والفن، أراد السرياليون توفير جهودهم، وإن كان من الحق أن نقول: إن هذا الواقع الدفين
كثيرًا ما ينتهي إلى ما يشبه هذيان الحواس، وبخاصة عندما يلجأ السرياليون إلى الطرق المصطنعة؛ كالأفيون وغيره بإطلاق المكبوت في النفس، ثم عندما يحاولون تسجيل هذا المكبوت في لوحات أو قصص أو مسرحيات غامضة مضطربة، أو هاذية محمومة، ربما لا يدركون هم أنفسهم لها معنى أو يحددون لها هدفًا وهي بالرموز والأحاجي أشبه منها بالأدب والفن، مهما أن يجعلوا من هذه الحمى مذهبًا أدبيًّا أو فنيًّا.
ومهما حاولوا تسويغ بعض اتجاهاته، مثل تركهم مسرحياتهم أو قصصهم أحيانًا بدون خاتمة، بدعوى أنهم لا يقصدون غير الإثارة والإيحاء؛ تاركين للقارئ أو المشاهد مهمة تصور الخاتمة التي يريدونها، والتي ترسمها قواهم النفسية المثارة والمطلقة من كبتها.
ويرى الدُّكتور مندور أن مِثل هذا المذهب لا يَسْهُل إدراجه بين عداد المذاهب الأدبية والفنية؛ لأنه في الواقع لم يضع أصولًا وقواعد أدبية أو فنية، إذ كان كل همه هو إطلاق المكبوتات النفسية ومحاولة تسجيلها في الأدب والفن، دون تقيد بأصل أو قاعدة.
ثم يمضي قائلًا: إنه حتى لو استطعنا التسليم بأن السريالية من حيث المضمون، لا تخلو من بعض الصدق على أساس أن النفس الإنسانية لا يمكن أن تخلو من مكبوتات، بحكم أن الفرد يعيش في المجتمع، وأن هذا المجتمع لا بد أن يفرض قيودًا وأوضاعًا تكبت غرائز الأفراد ورغباتهم، فإننا لا نستطيع التسليم إلا بأن السريالية تستحق أن نعدها مذهبًا أدبيًّا أو فنيًّا؛ إذ هي لم توفق إلى خلق صورة أدبية أو فنية خاصة بها، أو خلق أسلوب تتميز به.
والسلام عليكم ورحمة الله.