الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تأثير الأدب العربي في لغة الهوسا وآدابها
وكانت كلمة "الهوسا" تطلق على الشعوب والقبائل الساكنة بين مملكتي برنو شرقًا والمنطقة الواقعة في الضفة الغربية لنهر النيجر غربًا، ومن حدود مملكة "أهير" شمالًا إلى حدود نهر "البنو" جنوبًا.
كما تطلق تلك الكلمة على اللغة التي يتحدث بها هذه الشعوب والقبائل، فهي لغة كانت ولا تزال مُنتشرة على نطاق واسع في غرب أفريقيا كلها، وهي إحدى اللغات الأفريقية الثلاث التي يتكلم بها المسلمون في أفريقيا، وهذه اللغات هي العربية أولًا، ثم الهوسا ثانيًا، فالسواحيلية ثالثًا.
وكانت هاتان اللغتان الأخيرتان تكتبان بالحرف العربي، قبل أن يتدخل المحتلون الأوربيون المبشرون بحقبة استعمارية ويحولوهما إلى الحرف اللاتيني، وفي معجم سياقي للكلمات العربية في لغة الهوسا للدكتور مصطفى حجازي السيد نجد نحو ألف كلمة عربية دخلت لغة الهوسا، ولا أظنه قد استقصى كل ذلك الصنف من الكلمات، بل كل ما هنالك أنه اجتهد وأورد ما استطاع ليس إلا، وما يستطيعه أي إنسان ليس هو كل المتاح كما هو معروف.
ثم لا ينبغي أن ننسى قلة مفردات اللغة الهوساوية وقصر تاريخها وندرة معاجمها، فهذا يجعل رقم الألف كبيرًا من ناحية، ويبين لنا من ناحية أخرى الصعوبة التي تواجه مؤلف مثل ذلك المعجم، ومن تلك الكلمات المقترضة: "النبي، القاضي، الدين، الغش، الصوم، السارق، النعش، النصف، الطعام، الأمر، العمود، الرعد، الحاج، الصبح، السر، الدعاء، العشاء، الأدب، الآخرة، اللوح، الفخر، البصل، ضرورة، نصيحة، صحيفة، سكر، منافق،
معنى، مكيدة، معاملة، اخذ، جف، مثل، كيف، غرس، شاء، زين، حل، حصد، أبدًا، كذا، فقط، نعم".
وكما هو الوضع في مثل تلك الحالة، نجد أن هذه الكلمات كثيرًا ما تدخلها تحويرات صوتيه ودلالية، حتى تناسب بيئتها اللغوية الجديدة، كأن يستبدل صوت بصوت أو تحذف بعض الأصوات من الكلمة، أو تستعمل الكلمة في غير معناها الأصلي، علي سبيل التوسع أو التضييق أو التوهم، وهذا علاوة على العبارات الكاملة مثل: "الله أكبر، الحمد لله، لا اله إلا الله، في سبيل الله، والعياذ بالله، فرض كفاية، بيت المال، البحر المحيط، دفتر الخراج، بلا حد، ساعتئذ
…
هكذا".
ومما تركته العربية أدبها في اللغة الهوسا، الطريقة التي يصوغ بها أهل تلك اللغة كثيرًا من صورهم البلاغية فتراهم إذا أرادوا أن يضربوا المثل بشخص على فضيلة الشجاعة، ذكروا عنترة، وإذا أرادوا أن يضربوا المثل على الغنى، قالوا: قارون، وإذا أرادوا أن يشيروا إلى تدين شخص ما أو تظاهره بالتدين، أشاروا ألي أنه يحمل المسبحة في يده ويكر حباتها، وإذا أرادوا أن يثنوا على فتاه بالجمال، وصفوها بأنها بنت عرب، وهكذا.
كما نراهم في كثير من رواياتهم وقصصهم يستخدمون لأبطالهم أسماء عربيه، مثل سعيد ومحمد وأحمد، بل لقد يستخدمون أسماء رمزيه عربية، بالإيماء إلي ما يتصفون به من مزايا وعيوب، مثل: فصيح، منصور، ظالم، ثقيل، أبو الرءوس.
وفي خطابتهم نجدهم يجرون علي سنة الرسائل العربية، وبخاصة القديمة في بدئها بعبارة، من فلان إلي فلان الفلاني تحية وحبا واحترامًا أما بعد، وكذلك في ختامها إذ ينهون رسائلهم بعبارة والسلام، مثلما نصنع في رسائلنا العربية.
كما يبدأ بعض كتابهم قصصهم بالبسملة والحمدلة وما إلى ذلك، وكثير من الأمثال الهوساوية تعكس تأثرًا بنظيرتها العربية أو تشبهها كثيرًا، كقولهم: ما يزرع الإنسان يحصده، إن خيرًا فخير وإن شرًّا فشر، والظن ذنب حتى لو صار حقيقة، وما يناله الإنسان أو يصيبه مكتوب منذ بدء الخلق، من حام حول البيت يوشك أن يدخله، لا تكون الأمور إلا بالنيات، وكل من يرحم غيره يرحمه الله، والكلام السيئ يفوق طعن السهام، وابن الحلال يلام والعبد ليس له إلا العصا، ولا تعطي الإنسان سهما فيعود ويطلقه عليك، ولا يذوق الإنسان عسل النحل حتى يذوق اللدغ، ومحبك لا يبصر عيبك، والعنزة المذبوحة لا يؤلمها السلخ، واختار الجار قبل الدار، والله أعلم بمن اتقاه.
وغني عن القول أن الأمثال المستشهد بها هنا قد ترجمت من الهوسا إلى العربية.
وفي الشعر الهوساوي نجد شعرًا تعليميًّا كثيرًا، وهذا النوع من الشعر ترجع بداية ظهوره إلى القرن السادس الهجري، حيث كان العلماء ينظمون العلوم المختلفة من فقه وتوحيد وتجويد ومعاجم، وهم متأثرون في هذا بالمنظومات التعليمية العربية كما هو واضح.
كذلك هناك الأشعار الوعظية والزهدية التي تعتمد في مادتها على القرآن المجيد، والحديث الشريف، وكتب التفسير، وتستمد كثيرًا من خيالاتها من الأدب العربي إلى جانب العناصر المحلية الإفريقية، ولدينا أيضًا المدائح النبوية، وهي متأثرة ببردة البوصيري المشهورة، وترتبط بتقاليد معينة وتهتم دائمًا بذكر المعجزات والبطولات الخاصة بنبي الإسلام صلى الله عليه وسلم.
وعندنا كذلك شعر الاستحثاث الديني والوطني، حيث يعمل الشاعر بكل قواه على إيقاظ الناس وإشعال حماستهم، وإشعارهم بالفجوة الهائلة التي تفصل
المسلمين عن الحضارة الغربية المتفوقة، ويبذل جهده من أجل إيقاظهم ودفعهم إلى العمل العلم.
وهناك شعر التوجيه الاجتماعي، وفيه يرصد الشاعر السلبيات الأخلاقية الاجتماعية والسياسية، من ظلم وتباغض وحسد ورشوة وفساد سياسي وفرقة وما إلى ذلك، مبغضًا الناس فيها ومذكرًا إياهم بيوم الحساب.
ومن نماذج تأثير الأدب العربي على نظيره الهوساوي الشواهد التالية:
فمن الشعر مثلًا نقرأ نائف سليمان والي:
أشكر الله الرب
…
الذي وهبني البصر والسمع
ووهبني التفكير السليم
…
تبارك أساله العون
هب لي الحظ
…
في الفصل مطير
وقول صالح كنتا جورا:
يرون الآية ويرفضون أمرها
…
يتزوجون المرأة ويرفضون حجابها
من يرفض حجاب زوجته
…
يكن هو والملك في خلاف
قال وقرنا فهز رأسه
…
لا أملك العبد فلا أطبق الحجاب
لا توجد الجارية التي تجلب الماء
…
وتروح الغابة لجلب الحطب
وقول الحاج "مودي اسبيك" وهو من مواليد سنة 1930 ميلادية:
"في اليوم التالي ذهبت إلى مكة؛ لأني قد أحرمت، ذهبت وأديت ما علي من عمل، ومكثت في مكة المكرمة، أعبد الله الملك الأحد، وهنا في مكة صمت، في مكة الصيام ليس صعبًا، يوجد الطعام والشراب والمكرونة، فيها كل ما تهوي إليه النفس، وهكذا ليس في الدنيا مثل مكة حقيقة".
وقول أسماء بنت الشيخ عثمان في مدح المصطفى -صلى الله عليه سلم- وهي من شعراء القرن الرابع عشر:
نوره فاق نور القمر ليلة الرابع عشر
…
لأنه لا نور مثل نور محمد
وهكذا كل الشجعان في شجاعتهم
…
لم يبلغوا شجاعة أفضل الخلق أحمد
المسك والكفور كلاهما
…
لم يصلا إلى رائحة جسم النبي محمد
وهكذا جمال خلقته لا مثيل لها
…
لأنه لا يوجد أبدا مثل محمد
لم يخلق مخلوق مثله
…
ولن يخلق أبدا مثل محمد
وهكذا في الخلق الجميل لا مثيل له
…
ولا في بشاشة وجهه وجمال ابتسامة محمد
وقول "معاذ هطبيا" منتقدًا بعض العادات المذمومة:
الحمد لله ترك الشعر تأثيره
…
سألت الله رزق الدين والدنيا
ختم السعادة أن نموت على الإيمان
…
اللهم احفظنا من شر الأشرار من الإنس والجن والحيوان
وقول سعد زنجر متناولًا بعض الآيات القرآنية في قصيدة له بعنوان الشمال جمهورية أم ملكي:
أرى إله الملك هو الواحد، هو له ما يشاء جميعًا؛ فيولي الملك في الدنيا، وهو الذي ينزعه من الخلق فيذوقوا مرارة الحياة، وهو الذي يعز من يشاء جميعًا، ويَجعَلُ البعض يذوق الصعاب، يُخرج الليل من النهار، ويخرج نور الصبح من الليل، يحيي الأموات جميعًا، وهو وحده يميت الحي.
وإلى جانب هذا يُلاحظ الدّارسون، أن الكلمات العربية تبرز في قافية القصائد الهوساوية بروزًا واضحًا، وأحيانًا ما يستعير الشاعر الهوساوي بعبارات عربية
كاملة مثل "قف عندك، لا أمان ولا مجالسة، تفسد المال، تنقص الإيمان شارب الخمر، تضر في صدره، تم بحمد الله، ثم بعون الله، سبحان الله، أستغفر الله، إنما الأعمال بالنيات".
أما في الفن القصصي؛ فلنأخذ الحاج أبو بكر إمام رائد الأدب الهوساوي الحديث، مثالًا على تأثر الأدب الهوساوي بنظيره العربي، وهو من مواليد سنة 1911 ميلادية، وكان يعتز بثقافته الشرقية أيما اعتزاز، ففي قصة "الكلام رأس مال" نراه قد نصب البغبغاء راويًا للأحداث وسماه وزيري وجعله ذو ثقافة عربية، يقص الحكايات على ألسنة الحيوان والطير على غرار ما يدور في كليلة ودمنة وألف ليلة وليلة، إذ ما يكاد ينتهي من حكاية حتى يصيح الديك مؤذنًا، فيؤجل الحكاية الجديدة إلى الليلة التالية.
ومن قصصه التي يظهر عليها الأثر العربي بكل وضوح، قصة الثور الذي اشتكى للحمار سوء معاملة صاحبه له وإرهاقه إياه بالعمل الشاق، فنصحه الحمار بالتمارض حتى يريحه صاحبه، وكان الفلاح ذكيًّا يفهم لغة الحيوانات، فلما سمع ذلك، استعمل الحمار الناصح بدلًا من الثور المنصوح، مما كان الثمرة أن عاد الحمار في نصيحته مبينًا للثور أن عليه أن يكف عن التمارض وإلا ذبحه صاحبه، وهكذا عادت الأمور إلى ما كانت عليه.
وهذه الحكاية مشهورة في الأدب العربي، وهي مأخوذة من كتاب كليلة ودمنة، وأمثالها كثير في قصص ذلك الكاتب، كما هو الحال في قصة الأرنب المحتال، والقملة والبرغوث، والسائح والصائغ، والبطتان والسلحفاة.
فضلًا عن القصص التي استلهمت كتاب ابن المقفع كليلة ودمنة، ثم قصص أخرى استوحت الأحاديث النبوية الشريفة، كقصة الله يعرف ما في قلوب العباد
التي احتذت حديث ثلاثة بني إسرائيل الأبرص والأعمى والأقرع مع بعض التحويرات الطفيفة.
على أنّ هُناك شِعر نظمه شعراء هوساويون ولكن بلغة عربية، وهذا الشعر يظهر فيه التأثر بالشعر العربي، الذي نعرفه في البلاد العربية سواء الحديث منه أو القديم، وهو أقوى من ذلك المكتوب بلغة الهوسا، وسوف نركز هنا على ما نظمه من ذلك اللون من الشعر بعض الشعراء النيجيريين.
يقول الدكتور محمد سعيد جبران في دراسة منشورة له بمنتديات موقع " takomy.com " عنوانها: "الاتجاه الإسلامي للشعر النيجيري الحديث": إن الشعراء النيجيريين قلدوا في شعرهم العربي، العرب في أوزانهم وقوافيهم، واستخدموا في أشعارهم الوحدات الموسيقية التفعيلات، ولاذوا بالأوزان الخليلية الأوزان القصيرة والأوزان الطويلة، وعولوا كثيرًا على البيت المغلق واستخدام القوافي المختلفة، والتزموا بها في قصائدهم، إتباعًا لبعض شرائط عمود الشعر، ولا يعني ذلك أنهم لم يستخدموا الأوزان المستحدثة، فقد استخدموها ولكن بندرة وقلة ملحوظة.
فقد تأثر عمر إبراهيم في موشحة الكون ما مات لولا الحب بهيكلية الموشح الأندلسي، إذ جعل له مطلعًا أو مذهبًا، ثم جعل هذا المطلع بل صدره ملتزمًا مع التغير في الشطر الثاني ليكون قفلًا، ثم أتبع ذلك بما يسمى في الموشح بالدول وأمثل لذلك بقوله:
مطلع
يا حبيبي يا حبيبي أصغي السمع للحبيب
الدور
هل أتاك اليوم أني صرت عظمًا في الشعار
ذهب اللحم بخارًا صاعدًا من حل ناري
مائلًا فوقي سحابًا لا أرى ضوء النهار
وهو لا ينزل مطرًا أو يراك بجواري
قفل
هل تبالي بنحيبي يا حبيبي يا حبيبي
وهكذا إلى أن أتم الموشح الطويل بالخرجه وهي قوله:
يا حياتي يا خلودي في مآب المستطاب
وعلى ذلك جاء موشحه تيمن لا أقرع، بيد أن تقليد الأندلسيين في هذا الفن المستحدث نادر في الشعر النيجيري، أما الذي تم تقليدهم لهم فيه من الناحية الإسلامية في هذا الشعر، فهو ما شاع في شعر الأندلسيين المتصوفين والزاهدين من استخدام لازمة "صلوا عليه وسلموا تسليمًا" عقب كل بيتين، فقد جاره الشيخ محمد الناصر كبر أو جارى هذا الأسلوب الأندلسي في قصيدته التي مطلعها:
الحمد لله الذي منا حبا
…
محمدًا أهل الكريم الأطيب
خير الورى نسبا
…
وخيرهم أبا
ولذلك كان السيد المعلوما
…
صلوا عليه وسلموا تسليما
وعلى الرغم من شيوع العشرينيات لأبي زيد في بلاد نيجيريا منذ القديم، فان هؤلاء الشعراء لم يوفقوا في مجاراة هذا الشعر المبني في كل وحدة من وحدات
حروفه على الثمانية والعشرين على عشرين بيتًا، يبتدئ كل بيت منها وينتهي بالحرف نفسه، كما لم يجاروا المعشرات وكلاهما درب من الشعر الأندلسي المستحدث، كان من أبرز شعرائه في الأندلس الفازاري ومالك ابن المرحل.
على أن الدرب الذي أكثروا من ممارسته والقول فيه، إنما هو المخمسات أو التخميس، فلقد أثرت لهم فيه نماذج كثيرة وقصائد وفيرة، نذكر من ذلك هذه المقاطع من تخميس الشاعر مصطفى ابن الحاج عثمان من قصيدة عبد الله بن فودي الحائية التي يقول فيها:
ألا يا خليلي صدقتك الروائح
…
علمت يقينا هيجتك النصائح
ولكن لهت عنها النفوس الجوائح
…
طربت فأشجاني الطيور الكوالح
وفرحني منها الغيوث الروائح
…
ضحكت فأبكاني غراب يصايح
سررت فأشجاني الطيور النوائح
…
مرضت فأشجاني الفحول النواطح
وخوفني أيضا دياب بوارح
…
وأمنني منها الظباء السوابح
وهو تخليص طويل أحاط فيه بأبيات قصيدة نفوز المشهورة.
ومن الذين أكثروا في صياغة هذه التخميسات الشيخ أبو بكر عتيق في ديوانه هدية الأحباب والخلان، فله فيه تخميس تحت هذه العناوين ترحيب وتوديع، الغرر البهية في استعطاف خير البرية، مفاتيح الأقفال في التوسل لأكابر الرجال، المواهب الأحادية في مدح الحضارات المحمدية، المدد الرحماني في مدح سيدي أحمد التيجاني والتوسل إلى الله به وبأكابر أصحابه ذوي القرب والتدالي، ومن
شعراء نيجيريا المتأخرين الذين عالجوا هذا اللون من أشكال الشعر أعني المخمسات، الشاعر محمد الناصر كبر، قال رضي الله عنه مخمسًا قصيدة الشيخ أبي بكر عتيق: سنكة كنوه المعنونة بالأحادية في مدح الحضارات المحمدية:
يا أشرف الخلق يا أعلى الورى عرف
…
يا أكرم الخلق يا أسمى الورى شرفا
يا أعظم الخلق يا أوفاهم مغترفا
…
يا رحمة الله يا من قد رمى فصفا
ونال ما ليس يدريه الذي وصف
…
أتى ببابك المضطر مرتجيا
الناصر كونوي يشدوك مستحيا
…
يقول ما قال عتيق منك مجتزيا
أذكى صلاة وتسليم عليك أيا
…
مشكاة مصباح رب العرش يا صدفا
وخلاصة ما لاحظناه عن طبيعة الألفاظ والتعابير المستعملة في شعر هذا الاتجاه، أن شعراء هذا الأفق مالوا في غالب النتاج الشعري بما عرف من رسائلهم العقائدية في الإبلاغ والإيصال، إلى البعد عن التصعيب في تناول الألفاظ، وجنحوا إلى استعمال المأنوس من التعابير التراكيب، وهذا لا يعني بالطبع وجود بعض القصائد الحوشية الغامضة، التي مال فيها أصحابها إلى الإغراب والتعمق قصدًا منهم، لإظهار مخزونهم اللغوي أو مجارة الفحول من الشعراء على نحو ما نقرؤه في قصيدة للشيخ عبد الله بن فودي "الجيمية والحائية". أو في بعض قصائد الأمين محمد البخاري وخاصة قصيدة "السينية".
وقد حرص هؤلاء الشعراء على أن يزينوا أشعارهم في مختلف الأغراض بالتصوير البلاغي الذي يزيد الشعر وضوحًا، ويضفي على لوحاته رونقًا،
ولكنهم لم يبالغوا ولم يكثروا من هذا الاستخدام، فاستعملوا التشابيه والاستعارات والكنايات، ومن علم البديع القديم التلميح، الذي اصطلح المعاصرون على تسميته الاستدعاء، واستعملوا الاقتباس والتضمين والمبالغة والطباق.
أما ألوان البديع المستحدث الذي ظهر شعر أدب الدول المتتابعة، فقد استعملوا شعرًا أو شكل الدائرة في الشعر، وهو الذي يسمى المدور، وبنى بعضهم أوائل أبيات قصائده علي حروف آية من الآيات، مثل قوله تعالى:{اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} (البقرة: 257)، أو قوله تعالى:{وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ} (آل عمران: 68) وقوله تعالى: {حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} (آل عمران: 173).
وصفوة القول: إن الشعر العربي الحديث في نيجيريا، أو بعبارة أخرى إن شعر الاتجاه الإسلامي في هذه البلاد، يؤرخ لظهوره وبدئه مع ظهور الحركة الإصلاحية الإسلامية، التي نهض بها الشيخ عثمان ابن فودي والأسرة الفودوية في القرن السادس عشر الهجري، التاسع عشر الميلادي. وإنه تفاعل خلال القرنين الماضيين مع تعاليم الإسلام وقضاياه ومع عقيدته ورآه وسار شعراؤه من منطقهم العقدي في مسيرة روائع الشعر والأدب العربي الإسلامي من حيث المضامين التقليدية مثل: المدح، والرثاء، والوصف، والهجاء، والشكوى، والحنين، والعتاب.
والمضامين التي جَدّت بظهور الإسلام مثل: الشعر النبوي، والأمداح، والحب الإلهي، وذكر المقامات والتشفع والتوسل.
وقد استطاع هؤلاء الشعراء في المدن الإسلامية النيجيرية مثل: سكتوا، برنو، وكشنا، وكانو، جاريه، وغيرها من المدن. وجلهم ينتمي إلى طبقة المصلحين والأمراء والفقراء والقضاة، والي طبقة المثقفين الذين تشربوا روح الدين القويم، أن يطوعوا تلك المضامين الشعرية المختلفة التقليدية والجديدة لهذه الروح الدينية، فجاء عطاؤهم الشعري مكتنزًا بالقيم الشعرية والفكرية والفنية، ملتزمًا بقضايا الدين والأمة، معبرًا عن الخوارج الشخصية والغيرية، متسمًا كنصوص الأدب الإسلامي بعامة بالعفة والطهر بريئة من الفحش والانحراف والعبثية.
وقد تأثر شعراء نيجيريا المحدثون بأشعار العرب، من حيث مظهرية بعض الأشكال والصياغة والتراكيب علي نحو ما تأثروا من حيث المضامين، وعلى الرغم من ضآلة صلة الكثير منهم، بالتراث العربي الواسع وشعر الشعراء المشاهير في مختلف العصور الأدبية، فإن جملة منهم تفتحت علي بعض مناحي التراث المتمثلة في شعر بعض شعراء الجاهلية، وشعر صدر الإسلام وبعض شعراء الأمويين والعباسيين علي نحو ما في شعر عبد الله بن فودي، ومحمد بلو، محمد البخاري ويحيى النفاخ وأبي بكر عتيق.
كما تأثروا بشيء من أشكال الشعر الأندلسي وشعر الدول المتتابعة فيما ذكرناه من أشكال المخمسات، والموشح، والشعر الهندسي، تلك هي جوانب التأثر في هذا الاتجاه، من حيث المضامين والخصائص الفنية.
على أن الملاحظة التي تقرر في هذا الملمح: أن هذا الاتجاه الإسلامي في الشعر العربي الحديث بنيجيريا، لم يكن على الرغم من تحقق ارتباطه بوشائج مع التراث القديم، على صلة وجدل ثقافي مع مظاهر تطور الشعر العربي الحديث في العالمين العربي والإسلامي.
فغاية ما انتهى إليه من تلك الصلة الاستمداد من أدب الدول المتتابعة، إذ لم نجد من خلال الأشعار التي وقفنا عليها أثرًا لتفاعل شعرائه مع الاتجاهات التيارات التي عرفها شعراء العربية المحدثون منذ القرن التاسع عشر، مثل: اتجاه البعث والإحياء الذي يمثله في مصر محمود سامي البارودي وأحمد شوقي وحافظ إبراهيم، وفي العراق: الزهاوي والرصافي والكاظمي. وفي الشام: شفيق جابري، وخليل مردم والزركلي ومحمد البز.
أو جماعة الديوان التي يتزعمها عبد الرحمن شكري وعباس محمد العقاد، وجماعة أبوللو التي كان من شعرائها أحمد ذكي أبو شادي، وإبراهيم ناجي، وعلى محمود طه، بل جماعة المهجر الشمالي والمهجر الجنوبي.
وما من ريب في أنّ الاستعمار الانجليزي البغيض كان له الدور البارز في تغريب اللغة العربية عن هذه الديار، وفي فصل هؤلاء الشعراء وعزلهم عن تيار الحركة الفكرية والأدبية الإسلامية، وتغييبهم عن تراث أمتهم.
وربما أفضت بنا هذه الملاحظة إلى القول: إن شعراء ما قبل استعمار القرن التاسع عشر كانوا أكثر قربًا من التراث، وأشد دنوًّا في القدرة على محاكة الأشعار العربية القديمة من حيث المحتوى والإطار؛ مما جعل شعرهم أقوى نسجًا وأمتن ديباجة من شعراء القرن العشرين.
وفوق ذلك هناك كتب أدبية عربية ترجمت إلى لغة الهوسا: إما من العربية مباشرة، وإما من الإنجليزية، مثلًا مثل: ألف ليلة وليلة وسيف بن ذي يزن، كما يظهر في الأدب القصصي الهوساوي تأثر واضح بقصص كليلة ودمنة التي تتخذ أبطالها من الحيوان.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.