المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تعريف القصة، والفرق بينها وبين الملحمة والمسرحية - الأدب المقارن - جامعة المدينة (بكالوريوس)

[جامعة المدينة العالمية]

فهرس الكتاب

- ‌الدرس: 1 الأدب المقارن نشأته وتطوره

- ‌تعريف الأدب المقارن ونشأته

- ‌ميادين الأدب المقارن ومدارسه

- ‌الصلة التي تربط بين الأدب والفنون الجميلة

- ‌الدرس: 2 التأثر والتأثير في الأدب المقارن

- ‌التأثير والتأثر في الأدب المقارن عند المدرسة السلافية

- ‌التأثير والتأثر في الأدب المقارن عند المدرسة الفرنسية

- ‌بعض الشواهد على عملية التأثير والتأثر في بعض مجالات الأدب المقارن

- ‌الدرس: 3 الأجناس الأدبية القديمة والحديثة والتفاعل فيما بينها

- ‌تعريف الملحمة، وأهم أنواعها، وسماتها

- ‌المسرحية، ودورها كجنس أدبي

- ‌الدرس: 4 الرواية والقصة القصيرة، ودلالات التأثر والتأثير فيها

- ‌الرواية والقصة القصيرة؛ جذورها التاريخية وسماتها الأدبية

- ‌الموضوعات التي تناولتها القصة العربية القديمة

- ‌شبه ما يعترضون على وجود القصص العربي القديم

- ‌الدرس: 5 الشعر الغنائي ودلالات التأثر والتأثير فيه

- ‌معنى الشعر الغنائي وماهيته

- ‌أي الفنين أسبق من الآخر؛ الشعر أم النثر

- ‌عمر الشعر العربي

- ‌الدرس: 6 خصوصية الأدب العربي وميزاته الحضارية

- ‌نشأة الأدب العربي وسماته الخاصة

- ‌الشعر كجنس من أجناس الأدب العربي

- ‌القصص كجنس أدبي

- ‌خصائص الأدب العربي

- ‌الدرس: 7 تأثير المقامات في الأدب الأوربي

- ‌تعريف المقامة وتاريخ نشأتها وآراء نقاد الأدب فيها

- ‌المقامة المضيرية، كمثال من المقامات

- ‌تأثر الفن القصصي الجديد في أوربا بفن المقامة

- ‌الدرس: 8 قصة حي بن يقظان وأثرها في قصة "روبنسون كروزو" وغيرها

- ‌تطور قصة حي بن يقظان في الأدب العربي

- ‌ حي ابن يقظان" وتأثيرها في الفكر والأدب العالمي

- ‌الصلة بين "حي ابن يقظان" و"روبنسون كروزو

- ‌الدرس: 9 ألف ليلة وليلة والموشحات وتأثيرهما على الأدب الغربي الحديث

- ‌أثر "ألف ليله وليله" في الأدب الغربي

- ‌أثر الموشحات في الأدب الغربي

- ‌الدرس: 10 تأثير الأدب العربي في الشاعر الألماني جوت

- ‌نشأة جوته وثقافته

- ‌ما تركه القرآن في الأثر فيما خططته براعة جوته

- ‌الدرس: 11 أثر الأدب العربي في الآداب الإسلامية (1)

- ‌أثر الأدب العربي في الأدبين الإفريقيين: الأدب السواحلي، والأدب الهوسوي

- ‌تأثير الأدب العربي في لغة الهوسا وآدابها

- ‌الدرس: 12 أثر الأدب العربي في الآداب الإسلامية (2)

- ‌أثر الأدب العربي في الأدبي الفارسي

- ‌أثر الأدب العربي في الأدب الملاوي

- ‌الدرس: 13 تأثر الأدب العربي بالآداب الغربية (1)

- ‌تأثر الأدب العربي في ميدان التأليف المسرحي بالأدب الغربي

- ‌نماذج من المسرحيات العربية التي تأثرت بالمسرح الغربي

- ‌الدرس: 14 تأثر الأدب العربي بالآداب الغربية (2)

- ‌تعريف القصة، والفرق بينها وبين الملحمة والمسرحية

- ‌بعض المقارنات بين الأعمال القصصية العربية الحديثة، ونظيرتها في الآداب الغربية

- ‌الدرس: 15 نشأة قصيدة الشعر الحر وتطورها

- ‌نبذة عن مراحل تطور الشعر العربي

- ‌دعوى أصحاب شعر التفعيلة أن الشعر العربي شعر إنشادي

- ‌بناء القصيدة في الشعر العربي

- ‌المناداة بما يسمى بالوحدة العضوية داخل القصيدة

- ‌ظهور ما يُسمى بالشعر الحر

- ‌الدرس: 16 تأثر الشعر العربي بالشعر الإنجليزي

- ‌عوامل الاتصال بين الشرق والغرب وأثرها في إحياء الشعر العربي في العصر الحديث

- ‌مدرسة الديوان وأثرها في حركة الشعر في العصر الحديث

- ‌تأثر شعراء المهجر بالشعر بالأدب الغربي

- ‌الدرس: 17 المذهب الرومانسي والمذهب الواقعي في ميدان الأدب

- ‌المذهب الرومانسي في الأدب؛ نشأته وتطوره

- ‌مذهب الواقعية في الأدب؛ نشأته وتطوره

- ‌الدرس: 18 الرمزية والسريالية

- ‌الرمزية وأثرها في الأدب العربي

- ‌السريالية وأثرها في الأدب العربي

- ‌الدرس: 19 تقويم علاقة التأثر بين الأدب العربي وغيره من الآداب

- ‌طرق الاستفادة من الأدب المقارن في الأدب القومي

- ‌العوامل التي ساعدت على نشأة الأدب المقارن

- ‌الدرس: 20 بعض الدراسات التطبيقية الخاصة بالتأثير والتأثر بين الأدب العربي والآداب العالمية

- ‌بداية معرفة العرب بالشعر الإنجليزي بتأثر السياب بـ"شِلي

- ‌حكايات الحيوان عند كل من إيسوب الحكيم وإخوان الصفا

- ‌الدرس: 21 علاقة الأدب المقارن بالعولمة والعالمية، والمثاقفة بين الشعوب، وتحديد خصوصية الأدب العربي وبيان ملامحه

- ‌(علاقة الأدب المقارن بالعولمة والعالمية

- ‌المثاقفه بين الآداب وبعضها

- ‌خصوصية الأدب العربي وسماته، وعَلاقة ذلك بالأدب المقارن

الفصل: ‌تعريف القصة، والفرق بينها وبين الملحمة والمسرحية

بسم الله الرحمن الرحيم

الدرس الرابع عشر

(تأثر الأدب العربي بالآداب الغربية (2))

‌تعريف القصة، والفرق بينها وبين الملحمة والمسرحية

التأثر في ميدان القصة.

و"القصة": فن من الفنون الأدبية القديمة، إذ لا أظن أن ثمة مجتمعًا بشريًا، قديمًا أو حديثًا، يمكن أن يخلو من هذا الفن، فحب القصص نزعة فطرية في النفس الإنسانية، ولعل أقدم كتابة نقدية في هذا الموضوع هي ما كتبه أرسطو في كتابه (فن الشعر) عند كلامه عن الملحمة والمسرحية، ذلك أن الملحمة والمسرحية كلتاهما فن قصصي، كل ما في الأمر أن الملحمة كانت تنظم شعرًا، وأن المسرحية تقوم على الحوار، فلا سرد فيها إلا في أضيق نطاق، وذلك حين يضع المؤلف ملاحظاته السريعة الموجزة قبل بعض المشاهد كي يهتدي بها المخرج لدن تحويلها من عمل مكتوب إلى تمثيل حي على المسرح، فضلًا عن أن المسرحية، كانت تكتب أيام أرسطو شعرًا، وإن كتبت بعد ذلك نثرًا أيضًا.

وفي كل من الملحمة والقصة والمسرحية، الحوادث والشخصيات والحوار والعقدة والحل والبناء الفني، كما أنّ المُواصفات التي يراعيها المبدع في كل فن من هذه الفنون، لا تكاد تختلف بشكل جذري عما ينبغي مراعاته في الفنين الآخرين، وقد قال أرسطو في كتابه (فن الشعر) Poetex: إن كل ما يصدق على الملحمة يصدق على المأساة "أي: مسرحية المأساة"، اللهم في أن الملحمة لا تنظم إلا في بحر واحد من بحور الشعر، كما أنها تنخذ الشكل السردي. علاوة على أن المأساة محكومة في طولها الزمني بدورة الشمس حول الأرض بمرة واحدة، أي بأربع وعشرين ساعة أو أزيد قليلًا إن كانت ثمة حاجة إلى ذلك، على حين أن زمن الملحمة مفتوح.

ص: 395

وهما كما يرى المستمع لا صلة بينهما وبين البناء الفني لهذين الجنسين الأدبيين، ولأن العناصر الموجودة في الملحمة هي نفسها تقريبًا العناصر الموجودة في المسرحية، نجده يؤكد أن من يستطيع الحكم الفني على إحداهما يستطيع الحكم على الأخرى، وبالمثل نراه يذكر أن المؤلف -أي: مؤلف- قد يروي قصته من خلال ضمير الغائب، أو من خلال ضمير المتكلم، أو من خلال ترك الشخصيات تتصرف أمامنا مباشرة، والأسلوب الأخير هو أسلوب المسرحية، أما الأسلوب الأول فأسلوب "هومر" في شعره الملحمي.

إلا أنه لم يضرب لنا مثلًا يوضح به كيفية تقديم الشخص نفسه من خلال ضمير المتكلم، والمسرحية تتكون عنده من الحبكة والشخصية واللغة والفكرة والمنظر والأغنية، وفي رأيه أنّ الحَبكة أهم من رسم الشخصيات، وأساسها عدم تضمين العمل المسرحي والملحمي أي عنصر لا يضر العمل حذفه، وألا نحذف من العمل أي عنصر شأنه أن يصيب العمل بالتفكك والانهيار عند هذا الحذف.

كذلك لا بد في رأيه أن يكون كل حدث مترتبًا على الحدث السابق عليه، وبالنسبة إلى الشخصيات: ينبغي أن تكون شخصيات حقيقية ممن نقابلها في الحياة، وأن ينم كلامها وسلوكها عليها وينسجم معها، وأن تكون متسقة مع نفسها

إلى آخر ما كتب ذلك الفيلسوف عن المواصفات التي لا بد من مراعتها في كتابة المسرحية والملحمة، وهو أساس النقد القصصي عند الأوربيين وعند غير الأوربيين.

والسؤال المعتاد في هذا الموضع هو: منذ متى عرف الأدب العربي فن القصص؟ وفي الجواب عن هذا نقول: إنّ بعض الدارسين يميلون إلى القول بأنّ القِصّة أحد الفنون الأدبية الطارئة على الأدب العربي، استمدها من الآداب الغربية في هذا

ص: 396

العصر، وهذا رأي خطير متسرع، ففي التراث الأدبي الذي خلفه لنا أسلافنا قصص كثير منه الديني ومنه السياسي ومنه الاجتماعي، ومنه الفلسفي، ومنه الوعظي، ومنه الأدبي ومنه ما وضع للتسلية ليس إلا، ومنه الواقعي ومنه الرمزي ومنه المسجوع المجنس، ومنه المترسل، ومنه المحتفى بلغته، والبسيط المنساب.

ومنه الطويل مثل رسالة النمر والثعلب لسهل ابن هارون، ورسالة التوابع والزوابع لابن شعيب، ورسالة الغفران للمعري، وسلامان وأبسال، ورسالة الطير لابن سينا،، ورسالة حي بن يقظان لكل من ابن سينا وابن الطفيل والسهروردي، وقصص ألف ليلة وليلة، وسيرة عنترة، وسيرة سيف بن ذي يزن.

ومنه القصير كالحكايات التي ترص بها كتب الأدب والتاريخ المختلفة، وجمع طائفة كبيرة منها "محمد أبو الفضل إبراهيم، وعلي محمد البيجاوي، ومحمد أحمد جاد المولى في أربعة مجلدات كبار، وكليلة ودمنة لابن المقفع، والبخلاء للجاحظ، والفرج بعد الشدة ومشوار المحاضرة للقاضي التنوخي، والمقامات وعرائس المجالس للثعالبي، ومصارع العشاق لسراج القاري، وسلوان المطاع في عدوان الأتباع لابن غفل الصقلي، والمكافأة لابن الداية، وغرر الخصائص الواضحة وعرر النقائض الفاضحة للوطواط.

والمستطرف من كل فن مستظرف للأبشيري، وعجائب المقدور في أخبار تيمور، وفاكهة الخلفاء ومفاكهة الظرفاء لابن عرب شاه، وبعض قصص ألف ليلة وليلة أيضًا، وما ما ذكره ابن النديم في (الفهرست) من كتب الأسمار الخرافية التي ترجمت عن الفارسية والهندية واليونانية، أو رويت عن ملوك بابل أو ألفت

ص: 397

بالعربية فكانت حوالي 140 كتابًا، المؤلف منها بلسان العرب فقط نحو 80 كتابًا، كلها في أخبار العشاق في الجاهلية والإسلام.

ودعنا مِمّا ألف بعد ذلك، ومنه النثري كالأمثلة السابقة، والشعري كشعر الشنفرة عن لقائه بالغول، وقصيدة الحطيئة و"طاوي ثلاث عاصب في البطن مرمل"، وكثير من قصائد عمر ابن أبي ربيعة، وأبيات الفرزدق عن الذئب، ورائية بشار ومغامرات أبي نواس الخمرية، وقصيدة المتنبي عن مصارعة بدر بن عمار الأسد، وهلم جرًّا.

على أن ليس معنى ذكر الكتب والمؤلفات في هذا السياق أن الفن القصصي لم يُعرف عند العرب إلا في عصر التدوين، بعد أن انتشر نور الإسلام وتخلص العرب من الأمية، وأصبحوا أمة كاتبة قارئة مثقفة كأحسن ما تكون الأمم ثقافة وتحضرًا، بل كان هذا الفن معروفًا قبل ذلك في الجاهلية، وهذا الحكم يستند:

أولًا: إلى أن حب القصص نزعة فطرية لا يمكن أن يخلو منها إنسان فضلًا عن مجتمع كامل؛ كالمجتمع العربي قبل الإسلام.

وثانيًا: إلى أن لدينا قصصًا كثيرًا تدور وقائعه في الجاهلية وينتسب أبطاله إليها، وقد اقتصر دور الكتاب الأمويين والعباسيين على تسجيل ذلك القصص، وقد يكونون تدخلوا بأسلوبهم في صياغته، وهذا أبعد ما يمكن أن تكون أقلامهم قد وصلت إليه.

ومن الواضح أن هذا القصص يصور المجتمع العربي قبل الإسلام تصويرًا لا يستطيعه إلا أصحابه، أما ما يقوله بعض المستشرقين ويتابعهم عليه بعض الكتاب

ص: 398

العرب من أن العرب ينقصهم الخيال والعاطفة، وأنهم من ثم لم يعرفوا فنّ القصص فأقل ما يقال فيه: هو أنه سخف وتنطع، إذ الميل إلى القصص هو ميل غريزي لدى كل البشر، كما أنّ الخيال والعواطف هبة من الله لم يَحرم منها أمة من الأمم، بل كل الأمم فيها سواء.

وإذا كان الأوربيون في غمرة غرورهم وتصورهم الأحمق أنهم مركز الكون، وأن ذوقهم هو المعيار الذي ينبغي أن يأخذ به العالم أجمع، فما عذر بعضنا في ترديد هذا السخف الذي يراد به أول ما يراد الفت في عضدنا، وتوهين عزائمنا، وإشعارنا بالقلة والنقص إيذاءهم!!، وإذا كنا قد ترجمنا -ولا نزال نترجم- الأعمال القصصية التي يبدعها الغربيون، فقد ترجموا هم بدورهم كثيرًا من الأعمال القصصية التي أبدعها أجدادنا وتأثروا بها مثلما تأثرنا نحن بهم، ترجموها إلى اللغات الأوربية المختلفة.

وكثيرًا ما ترجموا هذا العمل أو ذاك إلى اللغة الواحدة عدة مرات، وهي سنة كونية لا تتخلف أبدًا، كل أمة تأخذ من غيرها وتعطيها، وليردد الغربيون ما يشاءون في تمجيد أنفسهم وتفخيمها؛ فكل إنسان حر في أن يقول عن نفسه ما يريد، لكن العبرة بالمستمع الذي ينبغي أن يكون عاقلًا، فلا يصدق كل ما يقرع أذنه من كلام، حتى لو كان كلامًا مزقًا تافهًا لا يقبله العقل ويتناقض ومعطيات الحياة.

وأختم تلك النقطة بالإشارة إلى أن غالبية كتاب القصة، ونقادها في بدايات العصر الحديث بمصر على سبيل المثال، لم يكونوا يرون فيها فنًّا جديدًا، بل مجرد امتداد لفن قديم عرفه العرب من قبل، ومن يطلب تفصيلًا أكثر يستطيع الرجوع إلى الباب الأول من كتابي (نقد القصة في مصر) من سنة 1880 - 1980م، في الفصل المسمى "القصة المصرية والتراث القصصي العربي".

ص: 399

أما الجديد حقًّا الذي عرفه القصص العربي في العصر الحديث، ولم يكن له وجود فيما خلفه لنا العرب القدماء في حدود ما نعلم، فهو رواية القصة على لسان عدة أشخاص من أبطالها كل يراها من زاويته، ويفسر ما يراه تفسيرًا يختلف كثيرًا أو قليلًا عن تفسير الرواة الآخرين، وهذا الشكل الفني أساسه فكرة النسبية التي أفرزها العصر الذي نعيش فيه.

ومن ذلك أيضًا "تيار الوعي" وهو أحد مظاهر التأثر بالدراسات النفسية، ومن هذا الجديد كذلك المزج بين القصة والمسرحية، هذا المزج الذي تمثل في "بنك القلق" لتوفيق الحكيم وسماه صاحبه "مسرواية" وإن لم ينتشر كما كان يرجى له، وإذا كان الشيء بالشيء يذكر، فإن السيرة الشعبية مثلًا كانت تمزج هي أيضًا بين الشعر والنثر، وإن اختلف في هذا المزج عن طريق "المسرواية" التي تتألف من فصل قصصي يتلوه فصل مسرحي وهكذا دواليك.

أما السيرة فيرد الشعر فيها السرد والحوار كجزء منهما لا كشيء منفصل وهذا السمة موجودة لكن على استحياء في بعض قصص يوسف السباعي مثلًا.

وهناك أيضًا النقد القصصي والتأريخ للرواية والقصة القصيرة والترجمة لأعلامهما وهو أمر لم يعرفه الأدب العربي القديم، إذ كان النقد آنذاك منصبًّا على الشعر بالدرجة الأولى ثم الخطابة والرسائل الديوانية بعد ذلك، وها هو ذا مثلًا كتاب (البيان والتبيين) للجاحظ، و (الصناعتين) لأبي هلال العسكري، وكتاب (نقد النثر) المنسوب لقدامة بن جعفر، و (المثل السائر) لابن الأثير. فلنقلب فيها كما نحب، فلن نجد أي كلامًا في النقد القصصي.

أما الآن فالدراسات النقدية والتاريخية التي تدور حول فن القصة وأعلامه واتجاهاته وأشكاله، قد بلغت من الكثرة والتنوع مدى بعيدًا، وهذا من شأنه أن

ص: 400

يساعد أدباء القصة على التجويد والتطوير المستمر، ولا شك أننا مدينون في هذا المجال للنقد القصصي الغربي، الذي قرأناه في رواياته الأصلية أو المترجمة، وهذا النقد يرجع في أساسه إلى ما كتبه أرسطو عن المسرحية والملحمة حسبما أوضحنا.

أما كتب النقد والأدب والتراجم التراثية المعروفة؛ فالموجود فيها هو كلام انطباعي أو نقد لغوي بلاغي ليس أكثر، كما أن كلمات الحكاية والقصة والرواية لا تستخدم فيها إلا بالمعنى اللغوي العادي كما في قولنا:"شرح فلان القصة أو حكى الحكاية، أو هكذا" كانت راويته بالكلام، أي الخير ليس إلا، ولا تُستخدم كمصطلح أدبي.

ولقد كان لترجمة الروايات الغربية دور مهم قي تطوير القصص العربي في العصر الحديث، وكان رفاعة الطهطاوي -فيما نعرف- أول مصري يقوم بترجمة رواية غربية، وهي رواية القس الفرنسي "فلينون لزافنتير دو تليماك" التي أعطاها عنوانًا مسجوعًا هو "مواقع الأفلاك في وقائع تليماك". اقتضاءً بالطريقة التي كانت شائعة في كثير من المؤلفات العربية القديمة في العصور المتأخرة، وقد ظهرت هذه الترجمة عام 1867م.

ومن الذين أسهموا في ترجمة الروايات من المصريين في ذلك الوقت المبكر، محمد عثمان جلال أحد تلامذة رفاعة، إذ عرب سنة 1872م، رواية "بول وفرجيني" لـ (برناردان دي سان بيار)، جاعلًا عنوانها "الأماني والمنة في حديث قبول وورد جنة"، ومنهم كذلك حافظ إبراهيم مترجم "البؤساء" لـ"فيكتو هيجو"، وصالح جودة مترجم "سر اعتراف" سنة 1905م، وضحية العفاف واليد الأثيمة والسلاح الخفي، وعبد القادر حمزة مترجم "هانيا" سنة 1905، والمنفلوطي معرب "في سبيل التاج"، والشاعر أو سيرانو دي برج راج، والفضيلة أو بول فيرجيني، ومجدولين أو "تحت ظلال الزيزفون".

ص: 401

وبعض هذه الأعمال هو في الأصل من الأعمال المسرحية، إلا أن المنفلوطي حوله إلى رواية، كما أنه لم يترجمها بنفسه، بل ترجمت له ثم أعاد هو صياغتها بأسلوبه، وهذه ليست إلا بضعة أمثلة فقط من أسماء الرواد المصريين في ميدان الترجمة الروائية، وإلا فإن هذا اللون من الترجمة ما زال ماضيًا في طريقه حتى الآن، وشاركت فيه أقلام كثيرة على ما هو معروف.

وإذا كان عدد من هذه الترجمات قد صب في أسلوب سليم متين، كما هو الحال فيما ترجمه محمد عثمان جلال والمنفلوطي وحافظ إبراهيم؛ فإنّ كثيرًا منها لم يعن به العناية اللازمة، فجاءت لغته هزيلة ركيكة مبتذلة لا تخلو من الأخطاء الصرفية والنحوية، وكان بعض المترجمين لا يهتم إلا بتأدية المعنى كيفما اتفق.

إذ كلما قرأ فصلًا من الرواية التي يترجمها نحاها جانبًا، ثم شرع يترجم من الذاكرة ناسيًا أشياء ومضيفًا أخرى ومقدمًا ومؤخرًا حسبما يحلو لذاكرته، ودون أن يراجع ما كتب، إذ كثيرًا ما كان المترجمون يتخذون من ذلك العمل محترفًا لكسب الرزق، فلم يكن لديهم وقت للتدقيق والتجويد وإحسان التعبير، كما كانوا يحولون الحوار في كثير الأحيان إلى سرد، مضيفين إليه بعض محفوظاتهم من الشعر العربي مما يناسب الموقف، فضلًا عن أن كثير من الروايات التي عربوها لم تكن من روائع القصص في كثير أو قليل، بل من الروايات الشعبية التي يراد بها التسلية، ولا تهتم إلا بالتشويق والمغامرات وحيل اللصوص والمجرمين وما إليها.

ومن الشام يُمكن أن نذكر بطرس البستاني الذي ترجم "روبنسن كروزو دي دانيال ديفو" سنة 1861م، وسماها "التحفة البستانية في الأسفار الكروزية"، ويوسف سركيس مترجم "الرحلة الجوية في المركبة الهوائية" لجون فيرن" سنة 1875، وأليكسيز زامو خون مترجم الرويات الثلاث لفرنسوا كوبيه.

ص: 402

وخليل ثابت مترجم "عروس النيل" لجورج إيبرس العلماني، ويعقوب صروف مترجمًا "ملكة انجلترا"، وفرح أنطون الذي عرب عدد من رويات اسكندر دوماس واتالا ليشاتو برايار، وأسعد داغر مترجم "بعد العاصفة" وغيرها لهنري بوردون، ونقولا حداد مترجم الفرسان والثلاثة غيرها لدوماس، وطانيوس عبده أشهر مترجمي القصص في تلك الفترة، ومارون عبود مترجم "ايطاليا ورينيه" سنة 1901، ونقولا رزق الله وسليم النقاش

إلخ.

وكثير من هؤلاء وغيرهم كان مقامهم ومسرح نشاطهم لمصر، ومنهم فرح أنطون ومحمد قطب علي وأسعد داغر وطانيوس عبده ونقولا الحداد وخليل ثابت وسليم النقاش ويعقوب صروف، مما يمكن معه أن ندمجهم ضمن مترجمي الروايات الأوائل في مصر، ومن فلسطين نستطيع أن نذكر خليل بيدس الذي ترجم بعض الروايات من الروسية وغيرها مثل:"ابنة القبطان" لبشتين سنة 1898، و"شقاء الملوك" للكاتبة الإنجليزية ماري كوريلي عن الروسية سنة 1908م، و"أهوال الاستبداد لتولستوي بعد ذلك بسنة.

وحنا كارمين لتولستوي أيضًا، و"المشوه" لفيكتور هيجو

إلخ. وكذلك أحمد شاكر الكرمي الذي ترجم عددًا كبيرًا من الأعمال القصصية لتشوسر وتولستوي وأوسكار وايلد وتشيكوف أدينو باسا.

ومن الروايات المترجمة في العراق رواية "العدل أساس الملك" وهي منقولة عن الإنجليزية وتقع حوادثها في عهد الملك هنري الرابع، وتعلي من قيمة العدل والتشدد فيه بوصفه أساس الحكم الصالح، ومنها أيضًا رواية:"الإصبع" لأنستاس كرملي عن الفرنسية.

وكتب في مُقَدّمتها أنّها دليل على أن اتهام الغربيين لنا بالغرائب من أحاديث الجن والغول وما أشبه هو اتهام لا معنى له، لأنهم هم أيضًا يغرمون بهذا اللون من

ص: 403

الأحاديث، يؤلفون فيه لأولادهم الحكايات التي يبثونها ما يريدونه من المغازي الأخلاقية، وهي تشبه حكاية "عقلة الإصبع" في الآداب الشعبية عندنا.

ومن هذه الروايات كذلك المرمد أو ذات الكوس الزجاجي ومترجمها فيما يبدو هو أيضًا أنستاس كرملي الذي عرب كذلك قصة للكاتب الفرنسي ايجزا فيه ميري ميه، بعنوان "ينبوع الشقاء" وهي قصة ذات مغزى أخلاقي وهكذا.

ومن الترجمة القصصية في السعودية، ترجمة عبد الجليل أسعد لبعض أعمال موباسان وغيره، ومنها على ضوء القمر، وترجمة محمد عالم الأفغاني لعدد من قصص تشيكوف وموم، وكذلك ترجمة محمد علي قُطب لبَعض الأعمال القصصية من الصين وبريطانيا وأمريكا وإسبانيا، وترجمة عزيز ضياء لعدد من القصص منها الحلم والكنز، وحقائق الحياة لثوماس موم، ورائعة جورج أورويل "العالم عام 1984".

أما بالنسبة إلى اليمن؛ فقد أمكنني العثور على إشارة إلى قصتين مترجمتين هما "أرملة على قدر" لتشارلز ديكينز، و"زوجتي أو زوجته" لبرنارد هوليود التي ترجمها عبد الله عبد الرحيم سنة 1945، وهناك ترجمة جزائرية لرواية شاتوبريان "آخر بني سراج" قام بها أحمد الفاغون وصدرت سنة 1864، وفي تونس تذكر بين مترجمي الرواية الأوربية المبكرين أسماء كل من محمد المشرقي والعربي الجلولي وإبراهيم فهمي شعبان، ومحمد نجيب وعبد العزيز الوستاني، وقد ترجمت بعض أعمال تولستوي منذ عام 1911، هذا عن الروايات المترجمة.

أما المؤلفة: فكانت تَتّسم في بداية عصر النهضة، بتكديس الحوادث وغلبة السرد على الحوار، وكثرة المصادفات والأحداث الغريبة، والتحليق في عالم الخيال،

ص: 404

ووضوح الغرض الأخلاقي أو التعليمي، وتدخل المؤلف في سياق الأحداث بتعليقاته المباشرة، والاستشهاد بين الحين والحين بالأمثال والحكم وأبيات الشعر

إلخ.

وفي كل بلد عربي يَقِفُ مُؤرّخي الروايات ونقادها عادة عند إحدى الروايات بوصفها البداية الحقيقية للرواية الفنية الجيدة، ففي مصر يحددون هذه البداية محمد حسين هيكل "زينب" التي ظهرت في بداية العقد الثاني من القرن العشرين لما فيها من تصوير دقيق للريف المصري، بمناظره الطبيعية وحقوله وطيوره وبيوته وعاداته وتقاليده، ومعالجتها بعض القضايا المهمة كالعلاقة بين الفلاحين ومالك الأرض، والعلاقة العاطفية بين زينب وحامد بم المالك الذي كانت تشتغل مع سائر الفلاحين في أرضه، وبينها وبين إبراهيم الذي كانت تحبه ولكن لم يكتب لها الزواج منه، بل تزوجت حسن رغم أنها لم تكن متعلقة به.

وكذلك التطور الفكري لحامد الطالب المطلع على كتب الفلسفة وما أشبه، إلى جانب أسلوب القصة العصري البسيط الخالي من السجع والجناس والزخارف البديعية الأخرى، وإن لم تعد ريادة هيكل لفن الرواية أمرًا يحظى بإجماع، إذ يشير بعض الدارسين إلى أن زينب قد سبقتها قصص أخرى جيدة فنًّا ومضمونًا، كـ"عذراء دنشواي" لمحمود طاهر حقي، و"فتاة مصر" ليعقوب صروف.

وتتجسد البداية الناضجة للفن الروائي في بلاد الرافدين، في محمود أحمد السيد وروايته "جلال حامد" سنة 1928، التي تأتي ثالثة في ترتيب ما أصدره من أعمال روائية، وهي تدور حول ثورة العراق عام 1920، ورحيل البطل إلى الهند وعودته بعد فشل الثورة المذكورة، وتعكس آراء الكاتب السياسية والاجتماعية والأدبية من مثل حق العمال في الإضراب لتحسين أوضاعهم،

ص: 405

وحق المرأة في الحرية والتعليم وفي أن يكون لها رأي في زواجها

إلخ، فضلًا عن أنها لا تهيم في أودية الخيال كما يقول مؤلفها، وإن لم تخلو من بعض العيويب.

أما في سوريا فتعد رواية "نهم" لشكيب الجابري الصادرة سنة 1936، هي البداية الفنية الحقيقية للرواية السورية، وهي رواية ذات اتجاه رومانسي، كبقية رواية ذلك المؤلف الذي كان آخر ما كتبه في هذا المضمار هو "وداعًا يا أفاميا" سنة 1960، ويبرز في حوادثها التي تجري في برلين الانحلال الجنسي، رغم ما تعالجه من القضايا الوطنية.

وثمثل رواية توفيق يوسف عواد "الرغيف" سنة 1939، عند نقاد ومؤرخي الرواية، نقطة متميزة في حقل الرواية اللبنانية، وموضوعها جهود بعض الشبان الوطنين في إيقاظ الروح القومية، والمطالبة بحق العرب في عيشة كريمة، والكفاح ضد العثمانيين والإقطاعيين المحليين، لبلوغ هاتين الغايتين، ويقوم رغيف الخبر بدور مهم في الرواية، إذ يمثل المطلب الثاني إلى جانب الحرية، وقد سيقت رواية عواد أعمال روائية لأمين الريحاني وجبران خليل جبران وميخائيل نعيمة وكرم منعم كرم وغيرهم، وهذه الروايات التي مهدت السبيل لرغيف عواد. لكن هذا لا يعني بالضرورة أن تلك الرواية قد خلت من العيوب، فما من نتاج بشري يخلو من الثغرات وبخاصة إذا كان رائدًا في مجاله.

ويتريث الدكتور إبراهيم السعافين عند رواية عبد الحليم عباس "فتاة من فلسطين" واضعًا إياها في محل الريادة من مسيرة الرواية في الأردن، وهي تقوم على تمجيد وحدة الأمة في الشدائد والخطوب العظيمة، وتعالج مأساة فلسطين، رابطة القضية السياسية القومية بالمسألة الاجتماعية، في إطار قصة حُبٍّ بينَ بطلي الرواية، اللذين يقدمان على الجواز في تحدي للتقاليد السائدة التي تَجعل زواج أبناء العمومة، مقدمًا على زواج الأغراب أو المتباعدين.

ص: 406

ويذكر الدُّكتور سُلطان بن سعد القحطاني في كتابه "الرواية في المملكة العربية السعودية -نشأتها وتطورها"، أنّ معظم الباحثين والنقاد يعدون "ثمن التضحية" سنة 1959 لحامد الدمنهوري، أول رواية سعودية جمعت معظم العناصر الفنية للرواية، إن لم تكن كلها، وهي رواية تصور الصراع الذي يدور في نفس البطل بين بقائه في بلده، مع الاكتفاء بالقدر الذي حصله من التعليم، وبين سفره إلى القاهرة لإكمال تعليمه هناك، وكذلك بين حبه لخطيبته غير المتعلمة التي خلفها وراءه في السعودية، وحبه لزميلته القاهرية الجميلة التي تتمتع بالجاه والمال والتعليم الجامعي.

أما في السودان فينصب الثناء الحقيقي للدكتور سيد حامد النساج، في كتابه (بانوراما الرواية العربية الحديثة) على الطيب صالح وأعماله القصصية قائلًا: إن الرواية العربية تبلغ قمة نضجها في السودان على يديه، إذ تجمع بين النكهة المحلية، ومسايرة التقدم العصري في الفن الروائي، كما أن مقدرته على وصف القرية السودانية بناسها وعاداتها وتقاليدها، والمؤثرات المدنية الوافية عليها، ومزج الوقائع بالخرافة والأسطورة، قد بلغت من البراعة حدًّا بعيدًا، علاوة على النفحة الصوفية التي يمسح بها على عالمه.

وبالنسبة للرواية التونسية؛ فإن دكتور النساج أيضًا في كتابه المذكور، لا يعترف من الناحية الفنية بشيء منها قبل رواية "جولة حول حانات البحر المتوسط" سنة 1935لعلي الدعاجي، الذي يؤكد أنه أبو القصة التونسية الحديثة بلا منازع، وتتناول رواية الدعاجي موضوع الالتقاء بين حضارتي الشرق والغرب، مع الرمز لكل منهما بامرأة يخصص البطلة الأولى هما جانبه الوجداني، وللثانية جانبه الجسدي، وتدور معظم حواراتها على الجنس ووصف النساء في أماكن وحالات مختلفة بأسلوب ساخر في كثير من الأحيان.

ص: 407