المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌بعض المقارنات بين الأعمال القصصية العربية الحديثة، ونظيرتها في الآداب الغربية - الأدب المقارن - جامعة المدينة (بكالوريوس)

[جامعة المدينة العالمية]

فهرس الكتاب

- ‌الدرس: 1 الأدب المقارن نشأته وتطوره

- ‌تعريف الأدب المقارن ونشأته

- ‌ميادين الأدب المقارن ومدارسه

- ‌الصلة التي تربط بين الأدب والفنون الجميلة

- ‌الدرس: 2 التأثر والتأثير في الأدب المقارن

- ‌التأثير والتأثر في الأدب المقارن عند المدرسة السلافية

- ‌التأثير والتأثر في الأدب المقارن عند المدرسة الفرنسية

- ‌بعض الشواهد على عملية التأثير والتأثر في بعض مجالات الأدب المقارن

- ‌الدرس: 3 الأجناس الأدبية القديمة والحديثة والتفاعل فيما بينها

- ‌تعريف الملحمة، وأهم أنواعها، وسماتها

- ‌المسرحية، ودورها كجنس أدبي

- ‌الدرس: 4 الرواية والقصة القصيرة، ودلالات التأثر والتأثير فيها

- ‌الرواية والقصة القصيرة؛ جذورها التاريخية وسماتها الأدبية

- ‌الموضوعات التي تناولتها القصة العربية القديمة

- ‌شبه ما يعترضون على وجود القصص العربي القديم

- ‌الدرس: 5 الشعر الغنائي ودلالات التأثر والتأثير فيه

- ‌معنى الشعر الغنائي وماهيته

- ‌أي الفنين أسبق من الآخر؛ الشعر أم النثر

- ‌عمر الشعر العربي

- ‌الدرس: 6 خصوصية الأدب العربي وميزاته الحضارية

- ‌نشأة الأدب العربي وسماته الخاصة

- ‌الشعر كجنس من أجناس الأدب العربي

- ‌القصص كجنس أدبي

- ‌خصائص الأدب العربي

- ‌الدرس: 7 تأثير المقامات في الأدب الأوربي

- ‌تعريف المقامة وتاريخ نشأتها وآراء نقاد الأدب فيها

- ‌المقامة المضيرية، كمثال من المقامات

- ‌تأثر الفن القصصي الجديد في أوربا بفن المقامة

- ‌الدرس: 8 قصة حي بن يقظان وأثرها في قصة "روبنسون كروزو" وغيرها

- ‌تطور قصة حي بن يقظان في الأدب العربي

- ‌ حي ابن يقظان" وتأثيرها في الفكر والأدب العالمي

- ‌الصلة بين "حي ابن يقظان" و"روبنسون كروزو

- ‌الدرس: 9 ألف ليلة وليلة والموشحات وتأثيرهما على الأدب الغربي الحديث

- ‌أثر "ألف ليله وليله" في الأدب الغربي

- ‌أثر الموشحات في الأدب الغربي

- ‌الدرس: 10 تأثير الأدب العربي في الشاعر الألماني جوت

- ‌نشأة جوته وثقافته

- ‌ما تركه القرآن في الأثر فيما خططته براعة جوته

- ‌الدرس: 11 أثر الأدب العربي في الآداب الإسلامية (1)

- ‌أثر الأدب العربي في الأدبين الإفريقيين: الأدب السواحلي، والأدب الهوسوي

- ‌تأثير الأدب العربي في لغة الهوسا وآدابها

- ‌الدرس: 12 أثر الأدب العربي في الآداب الإسلامية (2)

- ‌أثر الأدب العربي في الأدبي الفارسي

- ‌أثر الأدب العربي في الأدب الملاوي

- ‌الدرس: 13 تأثر الأدب العربي بالآداب الغربية (1)

- ‌تأثر الأدب العربي في ميدان التأليف المسرحي بالأدب الغربي

- ‌نماذج من المسرحيات العربية التي تأثرت بالمسرح الغربي

- ‌الدرس: 14 تأثر الأدب العربي بالآداب الغربية (2)

- ‌تعريف القصة، والفرق بينها وبين الملحمة والمسرحية

- ‌بعض المقارنات بين الأعمال القصصية العربية الحديثة، ونظيرتها في الآداب الغربية

- ‌الدرس: 15 نشأة قصيدة الشعر الحر وتطورها

- ‌نبذة عن مراحل تطور الشعر العربي

- ‌دعوى أصحاب شعر التفعيلة أن الشعر العربي شعر إنشادي

- ‌بناء القصيدة في الشعر العربي

- ‌المناداة بما يسمى بالوحدة العضوية داخل القصيدة

- ‌ظهور ما يُسمى بالشعر الحر

- ‌الدرس: 16 تأثر الشعر العربي بالشعر الإنجليزي

- ‌عوامل الاتصال بين الشرق والغرب وأثرها في إحياء الشعر العربي في العصر الحديث

- ‌مدرسة الديوان وأثرها في حركة الشعر في العصر الحديث

- ‌تأثر شعراء المهجر بالشعر بالأدب الغربي

- ‌الدرس: 17 المذهب الرومانسي والمذهب الواقعي في ميدان الأدب

- ‌المذهب الرومانسي في الأدب؛ نشأته وتطوره

- ‌مذهب الواقعية في الأدب؛ نشأته وتطوره

- ‌الدرس: 18 الرمزية والسريالية

- ‌الرمزية وأثرها في الأدب العربي

- ‌السريالية وأثرها في الأدب العربي

- ‌الدرس: 19 تقويم علاقة التأثر بين الأدب العربي وغيره من الآداب

- ‌طرق الاستفادة من الأدب المقارن في الأدب القومي

- ‌العوامل التي ساعدت على نشأة الأدب المقارن

- ‌الدرس: 20 بعض الدراسات التطبيقية الخاصة بالتأثير والتأثر بين الأدب العربي والآداب العالمية

- ‌بداية معرفة العرب بالشعر الإنجليزي بتأثر السياب بـ"شِلي

- ‌حكايات الحيوان عند كل من إيسوب الحكيم وإخوان الصفا

- ‌الدرس: 21 علاقة الأدب المقارن بالعولمة والعالمية، والمثاقفة بين الشعوب، وتحديد خصوصية الأدب العربي وبيان ملامحه

- ‌(علاقة الأدب المقارن بالعولمة والعالمية

- ‌المثاقفه بين الآداب وبعضها

- ‌خصوصية الأدب العربي وسماته، وعَلاقة ذلك بالأدب المقارن

الفصل: ‌بعض المقارنات بين الأعمال القصصية العربية الحديثة، ونظيرتها في الآداب الغربية

كذلك يؤكد الدكتور النساج أن الظهور الرواية الجزائرية ذات المستوى الفني الجيد، قد تأخر إلى سبعينات القرن الماضي، حين صدرت لعبد الحميد بن هدوقة، رواية "ريح الجنوب، ونهاية الأمس" سنة 1971و 1974م على التوالي، وللطاهر والطار، واللاز والزلزال سنة 1974، والحوات والقصر سنة 1978، ويعجب الأستاذ الدكتور بـ"الطاهر والطار" إعجابًا عجيبًا عادًّا روياته اللاز نقطة تحول في مسيرة الرواية الجزائرية.

وبالنسبة للمغرب نجد كذلك الدكتور النساج يختص الأستاذ عبد الكريم غلاب باهتمام زائد مبرزًا تحمس هذا الكاتب المغربي للرواية تحمسًا يبلغ حد العشق، ذاكرًا الأعمال الروائية التي أبدعتها براعته كـ"فن الماضي" سنة 1966، و"المعلم علي" سنة 1971، و"سبعة أبواب.

كما يلفتُ انتباهنا إلى ما لاحظه من تشابه بين الكاتب المغربي في شغفه البادي لروايته "مدينة فاس"، والأستاذ نجيب محفوظ واهتمامه الشديد بـ"قاهرة المعز" إذ يحرصُ كلاهما على تصوير البيئة المكانية، فضلًا عن تشابههما في موضوعات روايتهما وأحداثها وشخصياتها.

‌بعض المقارنات بين الأعمال القصصية العربية الحديثة، ونظيرتها في الآداب الغربية

والآن نتناول بعض المقارنات بين الأعمال القصصية العربية الحديثة، ونظيرتها في الآداب الغربية، ونبدأ بما قيل عن التشابه الذي لاحظه عددًا من النقاد بين رواية إحسان عبد القدوس "لا أنام" ورواية "فرانسواز ساجان""صباح الخير أيها الحزن"، لقد اتهمهم مثلًا فؤاد دوارة بأنه من غير المُحتمل أن تكون التشابهات القوية والرئيسية موجودة بين الروايتين وليدة المصادفة، مؤكدًا أنه قد أغار على رواية "الفتاة الفرنسية" وأخذ منها هيكل روايته، وكثيرًا من التفصيلات الهامة، وأقام عليها عمله.

ص: 408

على حين حاول الدكتور محمد مندور -كما قال دوارة نفسه- أن يدافع عن إحسان، وأن يثبت أن روايته لا تدين بشيء لساجان، بل وأن روايته أفضل من روايتها، إذ يؤكد دوارة أن الفتاة في كل من الروايتين فتاة مراهقة، عند ساجان في السابعة عشرة، وعند إحسان في السادسة عشرة، وكلتاهما تركتها أمها وهي طفلة، بطلة ساجان ماتت أمها، وبطلة إحسان طلقت أمها من أبيها، وكلتاهما تتعلق بأبيها تعلقًا مرضيًا تبعًا لشدة تدليله لها؛ حتى لتغار عليه من أية امرأة، وكلتاهما تبذل كل جهدها ومكرها في إبعاد المرأة التي حلت محل الأم، العشيقة التي يريد أن يتزوجها الأب في رواية "صباح الخير أيها الحزن"، و"طنط" صافي التي يختلي بها الأب في رواية إحسان "لا أنام".

وكلتا المرأتين تحب بنت الزوج وتعمل على تربيتها تربية طيبة، مما يكون من جرائه أن يختلط احترام البنت لزوجة أبيها بالغيرة منها والكراهية لها، وكلتا الفتاتين تتآمر وترسم الخطط الخبيثة حتى يترك الأب زوجته ويعود لها كاملًا دون أن تشاركها فيه امرأة أخرى، وكلتا الفتاتين أيضًا تندم من جراء هذا، فتنغمس في علاقة جسدية نزفة بأحد الرجال، ولكنها لا تجد راحة ضميرها في ذلك التصرف، فتقدم بطلة ساجان على الانتحار، وتطلق بطلة إحسان لكنها لا تستطيع النوم بسبب ما تلاقيه من ضميرها من عذاب.

وفوق هذا ففي كلتا الروايتين ميل واضح نحو التحلل من كثير من القيم الخلقية والاجتماعية، مع تفوق الرواية المصرية في هذا المضمار على نظيرتها الفرنسية، ففي "لا أنام" دفاع من إحدى شخصيات القصة عن الزوجات الخائنات، وتسويغ منطقي لخيانتهن وإلقائهم بالمسئولية في ذلك السبيل على كاهل الزوج، على حين تبرر زوجته وتصور على أنها ضحية الظروف التي لا تقاوم.

ص: 409

كذلك تقرر البطلة أن كل الفتيات يرتكبن الإثم، ويذهبن إلى شقق الرجال ليمارسن الجنس معهن، مما يضفي عليهن جاذبية وسحرًا لا يتوفر للفتيات المستقيمات الساذجات، كما تحتوي الرواية على طريقة مفصلة تقدمها البطلة لمثيلاتها من الفتيات اللاتي يردن قضاء الليل خارج المنزل في أحضان عشيقها، دون أن تعرف الأسرة شيئًا عن ذلك، أو يشك في أمرها، وكذلك على طريقة مفصلة أخرى تحافظ بها الفتاة على عذريتها رغم كل ما تصنعه مع عشيقها ويصنعه معها عشيقها طوال الليل في شقته الخاصة.

وفوق ذلك كله ينتقد فؤاد دوارة صاحب "لا أنام" على ملئ روايته بالألفاظ الأجنبية دون داعٍ، بخاصة أن المقابل العربي لتلك الألفاظ متاح بكل سهولة لمن يريد، لولا عقدة الخواجة عند إحسان عبد القدوس.

والواقع أن حجج دوارة أقوى من الدفاع الذي حاول محمد مندور القيام به لصالح إحسان، إذ التشابهات بين العملين من القوة بحيث لا يصلح ما قاله في الدفاع شرو نقير، وفضلًا عن ذلك يحكي لنا دوارة أنه قابل الدكتور مندور بعد هذا وناقشه فيما قال، فأقر له بأن هيكل الروايتين واحد.

والواقع أيضًا أن دوارة ليس هو الناقد الوحيد الذي يأخذ على إحسان هذا الاتجاه التحرري وإن كان هناك من الكتاب من يحاول الدفاع عن إحسان، كتوفيق الحكيم ولويس عوض مثلًا اللذين يريان أن النجاح الجماهيري الواسع الذي أحرزه إحسان هو المسئول عن تحفظ النقاد ضده، وكأن المسألة بينه وبين النقاد مسألة غيرة وحقد، وكأنه لا يوجد روائي ناجح جماهيريًّا دون أن يهاجمه النقاد بسبب تلك الجماهيرية.

ص: 410

ويَرد إحسان بأنه بطريقته التحررية تلك، إنما يريد كشف الحقائق وتشخيص الداء حتى يمكن معالجته، غافلًا عن أن التشخيص شيء والتعرية من اجل الإثارة شيء آخر، كذلك نراه يلجأ غلى حيلة أخرى في الدفاع عن نفسه وقصصه، ألا وهي أنه ليس هناك مقياس أخلاقي واحد في كل المجتمعات العربية، فعلى أي أساس إذًا يريد النقاد محاسبته، وهو بهذا يتجاهل أن هناك مقياسًا يرتضيه العرب جميعًا رغم أنهم لا يلتزمونه دائمًا وهو مقياس:"القيم الإسلامية".

أقول هذا وفي ذهني ما قرأته أكثر من مرة من أن إحسان كان من الذين يصلون، وعلى كل حال فكيف يحاول إحسان أن يقنعنا بأنه متأثر في آرائه المتعلقة بالمرأة والجنس بما هو شائع في الغرب؟ ترى هل الغرب هو قبلتنا؟ وإذا كان يتخذ من اختلاف العرب المزعوم في أمور القيم الأخلاقية والاجتماعية حجة للدفاع عن أسلوبه التحرري، فهل الحل هو ترك كل قيمة خلقية واجتماعية عربية واللجوء إلى القيم الغربية؟ ترى هل تناسبنا هذه القيم الغربية؟.

ومن المقارنة أيضًا بين القصة العربية الحديثة ونظيرتها الغربية، التقنيات الجديدة التي أخذها الفن القصصي عندنا عن مثيله الغربي، ونقف أولًا عند "بنك القلق" لتوفيق الحكيم، التي صدرت عام 1966م، والتي أسماها صاحبها "رواية المسرحية"، ثم اختزل الاسم فيما بعد إلى "مسرواية"، وهي مقسمة إلى عشر فصول روائية، وعشرة مناظر مسرحية، الفصل الأول يعقبه المنظر الأول، ثم يليه الفصل الثاني ليعقبه المنظر الثاني وهكذا.

وقد يظن بعض من لم يقرأ الكتاب أن الفصل الواحد يعرض الأحداث بطريقة السرد الروائي، ثم يعقبه المنظر ليعرض نفس الأحداث، لكن بصورة الحوار المسرحي، إلا أن كل منظر من المناظر المسرحية في الواقع يكمل الأحداث التي

ص: 411

تأتي في الفصل الروائي السابق عليه، ويساهم في تصاعد التوتر الدرامي والوصول بالعمل الفني إلى ذروته، أي: أن المناظر المسرحية ليست إضافة هامشية أو إعادة صياغة للفصول بصورة حوار مسرحي، بل تضيف إلى الأحداث وتغير الأماكن وتعكس نفسية الشخوص وتوضح أسباب الصراع الدرامي.

وبهذا تصبح الفصول الروائية والمناظر المسرحية ملتحمة بعضها مع بعض في نسيج متماسك، فلا يمكن استبعاد أحدها وإلا اختل العمل الفني برمته، وهذا الإحكام في التخطيط للعمل الفني من شأنه أن يبهر القارئ، و"أدهم" هو البطل الأول لبنك القلق، وهو شاب ترك كلية الحقوق، الذي جاهد أبوه الفقير ليلحقه بها كي يعمل في الصحافة، وعلى الرغم من إبداعه فهو يكره القيود، ومن ثم يكره الوظيفة، ويكره كل ما لا يجعله حرًّا مالكًا لإرادته.

وموهبته الصحفية لا تتجلي إلا في صياغة التحقيقات والمقالات لزملائه الصحفيين في مقابل مبلغ يحصل عليه من الباطن، وفي أثناء جولته الليلة في الشوارع وجد زميل دراسته "شعبان" بطريق المصادفة البحتة، ولم يكن الصديق أفضل حالًا، فهو رجل ينظر إلى المرأة بغرائزه، وهكذا تزوج الكثير من النساء وطلقهن وأصبح طريد النفقة، فأفلس ويأست مطلقاته من أن يحصلن على نفقاتهن منه، وصار العسر ملازمًا لحياته.

وهنا يعرض أدهم على شعبان فكرته المجنونة "بنك القلق"، إنه بنك عادي مثل أي بنك آخر، إن البنوك الأخرى تتعامل مع العملة النقدية فتقرض الآخرين بفائدة مرتفعة وتقترض من غيرها من البنوك بنسبة أقل، ومكسبها هو الفارق بين نسبتي الفائدتين أو رصيد الدائن ورصيد المدين، وهي نفس فكرة بنك القلق،

ص: 412

لكنه لا يتعامل بالعملات النقدية، بل بعملة شاعت في العالم وصارت موجودة وراء كل خبر نقرؤه أو كل حدث في حياتنا ألا وهو "القلق".

والفكرة ببساطة أن يأتي العميل ويطرح مشكلته أو قلقه، على أدهم وشعبان ويسعى الاثنان لحلها، وهكذا يقوم بدفع تكاليف العلاج لهما، كما يقومان بعرض مشكلاتهما على العميل الذي سيحاول حلها، ويقومان بدفع تكاليف علاجهما له، وهي بالطبع أقل مما دفعه لهما، وبالتالي يكون مكسبهما هو الفارق بين الأجرتين، تمامًا مثل البنك.

وقد بدأت الفكرة في شقة أدهم وهي شقة رثة الأساس متواضعة الحال، وتقع في إحدى حواري شارع محمد علي، وهنا نجد وصف الأستاذ الحكيم الساخر الممتع للمكان، من السرير الوحيد المليء بالبق، والكرسي الخشبي المثقوب، والمكتب الذي لا يعرف لونه، والببغاء المتكلم الذي يقلد دور السكرتير الوهمي، وبالطبع لاقت الفكرة بوارًا هائلًا، ليس لأنها فكرة حمقاء ومستحيلة فحسب، لكن لأن ورق الإعلانات المتواضع الذي ألصق بجوار أكشاك السجاير كان مكتوبًا بخط شعبان الذي لا يقرأ.

وبعد أيام طويلة من انتظار العملاء الذين لم يأتوا، ظهر فجأة "منير بك عاطف" وهو واحد من أثرياء العهد الملكي الذين استطاعوا النجاة ببعض ممتلكاتهم من المصادرة في العهد الثوري، لم يأت كي يعالَج من قلقه بل كي يدعم الفكرة ويمولها بالنقود والمرتبات، وبمقر جديد للبنك في شارع رئيسي في شبرا، ولم يرتب أدهم وشعبان في شخص يشارك في مشروع فاشل كهذا البنك، ويدفع كذلك بسخاء شديد.

ص: 413

لقد دفع لهما ما يعينهما على إصلاح هيئتهما وثيابهما، كما دفع لهما مرتب شهر مقدمًا، وسلمهما عقد إيجار شقة في شبرا باسمهما لمدة سنة، وكان مطلبه الوحيد أن تكون له حجرة مجاورة لهما في البنك أوصل منها جهاز تسجيل بسماعات في مكتبهما، وطلب منهما ألا يسعيا في علاج مشاكل العملاء أو يعرضا مشاكلهما على العملاء، المطلوب فقط هو أن يستمعا لكل ما يقوله العملاء بمنتهى الدقة دون أن يطلبا أجرًا ماديًّا من العميل.

ونظرًا للموقع المزدحم الرئيسي الذي اتخذه البنك في شبرا يدأ العملاء في القدوم وطرح مشاكلهم، حيث يستمع إليهم أدهم وشعبان، وحين تجذب انتباه منير بك مشكلة ما، يسارع بطلب استدعاء العميل الذي لا تعود المسرحية إلى ذكره بعد ذلك قط، وكانت هناك مشاكل اجتماعية مثل مشكلة "العميلة رقم 8" فهي حزينة لأن لديها 1500 جنيه فقط كي تفرش بها شقة ابنتها المخطوبة.

وكان من الواضح أنها تغالي في اختيار الفرش والأثاث لأنها تضع اعتبارًا لكلام الناس والعائلة، بل وتصر على أن يشتري خطيب ابنتها بالإضافة للشبكة الغالية، أفخر أنواع علب الملبس كي تقدم للمدعوين، ولا تستطيع أن تستوعب كلام أدهم لها من أن هذه عادات برجوازية عفا عليها الزمن، ولا تناسب المجتمع الاشتراكي، وبالذات لأن خطيب ابنتها معه دكتوراه في الاقتصاد، وموضوع رسالته كان عن الاشتراكية.

وبعد أن يئس من التغلب على كبرياء العميلة ومنع استسلام خطيب ابنتها لكلامها، لم يكن منه سوى أن التفت للأخير قائلًا: "أنا سحبت كلامي، أرجوك يا دكتور أحضر ملبس من أحسن وأفخم صنف، هذا مجتمع برجوازي في قماش اشتراكي، اشتراكية قوانين ولوائح، وليست اشتراكية روح بعد، احضر الملبس

ص: 414

والعلب من أغلى نوع"، وهذه الجملة التي أصابت تشريح المجتمع المصري بدقة خلال الفترة الناصرية.

وهناك أيضًا "عميل رقم 2" الذي يرى أننا صرنا في مجتمع رجعي، ودليله على ذلك برامج الإذاعة والتليفزيون التي تبدأ صباحها بشيخ مطمطم، وتنتهي في الليل على شيخ مطمطم، وبين كل فقرة وأخرى مناقشات دينية أكل عليها الزمن وشرب، ويريد أن يصلح مجتمعنا ويصبغه بصبغة تحررية، وقد طلب منير بك هذا العميل إلى مكتبه حيث اختفى إلى الأبد.

والمثير للسخرية أن يأتي بعده "العميل رقم 3" الملتحي القلق على مستقبل الدين والذي يستغفر الله لهذا المجتمع الملحد المتحلل الذي يعيش فيه، وأبسط دليل على ذلك هو برامج الإذاعة والتليفزيون التي تقدم بين كل أغنية وأغنية، أغنية أيضًا، بالإضافة إلى الراقصات والمطربات والكاسيات العاريات، ويرى أن الحل أن تصب نار الله الموقدة على مجتمع بهذا الفجور والإثم والكفر المبين، وعندئذ يستدعيه منير بك إلى غرفته ليختفي هو أيضًا إلى الأبد.

وهكذا من خلال العملاء المتنوعين الذين يزورون البنك، يستعرض الحكيم لقطات شديدة الثراء والتنوع لنماذج تتفاعل وتعيش في الواقع الاجتماعي آنذاك، ومن اللافت للنظر حرص الأستاذ على عدم إعطاء العملاء أي أسماء لكي يتركها نماذج اجتماعية هامة يرى أي واحد منا نفسه فيها.

والملاحظ أنه رغم اختلاف الأزمان والأوضاع الاقتصادية والسياسية، فإن كثيرًا من المشاكل التي كانت طافية على سطح المجتمع آنذاك ما زلنا نعاني منها أو من مضاعفاتها حتى الآن.

ص: 415

وبنك القلق ليس الخط الوحيد في هذه "المسرواية" بل هناك خط آخر يقلق أدهم بشدة وهي "ميرفت" بنت أخو منير بك الأكبر، الذي توفي عندما كانت طفلة صغيرة في بلدتها الأصلية "كفر عنبة" مسقط رأس أدهم كذلك، لقد كان يراقبها وهي لا تزال بنت الرابعة تلهو على حصان أبيها كبير أعيان البلدة، وكان ذكرها بمثابة الثلج الذي يبرد صدره خلال جفاف عمره، حتى جاءت المصادفة البحتة فالتقاها عن طريق عمها وشريكه منير بك.

لكن الشريك الثالث شعبان عاد أن يصل إلى ميرفت عن طريق خالتها العانس فاطمة، وذلك قبل أن يكتشف مفاجأة صادمة عن طريق هذه الخالة، فتقلب الأمور رأسًا على عقب.

وفي أثناء ذلك يرغب منير بك في التوسع في البنك بإنشاء فروع له في الأقاليم، لكن تكاليف الفرع الثابت تجعلهم يفكرون في فرع متنقل، كل واحد يحمل معه جهاز كاسيت ويسجل قلق الناس من الأوضاع المعيشية وتذمرهم.

إن الرمزية قاسية وواضحة حول علاقة السلطة بالمجتمع، والنظام البوليسي القمعي الذي يُسجل على الناس كل همسة ينطقون بها، واغتيال حرية الفكر والتعبير، ثم وضع كل ذلك في قالب فني ساخر يجعلك تدمع من الضحك بعين، وتبكي على مجتمعنا بعين أخرى، إن الجملة الختامية في المسرحية:"اللهم أخرجنا من هذا البنك على خير"، ما هي إلا صرخة استغاثة، فالبنك تحول إلى رمز للمجتمع المتخبط المخدوع في وسائل إعلامه، والمقموع بواسطة الأجهزة التي يفرض منها حمايته.

فكأنها دعوة بأن تمر تلك الأيام الصعبة على خير، حتى ينقشع الضباب وتسطع شمس الحرية من جديد، وفي كتاب "ويليام هاتشنس" " Tawfeq al-Hakim: A

ص: 416

readers guide " الذي صدر في لندن عام 2003، يشير الكاتب إلى ما قاله الحكيم في كتابه "عودة الوعي"، من أن المصريين قد استهلكتهم ثلاث حروب وثلاث هزائم متتالية، العدوان الثلاثي، وحرب اليمن، ونكسة1967، وإنه إنما وضع كتابه بنك القلق تعبيرًا عما أشاعته تلك الهزائم من مشاعر القلق والتفكك، وبالرجوع إلى كتاب الحكيم نجده يقول ما نصه:

"خفت أن يكون جمال عبد الناصر غافلًا عما أصاب المجتمع المصري قبيل حرب سنة 1967، من القلق والتفكك، فيعتمد عليه في الإقدام على مغامرة من المغامرات فكتبت (بنك القلق)، وهي كلها كتابات مترفقة بعيدة عن العنف والمرارة، لمجرد التنبيه لا الإثارة، وكما علمت فقد قرأها وفهم ما أقصده منها، ولكنه فيما يظهر لم يأخذ بها، بل اندفع في طريقه، ولم يكن من السهل مع ذلك أن أنشر بنك القلق، فقد ظل هذا الكتاب أكثر من نصف عام حبيس الرقابة لا تسمح بنشره، إلى أن سمع المسئولون أنه قد ينشر في الخارج، فاضطروا إلي السماح بنشره اضطرارًا".

أما الدكتور محمد مصطفى بدوي، فيتساءل في كتابه " Modern Arabic Drama In Egypt" الذي صدر عن مطبعة جامعة كمبردج سنة 1987، عن المنبع الذي استلهمه وتأثر به صاحب بنك القلق، وهل هو كتاب ويليام فوكنر " Requeen For a none" ثم يمضي قائلًا:"إن كتاب الحكيم الذي أطلق عليه ( play novel) لم يكن له تأثير يذكر على تطور الشكل في المسرح العربي"، وإن كانت الدكتورة سميحة علقم في كتابها (تداخل الأجناس الأدبية في الرواية العربية- الرواية الدرامية نموذجًا)، قد ذكرت أربعة

ص: 417

أعمال أخرى غير بنك القلق سمتها "مسروايات عربية" وهي (ملف الحادثة 67) لإسماعيل فادي إسماعيل، و (ظلال على النافذة) لغائب طعمه فرمان، و (أمام العرش) لنجيب محفوظ، ثم (قبعتان ورأس واحد) لمؤنس الرزاز.

إلا أن هذا غير صحيح بالنسبة إلى ما نعرفه من هذه الأعمال على الأقل، كما هو الحال في كتاب (أمام العرش) لنجيب محفوظ، الذي قد يكثر فيه الحوار على حساب العناصر القصصية الأخرى لكنه لا يلغيها، فضلًا عن أنه كله ماء واحد على هذا النحو، فلا فرق بين فصل وآخر في الشكل الفني، وبالتالي لا يصح أن يقال عنه: مسرواية، وبالمثل لا توجد وشيجة بين رواتي مؤنس الرزاز وغائب طعمه فرمان، وبين المسرواية، إذ اتخذتا الشكل القصصي من البداية إلى النهاية.

كذلك يؤكد دكتور بدوي أن من الممكن جدًّا استبدال الفصول الحوارية من بنك القلق، بحيث تكون مسرحية في حد ذاتها باعتبار الفصول القصصية مجرد توجيهات مسرحية وإن كانت طويلة النوع، وهذا العمل حسب تحليله يدور حول الرعب الذي كان سائدًا في عهد عبد الناصر أيام الاتجاه الاشتراكي، وما انتشر أيامها من نفاق وانتهازية وانعدام لحرية التعبير والمعارضة، وترديد للشعارات الخاوية من المضمون، وغياب تام لروح المسئولية.

وبالنسبة لكتاب "ويليام فوكنر" الذي ذكره الدكتور محمد مصطفي بدوي في السياق الثالث، نقرأ في المادة المخصصة له في موسوعة "الويكيبيديا" أنه صدر في عام 1951، وأنه مثل كثير من أعمال فوكنر عبارة عن تجريب للفن السردي، إذ إن بعضه رواية والبعض الآخر مسرحية

إلخ، وأذكر أننا حين اطلعنا على كتاب حكيم لدن صدوره، وكنا أثناءها طلابًا جددًا في الجامعة، قد قرأنا لبعض النقاد أن الحكيم قد استلهم عملًا أحد الكتاب الأمريكيين، فلعل ذلك الناقد قد

ص: 418

ذكر "فوكنر"، ولعل ما كتبه آنذاك هو مت دفع دكتور بدوي التساؤل حول احتمال اطلاع الحكيم على عمل ذلك الأديب الأمريكي.

ومع هذا فهناك من يرى أن الحكيم قد سُبق إلى هذا الشكل التجريبي، من قبل الأديب الأيرلندي "برنانرد شو" في كتابه (البنت السوداء)، وكذلك من قبل الروائي المصري "نجيب محفوظ" في (ثرثرة على النيل)، وصاحب هذا الرأي هو الدكتور علي الراعي، وبالرجوع إلى ترجمة برنانرد شو في بعض دوائر المعارف، لم أجد أي إشارة إلى أن كتاب ( The Black Girl In sezrch of God) الذي نشر عام 1932، هو مزيج من الشكلين القصصي والمسرحي، وهذا أمر طبيعي جدًّا، إذ الكتاب كما اطلعنا عليه ليس إلا قصة قصيرة عادية، ومعلوم أن القصة القصيرة لا تنقسم إلى فصول، فلا يمكن من ثم القول بأن فصلها الأول قد اتخذ الشكل القصصي مثلًا ثم تلاه الفصل الثاني متخذًا الشكل المسرحي وهكذا.

بل إنه لم يحدث أن كان جزء من القصة حوارًا خالصًا، والذي يليه سردًا وحوارًا، ووصفًا ورسمًا للشخصية، كي يكون هناك مسوغ للقول أن العمل لم يكن مقسمًا إلى فصول، فهو يجمع بين الشكلين على نحو أو على آخر.

إذًا فما قيل من أن توفيق الحكيم مسبوقًا بقصة شو، هو كلام غير منضبط، ونفس الكلام ينطبق على "ثرثرة فوق النيل" لنجيب محفوظ، فهي رواية خالصة لا مسرواية، حتى لو كان المؤلف قد أكثر من الحوار في بعض الفصول، على حساب العناصر القصصية الأخرى، إذ أن هذا شيء وتأليف الفصل كله حوارًا مسرحيًا شيء آخر.

ص: 419

وفي ندوة نظمتها لجنة الدراسات الأدبية واللغوية للمجلس الأعلى للثقافة في مصر، عنوانها "تداخل الأجناس الأدبية، المسرواية نموذج"، تناول الدكتور محمد نجيب التلاوي قضية التداخل بين السرد الروائي والمسرحي فيما يسمى بـ"المسرواية"، التي يعرفها بأنها: " شكل أدبي جديد تتعاقب فيه الصيغتان المسرحية والسردية.

ومن المحتمل لديه أن يكون توفيق الحكيم قد أقدم على كتابة محاولته "بنك القلق" وهو متشبع بوجهة نظر بعض النقاد الفرنسيين ظانًّا أنه بذلك يقدم وليدًا أدبيًّا مهجنًا.

ثم يمضي قائلًا: "إن رغبة الرواية في تفعيل خاصة الحضور عن طريق الصوت والخطاب والحوار بأنواعه، هي التي سمحت بتداخل الأجناس الأدبية في الرواية ولاسيما الحوار المسرحي حيث يتم مزج للحاضر البصري والضوئي بالماضي المستحضر من خلال نقطة من نقاط الحاضر".

ولعل هذا في رأيه هو ما دفع نجيب محفوظ إلى العناية الفائقة بالحوار في كثير من رواياته التي قام أحد الدارسين بإحصاء هذه الخاصية الحوارية في بعضها، مثل:"القاهرة الجديدة" التي وجد بها 33 مشهدًا حواريًّا متنوعًا و"الثلاثية" التي بلغت تلك المشاهد فيها 184، إلا أن اجتهاد محفوظ في هذا الصدد لم يصل إلى حدِّ الذي يجوز عنده وصفها بالمسرواية، وعند التلاوي أن مثل هذه المحاولات تشير إلى تخلي السرد الروائي عن الأسلوب التقليدي وتطلعه إلى مزيد من التجريب الشكلي والحيوية الزائدة للمشاهد الروائية. فهذه تقنية من التقنيات التي تأثرت فيها الرواية العربية بنظيرتها الغربية.

ص: 420

ومما أخذه العرب المحدثون أيضًا عن الغرب لأن أسلافهم لم يتركوا فيه شيئًا، ما يسمى بـ"رواية الترجمة الذاتية"( Auto Biographical Novel) أو ( roman à clef) ، حيث يكون بطل القصة انعكاس لشخصية المؤلف ذاته، وكثير من الأحداث والمواقف الرئيسية مأخوذًا أو مستوحًى من حياته وما مر به من مواقف ووقع له من أحداث، على أن نعرف أن رواية الترجمة الذاتية ليست بوثيقة تاريخية يُعتمد عليها في الترجمة لمؤلفها، ذلك أن الترجمة الذاتية هي في غير قليل من الأحيان مزيج من الخيال والحقيقة، فما بالنا برواية الترجمة الذاتية، حيث يطلق كاتبها لخياله العنان كما يحلو له من أجل ربط مواد الرواية بعضها ببعض، وكذلك من أجل المتعة والتشويق؛ فضلًا عن تغييره عادة لأسماء الأشخاص والأماكن وتواريخ الأحداث وتفسيرات الوقائع.

ويمكن أن نذكر من ذلك النوع من القصص في الغرب، "ديفيد كوبر فيلد"، و"الآمال الكبير" لتشارلز ديكينز، و"الطفولة والصبا والشباب" لتولستوي، وفي "البحث عن الزمن الضائع" لمارسيل بروست، و"أبناء وعشاق" لديفيد هيربرت لورانس، و "صورة للفنان في شبابه" لجيمس جويز، و"طفولتي" لمكسيم جوركي، و"الدكتور زيفاجو" لباسترناك، و"وداعًا للسلاح" لهمنجواي، و"مدار السرطان" لهنري ملر، و"تقرير" لجريكون نوقس كازنتكس.

وفي أدبنا العربي هناك "زينب" لمحمد حسين هيكل، و"عودة الروح، وعصفور من الشرق، و"يوميات نائب في الأرياف" لتوفيق الحكيم، و "سارة" للعقاد، وبعض قصص "الأجنحة المتكسرة" لجبران خليل جبران، و"الحي اللاتيني، وأصابعنا التي تحترق" لسهيل إدريس، و"شقة الحرية" لغازي القصيبي، و"ترابها زعفران" لإيدوار الخراط، و"خطط الغيطاني، وتجليات" لجمال الغيطاني،

ص: 421

و"مالك الحزين، ووردية ليل" لابراهيم أصلان، و "الخباء" لميران الطحاوي، و"دنيا زاد" لمي التلمساني، و"قميص وردي فارغ" لنورا أمين، و"مرايا الروح" لبهيجة حسين، و"السيقان الرفيعة للكذب" لعفاف السيد، و"دارية" لسحر الموجي، و"أوراق النرجس" لسمية رمضان، و"عابر سرير" لأحلام مستغ ن ي، و"برهان العسل" لسلوى النعيمي

إلخ.

كذلك تمثل رواية "الأجيال" Roman fleuve أو Roman Cycle، أو chronicle of saga novel، لونًا آخر من الإبداع القصصي الذي نقلناه عن الغرب، وهي الرواية التي تهتم بسيرة أسرة كبيرة على امتداد جيلين أو ثلاثة، ومن أمثلتها من الآداب الغربية:( La Comédie humaine) لـ ( Honoré de Balzac) ، و ( le regen manar) لإيميل زولا، و "الحرب والسلام" لتولستوي، و"فرساي ساجا " لجال سورسي و"ابسوديس ناسيونالس" لبيريز جالدوس، و"بحثًا عن الزمن الضائع" و ( Strangers and brothers) لسي بي سنو.

وتكمن أهمية هذا النوع من الكتابة، في أنه يطرح التغيرات الدقيقة التي تطرأ على بنية المجتمع، وشكل العلاقة فيه على مدى حقبة زمنية معينة، ومن أمثلتها في الأدب العربي، "شجرة البؤس" لطه حسين، و"الثلاثية، والحرافيش" لنجيب محفوظ، و"الشارع الجديد" لعبد الحميد جودة السحار، و"خزائن الملح" لعبد الرحمن المنيف، و"مكابدات عبد الله العاشق" لعبد الخالق الركابي، و"أوراق العائلة" لمحمد البساطي، و"ثلاثية الصعود فوق جدار الأمس، وجبل ناعسة والجويني" لمصطفى نصر، و"عش الدبابير" لجميل السلحوت، و"زمن الخيول البيضاء" لإبراهيم نصر الله، و"العمة أخت الرجال" لأحمد أبو خنيجة،

ص: 422

و"خارطة الحب" لأهداب سويس، و"شجرة الفهود" لسميحة خريس، و"سقوف جدار زمن العواطف" لأحمد البتانوني، و"صباح الخير أيتها الوردة" لمحمد فاهي، و"هيروبولس" لمحمد تهامي.

وتعد أيضًا تقنية "تيار الوعي" من الأشياء الجديدة التي أخذتها القصة العربية في عصرنا الحديث عن نظيرتها الغربية، وهذه التقنية نوع من الحوار الداخلي للشخص، تكون الجمل فيه مفككة، والأفكار غير مترابطة، مما يصعب على القارئ متابعة النص، أو المشاعر التي تكون متدخلة في النص، ومن الأعمال القصصية الغربية التي استعملت هذه الطريقة الفنية From underground NotesK لدستو فسكي، و"أنا كارنينا" لتولستوي، و"بحثا عن الزمن الضائع" لمراسيل بروست، و"صورة الفنان في شبابه" لجيمز جويز، و"مسز دالوي، وإلى الفنار، والأبواب" لفيرجينا ولف، و"ستيبين ولف" لهيرمان هيس، و ( The sound and the fury) لويليام فوكلر. و"السقوط "لألبير كامي، و" Jelouse people " لنادين جودي مار.

وفي الأدب العربي تأثر روائيون كثيرون وبخاصة في فترة الستينات والسبعينات من القرن الماضي بهذا التيار، منهم نجيب محفوظ في "ثرثرة على النيل"، و"اللص والكلاب"، و"الشحاذ"، ونجيب الكيلاني و"في الربيع العاصف"، وحيضر حيضر في "زمن الموحش"، وهاني الراعي في "ألف ليلة وليلتان"، وجمال الغيطاني في "الزيني بركات"، محمود عوض عبد العال في "سكر مر"، و"عين سمكة"، وإسماعيل فهد إسماعيل في "يحدث أمس"، وليلى الأطرش في "ليلتان وظل امرأة".

ص: 423

وساعد على انتشار هذه التقنية الروايات المترجمة المكتوبة بهذا الأسلوب، ثم ترجمت مفاهيم علم النفس وبخاصة آراء فرويد.

ولا ينبغي في هذا السياق أن ننسى تقنية (تعدد السراد في القصة Multiple person view) ، وذلك حين يكون من الضروري الحصول على أكثر من وجهة نظر في الموضوع الواحد، كأن تكون هناك مثلًا جريمة أو سر خفي يحتاج أن نرصد آراء الموجودين أو وجهات نظرهم جميعًا فيه، كي تتضح الحقيقة أو تظهر جوانب الموضوع كاملة.

وهذه الطريقة هي أيضًا مما أخذه الفن القصصي العربي الحديث عن نظيره الغربي، ويبدو أن القصص التي من هذا النوع ليست بكثرة تلك التي تعتمد التقنيات السردية الأخرى، ومنها خارج الأدب العربي على كل حال ( The sound and the fury) لفوكلر، و Kafka On The shore لموراكامي الياباني، و Ethan From لورتون، ولعل أشهر الروايات العربية التي سارت على هذه الطريقة، هي "ميرامار" لنجيب محفوظ، وهناك أيضًا "الرجل الذي فقد ظله" لفتحي غانم، و"ظلال على الجانب الآخر" لمحمود دياب.

والسلام عليكم ورحمة الله.

ص: 424