الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويحملُ الشعر الحديث أنماطًا من التعبير في مدرسة الحداثة، ويكتب الشاعران "أدونيس" و"محمود درويش" ألوانًا من الشعر تختلف اختلافًا كبيرًا عما كانت عليه بدايات تطورات القصيدة العربية في العصر الحديث، وإذا بالمسافات تبتعد تماما بين "البارودي" و"شوقي" وبين "بلند الحيدري" وبين "يوسف الخال" و"نظير العظمة" وأدربهم.
مدرسة الديوان وأثرها في حركة الشعر في العصر الحديث
ونبدأ بمدرسة الديوان، وهي حركة تجريدية في الشعر العربي ظهرت في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، والنصف الأول من القرن العشريين، على يد "عباس محمود العقاد" و"إبراهيم المازني" و"عبد الرحمن شكري" الذين كانوا متأثرين بالرومانسية في الأدب الإنجليزي، ولديهم في ذات الوقت اعتزاز شديد بالثقافة العربية.
وقد سُمّيت بهذا الاسم نسبة إلى كتاب ألفه "العقاد" و"المازني" وضعا فيه مبادئ مدرستهم، واسمه (الديوان في الأدب والنقد) وقد نهجت هذه المدرسة النهج الرومانسي في شعرها، ومن أبرز سماتها: الدعوة إلى التجريد الشعري في الموضوعات، ووجوب تعبير الشعر عن ذاته بعيدًا عن التقاليد الجامدة، والاستفادة من الأدب الغربي إلى جانب الشعر العربي القديم، والاتجاه إلى الشعر الوجداني، والوحدة الموضوعية للقصيدة.
وقد ذكر "العقاد" في كتابه (شعراء مصر وبيئاتهم في الجيل الماضي) أن مَدرسة الديوان كانت مُهتَمّة بكل الثقافات العالمية عن طريق اللغة الإنجليزية، وأنها أفادت النقد الإنجليزي فوق استفادتها من الشعر، وقد انفصل "شكري" عن زميليه بعد فترة، وكتب ينتقد "المازني" لانتحاله بعض الأشعار الإنجليزية.
وهُناك وجه شبه قوي بين مدرسة الديوان والرومانسيين الإنجليز؛ فقد تحدث "ويلز ويلس" مثلًا عن العملية الشعرية فقال: "لقد قلت: إن الشعر انسياب تلقائي للمشاعر القوية"، ويؤكد ذلك التحليل مبدأين أساسين في مذهب الرومانسية:
أولهما: أن الشعر حقًّا تعبيرٌ عن النفس ومشاعرها.
ثانيهما: أنّ هذا التعبير مطبوعٌ لا تكلف فيه".
وهي نفس الرؤية التي يراها "شكري" تقريبًا في كلامه عن الانفعال العصبي الذي يسبق عملية الشعر. وإن عبارته التي يصف فيها الشعر بأنه تدفق الأساليب كالسيل، تدل على أهمية الطبع في التعبير الشعري الرومانسي عند جماعة الديوان، فالعواطف في نظر جماعة الديوان والرومانسيين الإنجليز؛ هي المنفذ الوحيد الذي يطل منه الشاعر على العالم الخارجي وشئونه.
ويرى "العقاد" أن الشِّعر يُطلعك على ما لم تستطع الوصول إليه من أسرار تكمن وراء مظاهر الأشياء، ويتغلغل بك إلى اللباب، ويكشف لك عن ما في الجوهر من حياة، كما أن الشعر لا يعد شعرًا ما لم يعبر عن ذات الإنسان وأدق أحاسيسه ومشاعره تعبيرًا صادقًا لا تكلف فيه ولا تصنع، يقول: إن الشاعر العظيم هو من تتجلى من شعره صورة كاملة للطبيعة، بجمالها وحبه لها، وعلانيتها وأسرارها، أو ما نستخلصه من مجموع كلامه فلسفة للحياة ومذهبًا لحقائقها أو فروضها أيا كان هذا المذهب.
وبالنسبة إلى رأي العقاد في الوزن والقافية وتطورهما، بتطور الشعر الحديث واطلاع المحدثين في الشعر الغربي: نجده يدعو إلى التطور هذا المجال؛ إلا أنه لا يريده مفاجئًا بل يدعو إليه بروية ورواده، يقول في مقدمة ديوان "المازني": "ولما
كان لا ريب في القيود الصناعية ستجري عليها أحكام التغيير والتلقيح، فإن أوزاننا وقوافينا أضيق من أن تنفتح على أغراض شعر؛ تفتحت مغاليق نفسه وقرأ الشعر العربي، فرأى كيف ترحب أوزانهم بالأقاصيص المطولة، وبالمقاصد المختلفة، وكيف تلين في أيديهم القوالب الشعرية فيودعونها ما لا قدرة للشاعر عربي على وضعه في غير قالب النثر.
وقد عَكَف أعضاءُ مدرسة الديوان على الأدب الإنجليزي؛ فوجدنا في أشعارهم تأثرًا بقصائد متعددة من "شل" و"هود" و"أديسون" و"كارليم" وغيرهم من شعراء ديوان الذخيرة الذهبية " golden tragiry".
لقد كان اتصال الغرب بالعرب سبب من أسباب انتشار موجة الرومانسية في تلك الفترة، وكانت مطالعة الكتاب من المختارات الشعرية المعروفة بـ" golden tragiry" والاهتمام بالناقد الإنجليزي "ويليم هازلت" من المؤثرات الواضحة في شعرائها.
لقد كان "شُكري" الذي يعده بعض مؤرخي الأدب العربي الحديث مؤسس هذا الاتجاه، متأثرًا بالمدرسة الإنجليزية الرومانسية في الشعر منذ زمن دراسته في انجلترا ما بين 1909 و1912م، وعلى وجه الخصوص "ميشيلي" و"بايرون" و"كيتس ويلز ويلز" وبعد عودته التقى "بالعقاد" و"المازني" وأطلعاهما على إبداعات الأدب الإنجليزي مما أثر تأثيرًا شديدًا على التوجه الشعري الجديد عند زميليه، فالتزما مفاهيم الشعر والنقد الإنجليزي، ودافع عنها بشدة؛ حتى قد لاحظ بعض النقاد أن المعاني التي صدر عنها "العقاد" و"المازني" في بعض أشعارهما هي نفس المعاني التي يجدها القارئ في عدد من المختارات الشعرية لكتاب (الذخيرة الذهبية) الذي وضعه "بل جريف" أستاذ الشعر في جامعة أكسفورد.
وبالنسبة "للمازني" يقول الدكتور "فاروق مواسي" في بحثه بعنوان "شعر المازني في مراوحته بين التأثر بالشعر العربي القديم وبين التأثر بالشعر الرومانتيكي الإنجليزي": إنّ هذا التأثير كان بالغًا إلى درجة أنّ "المازني" اتهم بالسرقة الأدبية عن أدباء غربيين؛ فكان رد "المازني" أن هذا دليل على سعة الاطلاع وسرعة النسيان؛ أما السرقة فهو يبرأ إلى الله من تعمد أخذها والإغارة عليها.
وكان "المازني" أسوة بـ"العقاد" و"شكري" ينظر إلى ثقافة الغرب بعين التقدير والإعجاب، ويرى أن ثقافة المصريين عامة لا تتواصل والنهضة القوية الجارفة التي تعفي على القديم، وتفتح أبواب الفكر على الثقافة الإنسانية الجديدة، وخاصة حضارة الغرب.
وفي الحق أن بعض أسماء قائد المازني تتماثل مع أسماء قصائد وردت في مجموعة "بل جريف" نحو نهر الحياة، و" the river life" للشاعر "كامبر"، وفلسفة المحب و" loves theories" للشاعر "شيلي" بالإضافة إلى قصائد أخرى كثيرة عنوانها من الطبيعة "البحر، والليل، والخريف" إلى آخره.
كذلك أدخل "المازني" في قصائده مقطوعات مترجمة من الإنجليزية، مما دفع "شكري" للهجوم عليه كثيرًا مثيرًا بذلك زوبعة نقدية تركت أثرًا كبيرًا على الساحة الأدبية، واعترف "المازني" في رده على شكري، أنّ قصيدتي "فتى في سياق الموت" و"قبر الشعراء" مأخوذتان وإن أصر على أن السرقة لم تكن مقصودة؛ فهو لم يتعمد أخذها والإغارة عليها، فضلًا على إنه لو حذفت هذه المادة المسروقة، لما نقص ذلك من قيمة شعرنا؛ فإن ديواننا الأول "نحو ألف بيت" وليس ما أخذ علينا خيرها.
ولم يعمد "المازني" إطلاقًا إلى ترجمة القصائد التي أخذت منها تلك الأبيات كاملة، إذ إنّ الأبيات التي ترجمها قد أدخلها في قصائده في سياقات متباينة، مختلفة عما كانت عليها هذه الأبيات في أصلها.
وإلى جانب هذا عمد "المازني" إلى استعارة التعابير ومضامين وقوالب لفظية عن الإنجليزية، ونشرها أحيانًا موقعة باسمه، ووضع نجمة على ميل بيت الشعر أحيانا أخرى للدلالة على إنها ليست من وضعه، ففي قصيدة "الغزال الأعمى" مثلًا نراه يكتب في أسفل الصفحة:"لا أذكر من أين أخذت فكرة الغزال الأعمى والأغلب أنها ليست لأحد من الشعراء الكبار".
وهذه الفكرة مفادها أن الحياة ليست بذات قيمة، وأنها ضياع وهباء وتردد مثل هذه الفكرة في شعر الشعراء الرومانتيكيين الإنجليزيين كما في قصيدة "شيلي" " alement" التي يقول فيها:
all world all life all time
…
when you return the glory is for bireme
no more or never more
وفي قصيدة أخرى يصف "المازني" البحر قائلًا:
كم قد أقل عبابه سفنًا
…
وأجن من غرقى ومن كسر
ورمى بكل غير متئد
…
في قاع بحر هائل القعر
وهذا الوصف يُذكرنا بقصيدة "بيرون"" Today osion".
ويَرْجِعُ تأثر الشعراء مدرسة الديوان بالرومانسية الغربية لإجادتهما اللغة الإنجليزية، التي أفادتهم كثيرًا في دراسة الشعر الإنجليزي، وخاصة شعر كلٍّ من