الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لا يُعرف إلا من الشرع، ومنها ما يعرف من اللغة بزيادة على ما تَصدَّى له النحاة واللغويون. فالذي لا يُعرف إلا من الشرع: إثبات كون الخبر الواحد حجةً، وكون الإجماع حجة، والقياس حجة، وكثير من المسائل التى تذكر فيه.
والذي يُعرف من اللغة: ما يُذكر فيه من دلالات الألفاظ اللغوية.
وما فيه من علم الكلام ونحوه، فاقتضاه انجرار الكلام إليه، وتوقُّفُ فَهْمِ بعض مسائل هذا العلم عليه.
و
(1)
هذا حين أبتدئ في شرح هذا الكتاب، مستعينًا بالله تعالى، وذلك في يوم الاثنين ثامن شهر ربيع الأول، سنة خمس وثلاثين وسبعمائة، وإلى الله أتضرع، وإياه أسأل: أن ينفع به بمنِّه وكرمه، إنه قريب مجيب.
(قال المصنف رحمه الله
(2)
: (تَقَدَّس مَنْ تَمَجَّد بالعظمة والجمال
(3)
).
تَقَدَّس، أي: تطهر، ومن أسمائه تعالى التى نطق بها القرآن "القدوس"، وفيه لغتان: ضَمُّ القاف، وهي أشهر، (وكان سيبويه)
(4)
يقول
(1)
سقطت الواو من (ت).
(2)
في (ص) و (ك): "شرح ديباجة الكتاب".
(3)
في جميع النسخ: "والجلال". وهو خطأ، وسيأتي في كلام الشارح أنه شَرَح اسمَ "الجميل"، بعد شرحه لاسم "العظيم".
(4)
في (ص): "وكان س". (وهو رمز لسيبويه).
بفتحها
(1)
. وأصل الكلمة من القُدُس بضم الدال، وسكونها
(2)
: وهو الطهارة
(3)
، سُمِّي جبريلُ روحَ القدس؛ لطهارته في تبليغ الوحي إلى الرسل عليهم السلام.
والأرض المُقَدَّسة: المُطَهَّرة، وبيت المَقْدِس: بيت الطَّهَارة (أو بيت مكان الطهارة)
(4)
، والمعنى الطهارة من الذنوب؛ لتطهيره من الكفار بالمسلمين
(5)
.
وقال تعالى: {وَنُقَدِّسُ لَكَ}
(6)
أي: نُقَدِّسُك، إنْ جعلت اللام زائدة، أو نُقَدِّس أنفسنا لك، إن لم تَرْض زيادتَها
(7)
.
(1)
في اللسان: 6/ 168، (مادة قدس):"وكان سيبويه يقول: سَبُّوح وقَدُّوس، بفتح أوائلهما. . . قال ثعلب: كل اسمٍ على فَعُّول فهو مفتوح الأول مثل: سَفُّود وكَلُّوب وسَمُّور وتَنُّور، إلا السُّبُّوح والقُدُّوس، فإن الضم فيهما الأكثر، وقد يُفتحان، وكذلك الذُّرُّوح بالضم، وقد يفتح. قال الأزهري: لم يجئ في صفات الله تعالى غير القُدُّوس، وهو الطاهر المنزَّه عن العيوب والنقائص، وفُعُّول بالضم من أبنية المبالغة، وقد تُفتح القاف وليس بالكثير".
(2)
في (ص): "وبسكونها".
(3)
انظر، لسان العرب: 6/ 168، القاموس المحيط: 2/ 239، المصباح المنير: 2/ 150.
(4)
في (ص)، و (ك):"أو بيت مكانها".
(5)
قال القرطبي في تفسيره: 1/ 277: "وبيت المقدس سُمِّي به؛ لأنه المكان الذي يُتَقَدَّس فيه من الذنوب، أي: يُتَطهر".
(6)
سورة البقرة: 30.
(7)
يعني: إن كانت اللام زائدة - فالمفعول به هو الكاف، وإن لم تكن زائدة فالمفعول به مقدَّر: أنفسنا. وانظر، تفسير أبي السعود: 1/ 83، الفتوحات الإلهية بتوضيح =
ومعنى تقديس
(1)
الله: تنزيهه عن
(2)
كل ما لا يليق بكماله سبحانه وتعالى، فننزهه عن كل وصف يُدركه حس، أو يصوِّره (خيال وَهْم)
(3)
، أو يختلج به ضمير. وننزهه عن كل ما نسبه إليه المبطلون: من الشركاء والأنداد، والصاحبة والأولاد، وعن كل محال نسبه إليه أهل الضلال، مما يَسْري
(4)
إلى نقص، أو يُومئ إلى عيب.
ولولا ما وقع فيه أهل الكفر والضلال من ذلك - لكان الأدب بنا تنزيهه عن أن ننطق بنفي ذلك عنه؛ لأنَّ نفي الوجود يكاد يُوهم إمكانَ الوجود، وتطرقُ العيبِ والنقصِ إليه محال، لا يخطر بالبال تصوره، فضلًا عن كونه ينْفيه ويقَدِّره.
وقولنا: "تنزيهه عن كل ما لا يليق بكماله" عبارة محررة، أولى مِنْ قول مَنْ يقول: بأوصاف الكمال، فإن أكثر ما يتصور الناس من أوصاف الكمال ما هو كمال لأنفسهم، كعلمهم وسمعهم وبصرهم، والله تعالى منزه عنها
(5)
، فإن صفاته تعالى لا تشبه صفات البشر، وعلمه وسمعه
= تفسير الجلالين للدقائق الخفية: 1/ 38، تفسير القرطبي: 1/ 277، والتفسير الكبير للرازى: 2/ 189.
(1)
في (ك): "نقدس".
(2)
في (ت)، و (ص):"من".
(3)
في (ت)، و (ك):"خيال ووهم".
(4)
في (ص): "مما يشير". ومعنى "يسري" أى يؤدي ويجر.
(5)
أى: منزه أن تكون له صفات البشر: معانيها وكيفياتها؛ لأنه واحد في ذاته وصفاته وأفعاله: "هل تعلم له سميًا".
وبصره مباين لسمعهم (وبصرهم وعلمهم)
(1)
، فتنزيه كثير من الجهال يحتاج إلى تنزيه، ومجامع التقديس أن نقدِّسه عن الشركاء والأضداد
(2)
والنظير والولد، وإحاطة الأبصار
(3)
، والحاجة إلى غيره، وغير ذلك مما
(4)
يستحيل عليه.
وأكثر الناس يعتقدون أنَّ معنى القدوس: الطاهر، ولا شك أَنَّه يدل على ذلك، ولكنه ليس كل معناه، فإنَّ بناء "طاهر" لازم، و"قدوس" مأخوذ من فعل متعد
(5)
، فمعناه: مطهِّر، بكسر الهاء، أي: أنَّه تعالى مُقَدِّس لنفسه بإخباره عنها بالتوحيد والإجلال والإكرام، واستحالةِ النقائص عليه، وعَجْزِ الأوهام عنه، وخالقُ الأدلة على ذلك
(6)
. ومُقَدِّس لخلقه عن اعتقادهم فيه ما لا يليق بذاته. والأول صفة ذات، والثاني
(1)
في (ت): "وعلمهم وبصرهم".
(2)
الأضداد جمع ضد: وهو النظير والكفء. المصباح: 2/ 4.
(3)
يعني: أن أبصار المؤمنين وإن رأت المولى عز وجل في الآخرة في عَرَصات يوم القيامة، وفي الجنة - جعلنا الله والمسلمين من أهلها - إلا أنها رؤيةٌ لا إحاطةٌ، فإن معرفة كُنْه حقيقة المولى عز وجل، وعظمته وجلاله على ما هو عليه غير ممكن للبشر ولا للملائكة ولا لشيء، ولهذا قال تعالى:{لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} أي: لا تحيط به، {وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} . سبحانه وتعالى، وتقدس وتنزه عما يقوله الظالمون علوًا كبيرًا. انظر: تفسير ابن كثير: 2/ 161، 162. فتح القدير: 2/ 148.
(4)
في (ص): "ما".
(5)
وهو: قَدَّس أي: طَهَّر.
(6)
قوله: "وخالق الأدلة": معطوف على قوله: "بإخباره عنها". يعني: مقدِّس لنفسه بإخباره عنها. . .، ومقدِّس بكونه خالقًا للأدلة على ذلك.
والثالث صفتا فعل
(1)
. وعن ابن عباس وقتادة
(2)
: القُدُّوس
(3)
الذي منه البركات
(4)
.
إذا عرفت ذلك - فقوله: تَقَدَّس؛ لا يجوز أن يكون مُطَاوِعًا لقَدَّس، فإن المطاوِع شَرْطه التأثر، مثل: كَسَّرتُه فتكسَّر
(5)
. وذلك مفقود هنا، والتقديس هنا مثل التصديق، في أنّ المراد منه الإخبار عن الصدق، فلا يأتي
(1)
الأول: وهو تقديسه لنفسه بإخباره، صفة ذات. والثاني: وهو خالق الأدلة على ذلك. والثالث: وهو تقديسه لخلقه. وهما صفتا فعل، ولعل الشارح يريد بصفة الذات والكلام النفسي، ويدل عليه قوله في الثاني: وخالق الأدلة على ذلك. فمعنى هذا أنه سبحانه وتعالى خَلَق الأدلة الشرعية، ولم تقم بذاته، وهو ما يقوله الأشاعرة. انظر: شرح جوهرة التوحيد للباجوري: 113 - 116، تنسيق وإخراج محمد أديب الكيلاني، وعبد الكريم تَتَّان.
(2)
هو قتادة بن دعامة بن قتادة السدوسي، أبو الخطاب البصريّ. يقال: ولد أكمه. وكان مولده سنة 60 هـ. وكان من أوعية العلم، وممن يضرب به المثل في قوة الحفظ، قدوةً للمفسرين والمحدثين. قال الذهبي:"وهو حجة بالإجماع إذا بين السماع، فإنه مدلّس معروف بذلك، وكان يرى القدر، نسأل الله العفو". قال سعيد بن المسيب: "ما أتاني عراقيٌّ أحسن منه". وقال قتادة عن نفسه: "ما قلت لمحدِّث قط: أعِدْ عليّ، وما سمعت أُذناي شيئًا قط إلا وعاه قلبي". مات سنة 117 هـ. انظر، سير: 5/ 269، تهذيب: 8/ 351، تقريب:453.
(3)
في (ص): "القدس". وهو خطأ.
(4)
قال ابن كثير في التفسير: 4/ 343: وقوله تعالى: {الْقُدُّوسُ} قال وهب بن مُنَبِّه: أى: الطاهر، وقال مجاهد وقَتادة أي: المبارك، وقال ابن جريج: تقَدِّسه الملائكة الكرام. وانظر، الدر المنثور: 8/ 123.
(5)
وقَطَّعْتُه فانقطع، وأطلقتُه فانطلق، وعدَّلتُه فانعدل. انظر: شذا العرف: 44.
منه مُطَاوِع
(1)
، لكن يصح استعمال تَقَدَّس هنا
(2)
لموافقة المُجَرَّد
(3)
. وقد قال الراجز:
الحمد لله العلي القادس
(4)
.
ومن جملة معاني تَفَعَّل أن يوافق المجرَّد، وإن لم يُنطق بالمجرَّد ههنا في الفعل
(5)
، وقد قال الفراء (في قوله تعالى:{تَبَارَكَ}
(6)
)
(7)
أنَّ معناه: تَقَدَّس
(8)
.
(1)
في (ص): "مضارع". وهو خطأ.
(2)
سقط من (ص).
(3)
أي: يصح استعمال تَقَدَّس هنا في كلام الماتن: "تَقَدَّس مَنْ تَمَجَّد بالعظمة والجلال"؛ لأنَّ هذا الفعل موافق للمجرد في كونه غير متأثّرٍ بغيره، وهو الفعل قَدَّس.
(4)
القادس اسم فاعل من الفعل المجرد قَدَس، لكنه لم تنطق به العرب، كما سيذكر الشارح.
(5)
يعني: أن تفعَّل يأتي بمعنى الفعل المجرد، وهنا تَقَدَّس بمعناه، ولذلك لم تذكر القواميس استعمال قَدَس فِعْلًا مجرَّدًا، كاللسان: 6/ 168، والصحاح: 3/ 960، والقاموس: 2/ 239، والمصباح المنير: 2/ 150. قال الشيخ أحمد الحملاوي في "شذا العرف": 46: وربما أغنت هذه الصيغة (أي: صيغة تَفَعَّل) عن الثلاثي؛ لعدم وروده كتَكَلَّم وتَصدَّى. اهـ. فالعرب لم تنطق بـ: كَلَم وصَدَى، لكن تَكَلَّم بمعنى كَلَمَ، وتَصَدَّى بمعنى صَدَى.
(6)
سورة الفرقان: 1.
(7)
في (ص): "في قوله تبارك وتعالى". وهو خطأ.
(8)
انظر، معاني القرآن للفراء: 2/ 262.
وللمصنف في الفراء
(1)
أسوة في استعماله تَقَدَّس.
وكذلك السهيلي
(2)
وهو من المتقنين في العلم، وقع في كلامه: تَقَدَّس سبحانه عن مضاهاة الأجسام. وقُدُّوس مثل سُبُّوح.
كان سيبويه
(3)
يفتح أولهما، والمشهور الضَمُّ فيهما. والتسبيح: التنزيه، ولم يَرد السُبُّوح في القرآن، ولا في حديث أبي هريرة، ولكن جاء
(1)
هو أبو زكريا يحيى بن زياد بن عبد الله بن منظور الديلمي الأسدي ولاءً، الكوفي. قيل له: الفَرَّاء؛ لأنه كان يَفْري الكلام. قال ثعلب: "لولا الفَرَّاء لما كانت عربيةٌ، لأنه خلّصها وضبطها. . .". وقال بعضهم: "الفَرَّاء أمير المؤمنين في النحو". وكان يحب الكلام ويميل إلى الاعتزال، وكان متدينًا متورّعًا، على تِيهٍ وعُجْبٍ وتعظّم. من مصنفاته: معاني القرآن، اللغات، المصادر في القرآن، وغيرها. توفي بطريق مكة سنة 207 هـ.
انظر، تاريخ بغداد: 14/ 149، الأنساب: 4/ 352، سير: 10/ 118، تهذيب: 11/ 212، بغية: 2/ 333.
(2)
هو عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد، أبو القاسم وأبو زيد السُّهيلي - نسبة إلى سُهَيْل: قرية بالقرب من مالَقَة - الخَثْعمِي الأندلسي المالَقِي - مدينة بالأندلس - المالكي الحافظ. كان عالمًا بالعربية واللغة والقراءات، بارعًا في ذلك، جامعًا بين الرِّواية والدِّراية، عالمًا بالتفسير وصناعة الحديث، حافظًا للرجال والأنساب، عارفًا بعلم الكلام والأصول، حافظًا للتاريخ، صاحب اختراعات واستنباطات. كفَّ بصره وهو ابن سبع عشرة سنة. من مصنفاته:"الروض الأنف" في شرح السيرة، التعريف والإعلام بما في القرآن من الأسماء والأعلام، مسألة السِّر في عَوَر الدِّجال، مسألة رؤية الله والنبي صلى الله عليه وسلم في المنام. توفي بمراكش سنة 581 هـ.
انظر، الديباج المذهب: 1/ 480، بغية الوعاة: 2/ 81.
(3)
في (ص): س.
في التسبيح.
واختلف العلماء هل كونه سُبُّوحًا قُدُّوسًا يرجع إلى معنى خاصٍّ يُسمى قُدْسًا وسُبْحة، أو وَصْفُه بذلك يرجع إلى نفيٍ محض وتنزيه عن النقائص، ومعنى ذلك أنَّه هل هو صفة ثبوتية أو سلبية؟
وقوله: "تَمَجد": الكلام فيه كالكلام في تَقَدَّس، وهو مأخوذ من اسم المجيد، وقد نطق به القرآن والسنة، (وأجمعت عليه الأمة)
(1)
.
والمَجْد: معناه الشرف، والعظمة، والكثرة، والارتفاع
(2)
، فسمي
(3)
تعالى بذلك؛ لكثرة جلاله وشرفه وعلوه بما يخرج عن طَوْق البشر.
واختلف العلماء هل هو صفة خاصة كالعلم والقدرة، أو هو عبارة عن استجماع صفات المعاني
(4)
، ووجوه نفي النقائص، فلا كمال إلا وهو له، ولا نقص إلا وهو منزه عنه وقوله:"بالعظمة والجمال"
(5)
متعلّق
(1)
في (ص): "وأجمعت الأمة عليه"، وفي (ك):"واجتمعت عليه الأمة".
(2)
في اللسان: 3/ 395، 396: المَجْد: الكرم والشرف، وأَمْجَدَه ومَجَّده كلاهما: عَظَّمه وأثنى عليه. وقوله تعالى: {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} يريد بالمجيد: الرفيع العالي. ومَجَدت الإبلُ إذا وقعت في مرعى كثير واسع. وأمْجَدتُ الدابةَ عَلَفًا: أكثرتُ لها ذلك. ويقال: أمجَدَ فلانُ عطاءَه ومَجَّده، إذا كَثُّره. اهـ. باختصار، وانظر، القاموس المحيط: 1/ 336، والمصباح: 2/ 228.
(3)
في (ص): "سمي".
(4)
في (ص)، و (ك):"المعالي". وهو خطأ.
(5)
في (ص)، و (ك):"والجلال". وهو خطأ.
بتمَجَّد، واسم "العظيم" نطق به القرآن والسنة، وهو تعالى عظيم في ذاته، وصفاته، وقَهْره، وسلطانه، فكل عظيم بالنسبة إلى عظمته عدمٌ محض، واسم "الجميل" لم يرد في القرآن، ولا في حديث أبي هريرة، لكن في الحديث:"إن الله جميل يحب الجمال"
(1)
، وورد أيضًا في بعض طرق حديث
(2)
أبي هريرة
(3)
.
(1)
أخرجه مسلم في صحيحه: 1/ 39، في كتاب الإيمان، باب تحريم الكبر وبيانه، حديث رقم:91.
والترمذي: 4/ 317، في كتاب البر والصلة، باب ما جاء في الكبر، حديث رقم: 1999، وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب.
(2)
سقطت من (ص).
(3)
حديث أبي هريرة رضي الله عنه أخرجه أحمد في المسند: 2/ 314، 427. والبخاري: 2/ 981 - 982، في كتاب الشروط، باب ما يجوز من الاشتراط والثنيا في الإقرار، رقم: 2585، وانظر الأرقام: 6074، 6957. ومسلم: 4/ 2062، في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب في أسماء الله تعالى، وفضل من أحصاها، رقم:2677. وابن ماجه: 2/ 1269 في كتاب الدعاء، باب أسماء الله عز وجل، رقم: 3860. والترمذي: 5/ 496 - 497، في كتاب الدعوات، باب: 83، رقم: 3506، 3508. كلهم من غير سرد الأسماء الحسنى. وأخرجه الترمذي: 5/ 496، رقم: 5/ 496، رقم:3507. وابن ماجه: 2/ 1269 - 1270، رقم: 3861. والحاكم: 1/ 16، 16 في كتاب الأيمان. كلهم بسرد الأسماء الحسنى. واسم "الجميل" ورد عند ابن ماجه والحاكم فقط. وقد بيَّن الحافظ ابن حجر رحمه الله أنَّ الراجح أن سرد الأسماء مدرج في الخبر من بعض الرواة، ونقل عن ابن حزم رحمه الله قوله:"والأحاديث الواردة في سرد الأسماء ضعيفة لا يصح شيء منها أصلًا". ثم قال الحافظ: "وقد استضعف الحديث أيضًا جماعةٌ، فقال الداودي: =
ولما كان تعالى كاملًا في ذاته وصفاته وأفعاله - وُصِف بالجمال وهو تعالى مُقَدَّس عن الصورة، وعن الصفات البشرية.
ومشاهدة صفة الجمال تُثِير المحبة، ومشاهدة صفة الجلال تُثِير الهيبة، والعظمة تُثِير الهيبة أيضًا، فلهذا
(1)
قَرَن المصنِّف العظمة بالجمال
(2)
؛ لتفيد معنى زائدًا على الجلال، فالباء
(3)
تحتمل أن تكون بمعنى "في"، أي: تمجد في عظمته وجماله، فارتفع فيهما
(4)
على كل عظيم وجميل.
ويَحْتمل أن تكون للسببية، على معنى أنَّه ارتفع بعظمته وجماله
(5)
على كل شيء، فلا
(6)
شيء إلا وهو دون مجده تعالى، وهو تعالى مجيد بذاته (عظيم بذاته)
(7)
، فليس المعنى أنّ بعض الصفات أثَّر في بعض، وإنما لما كانت هذه الصفاتُ تشير إلى مجموع معان، وملاحظةُ كلَّ منها
(8)
= لم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم عيَّن الأسماء المذكورة. وقال ابن العربي: يحتمل أن تكون الأسماء تكملة الحديث المرفوع، ويحتمل أن تكون من جمع بعض الرواة، وهو الأظهر عندي". انظر، فتح الباري: 11/ 215 - 217.
(1)
فى (ت): "فلذلك".
(2)
في (ص): "بالجلال". وهو خطأ.
(3)
في (ت): "والباء".
(4)
في (ص): "بهما". وهو خطأ؛ لأنَّ الشارح يُقَرِّر الكلامَ على أن الباء بمعنى "في".
(5)
في (ص): "وجلاله" وهو خطأ.
(6)
في (ك): "ولا".
(7)
سقطت من (ت).
(8)
فى (ت)، و (ص)، و (ك):"منهما". وهو خطأ؛ لأن الضمير يعود إلى مجموع المعاني، أى: ملاحظة كل معنى من مجموع تلك المعاني.
يُوجب العلمَ بالكمال بها
(1)
- حَسُن ذلك كُلُّه
(2)
.
(وتَنَزَّه مَنْ تَفَرَّد بالقِدَم والكمال).
التنزيه: بمعنى
(3)
التسبيح، وقد ورد مصرحًا به في الحديث:(أنَّه كان يصلي من الليل، (فلا يمر بآية)
(4)
فيها تنزيه لله إلا نَزَّهه)
(5)
.
وأصل النُّزْه: البعد
(6)
، وتنزيه الله: تبعيده عن ما لا يليق به، ولا يجوز عليه. فمعنى تنزه: بَعُد.
(1)
في (ت): "فيها".
(2)
سقطت من (ت).
(3)
في (ت)، و (ص)، و (ك):"معنى"، وهو الصواب.
(4)
في (ك): "فلا يمر به آية".
(5)
أخرجه أحمد في المسند: 5/ 384. وابن ماجه: 1/ 429، في كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها باب ما جاء في القراءة في صلاة الليل، حديث رقم: 1351. وابن خزيمة في صحيحه: 1/ 272، في كتاب الصلاة، باب الدعاء في الصلاة بالمسألة، رقم: 542، وفي باب الدعاء بين السجدتين: 1/ 340 - 341، رقم الحديث: 684، كلهم بلفظ:"وإذا مَرَّ بآية فيها تنزيه لله سبَّح" وأخرجه مسلم: 1/ 536 - 537، في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب استحباب تطويل القراءة في صلاة الليل، رقم الحديث: 772، بلفظ:"إذا مر بآية فيها تسبيح سبح، وإذا مر بسؤال سأل، وإذا مر بتعوذ تعوذ". ولفظ التسبيح والتنزيه واحد. وأخرجه النسائي: 2/ 224، في كتاب التطبيق، باب الدعاء في السجود (نوع آخر) رقم الحديث:1133. وابن حبان كما في الإحسان: 6/ 344، رقم الحديث: 2609، كلاهما بلفظ: "لا يمر بآيةِ تخويفٍ أو تعظيمٍ إلا ذكره".
(6)
التنزه: التباعد، والاسم: النزْهة. وأصل النُّزْه: البُعْد. انظر، لسان العرب: 13/ 548، وفي القاموس: 4/ 294: نَزُه ككَرُم وضَرَب، نَزَاهة ونزاهية. والاسم: النُّزْهة، بالضم، والنَّزْه والنَّزَاهة، بفتحهما. اهـ. بتصرف.
والتفرد: الانفراد، يقال تَفَرَّد به، وانفرد به، واستفرد به، بمعنى واحد.
والقِدَم: وجودٌ لا أولَ له. وكلُّ شيء سوى الله وصفاته فهو حادث، لوجوده أولٌ.
وصفاتُه لا يقال فيها: إنها غيره
(1)
. والكمال المطلق ليس إلا لله تعالى، فهو الكامل في ذاته، وصفاته، وأفعاله.
وكل ما سواه مُفْتَقِر إليه، والافتقار ينافي الكمال، بَلْه
(2)
حدوثه عن العدم، وغير ذلك مما للمخلوق من صفات
(3)
النقص
(4)
.
(1)
مذهب الأشاعرة: أن صفات الذات للمولى سبحانه وتعالى ليست بعين الذات، ولا بغيرها. فليست عين الذات لأنَّ حقيقة الذات غير حقيقة الصفات، وإلا لزم اتحاد الصفات والموصوف، وهو لا يعقل. وليست غير الذات؛ لأنها قائمة بالذات، أي: ليست غيرًا منفكًا عن الذات، وإن كان غيرًا في المفهوم، فهي غيرٌ ملازمٌ لا غيرٌ منفكٌ، ولذا قال صاحب الجوهرة:
مُتَكَلِمٌ ثُمَّ صفاتُ الذاتِ
…
ليست بغيرٍ أو بعَيْنِ الذاتِ
انظر: الجوهرة بشرح الباجوري: 131، 132.
(2)
في (ص)، و (ك):"فله". وهو خطأ.
(3)
في (ك): "سمات".
(4)
المعنى: أن الافتقار ينافي الكمال، فكيف بالحدوث بعد العدم، وغير ذلك من صفات النقص في المخلوقات، كلها يتنزه عنها المولى تعالى وتقدس. وقوله:"بله حدوثه عن العدم": بله هنا بمعنى كيف، والضمير في "حدوثه" يرجع إلى كل ما سواه، فكل ما سواه حادث عن عدَمَ، والله تعالى هو الأول لم يسبقه عَدَم، جل جلاله. وانظر، معاني "بله" في اللسان: 13/ 487.
(عن مناسبة الأشباه والأمثال، ومصادمة الحدوث والزوال)
هذا مُتَعَلّق بقوله: تَنَزَّه، وأما تَقَدَّس، فإما أن يُجْعل كلامًا تامًا
(1)
، وإما أن يجعل
(2)
من باب التنازع، ويُضْمر في تَقَدَّس عما ذكره هنا
(3)
.
والمناسبة: المشاكلة
(4)
. والشِّبْه والشَّبَه والشَّبِيه بمعنى واحد: وهو ما يشبه الشيء
(5)
، وبينهما شَبَه بالتحريك، وكل منها يُجْمع على أشباه
(6)
، والمِثْل والمَثَل كالشِّبْه والشِّبَه: وهو ما يساوي الشيء، ويقوم كلٌّ منهما مقامَ الآخر في حقيقته وماهيته
(7)
، كالأجسام متساوية في الجسمية، وإن اختلفت بالألوان والأشكال وغيرهما
(8)
من الأعراض،
(1)
أى لا يحتاج إلى الجار والمجرور، وهو قوله:"عن مناسبة الأشباه والأمثال، ومصادمة الحدوث والزوال". فالجار والمجرور متعلق بتنزه فقط.
(2)
في (ت)، و (ك): نجعله.
(3)
سقطت من (ت).
(4)
انظر، القاموس المحيط: 1/ 132، والصحاح: 1/ 224.
(5)
في اللسان: 13/ 503: "الشِّبْه والشَّبَه والشَّبِيه: المِثْل". وكذا في القاموس: 4/ 286.
(6)
انظر، المرجعين السابقين.
(7)
في اللسان: 11/ 610: "مِثْل: كلمة تسوية. يقال: هذا مِثْله ومَثَلُه، كما يقال شِبْهه وشَبَهُه، بمعنًى. قال ابن بري: الفرق بين المماثلة والمساواة، أن المساواة تكون بين المختلفين في الجنس والمتفقين؛ لأنَّ التساوي هو التكافؤ في المقدار لا يزيد ولا ينقص. وأما المماثلة فلا تكون إلا في المتفقين، تقول: نَحْوُه كنحوه، وفِقْهه كفِقْهه، ولونه كلونه، وطعمه كطعمه. فإذا قيل: هو مثله على الإطلاق، فمعناه أنَّه يسد مَسَدَّه. وإذا قيل: هو مثله في كذا - فهو مساوٍ له في جهة دون جهة. . . والمِثْل: الشِّبْه. يقال: مِثْلٌ ومَثَلٌ وشِبْهٌ وشَبَهٌ، بمعنى واحد".
(8)
في (ص): "وغيرها".
(واختلافهما بذلك لا يخرجها)
(1)
عن التماثل في الحقيقة، هذا حقيقة المثلين، وبه تزول شبهاتٌ يُورِدها المجسِّمة وكثيرٌ ممن وقع في التشبيه ظانًا أنَّه سالم منه. والمصادمة: المُمَاسَّة، والمراد بها ههنا الإلصاق واللحاق. والحدوث: وجودٌ مسبوقٌ بعدم، فهو ضد الأزلية. والزوال: طريان العدم، وهو ضد الأبدية.
والأزلية والأبدية واجبان لله تعالى؛ لأنّه تعالى
(2)
واجب لذاته يستحيل عليه العدم، لا أولًا ولا آخِرًا.
(مُقَدِّر الأرزاق والآجال، ومُدَبِّر الكائنات في أزل الآزال)
هذا مما لا يَجْحد مسلمٌ ولا كافر تَفَرُّدَ الربِّ سبحانه وتعالى به، وما فيه مِنْ عظيم العلم والقدرة والمنة.
(والأزَل: القِدَم، والأزلي: القديم)
(3)
، وأصل هذه الكلمة قولهم للقديم: لم يَزَل، ثم نُسِب إلى هذا، فلم يستقم إلا باختصار، قالوا: يَزِلي، ثم أبدلت الياء ألفًا؛ لأنها أخف، فقالوا: أزلي، كما قالوا في الرمح المنسوب إلى ذي يَزِن: أزني.
وقوله: "أزل الآزال" على سبيل المبالغة في اللفظ.
(1)
في (ت): "واختلافهما بذلك لا يخرجهما"، وهو خطأ؛ لأن الضمير يعود إلى الأجسام.
(2)
في (ص)، و (ك):"يقال". وهو خطأ.
(3)
في (ص): "والأزل المقدم، والأزل القديم". وهو خطأ.
(عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال)
الغيب والشهادة قيل: السِّرُّ والعلانية، وقيل: الدنيا والآخرة، وقيل: ما غاب عن العباد (وما شاهدوه)
(1)
، وقيل: الغيب: المعدوم، والشهادة: الموجود و
(2)
المُدْرَك كأنه مشاهد.
والكبير: الكامل في ذاته وصفاته، المُتَقَدِّم في المنزلة والسَّبْق في المرتبة، مِنْ كَبُر بضم الباء.
والمتعالي: المستعلي على كل شيء بقدرته، كَبُر عن صفات المخلوقين وتعالى عنها
(3)
.
(نحمده على فضله المترادِف المتوال، ونشكره على ما عَمَّنا من الإنعام والإفضال)
الحمد: الثناء بجميل الصفات والأفعال، ولا يكون إلا بالقول، سواء كان ذلك الجميلُ في المحمود خاصًا به، أم كان واصلًا منه إلى غيره.
والثاني: شكرٌ، والشكر، يكون بالقول والفعل والاعتقاد، فبينه وبين الحمد عمومٌ وخصوصٌ من وجه، وبين الحمد والمَدْح فرق آخر ادعاه السهيلي: وهو أن الحمد يُشترط فيه أن يكون صادرًا عن عِلْم، وأن
(1)
في (ص): "وما شهدوا".
(2)
سقطت الواو من (ت).
(3)
انظر: معاني هذه الأسماء والصفات للمولى سبحانه وتعالى في: تفسير القرطبي: 9/ 289، تفسير ابن كثير: 2/ 503، زاد المسير: 4/ 308.
تكون الصفات المحمودة صفات كمال؛ ولهذين الشرطين لا يوجد الحمد لغير الله، والله هو المستحق الحمدَ على الإطلاق.
والمدح قد يكون عن ظن، وبصفة مستحسنة، وإن كان فيها نَقْصٌ ما.
والإتيان بالنون في هذا الفعل ينبغي أن يُقصد به أنَّ جميع الخلائق حامدون وليست للتعظيم
(1)
، والمترادِف: المتتابع، والمتوالي كذلك، فينبغي أن يكون مقصودُه بالمترادف: الذي يأتي بعضُه على بعض، والمتوالي: الذي يأتي بعضه في إثر بعض؛ ليسلم من التأكيد
(2)
، ويفيد كثرة الفضل في الزمان الواحد، واستمرار ذلك في كل زمان، وفضل الله هكذا هو.
وفي: "عَمَّنا" ضميرٌ مرفوع عائدٌ على الموصول، أي: عَمَّنا هو، ومن "الإنعام والإفضال" بيانٌ لذلك في محل رفع. وقد قَدَّمنا أنَّ بين الحمد والشكر عمومًا من وجه، وأنهما يتفقان فيما كان منةً فيسمى حمدًا وشكرًا، وقد استعمل المصنِّف هنا الحمدَ على ما هو مِنْه، واستعمل الشكر بالقول؛ فتوافقا في هذا المحل وإن تغايرا في وَضْعهما.
(1)
لأن المقام مقام تذلل لله تعالى وثناء عليه وتعظيم له؛ فلا يناسب أن يقصد المؤلف تعظيم نفسه.
(2)
فالمترادف هنا في كلام الماتن: هو أن يأتي بعضه فوق بعض، يعني: هو تتابع بدون تفاوت. والمتوالي: هو أن يأتي بعضه عقب بعض، يعني: هو تتابع مع تفاوت. فيكون ذكر المتوالي بعد المترادف من باب التأسيس لا التأكيد، وحمل الكلام على التأسيس أولى، وإلا فإن الترادف والتوالي من جهة أصل الوضع بمعنى واحد. وانظر: لسان العرب: 9/ 114، 15/ 412. مادة (ردف، ولي).
والفضل هنا
(1)
مِنْ قوله تعالى: {وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ}
(2)
، ومن قوله:{وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا}
(3)
.
والإفضال: الإحسان، والتفضل.
(وقد يُسْتعمل)
(4)
الفضل على خلاف النقص؛ فيكون الثناء عليه حمدًا مباينًا للشكر، لكنه ليس المراد هنا؛ لقوله:"المترادِف المتوال"، فإنهما يقتضيان الوصول إلى الغير.
(ونصلي على محمد الهادي إلى نور الإيمان في
(5)
ظلمات الكفر والضلال)
معنى نصلي هنا: نطلب الصلاة من الله تعالى؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل: "كيف نصلي عليك؟ قال: قولوا: اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد، كما صليتَ على إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركتَ على إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد"
(6)
.
(1)
سقطت من (ص).
(2)
سورة النساء: 32.
(3)
سورة النساء: 113.
(4)
في (ص): "وقد اسْتُعْمِل".
(5)
في (ت)، و (ك): من.
(6)
أخرجه البخاري: 3/ 1233، في كتاب الأنبياء، باب:"يزفّون" حديث رقم: 3190، وفي التفسير، باب:"إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين أمنوا صلّوا عليه وسلّموا تسليمًا": 4/ 1802، رقم الحديث: 4519، وفي الدعوات، باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم: 5/ 2338، رقم الحديث:5996. ومسلم: 1/ 305، =
ومعنى نَطْلب: إنشاءُ الطلب، وكذلك نحمد معناه: إنشاءُ الحمد، وليس معناه الخبر، فَعَطَف إنشاءً على إنشاءٍ.
ووصفه صلى الله عليه وسلم بالهداية؛ لقوله تعالى: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}
(1)
، وبَيْن الهداية والضلال، والنور والظلمات، والإيمان والكفر، ما لا يخفى مِنَ الطّبَاق
(2)
.
(وعلى آله وصَحْبِه خيرِ صَحْب وآل)
= في كتاب الصلاة، باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التشهد، رقم الحديث:406. وأبو داود: 1/ 598 - 599، في كتاب الصلاة، باب الصلاة على النبي بعد التشهد، رقم الحديث: 976 - 978. وابن ماجه: 1/ 293، في كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، رقم:904. كلهم من حديث كعب بن عُجْرة وفي الباب أيضًا حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أخرجه البخاري: 4/ 1802، وفي التفسير: باب: "إن الله وملائكته يصلون على النبي"، رقم الحديث: 4520، وفي الدعوات، باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم: 5/ 2339، رقم الحديث: 5997، وأخرجه ابن ماجه: 1/ 292، في إقامة الصلاة والسنة فيها، باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، رقم: 903. وحديث أبى حميد الساعدى رضي الله عنه أخرجه البخارى: 3/ 1232، وفي الأنبياء، باب:"يزفون" حديث رقم: 3189، وانظر رقم:5999. ومسلم: 1/ 306، في الصلاة، باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التشهد، رقم الحديث: 407. وأبو داود: 1/ 599 - 600، في الصلاة، باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التشهد، حديث رقم:979. وابن ماجه: 1/ 293، في إقامة الصلاة والسنة فيها، باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، حديث رقم: 905.
(1)
سورة الشورى: 52.
(2)
الطباق: هو الجمع بين مَعْنَيَيْن متنافيَيْن. أي: بينهما تنافٍ وتَقَابل. انظر: حُسْن الصياغة شرح دروس البلاغة: 143، مختصر المعاني:315.
آله صلى الله عليه وسلم: بنو هاشم وبنو المطلب، هذا اختيار الشافعي وأصحابه.
وقيل: عِتْرته
(1)
وأهل بيته.
وقيل: جميع أمته، وهو قول مالك
(2)
.
والصحيح جواز إضافة الآل إلى مُضْمَر كما استعمله المصنف.
وقال جماعة من أهل العربية: لا يصح إضافته إلا إلى مُظْهر.
والصَّحْب جمع صاحب: وهو كل من رأى النبي صلى الله عليه وسلم مسلمًا.
وقيل: مَنْ طالت مجالسته.
والصحيح الأول
(3)
، بخلاف التابعي لا يكفي فيه رؤيةُ
(1)
في المصباح: 2/ 39: العِتْرة: نَسْل الإنسان، قال الأزهري: ورَوَى ثعلب عن ابن الأعرابي: أن العترة ولدُ الرجل، وذريته، وعقبه مِنْ صُلبه، ولا تعرف العرب من العترة غير ذلك، ويقال: رهطه الأدنون، ويقال: أقرباؤه، ومنه قول أبي بكر: نحن عِتْرة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي خرج منها، وبَيْضته التي تفَقَّأت عنه. وعليه قول ابن السكيت: العترة والرهط بمعنى، ورهط الرجل: قومه وقبيلته الأقربون. اهـ. وقد جمع هذه الأقوال صاحب القاموس: 2/ 84، فقال:"نسل الرجل، ورهطه، وعشيرته الأدنَوْن، ممن مضى وغبر". اهـ. وانظر، لسان العرب: 4/ 583.
(2)
انظر، النهاية لابن الأثير: 1/ 81، فتح الباري: 3/ 354، شرح الزرقاني على الموطأ: 1/ 336.
(3)
الأول مصطلح المحدثين، والثاني مصطلح الأصوليين. انظر: فتح الباري: 7/ 3 - 5، نزهة النظر: 55، تيسير التحرير: 3/ 66، الإحكام للآمدي: 2/ 94، العضد على ابن الحاجب: 2/ 67.
الصحابي
(1)
، والفرق شَرَف الصحبة، وعِظَم رؤية النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك أنّ رؤية الصالحين لها أثر عظيم، فكيف رؤية سيد الصالحين! فإذا رآه مسلمٌ ولو لحظةً انطبع قلبهُ على الاستقامة؛ لأنَّه بإسلامه متهيئ للقبول، فإذا قابلَ ذلك النورَ العظيم أشْرَق عليه، وظهر أثره في قلبه وعلى جوارحه.
وقوله: "خَيْرِ صَحْبٍ وآل" صحيح؛ لأنه ليس في أصحاب الأنبياء مثل أصحاب نبينا صلى الله عليه وسلم. ولأجل السجع قَدَّم الصَّحْب على الآل في الثاني، وجاء على أحد طريقي العرب، وهي
(2)
رَدُّ الأول على الثاني، والثاني على الأول
(3)
، ولولا هذا لقال خير آل وصحب، فَرَدَّ الأول للأول
(1)
هذا هو مذهب الخطيب رحمه الله تعالى، فإنه يشترط أنْ يَصْحَب التابعيُّ الصحابيَّ، واشترط بعض العلماء مع اللقاء الرواية عن الصحابي، وإن لم يَصْحَبْه، والأكثرون على خلاف ذلك، فإنهم يكتفون باللقاء، ولذا قال العراقيُّ في "ألفيته":
والتابِعُ اللاقي لمن قَدْ صَحِبا
…
وللخطيب حَدُّه أن يَصْحَبَا
قال السخاوي في شرحه في تعريف التابعي: هو (اللاقي لمن قد صحبا) النبي صلى الله عليه وسلم، واحدًا فأكثر، سواء كانت الرؤية من الصحابي نفسه، حيث كان التابعيُّ أعمى أو بالعكس، أو كانا جميعًا كذلك؛ لصدق أنهما تلاقيا، وساء كان مميِّزًا أم لا، سمع منه أم لا. انظر: فتح المغيث: 4/ 145، وما بعده.
(2)
هذا على لغة أهل الحجاز في تأنيث الطريق، ولغة أهل نجد تذكيره، وبه جاء القرآن في قوله تعالى:{فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا} . انظر: المصباح: 2/ 18.
(3)
ويُسمى في علم البديع: الطيَّ والنَّشر، وهو إما أن يكون النشر على ترتيب الطي، كقوله تعالى:{وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ} ، فقد جمع بين الليل والنهار، ثم ذكر السكونَ لليل، وابتغاءَ الرزق للنهار على الترتيب. وإما أن يكون النَّشْر على خلاف ترتيب الطَيِّ، كقول الماتن، وكقوله =
والثاني للثاني، وهما طريقان للعرب جائزان.
(وبعد: فأولى
(1)
ما تَهُمُّ به الهِمَم العوالي، وتُصْرَف فيه الأيامُ والليالي - تَعَلُّمُ المعالمِ الدينية، والكشفُ عن حقائق الملة الحنيفية، والغَوْصُ
(2)
في تَيَّار بحار مُشْكِلاته، والفَحْصُ عن أستار أسرار مُعْضِلاته).
بَعْدُ: بضم الدال على الصحيح - مقطوعٌ عن الإضافة، أي: بَعْدَما سَبَق من التقديس والتنزيه، والحمدِ والصلاة، والعاملُ فيه فِعْلٌ مُقَدَّرٌ تقديره: أقول، وهو معطوف بالواو على: نَحْمَد ونُصَلِّي، وبَعْدَه فعلٌ آخر مُقَدَّرٌ تقديره: تَنَبَّه، هو معمول القول؛ لأجله دخلت الفاءُ على أولى، وفي الفاء فائدةٌ أخرى، وهي رَفْعُ تَوَهُّمِ إضافة "بعد" إلى أوْلى. وقوله:"تَهُمُّ" بضم الهاء، يُقال: هَمَّ بالأمر يَهُمُّ هَمًّا، أي: أراده. فأما بكسر الهاء فهو من الهميم: وهو الدبيب. والهِمَمُ جَمْع هِمَّة وهي الواحدة
(3)
، تقول: هَمَّة مثل: جَلْسة بالفتح للمرة، وبالكسر للهيأة، والجمع لِهًا
(4)
. وإسناد الفِعْل للهِمَم
= تعالى: {فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ} . ذكر ابتغاءَ الفضل للثاني، وعِلْمَ الحساب للأول، على خلاف الترتيب، انظر:"جواهر البلاغة" للهاشمي: 376.
(1)
في (ص)، و (ك):"فإن أولى".
(2)
في (ص)، و (ك):"والخوض".
(3)
انظر ما سبق في، لسان العرب: 12/ 610، القاموس المحيط: 4/ 192، المصباح المنير: 2/ 315.
(4)
أي: جمع هَمَّة، هو همَم التي على وزن لِهًا؛ لأن فِعْلة تُجمع على فِعَل، ولِهًا على وزن فِعَل، فأراد "بلِهًا" الوزن التصريفي لِهمَم.
وهو في الحقيقة لفاعلها من باب قوله: شِعْرٌ شاعر. والمعالم جَمْع مَعْلَم: وهو ما جُعِل علامةً للطرق والحدود، مثل: أعلام الحرم، ومعالمه المضروبة عليه، ويقال المَعْلم: الأثر
(1)
، وهو راجع إلى معنى العلامة، ولا
(2)
خلاف في المعنى.
و"المعالم
(3)
الدينية": الأدلة الشرعية، وكلُّ ما يَهْدي إليها، وتَعَلُّمُها: تَعَرُّفُها.
و"الملة الحنيفية": هذه الملة. قال صلى الله عليه وسلم: "بعثت بالحنيفية "السهلة السمحة)
(4)
"
(5)
، وسُمِّيت حنيفية؛ لأنها على ملة إبراهيم، والحَنِيف
(6)
عند العرب: مَنْ كان على دين إبراهيم عليه السلام. وسُمِّي إبراهيم عليه
(1)
انظر، لسان العرب: 12/ 419.
(2)
في (ت): فلا.
(3)
في (ت): "فالمعالم".
(4)
في (ت): "السمحة السهلة".
(5)
أخرجه الخطيب في تاريخ بغداد: 7/ 209، في ترجمة جعفر بن أحمد العطار، من حديث جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"بعثت بالحنيفية السمحة - أو السهلة - ومن خالف سنتي فليس مني". وضعفه الألباني رحمه الله في ضعيف الجامع الصغير: 2/ 10، رقم الحديث:2335. قال المناوي في فيض القدير: 3/ 203: "وفيه علي بن عمر الحربي أورده الذهبي في "الضعفاء"، وقال: صدوق ضعَّفه البَرْقاني. ومسلم بن عبد ربه ضعَّفه الأزدي. ومن ثَمَّ أطلق الحافظ العراقي ضعفَ سنده. وقال العلائي: مسلم ضعفه الأزدي، ولم أجد أحدًا وثَّقه، لكن له طرق ثلاث ليس يبعد أن لا ينزل بسببها عن درجة الحسن".
(6)
في (ص)، و (ك):"والحنيفية".
السلام حنيفًا؛ لميله عن دين الصابئة: وهم عباد الكواكب، وسُمِّي أتباعه حنفاء لذلك؛ ولميلهم عن اليهودية والنصرانية
(1)
، قال تعالى:{مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا}
(2)
.
والملة: الدين
(3)
. والدليل على أنَّ هذه الملةَ ملةُ إبراهيم قولُه تعالى: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ}
(4)
.
وادعى بعض العلماء أنها موافقةٌ لها في الأصول والفروع، والمشهور أنها موافقةٌ لها في الأصول فقط، وعلى هذا لا اختصاص لملة إبراهيم بذلك؛ لأنَّ دين الأنبياء كلّهم واحدٌ في الأصول، وإنما اختلفت الشرائع في الفروع، ويكون تسمية هذه الملةِ حنيفيةً؛ لمخالفتها ما كان عليه أهل الشرك واليهود والنصارى، كمخالفة إبراهيم مَنْ كان في زمانه من الكفار وهم الصابئة، واتِّبَاعُه دينَ الأنبياء قبله وبعده وهو الإسلام، وحقائقها على هذا
(5)
أصول الدين.
ولا تَشْمل أصولَ الفقه الذي تَصَدَّى له، والمعالم الدينية شاملةٌ له
(6)
،
(1)
انظر، لسان العرب: 9/ 57، وفيه: حَنَف عن الشيء وتَحَنَّف: مال. ومعنى الحنيفية في اللغة: الميل، والمعنى أنَّ إبراهيم حَنَف إلى دين الله ودين الإسلام. اهـ. باختصار.
(2)
سورة آل عمران: 67.
(3)
والجمع مِلَل مثل سِدْرة وسِدَر. انظر، المصباح: 2/ 246.
(4)
سورة النحل: 123.
(5)
أي: على المشهور، من أن موافقة هذه الملة لملة إبراهيم عليه الصلاة والسلام في الأصول فقط.
(6)
أي: لأصول الفقه.
وإنْ جعلنا اسم الملة شاملًا للأصول والفروع فكلا الأمرين - أعني: المعالم الدينية وحقائقَ الملة - شاملٌ للأصول والفروع؛ فيندرج فيه
(1)
أصولُ الفقه الذي تَصَدَّى له، وهو أحسن
(2)
؛ لتكون مناسبته للتصنيف الذي تصدى له أكثر، ويشهد له قوله صلى الله عليه وسلم:"بعثت بالحنيفية السمحة" فإنه يشير إلى الأصول والفروع جميعًا، ولا يلزم من ذلك موافقتها
(3)
لشريعة إبراهيم في جميع الأشياء، بل لموافقتها في
(4)
الأصول
(5)
سُمِّيت بذلك.
وحقائقها على هذا: جميعُ أحكامها ومعانيها وأسرارها.
والضمير في مشكلاته ومعضلاته عائدٌ على الكشف؛ لأن الإشكال والإعضال فيه لا فيها، فإنها بَيِّنَةٌ جَلِيَّةٌ بيضاءُ نقيةٌ، إذا ارتفع الحجاب عن الناظر رآها.
ولا خفاء بحسن استعاراته، وترشيحها في الغوص في تيار البحار، والفحص عن أستار الأسرار، وكم مِنْ بحر لا يُدْرك له قرار، وسرْ تتعب
(6)
في أبكاره الأفكار.
(1)
أي: في اسم الملة.
(2)
أي: جَعْلُنا اسمَ الملة شاملًا للأصول والفروع أحسن.
(3)
في (ك): "توافقها".
(4)
سقطت من (ص).
(5)
في (ك): "للأصول".
(6)
في (ك)"تعبت".
(وإن كتابنا هذا منهاج الوصول إلى علم الأصول، الجامع بين المعقول والمشروع
(1)
، والمتوسط بين الأصول والفروع).
المنهاج: الطريق، جُعِل عَلَمًا على
(2)
هذا الكتاب.
والوصول إلى الشيء إنما يكون عند انتهاء طريقه، فقوله:"منهاج الوصول" معناه: الطريق التى يُتَوصل فيها إلى الوصول إلى علم الأصول، كما تقول
(3)
: طريق مكة، أي: المُتَوَصَّل فيها إلى مكة، فليس الوصول فيه ولكنه غايته
(4)
.
وقوله: "منهاج" خبر "إنَّ"، ويجوز إطلاق ذلك على هذا الكتاب بمعناه الأصلي غيرِ عَلَمٍ؛ لأن الاشتغال به مُوَصِّلٌ
(5)
إلى ذلك.
وقوله: "الجامع": مخفوضٌ صفةً لعلم الأصول، ولا خفاء في جمعه بين المعقول والمشروع، فإنه
(6)
نَتَج مِن نِكَاح نُورِ الشرع لصافي بناتِ الفكر، فجاء عريقَ الأصالة، شديدَ البسالة.
وتوسطه بين الأصول أي: أصول الدين والفروع؛
(1)
سقطت الواو من (ت).
(2)
في (ت): "في".
(3)
في (ك): "يقولون".
(4)
أي: ولكن الوصول غاية الطريق.
(5)
في (ص): "يوصل".
(6)
في (ت): "وأنه".
ولهذا
(1)
(2)
يستمد من الأول، ويُمِدُّ الثاني.
(وهو وإنْ صَغُر حجمه، كَبُر علمه، وكثرت فوائده، وجَلَّت عوائده).
وقوله: "وهو"، يعني: هذا الكتاب.
وصَغُر، بضم الغين، وكذلك كَبُر بضم الباء؛ لأنَّه بمعنى عظُم، وأصل كبر بضم الباء لكِبَر الجُثَّة، ثم استعمل في كِبَر المعنى، وأما كِبَر السن فلا يُقال فيه إلا كَبِر بكسر الباء
(3)
، وراعى المطابقة بين صَغُر وكَبُر لتضادهما، واجتمعا لرجوع الصغر إلى الجُثَّة والكِبَر إلى المعنى
(4)
.
والعوائد: جمع عائدة، وهي العطف والمنفعة، يقال: هذا أَعْوَدُ عليك مِنْ كذا، أي: أنفع، وفلانٌ ذو عائدة، أي: تَعَطُّفٍ ونفع.
وإنَّ هذا الكتاب لكَمَا وصف.
(جمعته رجاءً أن يكون سببًا لرشاد المستفيدين، ونجاتي يوم الدين، والله تعالى حقيقٌ بتحقيق رجاء الراجين).
حَقَّق الله رجاءه، وقوله:"حقيقٌ بتحقيق" أي: خليقٌ له وجدير،
(1)
في (ك): "وبهذا".
(2)
في (ص): "وهذا". وهو خطأ.
(3)
انظر، المصباح المنير، مادة (صغر): 1/ 365، ومادة (كبر): 2/ 182.
(4)
أي: وصف البيضاوي كتابه بالصِّغر والكِبَر وهما معنيان متنافيان؛ لكونه أراد بالصِّغر الجُثَّة، أي: الحجم الحسي للكتاب، وبالكبر المعنى، فهو مع صِغَر مبناه، كبيرٌ معناه.
وحَرِيٌّ، وحَرَى، وحَرٍ، كل ذلك بمعنى واحد
(1)
.
وقصد المصنف التجانس
(2)
بين حقيق وتحقيق
(3)
، وإطلاق ذلك على الله ينبني
(4)
على أنّ الأسماء توقيفية أوْ لا.
(أصول الفقه: معرفةُ دلائل الفقه إجمالًا، وكيفيةُ الاستفادة منها، وحالُ المستفيد). هذه العبارة بعينها عبارة تاج الدين الأُرْمَوِيِّ في "الحاصل"
(5)
.
ولْنُقَدِّم مقدمة: وهي أنَّه ينبغي أن يُذكر في ابتداء كلّ علم حقيقةُ ذلك العلم؛ ليتصورها الذي يريد الاشتغال به قبل الخوض فيه، فَمَنْ عَرَف ما يطلب هان عليه ما يبذل، فلا جرم
(6)
احتاج إلى تعريف
(1)
في لسان العرب: 10/ 51: وهو حقيقٌ به، ومحقوق به، أي: خليقٌ له، والجمع أحِقَّاء، ومحقوقون. وفيه أيضًا: 10/ 91: وفلان خليق لكذا، أي: جديرٌ به، وأنت خليقٌ بذلك، أي: جدير. . . ويقال: إنه لخليق: أي: حَرِيٌّ، يقال ذلك للشيء الذي قد قرب أن يقع، وصح عند مَنْ سمع بوقوعه كونه وتحقيقه. وفيه أيضًا: 14/ 173: والحَرَى: الخليق. . . يقال: فلانٌ حَرِيٌّ بكذا، وحَرَىً بكذا، وحَرٍ بكذا، وبالحَرَى أن يكون كذا، أي: جديرٌ وخليق.
(2)
الجناس: هو تشابه اللفظين في النطق لا في المعنى. انظر، حسن الصياغة:157.
(3)
وهو جناس ناقص؛ لأنَّ "تحقيق" يزيد على "حقيق" بحرف التاء. والجناس التام: ما اتفقت حروفه في الهيئة والنوع والعدد والترتيب. مثل قوله تعالى: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ} . انظر، حسن الصياغة: 158 - 159، جواهر البلاغة:397.
(4)
في (ص): "ينبئ". وهو خطأ.
(5)
انظر، الحاصل: 1/ 230.
(6)
في اللسان: 12/ 93: "ولا جرم، أي: لا بد ولا محالة، وقيل: معناه حقًا".
أصول الفقه في أوله.
وها هنا خمسة أشياء:
أحدها: لفظ أصول الفقه قبل أن يُسَمَّى به هذا العلم مركبٌ من مضاف ومضاف إليه. والثاني: هذا اللفظ بعد أن سُمِّي به فإنه صار (اسمًا لهذا العلم)
(1)
، وكلٌّ من المضاف والمضاف إليه بهذا الاعتبار صار كالزاي والدال من زيدٍ، لا معنى له، وكلُّ مركب سُمِّي به معنىً فقد يتطابق معناه حالَ التركيب وحال التسمية، كعبد الله مُسَمَّى به رجلٌ، فهو صادق عليه بالاعتبارين، وقد لا يتطابقان كأنفِ الناقة مسمى به رجل.
ولفظ أصول الفقه مما تطابق فيه معناه حال التركيب، ومعناه حال التسمية من بعض الوجوه، كما سنبينه.
الثالث: معنى أصول الفقه قبل التسمية.
الرابع: معنى أصول الفقه بعد التسمية، مع قطع النظر عن أجزاء اللفظ المُطْلَق عليه.
الخامس: معناه بعد التسمية مع الالتفات إلى أجزاء اللفظ المُطْلَق عليه؛ لأنَّ اللفظ يدل عليه باعتبارين كما قدمناه، فإذا أُخِذ المعنى بأحد الاعتبارَيْن كان مغايرًا له بالاعتبار الآخر، فيصدق على المعنى المذكور أنَّه إضافي لقبي باعتبارَيْن، لكن صِدْق اللفظ عليه بالإضافة إنما هو بطريق المجاز؛ لأنّه أخصُّ من معناه الحقيقي، . . . والحد إنما هو للمعنى
(1)
في (ص): "اسما للعلم".
دون اللفظ، فالمقصود بيان المعاني الثلاثة، ويُعَبَّر عن المعنى الأول بالإضافي؛ لأنَّ المعنى مُرَكَّب من مضاف ومضاف إليه في الذهن، كما أن لفظه كذلك في النطق. ويُعَبَّر عن المعنى الثاني باللقبي باعتبار أنَّه مُلَقَّب بهذا الاسم، فإن اللفظ المركب جعل اسمًا عليه، ولقبًا له، وعلمًا كسائر أعلام الأجناس، أو أسماء الأجناس.
فإنَّ عَلَم الجنس: هو الذي يقصد به تمييز الجنس من غيره، من غير نظر إلى أفراده. واسم الجنس: الذي يُقصد به مُسَمَّى الجنس باعتبار وقوعه على أفراده. حتى إذا دخلت عليه الألف واللام الجنسية الدالة على الحقيقة ساوى عَلَم الجنس
(1)
.
هذا هو الذي نختاره في الفرق بين اسم الجنس وعَلَم الجنس.
ويستنتج
(2)
منه أنّ علم الجنس لا يُثَنّى ولا يجمع؛ لأنّه إنما يُثَنَّى ويُجْمع الأفراد
(3)
، وجَعْلُه اسمَ جنسٍ أولى من جَعْلِه عَلَمَ جنس؛ لأنّه لو كان علمًا لما دخلت عليه الألف واللام، وكذلك سائر أسماء العلوم من
(4)
(1)
يعني: إذا دخلت الألف واللام الجنسية على اسم الجنس ساوى عَلَمَ الجنس، أي: أصبح اسمُ الجنس يدل على الماهية والحقيقة فقط، وانقطعت دلالته على الأفراد، كمثل علم الجنس.
(2)
في (ك): "ونستنتج".
(3)
لأنَّ عَلَم الجنس يدل على الحقيقة والماهية، وهي واحدة لا تقبل التعدد، فلا تُثَنَّى ولا تجمع، وانظر، آداب البحث والمناظرة: 1/ 19.
(4)
سقطت من (ت).
فقهٍ ونحوٍ وغير ذلك
(1)
.
ويُعَبَّر عن المعنى الثالث بالإضافي (أيضًا بأحد)
(2)
الاعتبارين
(3)
، كما سبق.
إذا عرفتَ هذه المقدِّمة فها هنا ثلاثة مباحث:
(أحدها): في تعريف معنى أصول الفقه التركيبي قبل التسمية، ولا بد في ذلك من تعريف المضاف، والمضاف إليه، والإضافة؛ لأنّ العلم بالمركب يتوقف على العلم بالمفرد.
ونبدأ في ذلك بتعريف المضاف، وليس كما توهمه
(4)
بعض الناس من أنَّه ينبغي البَداءة
(5)
بالمضاف إليه، محتجًا بأن المضاف يَتَعَرَّف بتعريف المضاف إليه؛ لأنا نقول التعريف تعريفان
(6)
:
(1)
يعني: جَعْلُ أصول الفقه اسمَ جنس أولى من جعله عَلَم جنس؛ لأنه لو كان عَلَم جنس لما صح دخول الألف واللام عليه؛ لأنَّ عَلَم الجنس معرفة، فلا يصح دخولها عليه، وكذلك سائر أسماء العلوم كلُّها أسماءُ أجناسٍ لا أعلامُ أجناس، ولذلك صح دخول الألف واللام عليها، فنقول: التفسير، الفقه، النحو، وغير ذلك.
(2)
سقطت من (ص).
(3)
وهو اعتبار ما قبل التسمية؛ لأنَّ الإضافة قبل التسمية، وأما بعد التسمية فليس هناك إضافة.
(4)
في (ص): "توهم".
(5)
بفتح الباء وضمها. انظر: لسان العرب: 1/ 26 - 27، القاموس المحيط: 1/ 8، مادة (بدأ).
(6)
سقطت من (ص).
تعريف يُقَابل
(1)
التنكير، وهو الذي يكتسبه المضاف من المضاف إليه.
وتعريف يقابل الجهل، وهو المقصود هنا، وهذا لا يكتسبه المضاف من المضاف إليه.
فنقول: الأصول جمع، وتعريفه
(2)
بتعريف مُفْردِه، والأصل ما يتفرع عنه غيرُه.
وهذه العبارة أحسن من قول أبي الحسين
(3)
: ما ينبني عليه غيره
(4)
؛ لأنَّه لا يقال: إن الولد ينبني على الوالد، و
(5)
يقال: إنه فَرْعُه.
وأحسن مِنْ قول صاحب "الحاصل": ما مِنْه الشيء
(6)
؛ لاشتراك "مِنْ" بين الابتداء والتبعيض
(7)
.
(1)
في (ص): "مقابل".
(2)
في (ص)، و (ك):"وتعرفه".
(3)
هو أبو الحسين محمد بن علي بن الطَّيِّب البصري، شيخ المعتزلة، وصاحب التصانيف الكلاميَّة. كان فصيحًا بليغًا، يتوقد ذكاءً وله اطّلاع كبير. من مصنفاته:"المعتمد في أصول الفقه" من أجود الكتب، "تَصَفُّح الأدلة". توفي ببغداد سنة 436 هـ.
انظر، سير: 17/ 587، تاريخ بغداد: 3/ 100، وفيات: 4/ 271.
(4)
انظر: المعتمد: 1/ 5.
(5)
سقطت الواو من (ت).
(6)
انظر الحاصل: 1/ 228.
(7)
واستعمال المشترك في التعريفات قبيح.
وأحسن من قول الإمام: المحتاج إليه
(1)
؛ لأنّه إنْ
(2)
أريد بالاحتياج ما يُعْرف في علم الكلام من: احتياج الأثر إلى المؤثر، والموجود إلى الموجِد - لَزِم إطلاقُ الأصل على الله تعالى، وإنْ أُريد: ما يَتَوَقَّفُ عليه الشيء - لَزِم إطلاقُه على الجزء والشرط وانتفاء المانع
(3)
.
وإن أُريد: ما يَفْهمه أهلُ العُرْف من الاحتياج - لَزِم إطلاقُه على الأكل واللبس ونحوهما
(4)
.
وكل هذه اللوازم مستنكرة، وكل هذه التعريفات للأصل بحسب اللغة، وإن كان أهلُ اللغة لم يذكروها في كتبهم، وهو مما
(5)
نبهنا على أنَّ الأصوليين يتعرضون لأشياء لم يتعرض لها أهل اللغة
(6)
.
وأما في العُرْف: فالأصل مستعمل في ذلك، ولم يترك أهل العرف الاستعمال في ذلك، لكن العلماء يطلقونه مع ذلك على شيئين أخَصَّ منه.
أحدهما: الدليل.
(1)
انظر، المحصول: 1/ ق 1/ 91.
(2)
سقطت من (ت).
(3)
لأن الشرط يتوقف عليه المشروط، والجزء يتوقف عليه الكل، وانتفاء المانع يتوقف عليه الشيء.
(4)
في (ت): "ونحوها".
(5)
في (ت): "ما".
(6)
الأصل في اللغة: أسفل كل شيء، وجمعه أصول. انظر، لسان العرب: 11/ 16، القاموس المحيط: 3/ 328، المصباح المنير: 1/ 20.
والثاني: المحقَّق الذي يُشَك في ارتفاعه؛ لتفرع المدلول عن
(1)
الدليل، والاستصحاب عن
(2)
اليقين السابق
(3)
.
والفقه تعريفه سيأتي في كلام المصنف.
والإضافة تفيد الاختصاص، فإنْ كان المضاف اسمًا جامدًا أفادت مطلق الاختصاص، كحَجَر زيد
(4)
، وإضافة الأعلام إذا وقعت من هذا القبيل، كقول الشاعر:
علا زيدُنا يوم النَّقَا رأسَ زَيْدِكمْ
(5)
وإن كان المضاف اسمًا مشتقًا - أفادت الإضافة اختصاصَ المضاف بالمضاف إليه في المعنى المشتق منه، كغلام زيد، تفيد اختصاص الغلام بزيد في معنى الغلامية
(6)
(وكاتب الملك: تفيد اختصاصه بالمَلِك في الكتابة،
(1)
في (ص)، و (ك):"على".
(2)
في (ص): "على".
(3)
فوجه العلاقة بين المعنى اللغوي للأصل، وهذين المعنيين عند العلماء: أنّ الدليل يتفرع عنه المدلول، واليقين السابق يتفرع عنه الاستصحاب.
(4)
فحَجَر اسمٌ جامدٌ غيرُ مشتق، فليس هو اسم فاعل، ولا اسم مفعول، ولا صفة مشبهة، ولا غيرها من المشتقات، وإضافة الجامد إلى المعرفة تفيد الاختصاص، أي: هذا حَجَرٌ مختصٌّ بزيد.
(5)
فقوله: زيدنا، عَلَم مضاف إلى معرفة فأفاد الاختصاص؛ لأنّ العلم من الأسماء الجامدة غير المشتقة. وكذا قوله: زيدكم. وهذا صَدْرُ بيت عَجْزه: بِأَبْيَضَ مَاضِي الشِّفرَتَيْن يَمَانِ. وقائله رجل من طيء، كما في تعليق الشيخ محمد محيي الدين علي ابن عقيل: 1/ 128.
(6)
في (ت)، و (ك):"الغلمانية".
وإضافة الأصول إلى الفقه مِنْ هذا القبيل تُفيد اختصاصَ الأصولِ بالفقه)
(1)
في معنى لفظة "الأصول"، وهو كون الفقه متفرعًا عنه
(2)
. وظَهَر بهذا أن أصول الفقه بالمعنى التركيبي: ما يتَفَرَّع عنه الفقه.
والفقه كما يتفرع عن دليله، يتفرع عن العلم بدليله، فيسمى كلٌّ منهما أصلًا للفقه، ولا فَرْقَ في الأدلة في هذا المقام بين الإجمالية والتفصيلية، فإن
(3)
كلًا منهما يتفرع الفقه عنه، وعن العلم به
(4)
.
فصار أصول الفقه بالمعنى التركيبي يشمل أربعةَ أشياء:
الأدلة الإجمالية، وعِلْمُها، والأدلة التفصيلية، وعلمها.
وهذا ليس هو المُصْطَلح عليه
(5)
، ولا يصح تعريف هذا العلم بمدلول أصول الفقه الإضافي؛ لأنَّه أعم منه، إلا إذا أخِذ بعد التسمية كما سيأتي
(6)
.
(1)
في (ص): "وكانت الملك تفيد اختصاص الأصول بالفقه". وهذا تحريف وسقط.
(2)
فإضافة الأصول إلى الفقه تفيد التعريف؛ لأنها إضافة نكرة إلى معرفة، وتفيد الاختصاص في المعنى المشتق منه لفظة الأصول.
(3)
في (ت): "وأن"، وفي (ص):"بأن".
(4)
سقطت من (ت).
(5)
سقطت من (ص).
(6)
انظر: تعريف الأصول بمعناه الإضافي في: المحصول 1/ ق 1/ 91، شرح الكوكب: 1/ 38، نهاية الوصول في دراية الأصول: 1/ 15، نهاية السول: 1/ 7، التحصيل من المحصول: 1/ 167، تيسير التحرير: 1/ 10.